«أهدي كتابي للفلسطينيين من ضحايا التطهير العرقي الذي كان أحد الأسس التي أقيم عليها الكيان الإسرائيلي الصهيوني»، هكذا يفتتح المؤرخ اليهودي الإسرائيلي «إيلان بابي» كتابه الموسوم ب»التطهير العرقي في فلسطين». وعن دوافع التأليف قال: «لقد لازمتني معاناتهم وآلمني ألمهم ولن أشعر بانطواء هذا الفصل من النكبة إلا إذا عادوا إلى أرضهم، فهذه هي النهاية التي أرجوها، والتي تتيح لنا جميعا العيش بسلام في فلسطين». وتتمحور الفكرة المركزية لهذا الكتاب، الذي يتألف من 12 فصلا، حول عمليات التطهير الصهيوني للمواطنين الفلسطينيين طيلة سبعين سنة. ولعل المثير في هذا الكتاب هو اعتراف صاحبه أن هذا التطهير كان مخططا له مسبقا وبطريقة واعية عبر شبكة مترابطة وتنظيم محكم وأوامر صارمة وواضحة، تنطلق كلها من توجيهات الحركة الصهيونية وممارساتها الوحشية. كما يفضح الكتاب بالوثائق دور الحركة الصهيونية وعنصريتها ووظيفتها وتحالفاتها، مما يمكن اعتباره موقفا صريحا ضد الحركة الصهيونية والإمبريالية الأمريكية وكل أشكال العنصرية والاضطهاد. ورغم التعبير عن هذا الموقف الصريح، إلا أنه لا يتخذ موقفا مماثلا تجاه وظيفة الدولة العبرية، حتى وإن كان يشير إلى أن مبرر وجودها مرتبط بخدمة النظام الرأسمالي. أما ما يرتبط بجريمة «التطهير العرقي»، فهو يكشف أنه يمثل بندا من بنود خطة إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين على أرضهم، وأن ما دبر له كان إبادة الشعب الفلسطيني كافة. في هذا السياق، يركز المؤرخ الإسرائيلي على شخصية ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس وزراء في إسرائيل بعد احتلال عصابات الإرغون والهاغانا أرض فلسطين سنة 1948. إذ يصفه ب»مهندس التطهير العرقي»، الذي أشرف على الخطة المعروفة باسم «داليت» التي نفذتها الوحدات العسكرية الإسرائيلية، ونتج عنها طرد نحو 800 ألف فلسطيني قسريا في فترة عامين فقط. في سياق آخر من الكتاب، يؤكد «بابي» أن الرواية الإسرائيلية المعروفة عن حرب 48 «مغايرة للواقع». إذ يلفت النظر إلى أن الفلسطينيين لم يهربوا طوعا من أرضهم، بل كان ذلك جزءا من خطة التهجير التي وضعها الكيان الصهيوني، مشيرا إلى الاجتماع الذي جمع بن غوريون بعشرة من القادة في تل أبيب تم خلاله الاتفاق على الإجراءات النهائية لعمليات التهجير. ويتناول الكتاب، أيضا، عمليات التدمير التي قامت بها إسرائيل لعدة قرى فلسطينية كاملة وطرد سكانها. وتطرق المؤرخ الإسرائيلي في كتابه، كذلك، إلى الأساليب التي اعتمدت عليها إسرائيل في تنفيذ خطتها «التطهيرية»، والتي كان من بينها قصف القرى والمدن وحرق المنازل والمزارع وزرع الألغام في الأنقاض لمنع أصحاب المساكن من العودة لها إذا أرادوا ذلك، وأن ذلك تم فقط، في فترة ستة أشهر، حيث دمرت نتيجة لذلك 531 قرية وأخلى 11 حيا سكنيا، فيما هجّر 800 ألف فلسطيني. ويصف (بابي) ما ارتُكِب في حق الفلسطينيين أثناء عملية التطهير بأنها «جرائم ضد الإنسانية». يذكر أن «إيلان بابي» يعمل محاضرا في العلوم السياسية بجامعة حيفا، كما يدير جمعية غفعات حبيبا للسلام، وينتمي إلى مجموعة المؤرخين الذين يطلق عليهم: «المؤرخون الجدد» الذين تمكنوا من الاضطلاع على الوثائق الإسرائيلية الرسمية المتحفظ عليها، حيث أتيحت لهم فرص للبحث والخروج بنتائج جديدة.