في جلسة بوح، نظمتها صحيفة «ليكونوميست»، أول أمس، كشف وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، مواقفه من قضايا مثيرة للجدل في مسودة القانون الجنائي، فهو مع الإبقاء على الإعدام، بل وتنفيذه في بعض الحالات، كالعمليات الإرهابية واغتصاب الأطفال وقتلهم، ويعتبر أن إباحة الجنس خارج مؤسسة الزواج معناه سقوط الحكومة، لأن حكومة بدون مبدأ، مصيرها السقوط. وزير العدل في مهمة رئيسية: أن يوفر الحماية القانونية للدين الإسلامي، فقد توقف كثيرا عند ملاحظات يوجهها محامون يناصرون الحريات الفردية، حول ما تنطوي عليه جريمة ازدراء الأديان بالضبط من رجعية. وكما يقول، فإن «ازدراء الأديان كان الجريمة الوحيدة التي حرصت على أن تضاف إلى مسودة القانون الجنائي ولدي مبرر معقول لذلك: إن المغرب حريص على تطويق مشاعر الكراهية في المجتمع، ومن المفروض أن يضع كل الآليات لمحاصرة شرورها، وبقدر ما إن المقاربة الأمنية ناجعة على هذا المستوى، إلا أن ما يتعين عمله هو أن تُسند بمقاربات أخرى، وهنا كانت فكرة جريمة ازدراء الأديان. لن أترك الباب مشرعا للمساس بالدين الإسلامي، حتى وإن كان البعض يعتقده شيئا قابلا للنقاش، لأني أتمسك باعتباره شيئا مقدسا، وفي هذه النقطة بالضبط، حرصت على تجريم السب والقذف في حق الذات الإلهية والأنبياء والرسل». ويطرح الرميد مشكلة تتعلق بالكاريكاتور لتوضيح ما تعنيه هذه القضية: «تُنشر بعض الرسوم الكاريكاتورية وهي تنطوي على إساءة مفضوحة لله ولرسله.. إن لم يكن لدينا قانون يجرم مثل هذه الأعمال، فإننا نطلق أيدي الأشخاص غير المناسبين لمعاقبة الذين يرتكبونها. سنمنح للإرهابيين ببساطة تغطية ملائمة بسبب غياب القانون، وبالنسبة إلي، لا أريد البتة أن أمنحهم تبريرا يستعملونه لارتكاب أعمال إرهابية، ولذلك قررت أن تكون هذه المادة المتعلقة بازدراء الأديان». ويوضح وزير العدل كيف وجد نفسه مكبلا بعدم وجود نص قانوني حينما برزت قضية الرسوم المسيئة للنبي في صحف تصدر بالدانمارك: «كنا مستائين مما حدث، لكن كيف يمكننا مثلا أن نطلب من الدانمارك أن تمنع نشر رسوم مسيئة للأنبياء بينما نحن في المغرب لا نملك قانونا يفعل ذلك! «. وفي كل الأحوال، يتمسك الرميد بأن هذه المادة لم توضع كي تؤسس لحدود معينة على حرية التعبير، ويقول: «يمكنني أن أوضح بأن ازدراء الأديان لا يستهدف تجريم حرية التعبير حينما تكون مقترنة بمناقشة موضوعية أينما وصلت خلاصاتها سواء بعيدا أو قريبا، وبالنسبة إلي، لا يمكن أن يكون التعبير عن رأي موضوعا للعقاب». وحتى حينما طُرحت قضية كيفية ازدراء الأديان بواسطة السب والقذف، فإن وزير العدل يرغب في أن يوضح أمرا أساسيا: «عندما نحدد سب الذات الإلهية كجريمة، فإننا لا نقصد السب الجاري في الأزقة، ذلك سب سائر بين الناس، ويُطوى تأثيره بسرعة، لن نقود الناس إلى المحاكم فقط، لأنهم سبوا الله في الشارع في لحظة انفعال.. إنما السب الذي نقصده هو ذلك المرتبط باستفزاز مشاعر الناس عامة». أحمد عصيد، وهو مدافع شرس عن الحريات الفردية، أعاب وجود «صيغ لغوية خطيرة في مسودة القانون كالتشكيك في الدولة»، وقال: «مثل هذه الصيغ ستسمح بملاحقة كافة المعارضين للدولة والسلطة، وسأكون أنا نفسي ملاحقا، ثم إن عبارة سب الله تنطوي على استعداد لمواجهة الكتاب والأدباء وحظر القلق الإنساني الذي ينتابهم.. إنكم باستعمال أغلبيتكم، تريدون مؤمنين متساوين في الإيمان، وترغبون في محاسبة الناس استنادا إلى مرجعيتكم الخاصة بشأن ثنائية الخير والشر؛ إنكم بشكل ملخص تؤسسون لرقابة بوليسية». لكن كل ما يجده عصيد مشكلة في المسودة، يراه الرميد مجرد أحكام قيمة غير واقعية، ويقول: «موقفي غير محدد بثنائية الأغلبية والأقلية، وإلا كنت طرحت هذا النص كمشروع قانون بدل مسودة، لكن لا تطلب مني أن أرضخ للأقلية لكي تقول عنا بأننا نتقدم، وما تذكره حول ملاحقة المعارضين غير صحيح لأن المادة المعنية موجودة في القانون منذ 1972، وبالرغم من أني مستعد لتعديلها إلا أنني أجدها مادة سليمة، ولو كانت ستُعرّض الناشطين للملاحقة لما تركتها هناك، لأنها ستهددني أنا أيضا، لأني أنتقد الدولة كذلك، وإن كانت طريقتي ليست هدامة كما يفعل البعض.. إننا لا ندفع نحو إكراه الناس في الإيمان؛ هل وجدت شخصا يعلن عن رأي في تقسيم الإرث مثلا ملاحقا من لدن الدولة؟ كلا.. إننا لا نجرم حتى من يقنع شخصا آخر بتغيير دينه أو في أن يُصبح ملحدا، بالطبع دون أن يستغل هشاشتهم الاجتماعية لفعل ذلك».