تحليل إخباري: قمع احتجاجات جيل "زِد" قد يحول الغضب الرقمي إلى كرة ثلج في الشارع                المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يجري آخر حصة تدريبية قبل لقاء إسبانيا    هيئات حقوقية وسياسية تدين اعتقالات في احتجاجات شبابية بعدة مدن مغربية رفعت مطالب اجتماعية    دوري أبطال إفريقيا: نهضة بركان يتأهل للدور الموالي بانتصاره على أسكو دي كار    طنجة.. سائقة تصدم سيدة خمسينية بمنطقة الروكسي وتلوذ بالفرار    انتخاب صلاح الدين عبقري رئيسا جديدا لمنظمة شباب الأصالة والمعاصرة    قيوح يستعرض إنجازات المغرب في الطيران المدني أمام جمعية "إيكاو"    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل للدور الموالي بفوزه على ريال بانغول الغامبي    الاتحاد الوطني لنساء المغرب يتكفل بإيمان ضحية تازة بأمر من الأميرة للا مريم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الانخفاض    انطلاق بيع تذاكر مواجهة المغرب والبحرين بالرباط    أولمبيك الدشيرة يتغلب على ضيفه الكوكب المراكشي    تصويت "البالون دور": هذه هي جنسيات الصحفيين الثلاثة الذين منحوا أصواتهم لحكيمي    إحباط تهريب 12 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    تدشين ملعب بمعايير NBA بالبيضاء    تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي    احتيال محتمل في صفقات الألواح الشمسية من الصين يهدد المغرب بخسائر بمئات ملايين الدراهم    بعد أن قاد تظاهرة في نيويورك لدذعم الشعب الفلسطيني.. واشنطن ستلغي تأشيرة الرئيس الكولومبي لقيامه ب"أفعال تحريضية"    حماس توافق مبدئياً على خطة ترامب لوقف الحرب في غزة مقابل تبادل أسرى وانسحاب تدريجي    تفاصيل التعديلات الجديدة على "القانون 59.24" المتعلق بالتعليم العالي    نقابة المهن الموسيقية ترفض قانون حقوق المؤلف الجديد وتتهم الحكومة بتهميش الفنانين    الأميرة للا مريم تتكفل بإيمان ضحية الاعتداء الشنيع بتازة        بوريطة: الدعم الدولي للمخطط المغربي للحكم الذاتي تعزز بشكل أكبر بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة    بعد رحيل المؤسس بن عيسى .. موسم أصيلة الثقافي يجيب عن سؤال المستقبل    رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس بالجديدة    تصنيف "ستاندرد آند بورز" الائتماني يضع المغرب بنادي الاستثمار العالمي    "الجاز بالرباط".. العاصمة تحتفي بروح الجاز في لقاء موسيقي مغربي- أوروبي    الدورة الثمانون للأمم المتحدة: المغرب يحضر بفاعلية بمواقفه الثابتة من أجل السلم والتنمية وتعزيز مبادرة الحكم الذاتي    "مايكروسوفت" تعلن عن تحديث جديد لتطبيق الصور في نظام "ويندوز 11"    الذكاء الاصطناعي يكشف خبايا رسالة في زجاجة    مهنيو الفلاحة بالصحراء المغربية يرفضون الخضوع إلى الابتزازات الأوروبية    أخنوش يلتقي منظمة التعاون الرقمي    أخنوش يتباحث بنيويورك مع الأمينة العامة لمنظمة التعاون الرقمي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن رفضاً للتطبيع واحتجاجاً على الحرب في غزة    كيوسك السبت | إنتاج قياسي للحبوب والقطيع يتجاوز 32.8 مليون رأس    12 دولة تشكل تحالفا لدعم السلطة الفلسطينية ماليا    إيران تحتج على "الترويكا الأوروبية"    طقس حار في توقعات اليوم السبت بالمغرب        "يونايتد إيرلاينز" توسع رحلاتها المباشرة بين مراكش ونيويورك لفصل الشتاء    مسرح رياض السلطان يفتتح موسمه الثقافي الجديد ببرنامج حافل لشهر اكتوبر        مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وأخيرا وجدنا قاضيا عاقلا
نشر في اليوم 24 يوم 13 - 04 - 2016

بحكمة القضاة وكياسة رجال القانون، أطفأ قاضي بني ملال شرارة الفتنة، وأفرج عن شابين مغربيين عرضا أمامه بتهمة الشذوذ الجنسي، وذلك وسط حملة تضامن في الداخل والخارج مع الشابين اللذين تعرضا لهجوم وحشي من قبل خمسة شباب اقتحموا عليهما حرمة المنزل، وسحلوهما في الشارع العام منددين بمثليتهم، ثم وثقوا الجريمة بالفيديو، ووضعوا الشريط على اليوتيوب لتأكله مواقع الإثارة الجائعة.
القاضي أمامه وقائع واعترافات وقانون يجرم المثلية الجنسية، ومع ذلك اختار أن يستعمل سلطته التقديرية فأفرج عن المتهمين، وحكم عليهما بأربعة أشهر موقوفة التنفيذ، فيما حكم على المعتدين عليهم بستة أشهر للأول وأربعة أشهر للثاني وثلاثة أشهر للثالث، وكلها عقوبات حبسية نافذة مع الغرامة المالية.
ماذا يعني هذا الحكم؟
أولا: هذا معناه أن القاضي اعتبر أن الاعتداء على حرمة الأشخاص في منازلهم وتعذيبهم وتشويههم جريمة أخطر وأفظع من ممارسة شخص الجنس خارج الطبيعة وأحكام الدين الإسلامي، وما تعارف عليه الجمهور، وهذا تطور كبير في الاجتهاد القضائي المغربي الذي كان، إلى وقت قريب، يهتم بالأخلاق بمفهومها الضيق أكثر من اهتمامه بالحقوق الفردية والحريات العامة. فلو لم تكن هناك ضغوط دولية ومحلية، إعلامية وحقوقية، لكان جل القضاة قد اهتموا بمؤخرة المواطن أكثر من حريته، وبجنسه أكثر من حرمته، وربما التمسوا ظروف التخفيف ل«لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الذين سحلوا الشابين، والتمسوا ظروف التشديد للشواذ، لكن الذي حدث الآن هو العكس تماما.
ثانيا: لم يكن أمام القاضي إلا أن يحكم بإدانة الشابين لأن القانون الجنائي في المادة 489 يجرم الممارسة الجنسية الشاذة، ويعاقب عليها من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، لأن القاضي لا يحكم إلا بما وضعه المشرع من قانون، وإلى أن يتغير هذا القانون، فإن العمل القضائي وسلطة الملاءمة لدى النيابة العامة يمكن أن تدبر هذا التوتر الحاصل بين مجتمع محافظ لا يتسامح مع الشذوذ الجنسي إطلاقا، وتنامي نزعة الحريات الفردية لدى النخبة ولدى الرأي العام الخارجي الذي يعتبر أن القانون الجنائي لا دخل له في الممارسات الجنسية الطوعية بين الراشدين (قبل سنوات كان قاضٍ فدرالي كبير في أمريكا على وشك الدخول إلى المحكمة للفصل في نزاع معقد بين إحدى الولايات الأمريكية وقبيلة من الهنود الحمر طعنت في قرار الحكومة المحلية نزع أرضها للمصلحة العامة، فيما يقول الهنود إنه إجراء تمييزي للقضاء على ما تبقى من آثار للهنود في بلاد العم سام، فصاحت سيدة من الهنود الحمر في باب المحكمة موجهة كلامها إلى القاضي: «احكم بالعدل يا سيادة القاضي»، فلما دخل كبير القضاة إلى المحكمة وقبل أن يتلو حكم الهيئة اختار أن يرد على السيدة أولا وقال لها: «نحن يا سيدتي نحكم بالقانون وليس بالعدل، ونأمل أن تصادف أحكامنا العدل وإلا فإن أيدينا مغلولة»).
ثالثا: سجلت الجمعيات الحقوقية نصرا صغيرا في قضية بني ملال، كما في قضية فاس، كما في واقعة انزكان، حيث وجهت أنظار القضاة -وهم عادة شريحة محافظة جدا، بل وبعضهم منغلق جدا ويحاول تطويع نص القانون ليخدم قناعته لا ليخدم الحقيقة وجوهر النص- والنيابة العامة والقضاة والرأي العام إلى أن الاعتداء على الأشخاص وتعذيبهم وتصويرهم والتشهير بهم جناية كبيرة أعظم عند الله وعند القانون وعند البشر العقلاء من شخص زلت قدمه إلى ممارسة جنسية غير طبيعية، مهما كانت شائنة، فهي تتعلق بالشخص وحسابه عند خالقه وليس بيد البشر، مادام لم يجاهر بها أمام الخلق. هذا معناه أن مجتمعنا يتطور، ويخلق صيغا جديدة/قديمة للتعايش مع الدين والعصر، مع القيم والحرية، مع الإسلام والتعددية، مع الجماعة والفرد، مع قانون الأغلبية وحقوق الأقلية.
الشذوذ ليس جديدا على مجتمعنا ولا على مجتمعات أهل الأرض، لكنه ممارسة جنسية عاشت تاريخيا على هامش المجتمع، ولم تتحول إطلاقا إلى المركز، ولم ولن تصير قاعدة حتى في غياب الدولة والقانون الجنائي والقضاة والمطاوعة… واليوم نحن مدعوون إلى الاحتكام إلى العقل وإلى قيم الدين الصافية، وإلى الحفاظ على التعايش وحكم القانون، والانسجام مع العصر الذي نعيش فيه. لا يمكن أن نسمح للأقلية بفرض نزواتها على الأغلبية واستفزازها، ولا يعقل أن يصير الشذوذ قيمة فنية أو أدبية أو جمالية أو فكرية يتباهى بها الإنسان، لأن الميول الجنسية للأفراد مسألة شخصية لا دخل لها بالحياة العامة (إذا ابتليتم فاستتروا)، وفي المقابل، لا يمكن باسم دين الأغلبية أن نطارد الشواذ، وأن نعلقهم على المشانق ونحرقهم في الساحات العامة. أصلا، لا أحد طلب منا ذلك، ففي الإسلام وأحكامه الفقهية فإن جل محرمات الدين متروكة لضمير المسلم وليس للقاضي الجنائي مادامت لا تضر المجتمع، فالصلاة والصيام والحج… وهي من أركان الإسلام، متروكة لضمير الفرد ووجدانه وقناعته، ولا يمكن للقانون الجنائي والشرطة القضائية والمخابرات المدنية والعسكرية أن تتدخل لتلزم مسلما بالصلاة أو الحج أو الصيام… ثم إن أخذ الحق -على فرض أنه حق- باليد معناه أننا خرجنا من الدولة ودخلنا إلى الغابة، خرجنا من القانون ودخلنا إلى الفوضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.