في هذه الحلقة يعود أحرضان إلى تلك الفترة التي طلب منه أن يوقع على وثيقة تطالب بعزل السلطان محمد الخامس، ويقول إنه رفض ذلك بشدة رغم كل الضغوط التي مورست عليه. ترجمة أيوب الريمي
إلى ماذا سيؤدي هذا الضغط الذي تمارسه إدارة الحماية ضد المغاربة؟ كان هذا هو السؤال الذي يشغلني خلال هذه المرحلة التي سيتم فيها استدعائي إلى مكتب المراقب المدني بالخميسات، أنا وقايد منطقة «آيت عفان». الاستدعاء إلى مكتب المراقب العام تم عن طريق القايد علال والقايد لغويزي، وحين دخلت مكتب المراقب العام، طلب مني القايد علال أن أوقع على ورقة تضم لائحة من الأسماء. «ولماذا سأوقع على هذه الورقة»؟ سألت علا، فقال لي إنه بصفتي «قايد» علي أن أوقع عليها، فأجبته بأنني لست «قايد»، وإنما أنا في مرحلة اختبار ومازال أمامي ثلاث سنوات حتى يتم تعييني «قايد» بصفة رسمية. حاول علال إقناعي بأنه بتوقيعي على هذه الوثيقة سأختصر الطريق على نفسي، وسأصبح قايد بصفة رسمية في أقرب وقت، وأن الجميع أمضى على هذه الوثيقة لأن هذه أوامر القيادة العليا للحماية. على الرغم من ذلك، رفضت التوقيع على هذه الوثيقة التي كانت تطالب بعزل السلطان محمد الخامس، وبعد أن عرف القايد علال بأنني لن أوقع على الوثيقة، تدخل رئيس الدائرة الجنرال «بوجول»، الذي قال إن التوقيع عليها لا يعني عصيان السلطان ولا خيانته، وإنما هو من أجل شرعنة مواجهة الصحافة التي تنتقد الإقامة العامة ودولة فرنسا. فأخبرت الجنرال «بوجول» بأنني لم أشعر يوما بأن الصحافة قد أهانتني، كما أن المقيم العام لا يحتاج إلى توقيعي من أجل الدفاع عن نفسه، وأن جمع التوقيعات يعطي صورة عن فرنسا وعن إدارة الحماية التي تعمل على حشد الدعم لفائدة الباشا «الكلاوي». فرد علي الجنرال بوجول بأن فرنسا لا تتخلى عن أصدقاءها وأنها تدعمهم ولا تدعهم يسقطون، كما أنه يجب وضع حد لهذا التمرد الذي يعبر عن نفسه بالقلم ويمكن أن يتحول إلى السلاح، وبعدها طلب مني أن آخذ وقتي للتفكير في مسألة التوقيع. لكنني أكدت للجنرال «بوجول» أنني لن أوقع على هذه الوثيقة في أي وقت، لأنه لا يوجد أي سبب يجعل إدارة الحماية تقف ضد السلطان لصالح الباشا الكلاوي، وأن إدارة الحماية ستحصد الكثير من المشاكل بسبب موقفها هذا. كنت أعلم أن هذه الوثيقة تتوخى تحقيق أهداف أكبر من مجرد إيقاف الصحفيين الذين ينتقدون الحماية، ذلك أنها تستهدف السلطان محمد الخامس، فقال لي «بوجول» إن هذه الوثيقة تستهدف المطالبين بالاستقلال، فأجبته بأن الاستقلال يعني التحرر، وأنا أفضل أن تقطع يدي على أن أوقع على وثيقة ضد استقلال بلدي، وأنني تعلمت الشرف عندما كنت ضابطا في صفوف الجيش الفرنسي. بتصريحي هذا كنت كأنني أقدم هدية للجنرال «بوجول»، الذي طلب مني أن أكتب رسالة أقول فيها إنني مدين للجيش الفرنسي، وإنني تشرفت بالعمل في صفوفه. عندها لم أدر ماذا يجب علي أن أفعل، فتوجهت إلى الفقيه بلعربي لكي أسأله: «ماذا علي أن أكتب في هذه الرسالة؟»، ولكن الظروف لم تتح لي فرصة لقائه مباشرة لأنه كان تحت الحراسة، لكنني طلبت من مولاي هاشم بلحسن أن يطلب رأي الفقيه في هذه المسألة، فكان جواب الفقيه بلعربي أن «هذا ليس وقت طلب النصيحة، وقل لأحرضان أن يتحمل مسؤوليته، وألا يكون مدينا لأي كان بأي شيء»، وهذا بالفعل ما فعلته. وعند عودتي إلى الخميسات، فهمت، بعد وقت قصير، أن إدارة الحماية بدأت تحاول تقزيم دوري في المنطقة وكذلك عزلي عن معارفي هناك. خلال هذه المرحلة، كنت أحتاج إلى مساعدة كل من مصطفى بلعربي، ابن الفقيه بلعربي، وابنته عائشة، فتوجهت إليهما، وعن طريقهما تعرفت على المحمدي الذي سيصبح وزيرا للداخلية بعد الاستقلال، وبعد ذلك مديرا لديوان الملك الحسن الثاني، كما سأتعرف أيضا على عبد الكريم الخطيب وزوجته مفتاحة. كما أن زوجتي ستتعرف عن طريق عائشة بلفقيه على الأميرات وضمنهن الأميرة «لالة عائشة»، كما أن ابننا «أوزين» تم الاحتفاء بمولده في القصر من طرف الأميرات، لكن هذه العلاقات الجديدة لم تكن تروق سلطات الحماية، وهذا ما صرح به المراقب المدني داليي الذي قال لي: «لقد شوهدت زوجتك رفقة الأميرات. وفي نظري، فإن مثل هذه اللقاءات غير مرغوب فيها، لأنك تعرف أن المعركة قد بدأت، وأنه لن يكون هناك إلا منتصر واحد في هذه المعركة، وأنت تعرف من هو المنتصر، لذلك عليك أن تختار أصدقاءك قبل أن تندم على خياراتك.. عليك تحاشي القصر». كانت خطة الحماية تعتمد على إظهار أن المغاربة قد ضاقوا ذرعا بتدهور أوضاعهم وبالشطط في استعمال السلطة ضدهم، وأن المسؤول عن هذه الأوضاع هو السلطان، لذلك يجب عزله، وهذا ما يفسر أيضا دعم الحماية للباشا الكلاوي الذي كان يعلب لعبة أكبر منه. وخلال هذه المرحلة الحرجة ستبدأ فكرة تأسيس جيش التحرير في النضوج لدي، وفعلا بدأت في العمل على هذه الفكرة وبدأت بالأشخاص المقربين مني.