كيف تقيم جهود الدولة لمحاربة الفقر؟ بشكل عام، عندما ننظر إلى الإحصائيات نرى أنه وقع تراجع في نسبة الفقر في المغرب منذ سنة 2000، حيث كانت نسبة الفقراء تصل إلى 18 في المائة من السكان، وأصبحت اليوم 5.1 في المائة. طبعا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ارتفاع عدد السكان، والمجهود الذي يبذل من أجل ألا تلتحق أسر أخرى بالفقر. ويلاحظ أن جهود الدولة في السنوات الماضية تركزت على محاربة الفقر في المدن، خاصة من خلال محاربة السكن الصفيحي، وهنا يمكن أن نؤكد أنه تم صرف ميزانيات ضخمة لمواجهة هذا التمظهر الترابي السلبي، ويمكن القول إن المغرب نجح في التخلص من ما بين 250 و300 ألف براكة في المدن. الدولة لم تعبئ فقط ميزانية ضخمة، إنما منحت العقار وامتيازات أخرى. لكن المشكل يكمن في أنه لم يقع اهتمام بهوامش المدن، وهي مناطق كانت خارج المدار الحضري، لكنها وصلت بحكم التوسع العمراني لتصبح في مدار المدن، وهو ما يوصف بأحزمة الفقر، لذلك شرعت الدولة في التفكير في إيجاد حل لهذه الأحزمة. ماذا عن البادية؟ المندوبية السامية للتخطيط نشرت خريطة الفقر في المغرب، وفيها يظهر أن الفقر يمثل في بعض المناطق القروية نسبة 30 في المائة من السكان، وهي نسبة عالية، لكن لا بد من أن ننبه إلى أن الساكنة أصلا قليلة في هذه المناطق. هناك عدد كبير من الجماعات القروية ذات الساكنة الضعيفة، تعرف نسب فقر مرتفعة، حيث إذا قارناها، مثلا، من حيث عدد الفقراء، بمدينة الدارالبيضاء، فإن النسبة تكون أقل في هذه الأخيرة، لكن عدد الفقراء فيها أكبر. لماذا هناك ضعف في سياسات الدولة تجاه الفقر في البادية؟ أعتقد أنه لا توجد استراتيجية واضحة للدولة في هذا المجال، ولم يكن العالم القروي يشكل أولوية في سياسة الدولة، حيث هناك اهتمام أساسا بالمدن في سياق التنافس العالمي على النهوض بجاذبية المدن للسياحة، فيما البادية مشتتة ولا أثر لها على السياحة. ماذا عن برامج التنمية البشرية وخطط صندوق التنمية القروية؟ التنمية القروية لا تعني محاربة الفقر. بخصوص مبادرة التنمية البشرية، فإنها صندوق أسود كبير لا أحد يعرفه، وتدبره الداخلية في غياب الشفافية، لذلك يصعب تقييمها. هناك روافع لمحاربة الفقر، مثلا في المدن تم الاتجاه إلى محاربة دور الصفيح، وإنجاز مشاريع للفئات الهشة، وإنجاز تجهيزات، لكن القرى مشتتة، ما يعقد مهمة محاربة الفقر فيها، لذلك يطرح خيار الدعم المباشر. هل الفقر في البادية يشكل خطرا على استقرار المغرب؟ لا أعتقد أنه يشكل خطرا، نظرا إلى السلوك الاستهلاكي والثقافة السائدة في البادية. الناس يعيشون في مناطق نائية، ولا يفكرون سوى في معيشتهم البسيطة، ولا طموحات لديهم، وهم يريدون فقط ضمان هذا النمط المعيشي. وهنا أشير إلى أن النهوض بالمواطن في العالم القروي لن يتطلب جهدا كبيرا من الدولة، التي يمكنها أن تبرم شراكات مع القطاع الخاص لحفر الآبار للساكنة، وأن تمنح قروضا بتسهيلات لهم، وأن تمنحهم دعما ماليا مباشرا. في أمريكا، مثلا، هناك دعم للفئات الهشة بمبلغ يصل إلى 22 ألف درهم شهريا، وهو عبارة عن بطاقة مخصصة لاقتناء المواد الغذائية فقط. أتصور أنه إذا تم تخصيص ميزانية للعالم القروي، فإنه يمكن أن تقتطع منها حصة للدعم المباشر للأسر حسب معايير واضحة، كما يجب مراجعة دور الجماعات المحلية لكي تلعب دورا في محاربة الفقر، والنهوض بالساكنة القروية.