في اليوم الموالي، لم يفوتني أن أجلب لي شاشيةً تقيني من قساوة الشمس إسوة بالعاملين و العاملات. لما بلغتُ وسط الحقل سمعت ولد القاسمية ينادي باسمي. أدركت في تلك اللحظة أنه عاق بيا غير داخلْ عليها. لقد تشابهت عليّ نبتتا الأرز و فينيكو و اختلطتا حتى أُحرِجتُ أمامه بعدما اختبرني في عين المكان و أخطأت. في الحين أعفاني من مهمة إزالة الفينيكو و أّمرني بإخراج كل عُرّام تركه خُدامُ الحقل وراءهم. لم أتحمس كثيرا للمهمة الجديدة. فقد كنت أدرك سلفا أن الوحل كفيل أن يسقطني على فمي و أصير ضحكة للدوار. كان عليّ أن أحمل على كتفي ما تَكوّم من النباتات الضارة، و جذورها تَقطُر بالغيس على ظهري. اشمئززت في البداية حتى ألفتُ الأمر. كان عليّ أيضا أن أُبقِ عيناي على مستوى الماء مستعملا قامتي كالمحرار. إذا ما اضمحلّ، أقصد فم الساڭية و أعالجه بالمعول حتى تتدفق المياه إلى الحقل كالثعابين الضخمة. و غير مرة كانت تباغتني دودة العلڭة بِقرسةٍ دموية في عنقي أو تحت إبطي. صرت أخافها كثيرا حتى إذا ما سقطت واحدة في قبضتي، أمْعسُها معساً. أظل على هذه الحال أتعافر و أجد في الصيحات الغنائية للخادمات ملاذا ترفيهيا و تحفيزا للعمل. كلما اشتد بي التعب، أنظر إلى الشمس و كأني أستعطفها كي تسرع في ميلها نحو المغيب. بضع أيام مرت، بدأت أتقزز من يديّ و لاسيما أن أظافري كانت قد اكتسبت صبغة بلون الحمرية تماما كطلاء الحناء التي أجيد كراهيتها. حلت نهاية الأسبوع الأولى فوجدت نفسي واقفاً في طابور ينتظر أجرته كالباقين. كنا قد سَبقْنا رب الحقل بدقائق أو ربما كان ينظر إلينا عبر شرفته منتظرًا حتى يكتمل الحشد. فلما وصل دوري و دخلت عليه، وجدته متكئا بمنكبيه على طاولة خشبية مهترئة و جالسا على بالة تبن مغطاة بلحاف رديء يقي مؤخرته العريضة من وخز العُصيّات الثائرة. خصم من أجرتي و لم أكن أعرف أنه يمزح بعدما أمدني بسبع ورقات من فئة عشرة دراهم ديال الليمون. في أخر المطاف قبضتُ تسع ورقات نظير ستة أيام من العمل. فرحتُ و أجلت فرحتي الكبرى إلى حين وصولي إلى جدتي، الخزينة الأمينة. بالكاد أتجاوز باب خيمته، سمعت ولد القاسمية ينادي بأعلى صوته هاتفا باسمي و إن كان محرّفاً بعض الشيء: شَكور ! شَكور ! اهتزت نفسي قليلا و خُيّل إلي أن مكروهاً سيحل بي لا محالة. أشار لي بأن أقف جانبه حتى يفرغ و عيناي ترصد كل حركة مالية جرت بينه و بين بقية من مستخدميه. - تخدم غدّا؟ - علاش؟ ياك غدّا غير لْحَد؟ - واييه. زعما تْمشي مع الدراري تْلُوحْ مْعاهم لاَنْڭْري. راه ماكاين لا فينيكو لا والو غير لاَنْڭْري. - واخا. و لاكين سميتني شكير ماشي شكور.