لم يكن ذلك الرجل إلا ولد القاسمية أحد ملاكي حقول الأرز الذي سيسلمني إلى الحوذي ذاك الصباح. بابتسامة بدوية دعاني أن أصعد العربة و أجلس بجانبه بقمرة القيادة بدافع الفضول لا الترحاب. من أكون؟ واش كايجيك ولد القاسمية؟ واش فايت ليك خدمتي في الرّوز؟ كانت العربة على وشك أن تمتلئ عن أخرها بعدما هرع الجميع لأخذ أمكنتهم. كانوا جلهم فتيات ملثمات كالطوارق لن تجد للصمت مكانا بينهن. نشيطات ,خشنات , قبيحات و يطلقن صيحات كفيلة أن تزعج عصافير الصباح. من حين إلى حين أسترق السمع لحديثهن فأجد نفسي قد أصبحت مادة دسمة للنقاش. بدوت غريبا بغرابة مخلوق فضائي أو بإحساس تلميذ التحق لتوه بالصف الجديد بعدما قضى نصف الموسم بمدرسة أخرى. قرأت دهشتهم كيف لولد المدينة جاي يخدم في العروبية. صحاب ليهم ولاد المدينة كيخرجو البترول من واد الحار. و حتى لا تغرّكم المدينة فإن السكنى بقدر المساحة التي تخصصونها لحمارة و دحشها, تبيعها الضحى لمالين المدينة بالدقة على النيف. تنطلق بنا العربة و تتبعد عن القرية لتستقبلنا حقول القصب و عباد الشمس. لما نمرّ على واد بَهتْ تتراءى لنا حقول الأرز و كأنها زرابي خضراء مفروشة لاستقبال الملائكة. لم أشهد في حياتي تلك الخيرات، و أدركت حينها أن بلدي جنة يسكنها المغاربة للأسف. على عجل يضع منا كل واحد جرابه في مكان اطمأنت له نفسه. قبالة حقل عائم بالماء اصطففنا في خط واحد كما يفعل الجنود استعدادا لإزالة الألغام، و شرعنا في نزع تلك النبتة الخبيثة التي تسمى " فينيكو" بلغة أهل البلد. نبتة شبيهة بنبتة الأرز ملساء و تبدو أقل يخضورًا مع أشعة الشمس. في بداية التجربة خانتي قلة الحيلة و أخطأت كثيرا في التعرف عليها. غير مرة كنت أقتلع نبتة و أعكسها مع الشمس خلسةً حتى لا ينفضح أمري. إن توفقت فبها و نعمت، و إن حدث العكس أعيد زرعها. مع كل حظ عاكس أتخلف خطوة عن المجموعة التي كانت قد تقدمت بخفة و نشاط. رباه ! كيف علي أن أحافظ على هذا الإيقاع و لا سيما كانت ساقيّ تغرقان في الوحل و مياه الحقل تكاد تلامس سُرّتي. أثناء فترة الاستراحة، أتناول ما حوى جرابي على عجل ثم أهرع إلى الساڭية حتى أنعم بهنيهات من السباحة الحرة. أرجع إلى الحقل على مضض بخطى متثاقلة و بعقل شارد لا يفكر إلا في شمس الأصيل. في طريق العودة، أكثر ما يعجبني أن أجلس على حافة العربة و ألعب بساقيًّ كالأرجوحة. و حدث يوما أن أطلقت حز... طيط سكوتية . شاع صوتها و ريحها بين العاملات. تغامزن و تهامزن : "يديرها البويشير الصغير يديرها "، نسبة إلى اسم أبي. تصْحابوني تْزنڭت... مي مي. فعندما حز... طيط في حضرتهن, فذللك نابع من قناعاتي أني إنسان حي و أن الأموات وحدهم لا يح. طيط .قون.