برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى جلالة الملك من أسرة القوات المسلحة الملكية    بنسعيد: متابعة الصحافيين كانت حتى في الحكومات السابقة وحرية التعبير لا تزال تواجه تحديات    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة يعزز انفتاحه الدولي عبر شراكات أكاديمية في الأندلس    الملك يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى خلال موسم الحج لعام 1446 ه    المغرب وتنزانيا يعززان التعاون الطاقي    بوينغ تحصد أكبر صفقة طائرات مع قطر    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    7 قتلى في حادثة سير خطيرة نواحي الصويرة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية    قاضي التحقيق بمراكش يأمر بسجن أستاذ جامعي بتهمة الاتجار في الدبلومات    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    المغرب يقترب من فرض رقابة قانونية على منصات التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    المغرب يظفر بتنظيم المؤتمر العالمي لطب الأطفال لعام 2029: تتويج لمكانة الطب المغربي في الساحة الدولية    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    تقرير رسمي: الفلاحة الصغيرة استفادت من 14 مليار درهم كدعم مقابل 100 مليار درهم للفلاحين الكبار    رحيل "أفقر رئيس في العالم".. موخيكا الماركسي الذي زرع قيم العدالة وكسب حب الملايين    "ترانسافيا" تطلق 14 خطا جويا جديدا بين المغرب وفرنسا لتوفير 130 ألف مقعد إضافي سنويا    الذهب ينخفض مع انحسار المخاوف بشأن الأزمة التجارية    جامعيون وخبراء مغاربة وأجانب يلتقون في المحمدية لاستجلاء الفكر الإصلاحي عند العلامة علال الفاسي وإبراز مختلف أبعاده التنويرية    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    "كورفا سود" تهاجم تسيير الرجاء : "موسم للنسيان.. ويجب الإسراع في عقد جمع استثنائي"    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    رُهاب الجزائر من التاريخ    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا    المغرب يحقق المعادلة الصعبة: تكلفة إنتاج السيارات الأقل عالميًا ب106 دولارات فقط للعامل الواحد    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر تحتفل بالذكرى الستين لثورتها، وماذا بعد؟
بقلم: لحسن الجيت


عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمرك تجديد
لا أعتقد أن حال الشعب الجزائري قد تغير بعد مضي ستين سنة عن ثورته الماجدة. وأن هذه السنين برمتها لم تحمل له أي جديد، وإن حملته فهو لم يكن سوى نحو الأسوإ. إن طرد الاستعمار الفرنسي كان بغاية تحرير الشعب الجزائري وحصوله على استقلاله، وليس على ما هو عليه اليوم من وضع استبدل فيه المستعمر الفرنسي بالمستعمر الجزائري. وإن كان هذا هو التحرير، فلا مناص لنا من طرح سؤال كما طرحه الأحرار الجزائريون من قبلنا، وهو متى سينتهي هذا الاستقلال؟
عادة، حينما تحتفل الدول بذكرى عزيزة فهي تستحضر نفحات ذلك الحدث للتاريخ، وكذلك من أجل إنعاش الذاكرة واستلهام القيم والمبادئ وتلقينها للأجيال المقبلة، وفي نفس الوقت يكون هذا الحدث فرصة للوقوف على الإنجازات طوال السنين التي أعقبت انطلاقته وإلى حدود الزمن الذي نعيش فيه.
ومن المفارقات الحاصلة بين الذهنية المغربية والذهنية الجزائرية، أقول على مستوى القيادة، أن العاهل المغربي في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء جعل من هذا الحدث فرصة للوقوف على وضعية أقاليمنا الصحراوية وما تحققت فيها من إنجازات، وتحدث جلالته بلغة الأرقام التي تشير إلى تحسن أوضاع هذه الأقاليم قياسا بما كانت عليه في الحقبة الاستعمارية الإسبانية وبما هو عليه الوضع الاجتماعي بعد ان استعاد المغرب هذا الجزء من ترابه واستثمر فيه جميع المغاربة إلى أن أصبح الصحراوي يعيش في بحبوحة قياسا بالوضعية الهشة للمواطن الجزائري في العاصمة، فبالأحرى أن نقيس ذلك مع مخيمات الذل والعار في تيندوف حيث تحول المساعدات الإنسانية إلى الأسواق الجزائرية للمتاجرة فيها.
وعلى العكس من ذلك ، نتساءل أين هي القيادة الجزائرية في مناسبة عظيمة كالثورة الجزائرية إذ كان عليها أن تطالع شعبها وتقدم حصيلة منجزاتها منذ أن ابتلي بها الشعب الجزائري إلى يومنا هذا. وبدلا من أن تردد شعارات الشهادة والشهداء، وهي أسطوانة تآكلت، ومعها قصة الميلون شهيد، كان من المفترض أن تفوم بثورات اجتماعية واقتصادية وأن تحقق لشعبها التقدم والازدهار اللذان ما زالا معتقلين في دائرة المتوخى والمنشود. والرئيس الذي كان عليه ان يتصدر الحدث بلغ منه المرض والوهن أشده ورغم ذلك فهو مكتوب له ألا يفارق كرسي الحكم غصبا عنه وغصبا عن بقية الرعية، والماسكون بخيوط اللعبة من الخلف فهم بدورهم ليس لديهم ما يقدمونه من حصيلة سوى حصيلة البؤس والفقر.
ومن سخرية القدر المشؤوم، والحالة أن الشعب الجزائري قد أرادوا له أن يحتفل بثورة التحرير، أن يصادف يوم الاحتفال وفاة واحد من المجاهدين الجزائريين الكبار عبدالقادر بدو وهو مهمل في فراش بيته البئيس معلولا يداهمه المرض ويعاني من الفقر المذقع هو وعائلته. فهذا الرجل لقن الاستعمار الفرنسي دروسا في البطولة والكفاح والجهاد وقدم أروع ما يمكن تقديمه في الوطنية الصادقة، وجزاؤه اليوم هو جزاء سينمار، فهذا الأخير صنع قصرا، وعبد القادر بدو صنع وطنا وكافأته القيادة الحاكمة في الجزائر بشهادة الفقر والبؤس والإهمال.
المجاهد عبد القادر بدو ليس إلا واحدا من آلاف المجاهدين المنسيين المهملين، وليس إلا واحدا من الملايين الجزائريين الذين تتحكم في أرزاقهم وأعناقهم شرذمة من الفاسدين العابثين بمصائر البلاد والعباد. والواقع الجزائري اليوم هو خير ما يعبر عن السياسة الفاشلة للطبقة الحاكمة في هذه البلاد.
إجمالا الوضعية الاقتصادية في الجزائر ومعها الوضعية الاجتماعية أقل ما يقال عنها أنها مزرية يكابد فيها الشعب الجزائري ضروبا وأصنافا من القهر والفقر في البطالة والسكن وفي التعليم والأخطر من ذلك العبث في القوت اليومي بسبب غلاء المعيشة وتراجع القوة الشرائية للمواطن الجزائري والفوضى العارمة وغياب المراقبة التي شرعت الأبواب للمضاربة.
وحينما نعرض لهذه الوضعية المزرية، فإنما نبني ذلك على الحقائق والوقائع والتي مهما حاولت القيادة الجزائرية أن تتستر عنها بافتعال أزمات مع المحيط الخارجي بنية إلهاء الراي العام الداخلي وصرف اهتمامه عن قضاياه ومشاكله الحقيقية، تبقى تلك الحقائق والوقائع شاهدة بالأرقام عن عمق الأزمة الداخلية في الجزائر. ومن تجلياتها، نستعرض ما يلي:
1 ارتفاع الأسعار وتأزيم الوضع الاجتماعي:
قياسا بالأسعار العالمية لمواد الاستهلاك، وخاصة المنتوجات الفلاحية، تعتبر الجزائر من أغلى دول العالم حيث الوضع المعيشي للمواطن الجزائري آخذ في الاستفحال. التقارير الدولية تشير إلى انخفاض في مؤشر الأسعار في العالم، بينما في الجزائر لم يتوقف عن الارتفاع بنسب قد تفوق أحيانا 20 بالمائة وهو ما يثقل كاهل المواطن الجزائري البسيط، فيما خزينة بلاده متخمة بملايير الدولارات، كما هو حال الحسابات الشخصية لحكامه في أبناك سويسرا وبريطانيا وفرنسا.
واليوم، ينطبق المثل القائل على عامة الجزائريين "العين بصيرة واليد قصيرة" أي بلغة الأرقام مرة أخرى يمكن إجراء مقارنة بين أسعار مواد الاستهلاك بالدرهم في كل من المغرب والجزائر على النحو التالي:
المغرب الجزائر
لحم الغنم 80 درهم 150 درهم
لحم البقر 60 درهم 120 درهم
الدجاج 25 درهم 40 درهم
الطماطم 3دراهم 8 دراهم
البطاطس 3 دراهم 12 دراهم {مادة أساسية في الموائد الجزائرية}
هذه الأرقام لعلها كافية للتعبير عن الفوارق الصارخة بين الوضع المعيشي للمواطن المغربي المتيسر، والوضع المعيشي للمواطن الجزائري المتأزم. وفي قراءة أولية لهذه الأسعار المرتفعة وبناء على المعاينة الحثيثة واليومية فإن معظم الجزائريين ليست لهم القدرة على شراء اللحوم الحمراء وأن إقبالهم في الاستهلاك اليومي على الدجاج لا يتجاوز ربع أو نصف كيلو غرام بالنسبة للعائلة الواحدة يعلم الله عدد نفرها كم هو.
2 انخفاض أسعار البترول وأثره على السلم الاجتماعي:
بدلا من اعتماده استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم تضمن للمواطن كرامته وعيشة آمنة مطمئنة، كان النظام الجزائري يلجأ إلى الحلول الترقيعية بتقديم إعانات ومساعدات في أوقات يشتد فيها سعير الأزمة لشراء السلم الاجتماعي. وكان من المفترض أن يوظف ذلك النظام خزائنه التي تقدر بمئات الملايير من الدولارات لتطوير اقتصاد البلاد من خلال سياسة شاملة تطال مختلف القطاعات الحيوية التي تطور وتحافظ على القدرة الشرائية للمواطن البسيط كقطاع الشغل وقطاع المالية وخلق فرص للاستثمار للقضاء على البطالة المتفشية في صفوف شباب دولة بترولية وغاز سائل بعائدات من الورقة الخضراء فيما الدينار الجزائري يشكو من آفة انخفاض قيمته في وجه كل العملات بدون استثناء.
واليوم الإشكالية المطروحة أمام النظام الجزائري، وهو كيف له أن يشتري هذا السلم الاجتماعي في انخفاض سعر النفط في السوق العالمية؟ فلولا جشع النظام الجزائري ورجالاته وحبهم للمال لكان الجواب على هذا السؤال سهلا وهو تحريك الفائض المكتنز في الخزائن السرية لمواجهة غلاء المعيشة وإعادة الكرامة للمواطن الجزائري بمناسبة الاحتفال بثورة المليون شهيد بدلا من الإبقاء على الجحافل وملايين الفقراء. تقرير مجلس المحاسبة الجزائري الصادر مؤخرا انتقد بشدة سياسة الدولة المتبعة في مجال الإعانات والمساعدات الظرفية، وعاب على المؤسسات العمومية فقدانها لاستراتيجية اقتصادية متكاملة وذات أهداف واضحة ودائمة، بدلا من اقتصاد الريع القائم على البترول والغاز منذ استقلال الجزائر عام 1962.
3 تفشي ظاهرة الفساد والرشوة:
طبيعة النظام الجزائري وتركيبته تساعد على التسيب والفوضى والعبث في المال العام من دون حسيب ورقيب. ومع وفرة المال وتدفقه يتزايد عدد لاعقيه وتنتفخ بطونهم وأوداجهم. ومن الفضائح المالية التي ظهرت على السطح تلك التي تعددت في أكبر شركة جزائرية وهي شركة "سونتراك" التي تحولت بالفعل إلى وكر للنهب وسرقة المال العام من خلال صفقات ضخمة كانت تعود على القائمين على "سونتراك" بأموال طائلة. ونستحضر في هذا الصدد، قضية فريد بجاوي، رجل الأعمال الجزائري الذي كان من وراء إبرام صفقة بين شركة . SONATRACHوالشركة البترولية الجزائرية SAIPEMبترولية إيطالية تدعى الصفقة تمت بعد لقاءات سرية في فرنسا أجراها السيد فريد بجاوي مع مسؤولين على قطاع الطاقة وفي مقدمتهم وزير النفط الجزائري السابق حيث تم تمرير ملايين من الدولارات تحت الطاولة إضافة إلى اقتناء بيوت وشقق في الديار الفرنسية باسم مسؤولين جزائريين آخرين.
فضائح أخرى مرتبطة "بسونتراك" شرع التحقيق فيها لكن من دون استكماله خشية تورط شخصيات كبيرة تدور في محيط الرئاسة، ومنها فضيحة "هشام حمشي" التي أبانت تورط جنرالات جزائرية في صفقات سرية.أم الفضائح والاستهتار بالمال العام هو ما كشفت عنه الفضيحة المعروفة "بالطريق السيار شرق غرب" الذي ينطلق من الحدود التونسية مرورا بالساحل الجزائري إلى غاية الحدود المغربية على طول 1200 كلم. وتبلغ الكلفة المعلنة لإنجاز هذا المشروع 11,4 مليار CITIC-CRCCدولار. الشركة التي فازت بهدا المشروع شركة صينية والمسماة ويعود الفضل في تمكينها من هذه الصفقة إلى رجل أعمال جزائري يدعى "غاني مجدوب" الذي استطاع بعلاقاته الشخصية والحميمية أن يقنع عدة مسؤولين جزائريين بأن يؤول طلب عرض المشروع إلى الشركة الصينية المذكورة مقابل مليار دولار كعمولة وتوزيع عدة هدايا ثمينة على مسؤولي وزارة الأشغال العامة بالتدرج كل حسب موقعه.
فالمشروع الذي بدا العمل فيه اعتبارا من عام 2006 كان من المفترض أن تنتهي أشغاله عام 2009 . وأمام تعذر ذلك، واصل السيد غاني مجدوب وساطاته بارتشاء المسؤولين للحصول على مدد إضافية تجاوزت المدة القانونية ولم يتم الانتهاء من الأشغال لغاية ابريل 2014. وقد أدت هذه التمديدات اللاقانونية إلى الفضيحة والكشف عن التلاعبات وعن الغش والعيوب التي اعترت الأجزاء التي أنجزت من الطريق السيار.
القضية اليوم معروضة أمام القضاء الجزائري لكن الأطراف التي يتم التحقيق معها هي أطراف ثانوية في الصفقة، بينما الحيتان الكبيرة من وزراء ومسؤولين بقيت في منأى عن أي اتهام أو تحقيق، باستثناء السيد عمار غول وزير الأشغال العمومية الذي استدعي إلى المحكمة كشاهد فقط. هذا هو حال القضاء الجزائري وسيبقى كذلك، وسيبقي على مسلسل الفضائح في تواليها على حلقات.
4 ارتباك في المشهد السياسي وصراع على السلطة:
المشهد السياسي في الجزائر يكتنفه الغموض كما يكتنفه فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية مما يثير القلق حول مرحلة ما بعد عبدالعزيز بوتفليقة. وإلى حين ذلك بدأ الصراع يشتد بين العديد من المعسكرات والجماعات بهدف الإقصاء تمهيدا للتفرد بالسلطة. ما يبدو في الواجهة لهذا الصراع تلك الحركات الاحتجاجية التي شهدتها الجزائر على شاكلة عصيان، والغريب أنه ليس عصيانا مدنيا، بل تجاوزه إلى عصيان وتمرد الأجهزة الأمنية المعول عليها في الأصل كأداة لقمع الحركات الاحتجاجية المدنية. فما معنى أن يخرج رجال الشرطة ويتظاهرون أمام قصر مرادة الجمهوري ويرفعون شعارات تطالب برحيل المدير العام للأمن الوطني الجنرال عبد الغني لهامل، وهو من جماعة تلمسان المحسوبة على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. هذه الحركة الاحتجاجية التي ضربت عرض الحائط بقواعد الانضباط الأمني والعسكري لا ينبغي الوقوف عند حدود ما بدا منها. وإن كانت لديها مطالب اجتماعية، فهي تخفي صراعا بين أطراف تساوم بعضها البعض بنية التفرد والانفراد. فتبادل الاتهامات يشير إلى فريق يتكالب على غريمه بتحريك قوى الأمن، وقد لوحظ ذلك على مستوى التجاذبات المسجلة داخل جبهة التحرير الوطني. فجماعة الشرق تتهم أمين عام الجبهة السعداني بتهميشها وإقصائها وتطالب برحيله، بينما أتباع الأمين العام يتهمون خصومهم السياسيين بالوقوف وراء حركة تمرد وعصيان الأجهزة الأمنية على الجنرال عبدالغني لهامل، المدير العام للأمن الوطني، وهو المرشح المفترض لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. علما بأن هذا الجنرال له ملف ساطع في الفضائح هو وزميله الجنرال محمد وزان المعروف بالجنرال خالد والمتورط في قضية الصندوق الجزائري الكويتي بعد أن تدخل وأخلى سبيل المتورطين الذين أصدرت في حقهم أحكام بالسجن.
الصراع في الجزائر اتخذ وما زال عدة أوجه يبحث فيه كل طرف عن موطئ للمرحلة القادمة. وما يشهد على ذلك الترتيبات التي تجرى على قدم وساق هدفها التحكم في خيوط اللعبة. وفي سياق ذلك، سبق للرئيس بوتفليقة أن أجرى سلسلة من الاستبدالات والتعيينات على مستوى كبار المسؤولين أبرزها تنحية عبد العزيز بلخادم من موقعه في رئاسة الجمهورية، وانتقالات أخرى على مستوى قيادة الجيش وهيئة الأركان. هذه التغييرات والتعيينات خلقت حالة من الامتعاض والسخط لدى المشمولين بها كما لدى أتباعهم.
وهكذا يبدو أن الجزائر تعيش بالفعل على واقع مأزوم، وأن صحوة الشعب الجزائري التي أجهضت في مهدها مع رياح الربيع العربي بوعود كاذبة لم تغير في واقع الحال من شيء و"ظلت حليمة على عادتها القديمة". فالنظام الجزائري عوض أن ينكب على إصلاحات جذرية ليضرب موعدا مع انتظارات الشعب الجزائري، ما زال همه الوحيد هو كيفية ضمان السيطرة على السلطة. ولتصريف أزمته الحالية، يحاول هذا النظام تحويل اهتمام الرأي العام الداخلي إلى الخارج من خلال افتعال أزمة مع المغرب ومن خلال إيهام الجزائريين بأن بلادهم مستهدفة. الحملة المسعورة للإعلام الجزائري ضد المغرب تندرج في سياق قولبة الرأي العام الجزائري وإبعاده عن همومه وعن وضعه المأساوي. الشعب البوركينابي حينما انتفض في نطاق الربيع الإفريقي رفع شعارات من قبيل "لسنا جزائريين وسنكون حالة استثنائية" Nous ne sommes pas des algeriens on va faire l exception وذلك في إشارة رافضة من شعب بوركينا فاسو لوعود رئيسها بإجراء إصلاحات دستورية وسياسية على غرار ما قدمته القيادة الجزائرية من وعود كاذبة لشعبها.
هذا الشعار الذي تردد في بلد إفريقي أثار سخطا عارما لدى الطبقة الحاكمة في الجزائر ولم ترض عنه، وبقيت هذه الفئة تلوك باستغلالها للأحداث الدامية في ليبيا لتخويف شعبها من مآل نفس المصير، لكن تلك القيادة التي تلوح بهذه الفزاعة، تجاهلت التحولات الحقيقية والإيجابية التي حبلت بها الأحداث على جانبي الجزائر في كل من المغرب وتونس، وسجلت فيهما ثورات حقيقية ثورات التنمية والتقدم والحرية. وما أحوج الشعب الجزائري اليوم إلى مثلها لا أن يعيش كل سنة على ثورة المليون شهيد فهي مفخرة لنا ولكم، لكن لا ينبغي أن نقف ونبكي على أطلالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.