بورصة الدارالبيضاء لقد فعلها الشباب العاطل بالمغرب، لقد طوق مقر بورصة الدارالبيضاء، ولم لا وقد فعلها الغاضبون الأمريكان وتبعهم غاضبو العالم الذين أطلقوا شعار "أوكيبايد وول ستريت OCCUPIED THE WALL STREET"، وما الفرق بيننا وبينهم؟ ألسنا بشرا مثلهم؟ طبعا "بحالنا بحالهم" غير أن الفرق في عناصر الإبداع والإتباع. عندما رفع ما يسمى الربيع العربي شعار إسقاط النظام قلنا نحن هنا الشعب يريد إسقاط الفساد في وقت كانت تضمر بعض الحركات والتيارات الشعار الأول. رفع الآخرون شعار "ديكاج" ورفعناه. واليوم رفع الغاضبون احتلوا وول ستريت فرفعنا شعار احتلوا بورصة الدارالبيضاء. الثورات إبداع كما التغيير إبداع، ولهذا سبقت الأفكار التحولات التي عرفها العالم، لأن التغيير عملية تراكم للإصلاحات، وحتى التغيير الفجائي الذي يكون عبارة عن فلتة من فلتات التاريخ كي ينجح لابد أن يكون مصحوبا بإبداع الأفكار المحصنة له، والثورة والتغيير لا يقبلان الاستنساخ والإتباع، فهما مثل العقيدة لا يجوز فيهما التقليد ولكن إمعان النظر وتقليب الأفكار واستخراج الطريقة المثلى التي تجيب على أسئلة الواقع لا طرح أجوبة ترد على أسئلة تم طرحها عند غيرنا. ولنبقى فقط في حركة احتلوا بورصة الدارالبيضاء، فهذه الحركة بينت أن التقليد ليس أعمى فقط بل أعمى بصيرة شبابنا وحجب عنها الرؤية. الشباب الأمريكي قد يكون معه الحق عندما احتل وول ستريت لكن الشباب المغربي ليس معه الحق عندما حاصر بورصة الدارالبيضاء وسبب الحقانية من عدمها هو التقليد في الموقع غير المتشابه. فالشباب الأمريكي لم يحتج أمام وول ستريت لأنه يطلب الشغل من الدولة داخل أروقة الوظيفة العمومية لأنها غير موجودة أصلا في أمريكا، ولكن احتج على توحش الرأسمالية الليبرالية التي جعلت الاقتصاد كله تحت رحمة كبريات الشركات ولوبيات الاقتصاد والتجارة، ومطالب الاحتجاج ملخصة في ترك رأس المال يتسرب بسلاسة حتى يصل إلى كل واحد قادر على الاشتغال. وعلى خلاف ذلك فإن الشباب المحتج أمام البورصة لا يرغب أساسا في الاشتغال داخل القطاع الخاص لأنه في نظرهم غير مضمون، ولا يرغب في إحداث المقاولات والتعاونيات وتكوين مشاريع خاصة، والبورصة تبيع أرقام القطاع الخاص إذن هي ليست ضمن موارد الاحتجاج لدى العاطلين. إذن الشباب العاطل الذي احتج أمام بورصة الدارالبيضاء احتج في المكان الخطأ وبالطريقة الخطأ لأنه ليس كل ما فعله الآخرون قابل للتطبيق هنا. ومثلما أخطأ هؤلاء، الذين من حقهم الشغل وقد يستفيدون من مضاربات الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات، أخطأ شباب التغيير الذين لم يفهموا الربيع العربي في سياقه الصحيح عبر قراءة متأنية للمعادلات الجيوسياسية.