بعد أن غاب ملف الصحراء المغربية عن أجندة مجلس الأمن منذ استقالة المبعوث الأممي السابق للصحراء هورست كوهلر شهر ماي الماضي، خصص مجلس الأمن، الذي تترأسه هذا الشهر دولة جنوب إفريقيا، أربع اجتماعات حول الملف. الإجتماع الأول، وفق برنامج عمل مجلس الأمن لهذا الشهر، انعقد يوم الثلاثاء الماضي وراء أبواب مُغلة، وقدم خلاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقريره إلى المجلس حول الصحراء. ترقب إعلان مبعوث جديد الخبير في العلاقات الدولية الموساوي العجلاوي اعتبر في تصريح لموقع القناة الثانية أنه "من المرتقب أن يتضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء توضيحات الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص تعثر تعيين المبعوث الجديد للصحراء. ومن المرتقب أيضا أن يكشف الأمين العام للأمم المتحدة في هذا التقرير ملامح الشخصية المقبلة التي سوف يتم تعيينها في مكان هورست كوهلر الذي استقال من منصبه كمبعوث أممي للصحراء." لكن إلى حدود الساعة، لم يتم الإعلان عن مضامين التقرير أو تسريبه إلى وسائل الإعلام، ليبقى الترقب سيد الموقف، حتى انعقاد الإجتماعات المقبلة خلال هذا الشهر. وفي الثامن من هذا الشهر سيتم تخصيص جلسة بخصوص بعثة الأممالمتحدة في الصحراء المينورسو، المنتشرة في الإقليم منذ سنة 1991، فيما ستعقد جلسة مشاورات أخرى في 16 من الشهر نفسه، على أن تخصص الجلسة الأخيرة في 30 من ذات الشهر لاعتماد قرار جديد حول النزاع، والذي من المتوقع أن يتم فيه تمديد ولاية بعثة المينورسو التي تنتهي مهامها يوم 31 أكتوبر 2019. ومن المنتظر أن يقدم خلال هذا الشهر الممثل الخاص للأمين العام للصحراء، ورئيس بعثة المينورسو كولن ستيوارت، الذي يعتبر حاليا همزة الوصل الوحيدة بين المنظمة الدولية والمنطقة، بسبب استمرار حالة الشغور في منصب الوسيط الدولي، إحاطة أمام أعضاء مجلس الأمن، يطلعهم فيها على آخر المستجدات المتعلقة بمهام البعثة، خاصة ما تعلق منها بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار. وكانت قد أكدت مصادر من البعثة الدبلوماسية الألمانية بالأممالمتحدة لموقع القناة الثانية أن الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس قد أحال بداية شهر غشت الماضي لائحة بالأسماء التي يقترحها لتولي منصب المبعوث الأممي الجديد للصحراء على ممثلي الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن. ويتعلق الأمر بكل من الصين ، فرنسا ، روسيا ، والمملكة المتحدة البريطانية و الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأوضحت نفس المصادر لموقع القناة الثانية أن الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن قد شرعت في التداول بشأن هذه اللائحة قبل أسبوعين، مؤكدة أنها لم تتوافق إلى حدود نهاية الأسبوع الأول من شهر غشت الجاري على أي إسم من الأسماء التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة. وتنص المسطرة الأممية الخاصة بتعيين المبعوث الأممي للصحراء، يقول العجلاوي، على أن المبعوث الأممي الجديد يقترحه الأمين العام للأمم المتحدة، ثم تصادق عليه الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، قبل أن يعرض للتصويت في إحدى الجلسات العامة لمجلس الأمن. وأضاف العجلاوي إن هذا التأخر كان منتظرا، "لأنه لم تكن هناك أي مؤشرات على اقتراب الأمين العام للأمم المتحدة من تعيين مبعوث شخصي جديد بالصحراء المغربية. لقد كان هناك حديث عن بعض الشخصيات المحتملة لخلافة هورست كوهلر، لكنها بقيت تأويلات وافتراضات فقط. لكن لم يكن هناك أي مؤشر على أن ملف الصحراء بدأ يأخذ أهمية ضمن أجندات مجلس الأمن." سياق خاص وينعقد اجتماع مجلس الأمن نهاية شهر أكتوبر الجاري للتجديد لبعثة المينورسو في سياق خاص، يتميز أولا بإقالة مستشار الأمن القومي المعادي للوحدة الترابية جون بولتون، والذي كانت ضغوطاته في مجلس الأمن أحد الأسباب التي دفعت بكوهلر إلى الاستقالة من منصبه كمبعوث للصحراء. الخبير في العلاقات الدولية سمير بنيس يقول في تصريح لموقع القناة الثانية إن رحيل بولتون يعد "خبرا سارا للدبلوماسية المغربية،" التي عاشت في حالة من الترقب والتوجس خلال الأشهر الأولى لتعيينه في أحد أكثر المناصب تأثيراً في الإدارة الأمريكية. فبحكم اشتغاله حول ملف الصحراء حينما كان موظفاً في وزارة الخارجية وحينما كان مساعداً للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، جيمس بيكير، خلال الفترة ما بين 1997 و2004، كان من المتوقع أن يعمل بولتون على الإلقاء بكل ثقله السياسي من أجل دفع مجلس الأمن إلى تسريع وثيرة العملية السياسية الأممية بغية التوصل لحل نهائي لهذا الملف، وفق سمير بنيس، الذي أشار إلى أن بولتون ألقى بولتون باللوم على المغرب وحمله مسؤولية فشل الجهود التي قامت بها الأممالمتحدة لإنهاء النزاع من خلال الكتابات التي نشرها منذ تنحيه من آخر منصب رسمي في الحكومة الأمريكية عام 2006.. كما أن بولتون هاجم الأممالمتحدة واتهمها بعدم التوفر على إرادة سياسية لفرض حل ملزم على جميع الأطراف، في الوقت الذي عبر عن أهمية تمكين الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير عن طريق تنظيم استفتاء، وفق نفس المتحدث. فمن خلال قراءة وتحليل التصريحات التي استعملها بولتون حول هذا الموضوع خلال ما يزيد عن عشر سنوات، يقول سمير بنيس: " فيمكن القول إنه كان يحس بغصة في قلبه لفشله بمعية جيمس بيكر في إنهاء هذا النزاع، وبالتالي، فقد حاول استغلال تواجده على رأس مجلس الأمن القومي لفرض حل للنزاع يتماشى مع قناعاته وتوجهاته وإن كان ذلك يعني الانحراف عن الموقف الرسمي الذي تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عشرين سنة وهو تبني موقف الحياد الإيجابي مع إبداء بعض الدعم الضمني للموقف المغربي." وأشار بنيس إلى أنه قد تبين اهتمام بولتون الشخصي بملف الصحراء منذ الأيام الأولى من تعيينه مستشاراً للأمن القومي، والتي تزامنت مع تقديم الأمين العام للأمم المتحدة لتقريره السنوي عن الصحراء في شهر أبريل 2018 ومع مداولات أعضاء مجلس الأمن حول القرار السنوي المتعلق بتجديد ولاية المينورسو. وقد ظهر تأثير بولتون من خلال اعتماد القرار 2414، الذي تم بموجبه تمديد ولاية المينورسو لمدة سته أشهر عوض سنة، وهي الممارسة التي دأبت الأممالمتحدة عليها منذ عام 2008. وقد كان الدافع وراء تقصير ولاية المينورسو هو وضع كل من المغرب والبوليساريو تحت الضغط وحملهم على إبداء حسن النية في التوصل لأرضية مشتركة تمهد الطريق للتوصل لحل نهائي لهذا النزاع. ومنذ ذلك الحين، اعتمد مجلس الأمن ثلاثة قرارات آخرها القرار 2468 قرر بموجبها تمديد ولاية المينورسو لمدة ستة أشهر. وقد كانت هذه الخطوة من بين أهم الأسباب التي مهدت الطريق أمام عقد مائدتين مستديرتين بجنيف تحت إشراف الممثل الشخصي السابق للأمم العام، هورست كولر. وخلص بنيس إلى أن غياب بولتون سوف يُبطل الضغوط الأمريكية السابقة على مجلس الأمن، مما سيمنح الفرصة لتمديد ولاية بعثة المينورسو لسنة كما كان في السابق، عوض 6 أشهر فقط. أما السياق الثاني، فيتميز هذا الإجتماع بانعقاده تحت رئاسة دولة جنوب إفريقيا، التي تعتبر أحد أكبر الداعمين لجبهة البوليساريو بجانب الجزائر. وسارعت جبهة البوليساريو عبر ممثلها بنيويورك محمد عمار إلى تهنئة جنوب إفريقيا بتوليها لرئاسة المجلس، مشيرا إلى انه سيتم خلالها مناقشة تجديد مهمة بعثة المينورسو، تهنئة يُقرأ بين ثناياها مراهنة كبيرة من طرف البوليساريو، على الرئاسة الجنوب افريقية لتحريك لدعم موقف البوليساريو. لكن سمير بنيس قلل من أهمية رئاسة جنوب إفريقيا، معتبرا أن مجريات الأحداث في مجلس الأمن خلال الثمانية عشرة أشهر الأخيرة أظهرت أن المغرب لم يستطع فقط الحيلولة دون وقوع أي تطور يتعارض مع موقفه الثابت، بل "إنه استطاع تحقيق مكتسبات جديدة أهمها ذكر الجزائر في القرارين الأخيرين لمجلس الأمن 2440 و2468 واعتبارها بشكل تدريجي طرفاً رئيسيا في النزاع. كما أن المغرب حافظ على الدعم الذي يحظى به داخل مجلس النواب الأمريكي على الرغم من وجوده تحت سيطرة الحزب الديمقراطي عقب الانتخابات التي عقدت في شهر نوفمبر الماضي."