المغرب يتجه نحو نمو أكثر توازناً في النصف الثاني من 2025 مع تباطؤ طفيف بعد طفرة الربيع    "جيتكس غلوبال" يبرز مستجدات الحلول الذكية ومستقبل الأصول الرقمية    "المثمر" يكرم ناجحات في قيادة تعاونيات قروية نحو الزراعة المستدامة    مشاكل تقنية تربك بيع "تذاكر الكان"    "المجلس الإقتصادي والإجتماعي": الدعم الحكومي للصحافة عام 2024 بلغ 325 مليون درهم وعلى الوزارة نشر لوائح المستفيدين    شباب GenZ يقررون استئناف الوقفات الاحتجاجية ويدعون لتوسيع حملة المقاطعة    المغرب يطلق مشروعا جديدا لصناعة محركات الطائرات باستثمار يفوق 3.4 مليارات درهم    من فرنسا... شباب الاتحاد يطلقون "نداء" رفضًا للولاية الرابعة للشكر ول"مسرحية" المؤتمر الوطني    رئيس الحكومة يدعو إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين المرافق العمومية ووسيط المملكة    الرئيس الأمريكي ترامب في قمة شرم الشيخ: تحقق المستحيل وأصبح لدينا أخيرا سلام في الشرق الأوسط    المنتخب المغربي يصطدم بفرنسا في نصف نهائي مونديال أقل من 20 سنة    العثور على جثة بدون رأس بشاطئ الديزة بمرتيل    820 مليون درهم لتحويل ورزازات إلى وجهة مرجعية في السياحة الثقافية المستدامة    اليساري مصطفى البراهمة في ذمة الله    "حماس" تسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن    نتنياهو يعلن الغياب عن "قمة مصر"    هيئة حقوقية تطالب بمراجعة قوانين التظاهر ووقف متابعة المحتجين السلميين    وهبي: يبدو أني الوحيد في جهة الأغلبية .. الجميع اختار صف المعارضة    بنسعيد: رهانات 2030 بالمغرب تتطلب تطوير المشهد الإعلامي الوطني    الكشف عن أثمنة تذاكر "كان" المغرب    المغرب يضرب موعدا مع فرنسا في قبل نهائي كأس العالم للشباب    صحيفة إسبانية: المغرب يفرض نفسه كأبرز المرشحين لكأس العالم بعد أداء "لا يمكن وقفه"    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    برادة: الجيل "زد" ينبّه لإكراهات قائمة.. وميزانية الملاعب لا تعطل الأولويات    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حملات أمنية تمشيطية واسعة بغابات طنجة وتطوان لتوقيف المهاجرين    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    منعم السليماني يتألق مع نجوم عالميين    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة إلى غاية 20 أكتوبر    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    منظمة الصحة تحذر: البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد الأرواح    علماء كنديون يكتشفون طريقة بسيطة عن طريق تحليل عينات من أظفار القدم للكشف المبكر عن سرطان الرئة    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر    إدغار موران: فيلسوف العصر العاشق للحمراء    ولد الرشيد: حرية الصحافة وسيلة لمحاربة الفساد وشرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة    الصين: ارتفاع الصادرات بنسبة 8,3 بالمائة في شتنبر رغم التوترات التجارية مع واشنطن    روسيا–إيران–الجزائر.. صفقات تسليح سرية: وصحيفة إيطالية تؤكّد أن المثلث العسكري الجديد يُقلق الغرب    الرئيس الصيني يدعو إلى مسيرة جديدة لتحقيق المساواة وتمكين المرأة عالمياً    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب تعقد جمعها العام العادي    وهبي: نقاتل من أجل المغرب.. وحلمنا رفع كأس العالم    كيوسك الإثنين | تحذيرات من التواطؤ الثابت بين البوليساريو والجماعات الإرهابية    مصرع عون مساعدة بشركة الطرق السيارة في حادثة سير بالقنيطرة    الملك يشرف اليوم على تدشين مصنع لصناعة أجزاء الطائرات بالدار البيضاء    البرلمان يمطر حكومة أخنوش بأسئلة حارقة حول جودة التعليم ومآل مكافحة الفساد عشية احتجاجات شباب Z    إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    العِبرة من مِحن خير أمة..    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الناظوري جمال أزراغيد يسرق النار في ديوانه " غنج المجاز"
نشر في أريفينو يوم 19 - 09 - 2013

بوارق لون الضياء ، في الصورة، أصابع إبداع فني، تؤطر اسم الشاعر، و جانبا من عنوان الديوان . بينما حروف بيضاء تشكل من جهتها هي الأخرى اسم الشاعر، ثم تتابع سيرها نحو ظهر الغلاف لتنتشر جزءا من قصيدة ، أبية الشرود، رغم التكسير، الذي يشوب أبياتها، على مستوى الشكل. فهي منتظمة كما هو شأن النظم في اللغة قطعة من قصيد، منتشية برقصها الخفي، على إيقاع خلاخلها المتمردة عن كل صوت غير صوتها. و كذلك هو شأن باقي قصائد الديوان. فهي جريئة . تكسر كل الأصنام القديمة. تخترق السماوات المفنوحة ، عبر " الصحون المقعرة ". و ترطن بلغة الآخر من خلال " msn " . من غير" ذهول" ، تلج منظومتك االلغوية/ الشعرية، تعبث بمحتوياتها القديمة، تتلف كل تعاويذك النقدية، ثم تتأبط أسرارها. تشدك من متاهاتك. و تنزل بك الى الحياة بكل صيرورتها، و مستجداتها .
العنوان ، رغم كل التباساته البيانية و اللعبية ، إشارة مرور إلى فضاء شعري حداثي، يمارس فيه الشاعر إبداعه الخاص، و يؤسس لوجوده كشاعر يمتلك ملكة النظم و التركيب ، الذي يلحم اللغة الشعرية بالنبض و الإحساس بالحياة بالفعل.
العنوان يوجه القارئ ، نحو خلفية بلاغية ، يومض فيها " المجاز " ، كمكون أساس في بناء اللغة الشعرية. غير أن القصائد لا تدعي بذخا في فنون البلاغة التقليدية، بقدر ما هي تقترب من لغة يكمن جمالها في تناسق بنياتها، تبهر المتلقي و لا ترهقه ، تمتعه و تفيده في نفس الوقت. 4
كما أن كلمة " غنج " التي تسبق لفظة " مجاز " ، في العنوان، و من خلال موقعها التركيبي، تشير إلى تمويه جميل و دال، يوحي بمدى تمنع قصائد الديوان على تقنية "المجاز" في صورته التقليدية ، لتنتظم نصوصا ذات " قول" خاص مغاير لقول الكل، تراكيبها اللغوية ، تبحث عن حياة جديدة للألفاظ .
و " غنج على شنج"، جملة متداولة عند العرب ، بمعنى " رجل راكب " . وهو مدلول يفتح لنا آفاق أخرى للقراءة في نصوص القصائد، نلاحق عبرها، ملمحا، تشي به الأبنية الفنية لقصائد الديوان. حيث يمكن أن يكون الشاعر قد استلهمه، لينحت ذاته الشاعرة، كفارس للغة. يمتلك نواصيها. منها يقد أصالته و حداثته ، و بالتالي هويته الشعرية . يسك صور مخياله الشعري ، بلغة غير نمطية و لا معيارية ، و إنما هي لديه، إشراقة فنية ، مقتطفه من شعلة الأوليمب. بها صاغ أفكاره . ونضد رؤاه . ثم جسدها صورا شعرية، منصهرة من نفسه الشعري . مطعمة بروح عصره.
إذا آمنا بالنظرية القائلة بأن للنص الشعري " إشاراته"، و للقارئ خلفيته المعرفية، فإن قراءتنا للنصوص، أمدتنا بإشارات، جعلتنا ننساق وراء هذا الملمح. و هي محاولة استقرائية، تبررها، صعوبة تصديق أن الشاعر المحاصر بمناخ عصره، بكل ما يروج فيه اجتماعيا و سياسيا و ثقافيا و إعلاميا و تقنيا ، يسلمك بطاقة هوية قصائده عند بوابة الديوان.كما أن قصائد الديوان، بكل ألوانها الذاتية و الموضوعية، حافلة بالصور المبتكرة. أبنيتها الشعرية، منفلتة من ربقة القواعد البلاغية التقليدية ، للبناء الشعري. و معجمها اللغوي ابن شرعي لعصره.
في هذا السياق نأخذ مثلا على هذا ، قول الشاعر في قصيدة " وتر الملكوت ":
ادع قلبك أن يتشمم عطر الحياة
صحبة امرأة
تمازح الشمس
عبر ال MSN
أناملها شاشة تومض بالعالم 5
و قبل أن نسائل قصائد الديوان ، عن مدى علاقتها بالعنوان. يستوقفنا الإهداء، حيث في البدء كان الجدة. " ينبوع المجاز في زحمة الحياة"، حضن يتسلل إليه الشاعر ، فضاء مليء بالأسرار . وهو من جهة أخرى، ينبوع لديه من التجارب، ما يفرض ضرورة ابتداع و خلق لغة، قادرة على احتواء الأفكار التي أنضجتها. لغة لحمتها جذور الهوية الأصيلة ، وسداها مكونات المجتمع الحديث ، بتقنياته و عقلانيته. فانتظمت وعاء شعريا بللوريا ، يعكس درجة الوعي الفني باللغة على حد قول تودوروف بهذا الخصوص :" هناك دائما وعي باللغة في أساس كل موقف أدبي". 6
الجدة رمز الجذور ، و دائرة معارف عن كيفية اكتشاف " المعرفة بالعيش " le savoir de vivre". ينبوع يمد الشاعر بالزاد المعرفي بالحياة. غير أننا ، في سياق اختيارنا لمسلك التوظيف الجمالي للغة الشعرية ، في قصائد الديوان ، محكومون بأن نأخذ بقولة تودوروف :" ليس هناك من جملة واحدة في العمل الأدبي ، يمكن أن تكون بحد ذاتها انعكاسا بسيطا لمشاعر المؤلف الخاصة ، و إنما هي دائما تركيب و لعب"7 . فلا بد أن نأخذ في الاعتبار، أن المشاعر و الصور، ،هي بنيات شعرية تنبئ عن علاقة تفاعلية ، تربط الشاعر بمجتمعه ، وتوضح موقفه من الوضع الإنساني العام . . الجدة ينبوع تجارب، يلقي بالشاعر في مرجل الشعر، فيه يصهر لغته. فالشعر، كما يقول هايدغر، لا يقبل اللغة ، كمادة يجب صياغتها. بل هو يرى أن الشعر هو الذي يجعل اللغة ممكنة. يوشي الشاعر كل هذا ، قي قصيدته " غبطة الروح" ، إلى أن يقول :
في شرفة الوطن العالي
أتفقد لغتي المحروسة بإذن الحياة
أحفرها على الجسد وشما
يتناسل
في رحيب الدهر
تتناقله الجدات نياشين على سدة الجبين8
و انطلاقا من حضورها الملهم، استحقت الجدة إهداء الديوان. رمزية الجدة ، لها حمولتها . تلخص فعل الوجود الإنساني . فعل الامتداد في سنين العمر، حيث تتناسل الأزمنة، و تتجدد التجارب…والشاعر خزان التجارب. تتوزع هذه الحمولة الدلالية ، بين المتون الشعرية للديوان ، تناصا يمتح من الموروث الديني و الشعري و الاجتماعي . ليضيء بإيماءاته ، معان أفكار و تصورات عن الجمال ، و عن القيم. و عن ظواهر مجتمعه، و مستجدات عصره.
" الحداثة، هي ظهور ملامح المجتمع الحديث المتميز بدرجة معينة، من التقنية و العقلانية و التعدد و التفتح"9، و لغة القصائد تحمل بعضا من هذه الملامح . حيث التفتح قد يجد منفذه عبر الشاشة . يقول الشاعر في قصيدة " غنج المجاز " ، الذي سمي الديوان بميسمها :
إذا أينعت رؤوس الذبذبات
فوق بحر سحيق
يرتدي عمر السحاب
حين تساقط قرب يدي...؟
و أنا ألف الشاشة في آخر الطريق..
هل من عين تسائلني
نبيذ الهوى المضبب بالهفوات؟10
تتكلم قصيدته " زهور اليباب " ، عن استسلام لغته لغواية الحداثة ، قائلة :
آه من نار تدنس بعضي
أن استتر في فيوض العشق
يقنبل مهدي المهرب على كتف "هابيل"
في صقيع الفلوات.
لا حاجة لي إلى ورق التوت
لأخفي عورة لغتي
المجللة بأردية الغواية11
يتكئ الشاعر ، على تقنية " التناص". يؤسس بها لغته الحداثية في القصائد ، يلقحها بترصيع لغوي، مأخوذ سواء من المعجم اللغوي لمستجدات الحياة في عصره ، أو من إشارات دالة لنصوص شعرية من التراث.
توزعت تقنية التناص،في المعمار اللغوي للقصائد ، فسيفساء تعبيريا، يضخها بطاقة إضافية، على الإيحاء بالمعاني ، وعلى الإيماء للمتلقي ، بهوية الشاعر الوجودية ، و جذورها الثقافية ، و الدينية، والاجتماعية . ويبدو هذا بصورة مكثفة في قصيدة " عاصفة خيل " . يفرخ التناص تركيبا وصورا ، ابتداء من اسم " مريم "، الذي يمثل حجر الأساس لثقل حمولته الدلالية في توليد الصور الشعرية بالقصيدة . يقول :
مريم تصحرت قياثر خصيبها
إلى أن يقول :
أن ينفث فيها روحا
ثم يقول :
مريم يسحبها المخاض إلى الوليد 12
قبل أن ينتقل ، إلى تناص من نوع آخر، وهو موروث الشعر العربي القديم ، حيث يشير إلى قصيدة لامرئ القيس، من خلال البيت التالي:
الليل...مضت عليه فصول و لم ينجل 13
وكلما غصنا في استقراء أكناه اللغة و الدلالة ، تبدى لنا كيف أن الشاعر ينثر تناص الكلمات و المفردات ، رذاذ عطر ، هو مزيج من رحيق الماضي ، و مستقطر الحاضر ، يدبج بها، قصائد من وحي مخزون الذات المبدعة.
و حتى عندما يتجاوز إدراكه واقعه ،و يلجأ للخيال لولوج عوالم أخرى ، قد تكون ملكات أخرى للعقل المبدع ، يلجأ الشاعر، إلى تزويد الأشياء الخالية من الحس ، بالشحنة الحسية اللازمة، و كل ذلك عن طريق لغة ينحتها، يستنبت لها حقولا أخرى للتلاقح ... يحيكها ضمن نسيج علائقي ، من إبداعه ... و يتيح لها إمكانات لخلق " مجاز" من طراز آخر.يقول في قصيدة " قاع الورد":
من قاع الورد
الطارد للهواء الغبي من نقطة العراء
تجيء قمرا ضئيلا
يحرس سقف الكون
من هشاشة الأوزون14
و تتوالى أبيات القصيدة ، تنسج عالمها الخاص، أردية من حداثة ، بختم مفرداتها . من " الأوزن" ، الى " هيروشيما " ، إلى " مصحة التجميل" الى أن يقول :
" تنح عن جسدي ...و تنغم بعولمة الوجوه".15؛ بامكاننا أن نتكلم عن لغة القصائد بطريقة مبهجة و مبتكرة على حد تعبير " تودوروف" ، حيث الاستعمالات اللغوية في القصيدة ، تجذر لمفردات ، من حقول لغوية مستجدة تاريخيا و حضاريا و اجتماعيا. وهو يكاد يبرر ذلك من خلال باقي أبيات القصيدة حين يقول :
من قاع الورد
تجيء
و أنا حاضن للنهر في رئتي
أحبس مصبه في هويتي
أكفن أنفاسه
بلغتي
)ما عرفت أن رئتي أوسع من النهر(16
الشاعر محتضن لحضارة عصره....يروض لغتها لتخدم شعره هو. اللغة مسكن الكينونة كما يقول هايدغر و الشعر يركز الانسان في عمقه الإنساني. و هذا ما جعلنا نضع النصوص الشعرية للديوان ، في سياقها التاريخي ، الذي يحيلنا بدوره على السياق الاجتماعي. حيث أن مساحة الحرية ، التي امتلكتها القصيدة الحديثة، وفرت للشاعر مناخا شعريا أرحب، لتقديم موضوعات قصائده ، في لغة مفعمة بنفس إنساني يتراوح بين الذاتي و الكوني.
يقول أمبرتو إيكو بهذا الخصوص: " ففي لهجات الشاعر ، و في كل إبداع من صنيعه الفكري ، نجد الإنسانية و بؤسها. كما نجد مأساة الواقع برمتها.تتمرأى ، و تتعاظم بشكل مستمر في شخصه المعذب، و المنعم"17؛و بالديوان قصائد متزرة بغنائية، مشحونة بالانفعالات. تقدم وصفا فنيا ، للشخوص ، و المواقف ، و المشاعر، بلغة تؤكد انفلات قصائد الديوان ، من ربقة المدونة البلاغية القديمة، التي يشاكسنا بها العنوان. تشدنا إلى حالة من حالات الشاعر الوجدانية . تعكس تحولاته النفسية ، من خلال تجربته الذاتية. انطلاقا من القصيدة الأولى بالديوان " شهد العواصم" ، التي افتتح بها الشاعر جمال أزراغيد ، ديوانه، قائلا :
جاءتني....
امرأة غزاها روف الأصيل
في غربة الأنا
تستنسخ حلمها
بلهفة الريح
الى أن يقول :
ما لعينيك الكحيلتين بالأسرار
تلامسان عميق الروح
بهبة الكبد ؟ 18
مشهد حواري ، أحادي الصوت، لسارد ، يروي حكاية عشق/سراب ، يتموج على حواف أزمنة نائية، أشار إليها الشاعر بصورة مكثفة للأزمنة بقوله " روف الأصيل " ...مشيرا الى زمن آخر، إشراقة الصبا في عمر المرأة. استدعتها لحظة آنية، هي لحظة الرحيل. يسترسل الشاعر في حواريته :
إن شئت سيدتي.......
الذاهبة
في شهد العواصم
بعد أن تركت البحر أمامي
أعبه على الضجر
وحيدا19
صور تداعيات فعل الرحيل ، تقلق ذات الشاعر. " تركت البحر أمامي أعبه على الضجر" خطاب بلغة الحسرة. مرة أخرى ، مشهد الرحيل يخترق المنام "المدلل" للشاعر، في قصيدته " طوق الرحيل "، حيث نجده يقول :
في المنام المدلل
لمحتك...يا شهقة الروح
تمشين بمعية أزهار
ضيعت عيونها
إثر أرض
ستدركها صعقة الخطو المطير..
ليت عماها الأسير
يفك
طوق الرحيل إليها20
تعكس القصائد الثلاثة الأولى ، نفسية شاعر تتلظى بلهيب الفراق، حيث تمضي الغنائية ، صوتا إيقاعيا، ينتظمها. فراق و ليل و عشق. مضخات تزود ذات الشاعر بإمكانات جديدة للغة ، يولد منها وحدات التعبير، عن البوح الشجي. ملهمات الوحي القلق . مولدات شجن يضيء للمتلقي ، معجما لغويا ، مسكوكا من ذات الشاعر و تجاربه الوجدانية. يقول في قصيدته الثالثة ، " ليل في كف الوميض":
.........
كنت أعشقه
حد مدن تذبح صدرها
بغموض بارد
قبل أن يولد أنس الحنين
أن يومض حدس الملك الحزين
إلى أن يقول :
..............
و ما الليل
الا صوتي المذبوح على حافة النهار
إذا ما تلبس بالكائنات
نطق حرفا لا يلين ...
لا يبين...
سوى على ضفة ورق
أضاءته
قناديل الظلام 21
بوح شعري، يرشح بالحنين الى أنس الأمكنة ، من خلال تيمة " الملك الحزين" ، و بإباء الشاعر، و تعاليه على الشكوى،إلا ما كان من حروف ، لا تبين و لا تلين إلا " على ضفة ورق" . لغة ، تنبني جملا فنية ، في هيكل شعري. أبيات تعكس حميمية مشاعر " الأنا المجروحة في العشق الأليم" ، كما جاء في آخر بيت في القصيدة ، و هي قصيدة لغتها غير مغرقة في التجريد . وظيفتها الفنية، اكتساب شعرية الدلالة من خلال نفخ حرارة الأحاسيس في ألفاظها.
مع قصيدة " مقاطع في الحرب " ، تبدأ ذاتية الشاعر تتفاعل مع المشترك الإنساني العام.بعد أن تتخلص الأبيات من هيمنة تاء المتكلم في المقطع الأول، حيث يقول :
كلما
التقيت غاويتي بالمقهى
حدثتني عن مغزى الحب في زمن الحرب
صمت صمت الورد وسع الرماد
همست لها : قريبا ، ترقبي قلبي
قد
يجيئك
رصاصة
في مقتل العمر.
في المقطع الثاني تتحول "الأنا" الى " النحن" حيث نجده يقول :
الآن
ماذا جنينا
من أسرار الحرب
و خطوات العسكر في ارتعاشة الربيع
إلا كلاما على أسرة تخجل من عريها22
قصيدة بنبر المشترك. مع لغة إشارية ، تومئ إلى صورة بانورامية عن حروب ، في زمن تحول فيه العالم إلى " قرية صغيرة " :
العالم قرية صغيرة
لكن الحرب كبيرة
قد تستغرق بعض الخيانة23
القصيدة مركبة من مقاطع هي خرائط لأنواع الحروب و ألوانها، في زمن المذياع، و الكتب الرقمية الملغمة، و الثرثرة السياسية، و " السفن التي تمخر في اتجاه الشرق". قصيدة بطعم هموم الشاعر المعاصر، و مشاهداته للأحداث " التي قد تكون منها حرب العراق....و هيمنة القوى العظمى على أنظمة مشكوك في مصداقيتها...و...و....تعددت القضايا و الهم العربي/الإنساني واحد. إلى أن يمزج ذاته بالعالم صادحا :
بربك أيتها الحرب
خففي قعقعة الخراب
ما أظن هذ الأوطان
إلا من جسدي...24
وهذا ما تمت الإشارة إليه سابقا ، من كون القصائد وردت في سياق تاريخي ، يحيل على الإنساني/الاجتماعي. و سيدعم استنتاجنا هذا ، قصيدتان من الديوان هما " شهيق الأرض" ، عن زلزال الحسيمة و " أسرى الماء" عن فيضانات الناظور . و قصيدة " أريج الثناء"، التي يمجد فيها الفعل التربوي من خلال أطره. قصائد الديوان، مشاهد ناطقة . و رسالة من شاعر أحرق كل الخرائط. و أطلق العنان لرؤاه لتقتطف شعلة أولمب ، مرددا :
و أنا أتفيأ سقطة النار
وسع سماء تتهيأ لي
على سرير يجفف رجليه في سرة الطين25
مضيفا في قصيدة أخرى :
العيون كلها تضيء
فواعجبي ممن لا يستضيء26
الاحالات :
1 ديوان " غنج المجاز " للشاعر جمال أزراغيد الطبعة الأولى 2011 شركة مطابع الأنوار المغاربية وجدة.
2 مدخل الى علم الجمال الأدبي عبد المنعم تليمة ص: 106 الكتاب من منشورات عيون المقالات ط 2 1987 بالدار البيضاء.
3 كتاب " نظرية الأدب " لمؤلفيه : رينيه ويليك و أوستن وارين. ترجمة محيي الدين صبحي. مراجعة د.حسام الخطيب.عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر الطبعة الأولى 1987 . ص : 42
4 مقال ل ا.د. هيرش بعنوان " اتجاهان في التقييم الأدبي" نشرته مجلة عيون المقالاات العدد1 سنة 1986 . ص: 33 بتصرف
5 الديوان : ص : 105
6 مقال لتودوروف ، بعنوان " تطور النظرية النقدية " نشرته مجلة " عيون المقالات ً : ص 14 ، العذذ الأول سنة 1986.
7 مقال ل " تودوروف" نشر بمجلة الفكر العربي المعاصر العدد 38 سنة 1986 ص : 34
8 الديوان ص: 71
9 كتاب مدارات الحداثة للدكتور محمد سبيلا منشورات عكاظ المغرب ط 1988 ص: 91
10 الديوان ص : 47
11 الديوان ص : 43
12 الديوان ص : 38
13 الديوان ص : 39
14 الديوان ص : 100
15 الديوان ص : 103
16 الديوان ص : 104
17 مقال لأمبرتو إيكو بعنوان " المرسلة الشعرية نشرته مجلة الفكر العربي عدد ممتاز 19/18 مارس 1982 ص: 102
18 الديوان ص : 5
19 الديوان ص : 8
20 الديوان ص : 9
21 الديوان ص : 12
22 الديوان ص : 15
23 " " : 17
24 " " : 23
25 : : : 75
26 " " " 56
مع مودتي و تقديري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.