من الظواهر التي ما انفكت تستفحل في مجتمعنا، وباتت تقلق وتؤرق مضاجع آلاف الأسر المغربية خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب تزايد أعداد المشردين وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، هناك ظاهرة اغتصاب الأطفال القاصرين، حيث لم يعد مكان يخلو من مخاطر الاعتداء الجنسي على الأطفال سواء في المدرسة أو الشارع وحتى بيت الأسرة، كما لم تعد الساكنة في جميع جهات المملكة تعيش في مأمن من انتشار بعض الذئاب البشرية، الذين يتربصون بضحاياهم الصغار من الجنسين، ولا يتورعون عن ممارسة شذوذهم وإشباع غرائزهم الحيوانية، مخلفين وراء أفعالهم الإجرامية جروحا نفسية عميقة لضحاياهم وعائلاتهم، مما يفقد المواطنين الشعور بالأمن والاستقرار. وفي هذا السياق، نشير إلى الجريمة الشنعاء التي اهتز لها الشارع المغربي بتزامن مع فعاليات موسم مولاي عبد الله الثقافي بمدينة الجديدة، والمتمثلة في اغتصاب جماعي لطفل يسمى "البشير"، يبلغ من العمر 13 سنة فقط وينحدر من مدينة اليوسفية. حيث أنه وحسب بيان صادر عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآسفي، وبمجرد حلوله بالمدينة رفقة صديق له تم استدراجه إلى بقعة خلاء، ومباشرة بعد فقدانه الوعي إثر القيام بتخديره، تعاقب على الاعتداء عليه جنسيا بشكل وحشي أزيد من عشرة أشخاص، مما أدى إلى إشعار الدرك الملكي ونقل الضحية عشية نفس اليوم على متن سيارة الإسعاف إلى المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش قصد تلقي العلاج اللازم، لاسيما بعد أن أصبح في وضع نفسي جد حرج. والأفظع من ذلك أنه قبل حتى أن تجف دموع أم الطفل "البشير" المكلومة، التي لم تستطع تحمل هول الصدمة التي ألمت بها، فإذا بساكنة إقليمإفران تهتز هي الأخرى لهتك عرض طفل آخر من نفس العمر 13 سنة بأحد المخيمات الصيفية في منطقة "رأس الماء"، وقيام عناصر الدرك الملكي بالمركز القضائي آزرو بتوقيف الجاني، الذي لم يكن سوى أحد المؤطرين. حيث أكدت بعض المصادر العليمة أنه جرى ضبطه متلبسا بجريمته النكراء من قبل المسؤول الأول عن المخيم، ليتم إبلاغ السلطات ومباشرة التحقيقات اللازمة، التي أفضت إلى توقيف مؤطر آخر، تبين أنه كان على اطلاع بحيثيات الجريمة دون العمل على إنقاذ الطفل والتبليغ عن زميله المتورط. وهكذا انتهى الأمر بتقديم المشتبه بهما أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمكناس، بعد أن وجهت لهما تهم "هتك عرض قاصر، والتستر عن الجريمة"، ويقرر قاضي التحقيق إيداعهما السجن المحلي ب"تولال" في انتظار إنهاء عملية البحث والتحقيق... وإثر هذا الحادث الأليم دخلت على الخط الجامعة الوطنية للتخييم، لتعلن عبر بلاغ لها عن استنكارها وتنديدها بمثل هذا التصرف الوحشي واللا أخلاقي، الذي لا يمت بأي صلة للإدارة والأطر التربوية، الذين سارعوا إلى كشف الجاني والتبليغ عنه. إذ أنها لم تتأخر في إدانته معتبرة أن الفعل الإجرامي سلوك دخيل وغريب عن قيم ومبادئ التربية والتخييم، مؤكدة على أن مثل هذا التصرف الفردي الأهوج، لن ينقص أبدا من مكانة فضاءات التخييم الوطنية، التي سيتم المزيد من الحرص على أن تظل آمنة ومفتوحة لترسيخ قيم المواطنة والتربية السليمة، مجددة التزامها باعتماد الصرامة في مواجهة كل الممارسات المنحرفة، مشددة على أن سلامة الطفل وأمنه الجسدي والنفسي يظلان خطا أحمر لا تسمح لأي كان بتجاوزه... وليس الحادثان السالف ذكرهما أعلاه سوى نموذجين من الأفعال الإجرامية الشنيعة التي ما انفكت تثير استياء عميقا في أوساط آلاف الأسر المغربية، حيث تتعالى أصوات الشجب والاستنكار بين ساكنة المدن المغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بضرورة التصدي لمسلسل اغتصاب الأطفال الرهيب، وتشديد العقوبات في حق كل من تسول له نفسه الإقدام على ارتكاب مثل هذه الجرائم الفظيعة، حتى يكون عبرة للآخرين. فرغم انضمام المغرب إلى عدة اتفاقيات دولية حول حقوق الطفل، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن من بين أكثر أنواع العنف استشراء في المجتمع المغربي، التي يعاني منها الأطفال بشكل لافت هناك العنف الجنسي، الذي مازالت الجهود المبذولة من أجل مكافحته والحد من آثاره غير كافية، وتستدعي الكثير من التعبئة واليقظة والحرص الشديد على حماية الأطفال، من خلال اعتماد سياسات عمومية تقوم على البعد الاجتماعي، توفير الإمكانيات المادية الكافية للبرامج التي تستهدف هذه الفئة الهشة من المجتمع، وعدم التركيز فقط على الجوانب السياسية والاقتصادية... إن ظاهر اغتصاب الأطفال من المواضيع الشائكة والمعقدة التي طالما بلغ صداها إلى البرلمان، دون أن يجد لها نواب الأمة الحل الأمثل الذي من شأنه إعادة السكينة والطمأنينة إلى قلوب المغاربة، ولاسيما أنه بات من الصعب إيجاد تفسير مقنع للأسباب الكامنة خلفها، حيث يرى الكثير من المراقبين أن استفحال الظاهرة يعود إلى غياب إجراءات وقائية حقيقية وعدم وجود أحكام رادعة في حق المعتدين من منعدمي الضمير، الذين يستغلون فقر أسر الضحايا أو انفصال الأبوين وأشياء أخرى، مما يستدعي إقرار عقوبات صارمة وتعزيز آليات حماية الطفولة، ولاسيما أنه بات لزاما على المغرب بذل المزيد من الجهود في اتجاه الالتزام بالاتفاقيات الدولية...