"لحظة تاريخية لتحول هيكلي" يؤشر إليه يوم 2 غشت الجاري، سيحفظها التاريخ المغربي الرياضي عامة والكروي خاصة؛ بعد توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية لنادي الرجاء الرياضي مع شركة استغلال الموانئ (مارسا ماروك)، في خطوة تُمهد لتحول الفريق إلى شركة رياضية، كأول نادٍ مغربي يقوم بهذا التغيير الهيكلي الكبير، وذلك بعد سنوات من الانتظار وتوصيات سابقة، متضمنة في تقارير رسمية، حثت على تعزيز "اقتصاد الرياضة" بدعم التحول البنيوي في تسيير النوادي المغربية من منطق الجمعيات إلى مقاربة الشركات الرياضية بمنطق استثماري يُعلي من شأن "المردودية". وتأتي خطوة "تفعيل الشركة" انسجاما مع توصيات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الرامية إلى تحديث وتطوير البنية القانونية للأندية الوطنية، لتفتح صفحة جديدة في تاريخ الكرة المغربية وتُمهد لمرحلة يُنتظر أن تُحدث تغييرات جذرية على مستوى التسيير والتمويل وجلب الاستثمارات. جواد الزيات، رئيس نادي الرجاء الرياضي، ثمّن الخطوة واصفا إياها ب"التاريخية". وقال: "اليوم، نعيش لحظة مفصلية في تاريخ النادي. لقد انتقلنا إلى جيل جديد من التسيير عبر تفعيل الشركة الرياضية، التي أصبحت اليوم الأكبر في المغرب برأسمال يُقدر ب250 مليون درهم (25 مليار سنتيم)". وأوضح الزيات، في تصريح للموقع الرسمي للرجاء، أن "توزيع هذا الرأسمال يتمثل في 150 مليون درهم من لدن المستثمر، و100 مليون درهم من لدن الجمعية الأم، سيتم ضخها في شكل قيمة لاعبين وعلامة النادي". كما لم يُخفِ فوزي لقجع، رئيس الجامعة الوصية على كرة القدم بالمملكة، "تفاؤله الكبير" بتحول الرجاء إلى شركة رياضية، عادا ذلك "انطلاقة فعلية لمسار جديد سيفتح آفاقا استثمارية أوسع للنادي، ويُمكنه من ترسيخ دوره كمصنع للنجوم والمواهب". وشدد لقجع على أن "هذا النموذج الذي يقدمه الرجاء يجب أن يُحتذى من باقي النوادي الوطنية (...) لأنه لا يُمكن تحقيق نهضة كروية شاملة إلا بتكامل الجهود". عوائد الاستثمار قال إدريس عبيس، إطار وطني ومحلل رياضي، إن "هذا الحدث لا يمكن عزله عن المسار التاريخي لتطور الاستثمار في كرة القدم الوطنية". وتابع عبيس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، شارحا: "منذ بدايات قوانين التربية البدنية، وُضعت الأسس الأولية للاحتراف، وكان من أبرز النماذج نادي الرجاء البيضاوي، الذي كانت له اتفاقية احتضان مع المكتب الوطني للموانئ، وهو ما مكن عددا من اللاعبين من العمل تحت هذه المظلة". وأضاف الإطار الوطني والمحلل الرياضي أن "الأمور تطورت مع دخول المُستشهرين"، معرجا على القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة الذي نص على "ضرورة إحداث الشركات الرياضية بشروط دقيقة؛ ضمنها دفتر تحملات ملزم، ونسبة محددة من الأجور تُحول في إطار منظومة التسيير الرياضي الحديث". غير أن هذا التحول، حسب الخبير الرياضي، "لم يكن سهلا؛ بل مر بمخاض عسير"، حيث تطلب "دعم الدولة لتجارب أولى، مع الإشارة إلى تحديات كثيرة لا تزال مطروحة، على رأسها: "غياب الخبرة الاقتصادية في مجال تقييم الأندية وقيمتها السوقية"، وكذا "عدد الممثلين داخل الشركة بين أعضاء الجمعية والمساهِمين"، ناهيك عن "غياب متخصصين في الاقتصاد الرياضي". وفي هذا الإطار، زاد عبيس طارحا ما وصفها بتساؤلات مركزية: "كيف يتم احتساب الأسهم، وتحديد التركيبة الإدارية، وضمان استمرارية الحكامة المالية؟"، قبل أن يبسط بعض عناصر الإجابة بالقول إن "العديد من الأندية الوطنية نشأت في فترات تاريخية حساسة، واكتسبت رمزية كبيرة وأرصدة رياضية مشرفة؛ لكنها تفتقر إلى أدوات تقييم احترافي تجعلها قادرة على دخول سوق الاستثمار الرياضي بثقة". من جهة أخرى، "فإن الجمعيات الرياضية ليست مؤهلة قانونيا للمنفعة العامة، مما يحرمها من تلقي الهبات والاستثمارات الكبرى؛ ما يفسر اعتمادها المستمر على دعم الجامعة أو الوزارة"، وفق المصرح. وفي ما يخص الرجاء البيضاوي، تحديدا، "فهناك مرافق رياضية مهمة تحت إشرافه، من ضمنها أكاديمية حديثة بدعم ملكي، وكلها بنية تحتية تحتاج إلى وضوح قانوني واستثماري لضمان الاستغلال الأمثل. وبالتالي، فإن التحول إلى شركة رياضية يمثل خطوة ضرورية لرفع مستوى الحكامة وتجاوز أزمة الديون"، حسب عبيس. وأشار الإطار الوطني إلى "دخول النادي مرحلة جديدة تسمح له بفتح رأسماله أمام مستثمرين حقيقيين (..) ذلك ما ستُحدده طبيعة هذا التحول، ومدى توفر شروط الجدية والشفافية، لضمان أن يكون هذا المشروع بوابة لانطلاقة جديدة للنادي، في إطار توازن بين التاريخ الرياضي والمستقبل المؤسساتي". وختم مجملا: "يُنتظر من المستثمرين الجدد أن يلتزموا بضمان مداخيل قارة، وأن تكون لهم رؤية استثمارية واضحة، خصوصا عند التعاقد مع اللاعبين أو المراهنة على تطويرهم لإعادة بيعهم في سوق الانتقالات. وهنا تُثار مسألة تقاسم العائدات، إذ من المرتقب تحديد النسب المالية التي ستحصل عليها الشركة في حالة بيع لاعب، مقابل ما ستحتفظ به الجمعية الأم، مع توضيح العلاقة بين الطرفين في دفتر التحملات؛ لكن الأمور تبقى، إلى حد الساعة، غير واضحة للمنخرطين، في غياب نص دقيق يُحدد الحقوق والواجبات والمسؤوليات بين الجمعية والشركة، خاصة أن هذا التحول يُخرج النادي من منطق التدبير التقليدي إلى منطق الاستثمار والنجاعة الاقتصادية". ورغم هذا، فإن "المبادرة واعدة وجديرة بالنقاش"، خصوصا من لدن المختصين في الاقتصاد الرياضي، إذ ستلعب التجربة دورا مهما في تقييم مدى نجاعة النموذج الجديد، ومدى تأثيره على مردودية الجمعية الرياضية التي تظل هي الكيان الأم وتمثل الجماهيرَ والهوية والانتماء"، بتعبير المحلل ذاته. نمط للحكامة عزيز داودة، الإطار التقني الوطني والخبير الرياضي، اقتفى أثر النهج التحليلي ذاته، مؤكدا أن "المسار التاريخي لتطور الأندية الرياضية منذ بداية الثمانينيات كان مبنيا في نمط التسيير على قاعدة الاحتضان والتبني من شركات قائمة". واعتبر داودة، ضمن حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الرجاء من النماذج القليلة التي نجحت في تجربة قانون الاحتضان"، لافتا إلى أن "التجربة ليست بالجدي؛ فالرابط بين الشركات والأندية الرياضية قديم.. ومن المعلوم أن مقاولات عمومية تكلفت ببعض الأندية وساهمت في تطويرها وإغناء خزائنها بالألقاب واستقطاب المواهب الرياضية". وأبرز الإطار التقني الوطني والخبير الرياضي أن "تفعيل الشركة الرياضية في حالة نادي الرجاء هو النمط الجديد من التدبير الاستثماري الذي يراهن أساسا على مفهوم "الشركة الرياضية"، التي تبقى فضاء المستثمرين وليست مِلكا للجمهور؛ فهم معنيون أساسا بالربح والمردودية، ولا يواجهون الإكراهات نفسها المرتبطة بالتسيير التقليدي. وزاد المتحدث عينه مردفا: "هذا يُحتم وجود توازن دقيق بين البُعدين: الرياضي-الاجتماعي من جهة، والاستثماري–الاقتصادي من جهة أخرى"، معتبرا أنها "تجربة غير مسبوقة أن الشركة ستسير الفريق الأول لكرة القدم". وسجل الخبير في الشأن الرياضي أن "ضمان التقارب مع جمهور عريق مثل جمهور الرجاء رغم اختلاف نمط الحكامة في التسيير سيكون رهانا كبيرا فضلا عن تفاصيل التركيبة الإدارية والعضوية في المكتب المُسير وكيفية تدابير العوائد المالية". كما أشار إلى أن "النمط الجديد قائم على شراكة مؤسساتية بين "الشركة" و"الجمعية"؛ لكن بمنطق قائم أساسا على "ثلاثية: الإنتاجية والربحية والمردودية"، منوها إلى أن "إسهام المكتب المسير الحالي برئاسة الزيات وقوة البروفايلات لها مكانتُها في إنجاح تفعيل الشركة الرياضية للرجاء، بما يضمن استيعاب ركائز الشركة، والتدبير المعقلن للموارد لتحقيق النتائج المرجوة". وخلص عزيز داودة منوها بمكاسب "سيرورة تحول الأندية إلى شركات رياضية، بما ينسجم مع توصيات سابقة وأيضا مع النصوص القانونية للقطاع.. مبرزا أن حذو نوادٍ أخرى للنهج نفسه قد يزيد من توهج الكرة المغربية وإشعاعها في محافل رياضية قارية وعالمية".