اليوم: يوم جمعة. المكان: محل عملي بثازغين. الزمان: الساعات الأولى من الصباح. ككل يوم، قصدت مقر عملي، على الساعة التاسعة صباحا. في الحقيقة ليس من أجل العمل فقط، بل من أجل كسر الروتين ومقاومة أحزاني وألامي، والسفر بعيدا بمخيلتي إلى عالم من الأحلام الوردية، حيث لا قيود ولا حصار ولا أغلال… وحيث يمكنني نسيان الأزمة الغازية والغيوم التي غزت وتحوم حول الريف مؤخرا، بتحالف مخزني سماوي بامتياز، نتج عنه اهمال واقصاء وحكرة وتهميش،يكون الريفي “الانسان” والريف “الوطن” ضحيتهما الأولى. فالريفي في نظر الدولة المغربية هو ذلك الانسان الخارج عن القانون الذي يعيش بفضل التهريب والتجارة في المخدرات…، وأكثر من ذلك يصنفونه في قائمة الانفصاليين الذين يهددون وحدة الوطن …هكذا تصفه لنا الجرائد المغربية المحترمة كلما أتيحت لها فرصة ذكر الريف والريفيين خاصة، أما الدولة المغربية فزيارتها لهذه الأرض الطيبة تكون فقط من أجل مصلحتها لا أكثر ولا أقل ومن أجل الاستحواذ على أراضينا وازالتها من ملاكها الاصليين خاصة تلك التي لها موقع استراتيجي مهم كالمطلة على البحرمثلا، قصد تحويلها الى منتجعات سياحية، لاغراء ولفت أنظار أثرياء الخليج الحاملين أصفارا على رؤوسهم، وأصفار تحت أرجلهم ولا يرون الا الأصفار. وبهذه الأصفار يزوروننا قصد الاستفادة من أصفار أخواتنا الائي يمنحن لهم كهدايا (هنا التاريخ يعيد نفسه، فبالامس البعيد وأيام الغزو العربي لثمازغا كانت النساء الامازيغيات هن المزود الرئيسي لسوق النخاسة، وأزيد من عشرات الالاف من النساء تم اقتيادهن الى “الشرق الأوسخ” عفوا الشرق الأوسط كما ذكرها مؤرخون عاصروا هذا الزمان ومن بينهم “ابن كثير”. رغم الفرق الزمني بين الماضي والحاضر، الا أن الوضع لا يزال قائما، ولا يزال “الشرق الاوسخ” يستفيد من أجسام أخواتنا، حيث التقارير تشير الى أن الملاهي الليلية في دول “العروبة والاسلام” ممتلئة حتى أخرها بنسائنا… لكن الفرق بين هذا الزمان والزمان الماضي هو أن نساء الماضي أخذن كأسرى ومجبرات على ذلك، فيما يذهبن الان بمحض ارادتهن راكضات وراء النقود أو تحت قهر الزمان والفقر…) بسبب الأموال البترولية، الذي أتمنى وبكل قلبي أن تجف أباره ومنابعه ، ويعود هؤلاء “الهمج” الى سابق عهدهم حيث الابل والخيام، ويرتاح العالم من شرهم اللعين وأنا واحد من هؤلاء. صبيحة يوم ذات الجمعة كان يوما استثنائيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فقد أعلن موقعنا أريف اينو عن خبر وفاة واستشهاد الطفلة يسرى بعد صراع ورحلة طويلة مع مرض غامض، نتج عنه تشوهات وعاهات يصعب شرح ملامحها، حيث تركت عرضة للتهميش ولامبالاة الدولة والقطاعات الخاصة، والمعنية الأولى بالأمر قطاع الصحة المريض. نداءات الأب المسكين لم تلق أذان صاغية ولا قلوبا رحيمة تتحسس وتقاسم معاناته باستثناء بعض المساعادات المحتشمة من قبل بعض المهاجرين الريفيين ورجال من إقليمالناظور )وما أقلهم في هذا الزمن الرديء ( الذين تابعوا تفاصيل قضية الشهيدة يسرى من خلال الموقع المذكور. من هنا و جب علينا طرح سؤال جريء ومسؤول وانساني، هل يمكن أن نعتبر المغرب دولة ؟؟. وهي التي لم تهتم حتى بحالة من الحالات الانسانية مثل حالة يسرى المستعصية حتى على الفهم، حيث تركت فتاة بريئة صغيرة يتيمة تواجه مرضها وألامها وحدها في صمت رهيبن، حتى استسلمت له وكان سبب وفاتها، دون أن يذكرها أحد(باستثناء الموقع أريف اينو الذي تابع قضيتها منذ البداية) وبدون أن يقدم لها التعازي وبدون جنازة كبيرة وبدون بكاء ولا حزن، وبدون أن نرى لها صور لا في المواقع ولا حتى في الجرائد ولا حتى في قنواتنا (عفوا قنواتهم). أبسبب فقرها ؟ أم بسبب ذنب لم ترتكبه ؟. رحلت يسرى في صمت كما جاءت لأول مرة إلى هذه الحياة الملعونة في صمت، أو بالصدفة. رحلت حاملة معها كل معاني القسوة والألام دون أن تتذوق ولو لحظة في حياتها لذة العيش والوجود الكريم والجميل…كل هذا لأنها سليلة أسرة فقيرة وروت من مياهه العذبة، بنت رجل من رجال الشعب الكادح شربت من منابع الحرمان والبؤس. أين المواقع الناظورية التي تقول عن نفسها أنها في خدمة الشعب والتي تصور وتغطي كل صغيرة وكبيرة وكل خارجة وداخلة عن دهاليز السلطة ؟؟؟ أين المواقع التي صنعت من الخشب والورق أبطال موهومين وانتهازيين، مقابل حفنات مسمومة من الدراهم ؟؟؟ أين الذين تكلفوا بمصاريف الرحلة الاستجمامية الى الجنوب…؟؟؟ أين الذين قهرونا وأتعبونا بالوقفات والاحتجاجات المملة والمصلحية أمام باب مريتش )مليلية(، والذين يتزعمون اعادتها للمغرب؟؟ وهل يموتوا الريفيون هكذا في مريتش وسط اهمال الدولة “الكافرة”، ”المستعمرة”، المسماة اسبانية لهم؟؟ أين الجمعيات التي تتغنى بحقوق الطفل وتتخذ منه شعارا لخدمة مصالحها الشخصية السياسية؟؟؟ أين جمعيات للا وسيدي المستفيدات من ملايين الدراهم من خزينة الدولة، والتي لا أحد يعرف أين تذهب وأين تستغل حيث لا يملك أحد الحق والجرأة أن يسأل ماذا فعلتم بها وماذا تفعلون بها؟؟ أين الجمعية المغربية لحقوق الانسان بين ملايين الاقواس، لماذا لم تعلن تبنيها لملف هذه الصبية المسكينة، تماما كما تفعل عندما يموت أحد أطفال فلسطين والعراق ؟؟ أين الاعلام السمعي البصري المغربي وهو الذي يقوم باستدعاء كل مطربين ومطربات الشرق الاوسخ بالملايين والملايين من أموال الشعب من أجل أداء أغاني منحطة وساقطة منافية تماما لأعراف وتقاليد وطننا !وكأنه يسخر منا مطبقا المثل المغربي )أش خاصك العريان …خاصني الخواتم (، وكأن الشعب المغربي وصل الى قمة العيش الكريم وحصل على كل حقوقه الكاملة …ولم يبقى له سوى الغناء والرقص وحضور مهرجانات تخدم مصلحة مديرها فقط، تاركين الشعب المغربي يعاني كل ويلات الفقر والتجويع والتهميش والموت مرضى مثل الشهيدة يسرى . ان طريقة الموت هذه البشعة التي أودت بحياة طفلة بريئة، لا لشيئ الا أنها تنتمي الى وطن غضب عليه المخزن وليس من عائلات فلان وفلان، جعلت أيادي الدولة المغربية ملطختين بدمائها وضالعة في هذه القضية بشكل مباشر. وما موتها الى سلسلة من الاغتيالات المخزنية الممنهجة والمدروسة مع سبق الاسرار والترصد في حق الشعب المغلوب على أمره. كما أعلن ومن هذا المنبر تبرئتي من هذه الدولة المشؤومة، تضامنا مع الطفلة يسرى و مع الالاف من أبناء الشعب الذين يقتلون كل دقيقة وساعة ويوم، وسط صمت خجلت منه حتى الارض!!! الا ضمائر مسؤولينا. أرقدي بأمان يا عزيتي وارتاحي من جحيم العذاب والألم،الذي سببه لك مسؤولين……..