1. الرئيسية 2. اقتصاد من الإدانة إلى التزكية.. مجلس المنافسة يمنح صك الغفران المؤسسي ل"كارتيلات المحروقات" مؤكدا أنها "تهذّبت" و"التزمت" بتعهداتها الصحيفة - خولة اجعفري الخميس 17 أبريل 2025 - 23:05 في تحول لافت يعكس ما يمكن اعتباره "تليينا" في المواقف الرقابية تجاه واحدة من أكثر الملفات احتقانا في علاقة الدولة بسوق المحروقات، خرج مجلس المنافسة بتقرير حديث يُعيد تقييم سلوك شركات توزيع الغازوال والبنزين في المغرب، وعلى رأسها شركة "أفريقيا" المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، ليؤكد أن هذه الشركات أبانت عن "التزام عام" بتعهداتها، بعدما كانت إلى عهد قريب موضوع إدانة صريحة بتهم ثقيلة من قبيل الاحتكار، وتنسيق غير مشروع للأسعار، واستنزاف جيوب المواطنين في ظل غياب تسقيف أو مراقبة صارمة. التقرير الذي يغطي الربع الأخير من سنة 2024، يأتي في أعقاب اتفاقات صلح مبرمة بين المجلس وشركات المحروقات، في سياق جدل سياسي وشعبي متواصل حول المسؤولية الاجتماعية والرقابية للدولة في حماية المستهلك من تغوّل السوق. واعتبر المجلس، في تقريره الذي اطّلعت عليه "الصحيفة" أن هذه الشركات أظهرت "امتثالا للإجراءات المتفق عليها"، خصوصا تلك المتعلقة بتمرير انخفاضات الأسعار الدولية إلى السوق المحلية، وتعزيز الشفافية في هياكل التسعير، وهو ما اعتبره كثيرون نوعا من "الصفح المؤسساتي" عن ممارسات لطالما وصفت بالاستغلالية. وبنبرة تقنية تغلب عليها المقاربات الحسابية بدل المعايير الأخلاقية والرقابية التي يفترض أن تحكم مثل هذه القضايا، يشير التقرير إلى أن متوسط تكلفة الشراء دون احتساب الرسوم بلغ خلال هذه الفترة 9.94 درهم للتر بالنسبة للغازوال، و11.66 درهم للتر للبنزين، أما أسعار البيع النهائية، فقد سجلت انخفاضا قدره 0.45 درهم للغازوال و0.56 درهم للبنزين. وفي تبرير غير مباشر لهوامش الربح، أوضح المجلس ضمن تقريره أن هذه النتائج تعكس "استيعابا جزئيا لتقلبات الأسعار العالمية"، بما أفضى إلى تراجع نسبي في الأسعار رغم استمرار ارتفاع تكاليف الاستيراد والتموين، أما من حيث الالتزام باتفاقات الصلح، فقد أكد المجلس أن شركات التوزيع، التي تعتمد نظام التسيير الحر لمحطات الخدمة وتمثل أزيد من 86% من المبيعات، عمدت إلى تمرير الانخفاضات المرتبطة بتكلفة الشراء إلى المستهلك، خاصة في ما يتعلق بالبنزين. أما فيما يخص هامش الربح الخام، فقد بلغ خلال الربع الأخير من 2024 ما معدله 1.28 درهم للتر في الغازوال، و1.67 درهم للتر في البنزين، وهي أرقام تبدو في ظاهرها "أقل" من تلك المسجلة في الربع الثالث من العام ذاته (1.46 درهم للغازوال ودرهم واحد للبنزين)، لكنها لا تلغي واقع أن الشركات لا تزال تُحقق أرباحا معتبرة في سوق ظل مفتوحا دون تسقيف، في وقت تشهد فيه القدرة الشرائية للمواطنين تراجعا ملحوظا. من جهة ثانية، فإن التحول في خطاب مجلس المنافسة لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام الذي يتسم بتصاعد الغضب الشعبي من ارتفاع أسعار المحروقات، والتساؤلات المتكررة حول تضارب المصالح بين سلطة القرار وسلطة السوق، فشركة "أفريقيا"، المملوكة لعزيز أخنوش، كانت في صلب الإدانة السابقة التي أصدرها المجلس، والتي أكدت وجود ممارسات احتكارية وتواطؤ غير مشروع في تسعير المحروقات، وهي الإدانة التي اعتُبرت حينها خطوة جريئة في وجه ما وصف ب"الكارتيل النفطي"، غير أن لغة التقرير الجديد بدت أكثر تصالحا، بل ومشيدة بسلوك الشركات، وهو ما يستلزم وضع تساؤلات واضحة حول ما إذاتغيرت الممارسات فعلا، أم أن التغيير يطال فقط زاوية الرؤية والمحاسبة. وفي سياق موازٍ، سجل التقرير أن حجم المبيعات الإجمالية من الغازوال والبنزين بلغ حوالي 2.2 مليار لتر خلال الربع الأخير من 2024، نالت الشركات التسع موضوع التقرير منها 1.9 مليار لتر، أي بنسبة 82% من السوق، محققة بذلك ارتفاعا بنسبة 7.1% على أساس سنوي. وهذا يعني أن هذه الشركات، ورغم كل الجدل، عززت موقعها الاحتكاري، بل استفادت من الواقع الجديد لتوسيع حصتها السوقية، في غياب فاعلين منافسين حقيقيين أو تدخل تنظيمي يفرض شروط العدالة السوقية. ولا شك أن التراجع التدريجي في بعض الأسعار قد يُحسب جزئيا للشركات، لكن السياق العام يُظهر أن ما تحقق يظل بعيدا عن مطلب "العدالة السعرية"، فمجلس المنافسة، باعتباره مؤسسة دستورية، لا يُفترض أن يتحول إلى مروج لتقارير تقنية تسوّق لامتثال الشركات، بقدر ما يُفترض أن يظل حارسا يقظا لمبادئ التوازن الاقتصادي، خصوصا حين يكون المتهم أحد صناع القرار التنفيذي.