1. الرئيسية 2. المغرب 18 شهرا بعد تبرئتهم.. ستة مغاربة يصارعون الموت البطيء في سجون الصومال الصحيفة - خولة اجعيفري السبت 28 يونيو 2025 - 17:12 في زنزانة معزولة داخل سجن غاروي بمنطقة بونتلاند في الصومال، يقبع ستة شبان مغاربة منذ سنوات، ضحية مأساة إنسانية وقانونية تتشابك فيها خيوط الخداع والإرهاب والتقصير الدبلوماسي. فرغم صدور حكم قضائي نهائي يُبرئهم من تهم الانتماء إلى تنظيم إرهابي، لا يزالون رهن الاعتقال، في ظروف تصفها شهاداتهم ب"الكارثية"، يعتاشون على وجبة واحدة في اليوم، ويُحرمون من أبسط الحقوق، فيما تغيب الاستجابة الرسمية المغربية عن إنهاء محنتهم. ولم تكن بدايات القصة تحمل أي ملامح لخطر داهم فستة شباب مغاربة، دفعتهم ظروف البطالة وتضاؤل الأمل في المستقبل إلى ركوب مغامرة الهجرة صوب الصومال ووجهتهم لم تكن بالضرورة اختيارا حرا، بل كانت ثمرة وعود تلقوها من مغاربة آخرين أو وسطاء أوهموهم بإمكانية الالتحاق بفرص عمل مجزية في هذا البلد الإفريقي الذي يشهد هشاشة أمنية كبيرة وقد بدا للبعض منهم، في لحظة ضعف، أن المجازفة تستحق العناء، وأنهم قد ينجحون في تغيير مسار حياتهم. لكن، سرعان ما تحوّلت هذه الرحلة إلى مأساة حقيقية فعند وصولهم إلى إحدى المناطق الشمالية من الصومال، وجدوا أنفسهم في منطقة تسيطر عليها جماعات متطرفة يُعتقد أنها تابعة لتنظيم "داعش"، وهناك، وبعد أن أدركوا حجم الكارثة وخطورة الوضع، حاولوا النجاة، ففرّوا من قبضة التنظيم، وسلّموا أنفسهم إلى السلطات المحلية في بونتلاند، في خطوة بدت للوهلة الأولى عقلانية وأملاً في النجاة، لكنها للأسف لم تكن سوى بوابة إلى الجحيم. وتمت محاكمتهم أمام محكمة عسكرية محلية، في ظل ضعف في التمثيل القانوني، وعدم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بطريقة عادلة، ليصدر في حقهم حكم بالإعدام في صدمة نزلت كالصاعقة على أهاليهم غير أن التحقيقات اللاحقة أظهرت أنهم لم يكونوا سوى ضحايا لاستغلال وتضليل، لا علاقة لهم بأي نشاط إرهابي، ليُعاد النظر في الحكم ويتم تبرئتهم نهائيا بأمر قضائي قضى أيضا بترحيلهم إلى بلدهم الأصلي. هنا بدأت المفارقة الكبرى، فالعدالة الصومالية قالت كلمتها لكن الواقع لم يتغير وظل الستة محتجزين في زنزانات متداعية، في ظروف احتجاز توصف بأنها أسوأ من سجون الحرب، حيث يُحرم المعتقلون من المياه الصالحة للشرب، ويُكتفى بإعطائهم وجبة واحدة في اليوم لا تكفي لإبقاء الجسد حيا، أما الوضع النفسي فحدث ولا حرج، بين الخوف، وفقدان الأمل، والانقطاع عن العالم الخارجي. وفي تسجيل صوتي مسرّب نُشر عبر موقع "العمق المغربي"، تحدث أحد الشبان المعتقلين بصوت واهن قائلا: "نعيش على وجبة واحدة في اليوم، لا تكاد تُؤكل. لا ماء صالح للشرب، لا علاج، لا زيارات، لا صوت يطمئننا أننا لم نُنسى."مضيفا "نُعاني من ضغط نفسي مستمر، الوضع مأساوي.. نحن هنا رغم براءتنا، رغم أننا سلمنا أنفسنا طواعية، ورغم صدور حكم قضائي بترحيلنا... ولكن لا شيء يتحرك." وفي 19 ماي الماضي، لجأت عائلات المعتقلين إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ووضعت على مكتب الوزير شكاية تحمل مطالب واضحة، هي التدخل العاجل، التحرك الفوري، حماية أبناء الوطن لكن الرد ظل غائبا، ما دفع الأسر إلى طرق أبواب الإعلام، والمنظمات الحقوقية، لتسليط الضوء على ما بات يعرف ب"قضية مغاربة غاروي". وقالت عائلة أحد المعتقلين لمواقع صحافية: "ابننا بريء بشهادة المحكمة الصومالية.. ماذا تنتظر الحكومة المغربية لتُعيده؟ لقد تعبنا. كل دقيقة تمر هي عذاب لا يطاق". في المقابل، تُحمّل سلطات بونتلاند مسؤولية استمرار الاعتقال إلى المغرب، وتُصرّح بأن تنفيذ قرار الترحيل مرهون ب"موافقة الرباط على استقبال مواطنيها"، وهذه التصريحات تُعيدنا إلى إشكالية دبلوماسية أكثر تعقيدا، وهي غياب تمثيل دبلوماسي مغربي مباشر في الصومال، ما يُعقّد عمليات التنسيق والتتبع، ويترك مصير المواطنين المغاربة رهينا لتقديرات طرف واحد، لكن حتى في ظل غياب سفارة مباشرة، كان بالإمكان — وفق مختصين في القانون الدولي — تفعيل آليات الحماية القنصلية عن طريق سفارات مغربية بدول مجاورة، أو عبر التنسيق مع الأممالمتحدة أو الصليب الأحمر أو وسطاء دوليين. وتكشف هذه المأساة عن خلل بنيوي في منظومة حماية المغاربة بالخارج، خاصة في مناطق النزاع أو الدول الهشة أمنيا، فبينما تُبدي الدبلوماسية المغربية دينامية واضحة في قضايا الهجرة والاتفاقيات الدولية، فإن حالات مثل هذه تُظهر تقصيرا في حماية الأفراد، خصوصا عندما لا يكونون في موقف جنائي حقيقي، بل في وضعية ضحية.