1. الرئيسية 2. المغرب بين فضائح الأمس ورهانات الغد.. الجامعة المغربية تودّع الامتحانات الشفوية والكتابية لولوج الماستر وتفتح باب الانتقاء عبر الملفات الصحيفة - خولة اجعيفري الأربعاء 20 غشت 2025 - 19:12 بعد سنوات طويلة من الجدل الذي أثارته فضائح الجامعات المغربية، بدءا من ملفات "الجنس مقابل النقط" التي هزّت صورة التعليم العالي داخليا وخارجيا، وصولا إلى ما عُرف إعلاميا ب"شهادات قليش" التي وضعت مصداقية بعض الشهادات الجامعية على المحك، اتخذت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار خطوة وُصفت بالجريئة، بإلغاء المباريات الكتابية والشفوية لولوج سلك الماستر، وتعويضها بنظام جديد يعتمد حصريا على دراسة الملفات والنقاط المحصلة. هذا التحول، الذي دخل حيز التنفيذ بقرار رسمي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 غشت الجاري، يأتي في إطار دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الجديد لسلكي الإجازة والماستر، ليضع حدا لنظام قديم كان يعتمد على الانتقاء الأولي متبوعا باختبارات كتابية وشفوية، وهو النظام الذي طالته انتقادات واسعة بسبب ما وفره من هامش للتدخلات غير الأكاديمية والاتهامات بالتلاعب في نتائج المباريات. وبموجب المرسوم الجديد، فإن ولوج سلك الماستر سيصبح قائما على دراسة ملفات المترشحين وفق معايير محددة في الملف الوصفي لكل مسلك معتمد، وهو ما يعني إغلاق الباب أمام الشبهات التي ظلت ترافق الامتحانات الشفوية تحديدا، حيث كان للأساتذة دور مباشر في تقييم المترشحين. وفي خطوة إضافية نحو تكريس الشفافية، نصّ القرار على أن العمداء أو من يمثلهم سيكونون رؤساء لجان الانتقاء، ضمانا للحياد وتقليصا للعلاقة المباشرة بين الأساتذة والطلبة خلال مرحلة القبول. القرار الجديد الذي سيُطبّق ابتداء من الموسم الجامعي 2025/2026، تضمّن أيضا مستجدات أخرى لافتة، من أبرزها تكريس مبدأ "إجازة التميز" باعتبارها معبرا مفتوحا بشكل مباشر نحو الماستر، إضافة إلى فرض إنجاز بحث التخرج من داخل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية القريبة أو من وحدات البحث الجامعية، إلى جانب إدماج وحدة خاصة بالثقافة المقاولاتية في التكوين، وإلزامية مناقشة البحث أمام لجنة تتكون من ثلاثة أطر أكاديمية على الأقل. وفي ما يخص المسار البيداغوجي، حدد القرار أن الحصول على شهادة الماستر يتطلب استيفاء 120 رصيدا، مع اعتماد التكوين الحضوري أساسا، لكن مع إمكانية اللجوء إلى التعليم عن بعد كخيار تكميلي، فضلا عن اعتماد التناوب اللغوي بما يتماشى مع توجهات السياسة اللغوية في التعليم العالي. أما على مستوى شروط القبول، فقد نصّت الضوابط الجديدة على فتح باب التسجيل في الماستر أمام حاملي مختلف أنواع الإجازات بما فيها الإجازة الأساسية، الإجازة المهنية، إجازة العلوم والتقنيات، إجازة التربية، دبلوم الباشلور في التكنولوجيا، إضافة إلى دبلومات الدراسات الأساسية في العلوم الطبية وطب الأسنان والصيدلة، أو ما يعادلها من شواهد وطنية ودولية كما استفاد طلبة "مراكز التميز"، المحدثة بموجب القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، من امتياز خاص يتيح لهم الولوج المباشر إلى مسالك الماستر داخل هذه المراكز دون المرور بمرحلة الانتقاء. وبشأن آليات الانتقاء، نصت الضوابط على تشكيل لجنة خاصة تضم رئيس المؤسسة أو من ينوب عنه، إلى جانب رئيس الشعبة والمنسق البيداغوجي للمسلك، مع إمكانية إضافة أعضاء آخرين بقرار من رئيس المؤسسة. وهذه اللجنة ملزمة بتحرير محضر رسمي يتضمن لائحة الطلبة المقبولين ولائحة الانتظار، ويوقّع من طرف جميع أعضائها، على أن يوجَّه في نسخته الأصلية إلى رئيس الجامعة ورئيس المؤسسة قصد نشر النتائج بشكل رسمي وشفاف. القرار الوزاري رقم 1891.25، الصادر في 29 محرم 1447 (25 يوليوز 2025)، جاء ليؤسس لنقلة نوعية في منظومة التعليم العالي بالمغرب، في محاولة لإعادة الثقة إلى الجامعات بعد سنوات من الانتقادات والفضائح التي أضرت بسمعتها وبقدر ما يراه البعض خطوة في اتجاه تكريس النزاهة وتبديد هواجس الزبونية والمحسوبية، فإن نجاحه سيظل رهينا بمدى التزام المؤسسات الجامعية بروحه وتطبيقه بشكل صارم على أرض الواقع. وفي هذا السياق، يرى محمد العسيري، الباحث في قضايا التعليم العالي والسياسات التربوية، أن القرار الجديد لا يمكن النظر إليه كحل سحري ينهي كل الإشكالات التي عانى منها التعليم العالي في المغرب خلال السنوات الأخيرة. وأوضح العسيري، في حديثه ل "الصحيفة" أن "إلغاء المباريات الكتابية والشفوية واعتماد الانتقاء عبر الملفات يشكل خطوة لإعادة بناء الثقة في الجامعة المغربية، لكنه يظل إجراء ناقصا إذا لم يُرفق بإصلاحات هيكلية أعمق"، لافتا إلى أن الأرقام الرسمية تكشف حجم التحديات. وأردف المتحدث أن عدد الأطر الأكاديمية ارتفع من 13 ألفا و170 إلى 16 ألفا و610 أستاذا بين موسمي 2016 و2024، أي بزيادة سنوية لا تتجاوز 2.9 في المائة، في وقت ارتفع فيه عدد المقاعد البيداغوجية من 446 ألفا إلى ما يقارب 579 ألفا، بمعدل نمو سنوي يناهز 3.3 في المائة. هذه الفجوة انعكست على معدلات التأطير البيداغوجي التي تراجعت بحوالي عشر نقاط خلال عشر سنوات. ويضيف المصدر ذاته أن "الجامعات العمومية تسجل اليوم معدل يقارب 69 طالبا لكل أستاذ، مقابل 10 طلبة فقط في مؤسسات التعليم العالي الخاص، وهو ما يسهم بشكل مباشر في رفع معدلات الانقطاع عن الدراسة التي بلغت نحو 49 في المائة"، مشددا على أن أي إصلاح بيداغوجي سيظل مهددا إذا لم ترافقه إرادة حقيقية لتوظيف أطر جديدة، وتحسين البنية التحتية، وإعادة الاعتبار للبحث العلمي. من جهتهم، عبّر طلبة باحثون في حديثهم ل "الصحيفة" عن ترحيبهم بالقرار، معتبرين أن إلغاء المباريات الشفوية تحديدًا خطوة طال انتظارها بعد سنوات من الجدل والاتهامات بالمحاباة والزبونية. وقال حسن بويخلف عضو في التنسيقية الوطنية لطلبة الماستر ل"الصحيفة": "كنا نطالب منذ سنوات بأن يتم الانتقاء وفق معايير موضوعية وشفافة، بعيدا عن اللقاءات المباشرة مع الأساتذة التي فتحت الباب أمام كل أشكال الشبهات، اليوم نشعر أن صوت الطلبة قد سُمِع، لكننا في المقابل نخشى أن يتحول الأمر إلى مجرد عملية بيروقراطية تُختزل في نقط الملف دون أن تأخذ بعين الاعتبار قدرات الطالب البحثية والعملية." وأشار المتحدث إلى أن "عدد المترشحين للماستر يفوق أحيانا خمسة آلاف مرشح لمسلك لا يتسع إلا لمائة مقعد، وهو ما يجعل الضغط كبيرا على اللجان المكلفة بالانتقاء ويضاعف من احتمالات وقوع أخطاء أو إقصاء غير مبرر" مضيفا: "إذا لم يتم اعتماد نظام معلوماتي شفاف، يتيح للطلبة تتبع مسار ملفاتهم ويضمن المساواة بين الجميع، فإن الإصلاح قد يفقد جوهره ويتحول إلى مجرد تغيير شكلي." في المحصلة، يعكس القرار الجديد لإصلاح نظام ولوج الماستر في المغرب رغبة رسمية في القطع مع ممارسات ماضٍ أثار الكثير من الجدل، بدءا من شبهات المحاباة وصولا إلى فضائح هزّت سمعة الجامعة. لكن التصريحات الصادرة من داخل الوسط الأكاديمي ومن صفوف الطلبة تكشف أن الرهان أكبر من مجرد تغيير آلية الانتقاء، إذ يتطلب معالجة جذرية لاختلالات متراكمة، من اكتظاظ القاعات وضعف التأطير البيداغوجي إلى محدودية البنية التحتية وتفاوتات الفرص بين الجامعات العمومية والخاصة.