1. الرئيسية 2. المغرب تعليق حملة الدراجات.. أخنوش يسجل النقاط على حساب حليفه الاستقلال قبل انتخابات 2026 الصحيفة - خولة اجعيفري الخميس 21 غشت 2025 - 15:55 لم يمر وقت طويل على اندلاع الجدل حول حملة مراقبة الدراجات النارية، حتى بادر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إلى التدخل السريع بإجراء اتصال مباشر بوزير النقل واللوجستيك، عبد الصمد قيوح، معلنا تعليق الحملة لمدة 12 شهرا. القرار، الذي تم تسريبه للصحافة وإن بدا في ظاهره استجابة لضغط اجتماعي واسع ومفاجئ، إلا أنه في عمقه يحمل رسائل سياسية دقيقة، تؤشر على أن السباق الانتخابي نحو استحقاقات 2026 قد بدأ مبكرا، وأن رئاسة الحكومة لم تُفوّت فرصة استثمار الملف في مضمار حصد الشعبية، حتى وإن كان ذلك على حساب حليف استراتيجي داخل التحالف الحكومي. سرعة تفاعل رئيس الحكومة مع الأزمة كانت لافتة للنظر، ففي غضون أيام قليلة من انطلاق الحملة وتصاعد موجة السخط الشعبي، سارع أخنوش إلى التدخل الشخصي لتجميد القرار، متقدما بذلك على كل المؤسسات الأخرى، وعلى رأسها وزارة النقل ذاتها، وهذا التحرك لم يكن مجرد عمل إداري يندرج في خانة تصحيح المسار، بل ظهر كخطوة محسوبة بعناية لتقديم رئيس الحكومة في صورة "المنقذ" و"المستمع للشارع"، وهي صورة تحتاجها بشدة قيادة الأحرار في ظرفية تتسم بتآكل الرصيد الشعبي وتراجع الثقة في المؤسسات. في المقابل، بدا حزب الاستقلال من خلال وزير النقل عبد الصمد قيوح، وكأنه وُضع في موقف دفاعي، إذ صار في الواجهة باعتباره صاحب القرار الأولي، في حين حوّل التدخل السريع لرئيس الحكومة الأنظار إلى رئاسة الحكومة كفاعل سياسي يلتقط إشارات الشارع ويوجه القرارات وبهذا المعنى، فإن تعليق الحملة لم يكن مجرد "إيقاف إداري"، بل كان أيضا "تسجيل هدف سياسي" في مرمى حليف حكومي وفي سياق تنافس انتخابي مبكر على كسب الشعبية. الملف يكتسب وزنه من طبيعته الاجتماعية، إذ مسّ شريحة واسعة من المواطنين، أغلبهم من الفئات الفقيرة والطبقات الوسطى الهشة فالاحتجاجات الرقمية وردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات السابقة جعلت من القرار قضية رأي عام بامتياز، وهو ما يفسر الاهتمام الكبير الذي أبداه رئيس الحكومة في تعاطيه السريع مع الموضوع إذ أن المسألة هنا لم تعد مجرد نقاش تقني حول السرعة القصوى (57 كلم/س)، بل تحولت إلى اختبار سياسي لقدرة الحكومة على الاستماع إلى نبض الشارع والاستجابة له. وفي إطار محاولة استجلاء الموقف الرسمي، ربطت "الصحيفة" الاتصال بكل من رئاسة الحكومة، ووزير النقل، والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، غير أن جميع هذه الجهات اختارت التزام الصمت وامتنعت عن تقديم أي توضيحات بخصوص خلفيات القرار وتداعياته، ما زاد من اتساع دائرة التساؤلات حول أبعاده السياسية والاجتماعية. وبالعودة إلى السياق السياسي، يظهر أن أخنوش لم يكتفِ بمجرد احتواء الغضب، بل حاول تحويل الأزمة إلى مكسب انتخابي فالطريقة التي سُوّق بها الخبر – "رئيس الحكومة يأمر بتعليق الحملة بعد اتصاله بوزير النقل" – لم تترك مجالا للبس، هناك من صاغ الرسالة لتبدو وكأن رئاسة الحكومة هي من تحمي المواطن من قرارات وزارية غير محسوبة، في حين أن الطرف الوزاري المعني – حزب الاستقلال – ترك في موقع المتسبب في الغضب الاجتماعي. وهذه الرسائل لا تنفصل عن الاستعدادات المبكرة لانتخابات 2026 فالمغاربة يدركون أن الاستحقاقات المقبلة ستكون مشحونة بالملفات الاجتماعية بما فيها الغلاء، التعليم، الصحة، والنقل وكل حزب يسعى إلى تعزيز صورته كفاعل قريب من المواطن. وفي هذا السياق، جاء تدخل أخنوش ليُسجَّل كخطوة في اتجاه ترميم العلاقة مع الشارع خصوصا أنها تأتي مباشرة عقب انتشار صوره في "ساردينيا" حيث أمضى عطلته الصيفية ما اعتبر تنافيا وشعارات تشجيع السياحة الداخلية التي ترفعها حكومته، بينما يُترك حليفه الاستقلال في موقف من يفرض قرارات لا تحظى بالقبول الشعبي. المفارقة أن هذا التناقض يحدث داخل تحالف حكومي يُفترض أنه يسير بخط واحد، إلا أن ما جرى في ملف الدراجات كشف عن ازدواجية القرار السياسي فمن جهة، وزارة النقل تُفعل دورية صارمة باسم السلامة الطرقية ومن جهة أخرى، رئيس الحكومة يتدخل لإلغائها باسم الاستجابة للمجتمع وهذه الازدواجية لم تمر دون أن تُقرأ في الشارع كعلامة على ضعف الانسجام، بل كإشارة مبكرة إلى أن كل طرف بدأ يحسب خطواته الانتخابية. أكثر من ذلك، فإن حزب الاستقلال، الذي يسعى إلى تعزيز موقعه السياسي وتقوية حظوظه في انتخابات 2026، يجد نفسه اليوم أمام امتحان صعب فصور الغضب الشعبي ارتبطت بقرار وزاري من توقيع وزيره، بينما صور التراجع والإنقاذ ارتبطت بتدخل رئيس الحكومة القادم من حزب الأحرار وبهذا المعنى، فإن المعركة الانتخابية بدأت عمليا من داخل الحكومة نفسها، عبر تبادل الأدوار في ملف حساس يحظى بمتابعة جماهيرية واسعة. التعامل مع الملف أيضا كشف عن طريقة استغلال الملفات الاجتماعية كأوراق انتخابية، فبدل أن يكون النقاش محصورا في مدى واقعية الدورية أو مدى صلاحية جهاز "سبيدومتر"، تحولت القصة إلى مناسبة لالتقاط صورة سياسية، تكمن في أن رئيس الحكومة يتجاوب بسرعة مع المواطنين، وحزبه يظهر في موقع من يحمي مصالح الشارع، فيما الحليف يظهر في موقع من اتخذ قرارا يثير الغضب وهذه الصورة وحدها كافية لتغذية الحملات الانتخابية المقبلة، حتى لو لم يُعلن عنها بعد. إن تعليق حملة مراقبة الدراجات لم يُنهِ النقاش بقدر ما فتحه على مصراعيه فمن جهة، أُعطي للمستعملين مهلة انتقالية لمدة عام لتصحيح أوضاعهم ومن جهة أخرى، أُطلقت دينامية سياسية جديدة داخل الأغلبية، حيث صار كل طرف يحاول أن يظهر أقرب إلى المواطن وأكثر تجاوبا مع مطالبه وفي العمق، يكشف هذا عن إدراك مبكر بأن انتخابات 2026 ستكون معركة شرسة حول الملفات الاجتماعية، وأن أي خطوة خاطئة أو تأخر في الاستجابة قد يُترجم مباشرة في صناديق الاقتراع. هذا، ولم يأت تدخل رئيس الحكومة لتعليق حملة مراقبة الدراجات في فراغ سياسي، بل يجد جذوره في تقليد متكرر داخل الممارسة السياسية المغربية، حيث تتحول القضايا الاجتماعية الساخنة إلى ساحة لتبادل الرسائل الانتخابية بين الفاعلين، فالتاريخ القريب يقدم أمثلة عديدة على توظيف الملفات ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين كأوراق رابحة أو خاسرة في ميزان الشعبية. ففي 2018، انفجرت قضية المحروقات بعد تقارير مجلس المنافسة حول شبهات "الريع" وغياب المنافسة الحقيقية بين الفاعلين الكبار ورغم أن الموضوع تقني في أصله، إلا أنه سرعان ما تحول إلى ورقة سياسية استُعملت في الحملات الانتخابية وفي خطابات المعارضة ضد التجمع الوطني للأحرار، بحكم ارتباطه بقطاع يعتبر رئيس الحكومة الحالي أبرز فاعليه الاقتصاديين وآنذاك، لم يتردد خصوم الأحرار في تصوير الملف على أنه "شهادة على تضارب المصالح"، وهو ما أثر بشكل مباشر في صورة الحزب لدى الشارع، وفرض على قيادته البحث عن قضايا أخرى لإعادة ترميم الرصيد الشعبي. ملف آخر استُعمل بنفس الكثافة هو ملف التوظيفبالتعاقد في قطاع التعليم، الذي انطلق في عهد حكومة العدالة والتنمية كان هو الاخر تقنيا، هدفه المعلن تخفيف ضغط كتلة الأجور، لكنه تحول إلى كرة نار سياسية، إذ تبنته المعارضة آنذاك كعنوان على "إضعاف المدرسة العمومية"، بينما دافعت عنه الحكومة باعتباره "خيارا إصلاحيا لا بد منه" ومع مرور السنوات، ظل هذا الملف يحضر في كل استحقاق انتخابي، ويُستحضر كمعيار لتقييم من يدافع عن الفئات الاجتماعية ومن يثقل كاهلها. اليوم، يأتي ملف الدراجات النارية ليعيد إنتاج نفس النمط، قضية تقنية مرتبطة بالسلامة الطرقية تتحول بسرعة إلى ورقة سياسية بامتياز، والتدخل السريع لرئيس الحكومة يوحي باستيعاب واضح للدروس السابقة أنه لا ينبغي ترك ملف اجتماعي واسع التأثير ليتحول إلى كرة نار بيد المعارضة، بل يجب استباقه وتوظيفه كوسيلة لإعادة بناء الثقة وحصد النقاط الانتخابية لكن المفارقة أن هذه المرة لم يكن الصراع بين الحكومة والمعارضة فقط، بل داخل الأغلبية نفسها.