1. الرئيسية 2. تقارير جيل Z: بيانات مُصاغة بإتقان لكن بهوية غامضة، واحتجاجات بلا قيادة تنفلت إلى الفوضى.. لماذا الإصرار على البقاء خلف الستار؟ الصحيفة - خولة اجعيفري الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 17:04 منذ أسابيع، يملأ اسم "جيل Z 212" الفضاء الرقمي وبتصدر المشهد الإعلامي الوطني والدولي، لكنه ما يزال يطرح السؤال الكبير من يقف وراء هذه المجموعة؟ وما هي هويتها؟ سيما وأن هذه المجموعة التي نجحت في تعبئة الآلاف للنزول إلى الشارع لا تكشف عن أي قيادة ظاهرة ولا عن مخاطبين رسميين بل تعتمد على غموض محسوب وعلى خطاب مصاغ بدقة لغوية لافتة. هذا الخطاب يركز على الصحة والتعليم والشغل ويصر على السلمية غير أن ما وقع ميدانيا كشف أن الصورة أكثر تعقيدا بكثير، إذ بينما تتحدث بيانات الحركة عن سلمية وانضباط، شهدت مدن عدة وعلى رأسها سلا وأيت عميرة، إنزكان ووجدة وغيرهم أعمال عنف وحرق ونهب واقتحام بنوك ومتاجر وسيارات شرطة ما أدخل الساكنة في حالة رعب وهي المفارقة بين النصوص المنضبطة والسلوكيات المنفلتة لظاهرة يطلق عليها "جيل Z 212". ووفق ما رصدته "الصحيفة" فإن بنية التنظيم، تكشف أن الحركة تعمل كتجمع لامركزي من ناشطين شباب بلا قيادة مُعلنة أو هياكل عمودية تقليدية مع اعتماد كثيف على منصات رقمية خصوصا تطبيق "ديسكورد"، حيث تتم عمليات التنسيق وتوزيع الأدوار وتحديد نقاط التجمع الميدانية. المعطيات المتاحة، تؤكد أن عضوية أحد السيرفرات قفزت في ظرف أسبوع من بضعة آلاف إلى ما يفوق 150 ألف عضو، وهو رقم يعكس سرعة عدوى التعبئة الرقمية لدى فئة عمرية متمرسة بمنطق "السيرفر والقناة والتنبيه" أكثر من منطق الحزب أو النقابة، وهذا الاتساع لا يثبت بالضرورة وجود قوة تنظيمية متماسكة، لكنه يوضح قدرة على تجميع الغضب الاجتماعي في مساحة رقمية واحدة وتحويله بسرعة إلى حركة نزول جماعي للشارع. من جهة أخرى، هذه اللامركزية تجعل الحكومة عاجزة عن إيجاد قنوات وساطة تقليدية سيّما وأنه وخلافا للاحتجاجات التي شهدها المغرب في تاريخه منذ عهد "الكوميرا" ومرورا عبر احتجاجات 20 فبراير وحراك الريف كانت الوجوه في الشارع معروفة وهوياتهم غير مخبئة لكن من جهة ثانية، وفي الوقت ذاته هذا الغموض الذي يلف الحركة الحالية يجعلها عُرضة للاختراق من طرف جهات معادية أو للانزلاق السريع من خطاب الانضباط إلى سلوكيات فوضوية، لأن "لا أحد" يملك سلطة ردع فعّالة داخل القواعد. على مستوى الهوية، المجموعة مجهولة القيادة بشكل كامل وتصر على الابتعاد عن الأحزاب والنقابات ومؤسسات الوساطة بما فيها الإعلام وقد حاولت "الصحيفة" مرارا التواصل مع أعضائها فيما هي تكتفي بنشر بيانات على قنواتها الرقمية مصاغة بلغة دقيقة تحمل نبرة قانونية وحقوقية تؤكد على السلمية، وتحدد مطالب اجتماعية واضحة إصلاح الصحة، إنقاذ التعليم، خلق فرص الشغل، والحد من الإنفاق على تظاهرات رياضية كبرى مقابل توجيه الموارد إلى الخدمات العمومية. هذه البيانات تضمنت عبارات مثل "الحق في الصحة والتعليم والعيش الكريم ليس شعارا فارغاً"، وانتقاد "المقاربات الأمنية القمعية"، مع دعوة إلى الانضباط السلمي وهذه اللغة لا تختلف كثيرا عن القوالب الخطابية التي أصبحت سمة مشتركة في احتجاجات جيل Z عبر العالم والقصد هنا نصوص قصيرة، رسائل مركزة، تأكيد على السلمية لتفادي التصنيف القانوني ك"شغب" لكن رغم هذه العناية في الصياغة، وقعت ميدانيا مواجهات عنيفة وحرائق وتخريب ما يعكس فجوة عميقة بين ما يعلن في البيانات وما يجري على الأرض. وما كان لهذه الدعوات أن تجد كل هذا الصدى لولا وجود بيئة اجتماعية وسياسية مشحونة، فالمطالب التي ترفعها الحركة جاءت بعد سلسلة وقائع صادمة للرأي العام، مثل ملف وفيات الأمهات في مستشفى أكادير نتيجة أعطاب في القطاع الصحي، والاكتظاظ الحاد في أقسام المستعجلات، وطول مواعيد العلاج التي تمتد لشهور وكل هذا تزامن مع نقاش وطني محتدم حول أولوية الإنفاق العام بين الملاعب الضخمة المرتبطة بكأس إفريقيا للأمم 2026 ومونديال 2030، وبين تحسين المنظومتين الصحية والتعليمية. هذا السياق جعل خطاب "جيل Z 212" يجد صدى جماهيريا فورياً، وأرقام وزارة الداخلية أظهرت أن الحصيلة الميدانية ثقيلة إذ أن 263 إصابة في صفوف قوات الأمن، 23 مدنيا مصابا وأكثر من 400 موقوف، فضلا عن تسجيل حالتي وفاة في القليعة وفي المقابل، وثقت تقارير أخرى خروج وقفات سلمية منظمة في مدن معينة، ما يؤكد أن الحركة ليست كتلة متجانسة بل مظلة تضم أطيافا متعددة من الشباب بين من يلتزم بالانضباط ومن ينجر إلى الفوضى. السؤال هنا، هو من يكتب هذه البيانات ومن يصوغ هذا الخطاب المنضبط؟ ثلاث فرضيات رئيسية يسعنا طرحها أولا وجود فريق تحرير صغير غير معلن داخل السيرفر يتولى صياغة الرسائل وضبط لهجتها القانونية والحقوقية لتقليل المخاطر القضائية وتوسيع التعاطف، وثانيا الاستعانة المسبقة بقوالب خطابية عالمية متداولة في احتجاجات شبابية مماثلة، ما يسهل إنتاج نصوص متشابهة على يد متطوعين مختلفين. أما الاحتمال الثالث، فهو مساهمة متطوعين من داخل المغرب وخارجه، بينهم طلبة قانون وصحافة واتصال وأبناء الجالية، ممن يتقنون فن تحرير البيانات وإدارة القنوات الرقمية فيما حتى الآن، لا يوجد دليل علني على وجود "غرفة عمليات محترفة" أو تمويل خارجي، ولا دليل حاسم على استخدام مكثف للبوتات الرقمية، رغم أن تضخم أعداد الأعضاء بسرعة كبيرة يثير التساؤلات ويستدعي تدقيقا رقميا مستقلا والخلاصة أن دقة النصوص تعود في الغالب إلى مهارات تحريرية موزعة أكثر من كونها نتاج هرم تنظيمي خفي. على الأرض، اصطدمت دعوات السلمية بانفلاتات عنيفة، حيث سُجلت مواجهات في سلا وإنزكان ومراكش والقليعة وأيت عميرة وغيرها الكثير من المدن في ان واحد، و أدت إلى اقتحام بنوك ومتاجر وإحراق سيارات أمنية، كما وقعت إصابات بالعشرات، وحدثت وفيات في القليعة، وفق المعطيات الرسمية ووزارة الداخلية وصفت مقاربتها بأنها "متزنة مع الحزم تجاه الأفعال المجرمة"، فيما استمرت بيانات المجموعة في رفض العنف والدعوة إلى الانضباط لكن الواقع أظهر أن المناطق الأكثر هشاشة اجتماعيا كانت أكثر عرضة للتحول من احتجاجات سلمية إلى اشتباكات عنيفة، خصوصاً بوجود قاصرين أو أطراف أخرى استغلت الظرف لنشر الفوضى. ما نعرفه حتى الآن، هو أن الحركة بلا قيادة معلنة وأن منصاتها الرقمية تشكل عمودها الفقري، وأن خطابها يتمحور حول الصحة والتعليم والشغل ويرفض العنف، وأن الزخم الرقمي انتقل بسرعة إلى الشارع حيث تداخل السلمي بالعنيف. أما ما لا نعرفه فيشمل هوية العقل التنظيمي إن وجد، ودرجة التنسيق بين المنصات الرقمية والمجموعات الميدانية، ومستوى الاختراق الخارجي أو الداخلي، ودقة أرقام العضوية المتداولة وأي فرضية عن قيادة خفية أو تمويل خارجي أو هندسة رقمية تبقى غير قابلة للجزم دون أدلة تقنية أو قضائية علنية لذلك، يظل الأجدى مهنيا التعامل مع الظاهرة كما تظهر أي جيل متذمر وجد في البنية الرقمية وسيلة لتحويل امتعاضه إلى فعل جماعي، ببيانات مصاغة بذكاء لغوي، لكن بقدرات محدودة على ضبط السلوك الميداني في بيئة اجتماعية متوترة. أمام هذا المشهد، تبدو المعادلة دقيقة إن أرادت الحكومة أن تحوّل مجهولية الحركة إلى فرصة، فعليها أن تخلق فضاءات مؤسسية مرنة للحوار مع ممثلين يختارهم المشاركون بأنفسهم عبر قنواتهم، مع توفير ضمانات علنية للسلمية وحرية التعبير، بالتوازي مع إجراءات اجتماعية عاجلة وسريعة الأثر في الصحة والتعليم، مثل فرق طبية متنقلة، مواعيد عاجلة للفحوص، إصلاح عاجل للأقسام الحرجة، دعم أدوية الأمراض المزمنة، وتغطية مصاريف النقل للمرضى. وهذه التدابير القصيرة الأمد قد تخفف منسوب الغضب وتعزز الثقة في نية الإصلاح أما إذا استمرت المواجهة الأمنية كخيار وحيد، فستتآكل مصداقية الخطاب السلمي للمجموعة لصالح رواية "الفوضى"، وستكون الخسارة مزدوجة وهذا يعني أن الشارع سيفقد التعاطف والدولة ستخسر فرصة تهدئة بناءة بكلفة أقل وفي ظل مؤشرات أولية عن استعداد حكومي للاستماع واستمرار دعوات سلمية عبر القنوات الرقمية للحركة، تبقى نافذة التهدئة قائمة لكنها ضيقة جدا وتحتاج إلى سرعة في تحويل الرسائل الرقمية إلى قواعد سلوك واضحة على الأرض.