1. الرئيسية 2. افتتاحية بين سطور خطاب الملك الصحيفة - افتتاحية الجمعة 10 أكتوبر 2025 - 21:25 قد يكون الخطاب الذي تلاه الملك محمد السادس، اليوم الجمعة، 10 أكتوبر 2025، أمام البرلمان بمجلسيه، بمناسبة انطلاق آخر سنة تشريعية خلال الفترة الانتدابية الحالية، هو أكثر خطابات افتتاح الدورات التشريعية ترقبًا، في عهد الملك محمد السادس، وهو أمر بديهي باعتباره أتى بعد سلسلة احتجاجات امتدت لأيام مُطالبة أساسا بتجويد خدمات الصحة والتعليم وخلق فرص الشغل. والثابت هو أنه بالنسبة لجل المغاربة، كان المتوقع أن تكون لغة الخطاب "صارمة" تجاه الحكومة، على أقل تقدير، بعدما رفع شباب جيل "زِد" مطالب "إقالتها ومحاسبتها" إلى الملك، وإن عبر منصات التواصل الاجتماعي، لا عبر قنوات التواصل التقليدية مع البلاط، لهذا، فإن الخطاب الهادئ، في صياغته على الأقل، كان مفاجئا للكثيرين. ومع ذلك، فإن لا أحد يمكنه الزعم بأن العاهل المغربي لم يتفاعل مع حراك الشارع.. نعم، قد لا يكون أعطى الإجابات المتوقعة، لكنه حتما استحضر النقاش المجتمعي الذي أفرزته الاحتجاجات الأخيرة، وبإعادة قراءة نص الخطاب بشكل متأنٍ، يمكن أن نجد في جميع فقراته تقريبا، رسالة جوابية حول كل المطالب الشعبية التي اعترفت الحكومة نفسها بالتقصير في تنفيذها. لكن الرسالة الأهم التي يمكن فهمها من خلال الخطاب الملكي، هي أن عاهل البلاد ليس مُستعدا للتصرف خارج نطاق صلاحياته الحالية، المحددة بدستور سنة 2011، والذي تمخض عن مسار احتجاجي أكبر حَرَّكه سياق إقليمي أخطر، فالملك وجَّه الحكومة للأولويات الراهنة، ذات الطابع الاجتماعي والتنموي والمجالي، بل انتقد بشكل ضمني عملها، إلا أنه لم يُبدِ أي توجه نحو إقالتها أو إعفاء رئيسها. وكأن الملك يريد أن يقول إن الأمر يتعلق بدولة مؤسسات، وأن رأس الدولة نفسه يعمل من داخلها، وليست له السلطة المطلقة لتجاوز الدستور، خصوصا وأننا نتحدث عن مؤسستي الحكومة والبرلمان، ومعهما المجالس المنتخبة، وهما معا نِتاج أصوات الناخبين سنة 2021، والآن الكرة في ملعب المواطنين مرة أخرى، فبعد عام واحد سيكونون مُطالبين باختيار برلمانيين جدد، وسيرسُمون معالم حكومة جديدة، وبالتالي فسُلطة الحساب والعقاب بين أيديهم، لكن عبر صناديق الاقتراع حصرًا. بعبارات أكثر وضوحا، الملك، الذي يعلم جيدا ما يدور في الشارع، وتصِلُه مطالب المغاربة في المناطق الجبلية النائية كما في شوارع المدن الكبرى، قرر عدم العودة إلى دستور 1996، ورفض "استرجاع" صلاحيات انتقلت من العرش إلى الناخبين وإلى البرلمان وإلى الحكومة، وبالتالي فعلى الجميع الاحتكام إلى المسار الدستوري المتفق عليه منذ نحو عقد ونصف، لأن الملك لن يكون "القوة الخارجية الخارقة" التي ستُنهي خصام الشعب مع الحكومة بخطاب مدته نصف ساعة. وللإنصاف، فإن الاحتكام إلى الدستور لا يعني الانحياز لطرف ضد آخر، والطريق الذي سلكه الملك قد يكون "مُخيبًا" على المستوى العاطفي، لكنه، بتفكير هادئ، قرار عقلاني صرف، يُبعده عن التبعات السياسية والأخلاقية لأي توجه آخر، لأننا كلنا نعرف، أنه حتى لو وجد صيغة دستورية لإعفاء الحكومة الحالية، فإن السؤال الأكبر الذي لم يُجب عنه أحد هو: من سيختار لتشكيل حكومة جديدة عمرها لن يتعدى 11 شهرا، في ظل أنه ملزم بانتقاء بديل عزيز أخنوش من الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في آخر انتخابات تشريعية، والذي ليس سوى التجمع الوطني للأحرار؟. الأمر نفسه ينسحب على حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، لأن ما تبقى من الوقت أمام الولاية التشريعية الراهنة، لم يترك أي هامش لإقامة "استحقاقات مبكرة"، والتحضير للانتخابات القادمة انطلق بالفعل منذ 29 يوليوز 2025، حين دعا الملك وزيرَ الداخلية من أجل "الإعداد الجيد" لها وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين، وهو ما يعني مرة أخرى، أن الفيصل في استمرار رئيس الحكومة وحزبه وحلفائه في الأغلبية من عدمه، رهين بأصوات الناخبين بعد أقل من عام، لا بأي شيء آخر. لكن، ومع كل هذا، سيكون من السذاجة القاتلة، أن تعتقد الحكومة ورئيسها أن الملك قد أنقذها من غضب الشارع، وأن سحابة الصيف قد مرت بسلام، لأن الصيغ الهادئة لخطاب افتتاح الدورة التشريعية، تُخفف من حدة "التقريع" الضمني الموجه لعملها، فهي المعنية الأولى بحديث عاهل البلاد عن أن "العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفوارق المجالية، ليست مجرد شعار فارغ أو أولوية مرحلية، قد تتراجع أهميتها حسب الظروف"، وهي أيضا معنية قطعًا بدعوته ل"محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات"، وبتحذيره من "التهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي". لذلك، فإن أخنوش عليه، في ما بقي من ولايته، أن يخرج من سردابه ويتحمل مسؤولياته، وأن يتفاعل سريعا مع دعوة عاهل البلاد إلى إحداث "تغيير ملموس في العقليات، وفي طريقة العمل"، وإلى "الترسيخ الحقيقي لثقافة النتائج"، لأنه لو لم يستوعب لغة الشارع ولا رسائل الملك، ومضى على نهج النائب البرلماني عن حزبه، محمد السيمو، الذي اعتقد أن الصفحة طويت وأن الأزمة انقضت، وهو يحتفل أمام البرلمان مع أنصاره مرددا "موت موت يا العدو، والملك عندو شعبو"، فإن لا أحد يضمن ما سيحدث.