عشرات الصحفيين يندّدون ب"خروقات جسيمة" داخل لجنة أخلاقيات الصحافة ويدعون إلى تحقيق عاجل    عصبة الأبطال الافريقية (دور المجموعات).. الأهلي المصري يستهل مشواره بانتصار كبير على شبيبة القبائل 4-1    نهضة بركان يستهل "الأبطال" بفوز ثمين    21 شهيدا في غزة في انتهاكات إسرائيلية للهدنة    أحمد الشناوي يعلق على استبعاده من جائزة الكاف    النبهان ينتقد "الولوج المطلق" لصناع المحتوى إلى مجال التمثيل الفني        وضع سيدة مولودها داخل إحدى عربات "الترامواي".. مستشفى مولاي عبد الله بسلا لم يسجل أي ولوج للمعنية بالأمر إلى مصالحه (بلاغ)        الأميرة للا مريم تترأس حفل الاختتام الرسمي للمنتدى الإفريقي الأول لبرلمان الطفل                جلالة الملك يهنئ الجيش الملكي النسوي عقب تتويجه بدوري أبطال إفريقيا للسيدات    وكالة التنمية الرقمية تعقد مجلسها الإداري السابع وتصادق على خارطة طريقها الجديدة ل 2030        اليماني: مجلس المنافسة يتهرب من مواجهة الاحتكار في سوق المحروقات        الداخلة .. تنظيم لقاء علمي حول الذكاء الاصطناعي في أبعاده الاجتماعية والسيادية    موسيقى كناوة المغربية تلهب حماس الجمهور في مهرجان فني بالكويت        إجراء ناجح لعمليتين في القسطرة القلبية بمستشفى محمد السادس بأكادير    مجلس المستشارين يعقد الثلاثاء المقبل جلسة عمومية مخصصة للأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة    البرازيل.. إيداع الرئيس السابق جايير بولسونارو رهن الاعتقال الاحتياطي    لجنة الأفلام تُطلِق برنامج قطر لحوافز الإنتاج السينمائي والتلفزيوني (QSPI)    تنظيم مهرجان فاس السينمائي العربي الإفريقي    جلالة الملك يهنئ الرئيس اللبناني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لجنة الأفلام في قطر تحصل على حقوق قصة "قيصر"    الإنتربول تشيد بالدور الإستراتيجي للمغرب في مكافحة الجريمة العابرة للحدود    هل يصيب الذكاء الاصطناعي بعض الناس بالتوهم؟    قوات روسيا تعلن عن تحرير بلدتين    الطالبي العلمي بمؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي: التنمية الحقيقية رهينة بتعزيز سيادة الدول الإفريقية على مواردها الطبيعية    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تدين تواتر الأحكام القضائية القاسية في حق محتجي "جيل زيد"    أفراد طاقم فيلم "صوت هند رجب" وأبطال القصة الحقيقيين في مهرجان الدوحة السينمائي: صوت هند هو صوت غزة وكلّ الفلسطينيين    حادثة سير خطيرة تودي بحياة 4 أشخاص في بوجدور    ساركوزي يكتب عن السجن: كما هو الحال في الصحراء.. تتقوّى الحياة الداخلية في السجن    القاهرة تستعجل تشكيل "قوة غزة"    ارتفاع الدرهم بنسبة 0,4 في المائة مقابل الدولار    عقار : ارتفاع مؤشر الأسعار في الفصل الثالث من سنة 2025    أرسنال يفقد مدافعه غابرييل لأسابيع    الأمم المتحدة: الإمدادات الغذائية لغزة تتحسن منذ وقف إطلاق النار    طقس مستقر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    وفاة ثلاثيني وإصابة شاب آخر في حادثَيْ دراجة نارية متتاليَيْن داخل نفق "مركز الحليب" بطنجة    بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    الداخلية تلزم الجماعات بتحديد تسعيرة الضريبة على الأراضي غير المبنية لتشمل الدواوير... تغازوت نموذجا (فيديو)    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدل والعقل!
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

"سوّر مدينتك بالعدل" هذا ما خاطب به الخليفة "العادل" عمر بن عبد العزيز أحد ولاته الذي طلب منه بناء سور لحماية مدينته من مداهمة بعض المتمردين أو المعارضين أو ما يسمى الخارجين على القانون بالمصطلحات الحديثة، لأن العدل صمام الأمان لضمان سلم وأمن الوطن والمواطن.
وقد ظلّ سؤال العدل يراود المشتغلين بالحقل العام، سواء بمعناه الفلسفي أم الاجتماعي أم القانوني، أقول ذلك وأنا أدرك حجم الاختلاف في التفسيرات والتأويلات لمفهوم العدل وشروطه، علماً بأنه لا يوجد دين أو فلسفة أو آيديولوجية أو نبي أو مفكر أو فيلسوف أو مصلح، إلّا وخصّ العدل بموقع متميز من منظومته. وعندي أن شرط تحقق العدل يرتبط بالمساواة، فلا عدل دون مساواة، وهما أس السلام والاستقرار والتقدم والتنمية، وحسب عبدالرحمن بن خلدون، العدل بالعمران والظلم بالخراب، ولكن مفهوم العدل يختلف بين مفكر وآخر وبين مدرسة فكرية وأخرى وبين تيار سياسي وآخر، وفقاً للخلفيات الاجتماعية والنظرة الفلسفية للحياة والكون.
يقول ابن رشد " العدل معروف في نفسه، إنه خيرٌ وإن الجور شرٌ" وحسب معجم لسان العرب أن " العدل ما قام في النفوس، أنه مستقيم وهو ضد الجور"، وهو يعني في كتب اللغة العربية " القسط والإنصاف وعدم الجور وأصله التوسط بين مرتبتي الإفراط والتفريط"، أي أنه الاعتدال في الأمور ويقابله الظلم والجور ، كما ورد في القرآن الكريم بمعنى القسط والأمر بالعدل والإحسان (سورتي النساء، الآية 135 والنحل الآية 90).
وحسب الإمام علي " العدل إنصاف والإحسان تفضيل" ، وفي كتاب تهذيب الأخلاق للجاحظ " العدل هو استعمال الأمور في مواطنها وأوقاتها ووجوهها ومقاديرها من غير سرف ولا تقصير ولا تقديم ولا تأخير، "وسيكون العدل ضمانة لتأمين احترام حقوق الإنسان أفراداً أو جماعات، تلك التي يمكن تأطيرها بقوانين ودساتير ولوائح وشرائع وأنظمة، لأن جوهر العدل ومبتغاه ينبغي أن يكون الإنسان ، فهو مقياس كل شيء حسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس، ولا يتحقّق ذلك إلّا بإسناد الحق إلى صاحبه وتمكينه من الحصول عليه وحيازته على نحو يؤمن سياقاته، فتحقيق العدل فضيلة من فضائل الروح الإنسانية والقلب الرقيق، لأنه سبب في تقدّم البشر والأمم والأقوام والدول ورفاهها ومشروعية في حكمها (المقصود قانوناً) وشرعية لحكامها (المقصود سياسية)، لأنه سيضمن الأمن والسلام للمجتمع وللفرد، بحيث لا تفريط بحقوقهم ولا إفراط تحت أي حجة أو ذريعة .
وكما ورد في الحديث النبوي عن الرسول محمد " عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، وجور ساعة أشد معصية من ستين سنة"، وكما يقال "حوار سنة أفضل من حرب ساعة" ، لأن الحرب دمار وخراب ومآسي وآلام، في حين أن الحوار والنقاش والسجال والجدل يمكن أن يوصل إلى حلول تجنب كل ذلك ، ويستحصل كل حقه بالعدل .
ولذلك يرمز للعدل بالميزان وهو شعار القضاء ونقابات المحامين وهدف الحقوقيين والنشطاء في كل مكان، ويشكّل العدل جوهر الدراسات القانونية والسياسية والفلسفية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والإدارية والدينية والنفسية وغيرها، ولاسيّما التي تنظم علاقة الفرد بأقرانه وبالمجتمع والدولة.
وقيمة العدالة الحقيقية هي بالمساواة والشراكة والمشاركة، وبالطبع بالحرّية وتلك هي أركان المواطنة السليمة والمتكافئة، التي تعرفها المجتمعات الحيوية والتي تحقق جزء كبير منها بفعل كفاح طويل الأمد، خصوصاً بإلغاء التمييز بين البشر لأسباب دينية أو عرقية أو لغوية أو لونية أو اجتماعية أو جنسية أو لأي سبب كان يخلّ بمبادئ العدالة وبفكرة تكافؤ الفرص، وهي المرآة الحقيقية العاكسة لحسن سير المجتمع معتمداً على جدوى تطبيق المبادئ.
والعدل بالعقل أيضاً، فهي بالبرهان العقلي والقياس المنطقي، فإذا كان الإنسان أخ الإنسان، فلا بدّ لهما أن يتساويا في الكرامة، وتلك الحكمة أساساً تستند إلى العقل، وحسب أبو الوليد بن رشد أن العدل خير بذاته وهو ينسحب على جميع الأوجه وعلى كل المستويات، وذلك لارتباط العلّة بالمعلول، والخير لا يأتي إلّا بالخير، على الصعيدين الفردي والجماعي.
ووفقاً لما تقدم فإن العدل يتخطى مستوى الحاجة الاجتماعية لأنه يرتقي إلى مستوى الضرورة العقلية أساساً والذي يحتكم إلى القيم الأخلاقية مظهراً ومبنياً، وذلك وفقاً لسياقات اجتماعية وسياسية وثقافية متعدّدة تخص الفرد والجماعة والدولة ككل، فالعدل من طبيعته أنه يمتد في كل أجزائها، فتظهر نتائجه حسنة على الجميع بالقول والفعل، ويتحدّد العدل بالعقل الذي هو الوسيلة المثلى في تشخيص حالة الطغيان ، وهكذا يتم الربط بين العقل والعدل، وهما أساسان لتحقيق التنمية والمساواة والتطور والمدنية، حسب ابن رشد.
ولئن العدل خيرٌ مطلق، فإن من يعارضه ويحول دون تحقيقه على مستوى الذات والآخر والفرد والجماعة، هو شرٌ بالضرورة أو على سبيل الشر ومدعاة للجور، ولا يمكن تحقيق إنسانية الإنسان دون العدل، وهو شرط لحوار فكري للدفاع عن الحقيقة ، وهكذا هي سلطة العقل التي ستكون موشّاة بالعدل.
*باحث ومفكر عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.