عثمان بنجلون يبيع ضيعته بكبيك مقابل حوالي 109 مليون درهم مغربي (صور)    النيابة العامة بمراكش تنفي تسجيل أي وفاة خلال أحداث سيدي يوسف بن علي    الناظور.. تقديم 29 موقوفاً امام النيابة العامة على خلفية احتجاجات بالعروي    إجهاض محاولة تهريب دولي للكوكايين بمعبر الكركارات وحجز أكثر من 53 كيلوغراما من المخدرات    وفاة شاب إثر اعتداء وسرقة بحي طنجة البالية            تسعة أشخاص لقوا مصرعهم في حادثة سير خطيرة بسيدي قاسم    المغرب يُحدث قفزة تشريعية في مكافحة الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة    لجنة التعذيب.. الوجه الخفي للنظام العسكري الجزائري الذي يرهب أبناءه    وسيط المملكة يؤكد أن المغرب مستهدف وأن للتطبيقات المستخدمة بين التعبيرات الشبابية رهانات واستراتيجيات    وهبي يُدخل تعديلات على تشكيلة "الأشبال" أمام المكسيك    الفتح الرياضي يهزم اتحاد طنجة بثلاثية نظيفة برسم الدورة الرابعة من البطولة الاحترافية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    قصف متواصل وإسرائيل تتحدث عن تقليص عمليتها بغزة تجاوبا مع خطة ترامب                حماس توافق مبدئيًا على خطة ترامب لوقف الحرب في غزة وتبادل الأسرى        بيتيس يعلن إصابة سفيان أمرابط    العثماني: نعيش مرحلة صعبة... مطالب شباب جيل "Z" مشروعة وجميع وعود "أخنوش" لم تتحقق    أين اختفى هؤلاء "المؤثرون" في خضمّ الأحداث الشبابية المتسارعة بالمغرب؟    مسرح رياض السلطان يواصل برنامجه لشهر اكتوبر    رسالة اجتماعية وأرقام قياسية.. أغنية "الهيبة" تحقق صدى واسعًا    تجربة إبداعية فريدة تجمع بين الشعر والموسيقى    الاتفاق الفلاحي الجديد... أوروبا تعترف عمليًا بالسيادة المغربية على الصحراء    لماذا يتجاهل بعض التونسيين أزمتهم الداخلية ويركزون على المغرب؟    ترامب يعلن عن "يوم كبير" ويشيد بدور دول عربية في خطة إطلاق الرهائن    الاتحاد الإسلامي الوجدي يهدد انطلاقة شباب المحمدية والمغرب التطواني يبحث عن تصحيح الأوضاع    انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل الدولار والأورو    إلَى جِيل Z/ زِيدْ أُهْدِي هَذا القَصِيدْ !    البرلمان الهولندي يدعو إلى الإفراج الفوري عن ناصر الزفزافي وباقي السجناء السياسيين في المغرب    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدعو إلى إطلاق سراح النشطاء المحتجزين من طرف إسرائيل و تندد بخرق القانون الدولي    آلاف المغاربة يتظاهرون في عشرات المدن للتنديد بقرصنة أسطول الصمود العالمي    تعيين محمد فوزي واليا على مراكش وخالد الزروالي واليا على فاس    جينك يعلن خضوع الواحدي لعملية جراحية في الكتف    رئيس "اليويفا": إستبعاد إسرائيل من مسابقات كرة القدم غير مطروح    الحكم بالسجن أربع سنوات وشهرين على ديدي    الكاتب عبد اللطيف اللعبي يوجّه رسالة تضامن إلى شباب الاحتجاجات في المغرب    الأمين العام يأسف لوقوع أعمال عنف أثناء المظاهرات في المغرب        فيدرالية اليسار تجمع أحزابا ونقابات وجمعيات حقوقية لدعم حراك "جيل زد"                        فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فريضة التسامح وفرضيّاته
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

حين يرتقي التسامح ليصبح فريضة من الفرائض فهذا يعني أنّه راهني وحاجة ماسّة ولا غنى عنها، بل ضرورة ملحّة بقدر ما هو خيار لتيسير حياة الفرد والمجتمع والدولة، وعكسه سيكون اللّاتسامح بمعنى التعصّب ووليده التطرّف والعنف والإرهاب، ناهيك عن العنصريّة والشوفينيّة والاستعلاء والهيمنة وادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة، والزّعم بالحق في احتكارها.
وإذا كان البشر خطّائين على حدِّ تعبير فولتير، فعلينا أن نأخذ بعضنا البعض بالتسامح، فلا أحد يمتلك الحقيقة كاملة، وليس هناك أفضليّة لبشر على آخر بسبب صفاته البيولوجيّة أو عرقه أو دينه أو جنسه أو لغته أو لونه أو أصله الاجتماعي، والبشر مختلفون باختلاف أشكالهم وصفاتهم وقوميّاتهم وأديانهم ولغاتهم وأجناسهم وانتماءاتهم وأصولهم الاجتماعية وأهوائهم وأمزجتهم وأذواقهم، لذلك يقتضي أن ينظر كلّ منهم إلى الآخر بالاحترام والقبول والتقدير والانفتاح والتواصل وحرّية الفكر والضمير والمعتقد، وهو ما جاء في الإعلان العالمي للتسامح الصادر عن منظّمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في العام 1995 والذي تقرّر فيه اعتبار يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام يوماً عالميًّا للتسامح.
ولأنّ مجتمعاتنا تعاني نزعات الإقصاء والإلغاء والتهميش، فنحن أشدّ ما نكون إلى التسامح كخيار استراتيجي لقطع الطريق على القوى المتعصّبة والمتطرّفة والعنفيّة والإرهابية التي لا تؤمن بالحوار والتواصل بين الثقافات وأتباع الأديان والمذاهب وصولاً إلى المشترك الإنساني، ليس هذا فحسب، بل إنّ ما نشهده من إساءات لديننا الحنيف ومجتمعاتنا العربية الإسلاميّة، يدفعنا للبحث عن السبل الكفيلة لنشر ثقافة التسامح وتعميمها، والأمر لا يتعلّق بمجتمعاتنا فحسب، بل بامتداداتها للجاليات العربيّة والمسلمة في أوروبا والغرب، ولعلّ ما حصل من عمليات إجراميّة مؤخّراً في باريس ونيس وفيينا خير دليل على ذلك، بما فيها ردود الفعل السلبيّة التي تتّهم العرب والمسلمين بالجملة بالإرهاب، لأنّ دينهم يحضّ على ذلك كما ذهبت إلى ذلك الموجة الشعبويّة العنصريّة الجديدة، التي عبّر عنها خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون إثر مقتل المدرّس الفرنسي بالطريقة الفجائعيّة المعروفة.
المقصود من اعتبار التسامح فريضة، لأنّه يعني الوئام في سياق الاختلاف واتّخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحقّ الآخرين من التمتّع بحقوق الإنسان وحرّياته الأساسية المعترف فيها عالميًّا، ولذلك لا ينبغي التذرّع والاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان، كما لا ينبغي بحجّة مواجهة اللّاتسامح تقليص الحقوق المدنيّة والسياسيّة أو التجاوز على عقائد الآخرين أو دمغ مجموعات ثقافيّة بالإرهاب أو تقييد الحقوق والحرّيات بما فيها الإعلامية.
اعتقادان خاطئان سادا ضدّ فريضة التسامح، الأوّل - الذي يقوم على الإسلامفوبيا (الرهاب من الإسلام) باعتبار تعاليمه تحمل فيروسات العنف والإرهاب، وقد صار مثل هذا الاعتقاد جزء من المتخيّل الجمعي في الغرب، والثاني - الويستفوبيا (الرهاب من الغرب) باعتباره شراً مطلقاً ويتم ازدراؤه من جانب الإسلامويين والمتعصبّين لدينا، ومثل هذين الرأيين يقومان على أيديولوجيا مسبقة تلك التي تشيطن الآخر بنظرة إسقاطيّة أساسها الكراهية والاستعلاء.
وإذا كان عالم التسامح مرتبطاً أيضاً بالحداثة والمدنيّة والعقلانية فكيف السبيل للولوج إليه؟، وفي هذا الصدد نقول هناك 10 فرضيّات أساسية إذا ما أخذت بها المجتمعات والبلدان واعتمدت كقواعد قانونيّة يمكن تهيئة بيئة صالحة لبذر التسامح وإروائه ليصبح شجرة باسقة وهي الإقرار ب: أولاً - نسبيّة المعرفة، وبالتالي تجربة الخطأ والصواب، وكان أوّل من دعا إلى ذلك سقراط وطوّر الفكرة بعده فولتير؛ وثانياً - لا عصمة من الخطأ، فحتّى العلماء يخطأون، وليس لبشر عصمة طالما هو يعمل فهُ يخطىْ؛ وثالثاً -عدم امتلاك الحقيقة، والكل يحاول مقاربتها من خلال النقاش والجدل، ورابعاً - التعدّدية والتنوّع للأديان والقوميّات والبلدان والمجتمعات والأفراد؛ وخامساً حق الاختلاف باعتباره حقيقة فائقة وسيكون البحث عن التطابق مجرّد وهْم مثلما سيكون كل إجماع مصطنعاً بإلغاء الفروق. وسادساً، الموقف الإيجابي من الآخر، وهو دليل حضاري لقبول فكرة التسامح؛ وسابعاً عدم التمييز الذي ينبغي أن يكون على قاعدة المساواة والعدل في التشريع والقضاء والإدارة أي "حكم القانون" الذي عبّر عنه مونتسكيو بقوله: (القانون مثل الموت لا يستثني أحداً)، أي يسري على الجميع حكّاماً ومحكومين؛ وثامناً - المساواة صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، وقد جاء في القرآن الكريم أن البشر متساوون في الكرامة الإنسانيّة وورد في سورة الإسراء "تكريم بني آدم"؛ وتاسعاً نشر التسامح من خلال التربية والتعليم للمراحل المختلفة كفلسفة وثقافة، إضافة إلى دور الإعلام والمجتمع المدني والفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
وأخيراً، وعاشراً - ضرورة إصلاح المجال الديني، ومن خلال إصلاح الفكر الديني يمكن إصلاح الخطاب الديني، وعلى غرار هوبز: كلُّ إصلاح مفتاحه الفكر الديني، وإذا ما سادت هذه الفرضيّات وأصبحت واقعاً يمكن الحديث عن فريضة التسامح من خلال فلسفته وثقافته ووجوده في الحياة اليومية والاجتماعية على صعيد كل من المجتمع والفرد وعلى الصعيد الدولي أيضاً، كقيمة أخلاقيّة مثلما هو قيمة اجتماعيّة وقانونيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.