أسعار العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    قطر تقول إنها أهدت طائرة للرئيس الأمريكي بدافع "الحب".. وترامب يعتبر نفسه غبيا إذا لم يقبل الهدية    إسرائيل تكثف قصف غزة وتقتل 80 فلسطينيا تزامنا مع جولة ترامب في الخليج    ترامب: أمريكا تقترب جدا من إبرام اتفاق نووي مع إيران    الوداد الرياضي والجيش الملكي يتأهلان إلى نهائي كأس العرش لكرة القدم النسوية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    تمساح ينهي حياة رجل أثناء ممارسة السباحة بأندونيسيا    أسعار النفط تتراجع بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية    والي جهة طنجة تطوان الحسيمة يترأس حفل عشاء اختتام الموسم الرياضي لاتحاد طنجة    استثمارات قطرية ضخمة في الولايات المتحدة تتجاوز التريليون دولار خلال زيارة ترامب للدوحة    الكرملين يكشف عن تشكيلة وفده للمفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول    حجز كمية مهمة من "الحشيش" بالصويرة    360 مليون درهم لتقوية تزويد مدن شمال المغرب بالماء الشروب انطلاقاً من شتنبر 2025    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    80 ألف يورو لضمان جنازات تليق بمسلمي مليلية وفق الشريعة والعرف الديني    الكونغو تعود لمنافسة "أسود الأطلس"    حرية الصحافة في المغرب بين التحسن الظاهري والتحديات العميقة    بقلم الدكتور سفيان الشاط: أوقفوا العاهات السلبيين على وسائل التواصل الاجتماعي    الملك محمد السادس يستقبل بالرباط عددا من السفراء الأجانب    حجز 1600 كيلو غراما من المخدرات بالصويرة مرتبطة بشبكة دولية للتهريب    الصحافة تحترق في طنجة تيك    الناظوركوت المغربي يواصل تألقه العالمي رغم أزمة الحوامض.. وأكثر من 300 ألف طن في موسم واحد    الكوكب المراكشي يحقق حلم الصعود ويعود إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية    قانون جديد يقترب: الحكومة تتحرك لوضع حد ل"التفاهة" بالمنصات الاجتماعية وحماية القيم    1.2 تريليون دولار.. توقيع صفقات ضخمة بين قطر وأميركا    وزارة النقل واللوجيستيك توقع ثلاث شراكات نوعية مع مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة قرب قنطرة واد غيس (صور)    عامل إقليم الحسيمة يودع 59 حاجًا متوجهين إلى الديار المقدسة    ليلى بنعلي تجري مباحثات مع نظيرها التنزاني لتعزيز التعاون في مجال الطاقة (فيديو)    الملك يستقبل عددا من السفراء الأجانب    3.65 مليار درهم قيمة صادرات الصيد الساحلي في 4 أشهر    الرشيدية .. تخليد الذكرى ال 69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    الملك يسحب تدبير دعم الفلاحين من وزارة الفلاحة بعد فضيحة "الفراقشية"    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    وداعا فخامة الرئيس    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضيحة كذبة تدمير «لوحة الشمس»
نشر في التجديد يوم 22 - 10 - 2012

تلفيق ونشر وترويج كذبة تدمير منحوتات صخرية بالموقع التاريخي «ياوغور» بالأطلس الكبير قضية تتطلب وقفة تأمل لاستخلاص العبر الضرورية في هذه المرحلة الخاصة من تاريخ المغرب. فالخبر الزائف الذي تم الترويج له تبين كذبه الفاضح بعد الزيارة الميدانية المعاينة للموقع التي نظمتها وزارة الاتصال وشاركت فيها مختلف وسائل الإعلام وخبراء في الآثار بالإضافة إلى نتائج تحقيقات لكل من الدرك الملكي في المنطقة ووزارة الثقافة، والتي أكدت بالمعاينة والصورة الحية أن المنحوتات الأثرية وخاصة التي ترمز للشمس والمسماة «لوحة الشمس» في حالتها الطبيعية ولم يمسسها شيء.
إن المهم اليوم، بعد انفضاح الكذبة، ليس في «لا أحد دمر شيئا» وانتهى، ولكن الأهم هو من نسج هذه القصة من أصلها؟ ولأي غرض؟ ولماذا في هذه الظرفية السياسية الخاصة؟
إن الأمر الخطير في هذه النازلة لا يتعلق بمجرد خبر ملفق تم الترويج له على نطاق واسع، فالأخبار الكاذبة في وسائل الإعلام مع الأسف موجودة ويستغلها أصحابها لأغراضهم الخاصة من ضغط وابتزاز وغير ذلك. لكن الخطورة في كذبة تدمير «لوحة الشمس» تتعلق بعناصره الحاملة لرسائل سياسية وإديلوجية خاصة وربطها بقضية حساسة هي الأمازيغية.
فالخبر الذي انطلق من أوساط نشطاء حقوقيين في القضية الأمازيغية واعتمده أحد الرموز الكبيرة في الحركة الأمازيغية في تحليلاته، يدور حول أربعة عناصر كبرى وذات حساسية. العنصر الأول يتعلق بطبيعة الآثار التي زُعِم أنها دمرت و التي وصفت بأنها أمازيغية، و هي آثار يعود تاريخها إلى عهد الفينيقيين وعمرها يزيد عن 8 آلاف سنة، وتدخل ضمن الموروث الثقافي والتاريخي المغربي الذي تجب حمايته وصيانته.
العنصر الثاني يتعلق بالحديث عن التدمير، وهو في غير حالتي العته والجنون، سلوك يعبر عن موقف و وجود دوافع سياسية وأيديلوجية و يلغي أي دوافع نفعية (كل الآثار في العالم تكون عرضة للسرقة والمتاجرة)، ويضعنا الخبر بذلك أمام إرادة وفعل مدبر.
العنصر الثالث يتعلق بالجهة التي زُعِم أنها دمرت تلك الآثار، فالقصة الكاذبة تصفهم بأنهم سلفيون، و أن تلك الفئة من المواطنين سبق وقامت بمثل ذلك من قبل مرات، كما زعم الناشط الحقوقي بوبكر أنغير، في تصريحه ل»الجزيرة نيت» موضحا القصد بالقول إن «بعض الفصائل السلفية في المنطقة، تعتبر تلك النقوش وثنية وجب التخلص منها «. وفي تحليله للحدث المكذوب قال الباحث أحمد عصيد من جهته، لوكالة الأنباء «رويترز»: «هذا العمل يأتي في أعقاب زيادة ملحوظة في أنشطة السلفيين في المناطق التي يغلب عليها الامازيغ في المغرب». ولتفسير دوافعهم المفترضة قال عصيد في نفس التصريح إن هؤلاء السلفيين «يرون أن مظاهر الثقافة الأمازيغية بما فيها تراث ما قبل الإسلام التي ما زالت حاضرة اليوم تتنافى مع الفتوحات الإسلامية.» ! ونكون من خلال هذا العنصر أمام تيار ديني له موقف مبدئي من التراث الأمازيغي ويسعى إلى تدميره وطمسه.
العنصر الرابع يتعلق بالإخراج الإعلامي للخبر، والذي حاول وضعه في سياق عام له ما يعززه في دول إسلامية أخرى، مما يسهل تصديق الكذبة بزعم تدمير السلفيين لمآثر «وثنية» ما دام أنهم قاموا بذلك في عدة دول أخرى. فأنغير اعتبر الواقعة الافتراضية في تصريح لجريدة «الصباح» عملا يشبه ما يقع في بعض الدول مثل ليبيا وأفغانستان. و من جهتها حاولت عدة منابر إعلامية معالجة الخبر بما يكرس صورة ما يقع في بلدان أخرى من طرف متطرفين، ف»الجزيرة نيت» مباشرة بعد الخبر المكذوب أوردت بعد عبارة « وفي سياق ذي صلة» خبر المشتبه بهما ممن وصفا بالسلفيين والذين أعلن بيان لوزارة الداخلية مساء الأربعاء أنه تم إلقاء القبض عليهما في مدينة سلا «أثناء محاولتهما مهاجمة منزل إحدى العرافات بنية شنقها». وأغرب من ذلك نجده في خبر وكالة الأنباء الفرنسية التي نقلت الخبر المكذوب و أقحمت خلفية للخبر هي هذه الفقرة:» هذا وتعرضت زاوية السيدة عائشة المنوبية أحد أعرق الأضرحة الصوفية في ضواحي العاصمة التونسية، إلى الحرق ليلة الإثنين الثلاثاء على يد سلفيين حسب إفادات العديد من الشهود» !
إنه من غير الوارد في هذا الإطار اعتقاد أن مناضلين كبيرين من طينة عصيد وأنغير قد ساهموا في فبركة قصة مخبولة ومستفزة مثل قصة تدمير «لوحة الشمس» من طرف سلفيين، غير أن المؤكد هو أنهما رفعا من الوقع الإعلامي للخبر من خلال تأكيد وقوعه والتعليق عليه وتفسيره قبل أن يتثبتا منه.
إن العناصر الأربعة السابقة في القصة المكذوبة، تؤكد وجود سوء النية في فبركتها وقصد ربط تدمير مفترض لمآثر أمازيغية بالتطرف الديني. ومعلوم أن الكذب عمل إرادي يعبر عن القصد ولا يدخل في دائرة الخطأ. مما يكشف احتمال وجود طرف ما، يراهن على استغفال النشطاء الأمازيغ، سيحاول الاستثمار السياسوي مستقبلا في هذا الاتجاه بما يهدد الاستقرار والإجهاز على المكتسبات التي تحققت للأمازيغية حتى اليوم.
ولعل توقيت «إنزال» الكذبة السمجة و الظرفية التي طرحت فيها يساعد في فهم المرامي من مثل هذه التلاعبات، التي انطوت مع الأسف الشديد على بعض النشطاء في الحركة الأمازيغية، وهو ما يتطلب اليقظة والحذر، وضرورة التتبث قبل الخوض في أي مشروع.
إن الظرفية السياسية التي نعيشها اليوم تتميز بالخصوص بفتح ورش إعداد القوانين التنظيمية المتعلقة بالتنزيل الدستوري للأمازيغية، وهو ورش واكبه نقاش هام حول تقييم السياسات الحكومية في الملف. و أظهر التعاطي مع القضية وجود إمكانات هائلة للتقدم في ملف تنزيل دسترة الأمازيغية على أرض الواقع، مما يتطلب تجميع الجهود وتوفير شروط تحقيق ذلك. وقد تكون لبعض الأطراف حسابات ضيقة لا تتحمل أن يكون الانجاز التاريخي للأمازيغية بعد دسترتها في ظل حكومة يقودها حزب إسلامي، وهو ما قد يفسر بعض التقييمات والمواقف العدمية التي لا ترى شيئا تحقق ولا تنتظر شيئا أن يتحقق.
وفي انتظار ما قد تكشف عنه التحقيقات التي باشرتها أكثر جهة يمكن الحديث عن فرضيتين رئيسيتين.
الفرضية الأولى تفيد أن الأمر قد يتعلق بمجرد نكتة في الأصل تحولت إلى إشاعة تم التعامل معها بدون تتبث ولا تمحيص. وهذا يقتضي نقدا ذاتيا واعتذارا عن الإساءة الكبيرة التي لحقت المغرب والمغاربة جراء تحويل إشاعة إلى يقين. وأن يستخلص منها البعض عبرة أهمية التخلص من العمى الأيديلوجي والمقاربات السياسية الضيقة، و درس كون اللعب على ورقة التطرف الديني بالصيغة الأفغانية أو التونسية أو الليبية في المغرب لا تجدي، وأن ثمنها هو فقدان المصداقية وإلحاق الضرر بالوطن.
الفرضية الثانية تقضي بوجود مؤامرة فعلية تتوسل إلى تحقيق أهدافها بالكذب في قضايا ذات حساسية عالية سياسيا واجتماعيا مثل الأمازيغية، الهدف منها قد يكون إما التشويش على العمل الحكومي الحالي ( أعداء الاختيارات السياسية الحالية) أو نسف الصيرورة التي دخل فيها المغرب في ملف الأمازيغية (أعداء الأمازيغية). وفي ظل هذه الفرضية يكون خلط الأوراق من خلال استفزاز حساسية دينية، لتوظيف ردود فعلها مستقبلا وفق ما خطط له، وسيلة فعالة لإلحاق المغرب بالصورة النمطية حول تلك الحساسية في عدد من الدول، وتوليد ضغط داخلي وخارجي يتم استثماره سياسيا بعد ذلك لتحقيق مكاسب سياسوية. وقد تكون الورقة السياسية في هذا الإطار هو المراهنة على التصادم بين التيار السلفي والحركة الأمازيغية حول المآثر التي يريد البعض أن يَنظُر إليها السلفيون على أنها «أوثان» يجب التخلص منها، وهو ما قد يفسر اختيار الخبر المكذوب الحديث عن «لوحة الشمس» والحديث عن أن الشمس تمثل الآلهة ! وهذا الرهان قد يمليه اليأس من انخراط الحركة الإسلامية ذات الاهتمامات السياسية في أي صراع مع الحركة الأمازيغية مستقبلا بعد الحسم في كثير من الإشكالات بعد دسترة الأمازيغية.
وكيفما كانت الأسباب وراء ترويج الخبر الكاذب، فإن الواقعة تكشف ضرورة اليقظة الكبيرة من انتقال المغامرة السياسية إلى إثارة الفتن بين المغاربة في ملف الأمازيغية بصناعة «ألغام» من نوع «حرام» وزرعها في طريقها من خلال الإعلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.