النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.. الوفد المغربي: "وفقا للرؤية الملكية المتبصرة.. المغرب يجعل من التعليم ركيزة استراتيجية للتعاون جنوب-جنوب"        سعر عملة بيتكوين يبلغ مستوى قياسيا جديدا يتجاوز 124 ألف دولار    اتحاد طنجة يعلن انتقال حارس مرماه الشاب ريان أزواغ لإشبيلية الإسباني    احباط محاولة لتهريب 52 كلغ من الكوكايين عبر ميناء طنجة المتوسط    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على طريق المطار ترسل شخصين الى المستشفى (صور)            ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    متى تخرج مصر من المنطقة الرمادية؟    جامعة الدول العربيه تدين تصريحات إسرائيلية عن اقتطاع أجزاء من دول عربية لإقامة إسرائيل الكبرى    وادي الذهب: أيقونة السيادة المغربية ومسار التنمية المستدامة    "شان 2024": مباراة مصيرية للمنتخب المغربي أمام نظيره الزامبي    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    إنجاز تاريخي.. حكيمي يصبح ثالث أكثر لاعب إفريقي تتويجاً بالبطولات    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة غدا الجمعة    حاقدون بلا حدود    ديرها غا زوينة.. مفكر كبير كيكشف مصايبنا/ لائحة بأسماء اللي على باب الحبس/ ابتسام لشكر والعدل والإحسان (فيديو)    أسعار النفط ترتفع    ارتفاع أسعار الذهب مدعومة بتراجع الدولار    حقيقة اعتداء أشخاص على سائق سيارة بتارودانت    المغرب يخلد الذكرى ال46 لاسترجاع وادي الذهب    مصر تدين "ما يسمى بإسرائيل الكبرى"    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    حين تتحطم الأكاذيب على جدار الاستخبارات المغربية الصلب    أهم منصات الصين الإعلامية الرسمية ترد التاريخ للمغرب بنشر خريطة المغرب بصحرائه موحدة    ذكرى استرجاع وادي الذهب: محطة تاريخية مهمة في مسار الوحدة الترابية للمملكة    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للانترنت    فريد الصمدي مدير مهرجان السلام والتعايش ببروكسيل يكرم في العاصمة الرباط            "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    أب أبكم وابنه يلقيان حتفهما غرقاً في حوض مائي بنواحي قلعة السراغنة    المحلي ينهي الاستعدادت للقاء زامبيا            المداخيل الجمركية بالمغرب تتجاوز 54,79 مليار درهم وتواصل صعودها    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم    "آخر اختيار" يتوج بجائزة أفضل فيلم روائي بالهند    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    "مناجم"... رقم المعاملات يبلغ 4،42 مليارات درهم عند متم يونيو 2025    المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية            الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بولونيا» لؤلؤة الشمال الإيطالي..ومغربيات قهرن العزلة والاغتراب
نشر في التجديد يوم 06 - 03 - 2013

من علو السماء تلوح الأرض من بين قطع السحاب سهولا خضراء شاسعة تتقاسمها الحقول والأنهار، والمساكن قد بنيت في تناسق جميل مع الطبيعة. وعلى خارطة الرحلة في شاشة المقعد والنافذة ترى طريق رحلتك بكل متعة.. لا يظهر من معالم المدينة سوى الحقول وأسطح المنازل والطرقات يكسوها البياض.. بعد ساعتين ونصف تقريبا من الطيران، تظهر «بولونيا» وبيوتها ذات الطابع الموحد الذي لا يختلف أبدا، بيوت مصفوفة بواجهة شبه موحدة... وبسلام، هبطت طائرتنا في مطار «غولييلمو ماركوني» ببولونيا مساء يوم 14 فبراير الماضي، وهو سادس المطارات بالنسبة للرحلات الدولية من حيث عدد المسافرين..، هناك تكاد تجمع أمرك على أنه مطار شبه خالِ، والتنظيم يسهل إجراءات المسافرين الذي شاركونا طابور «الجوازات»..، أقل من نصف ساعة ونحن في موقف السيارات...
حكاية المكان
لم ألتق من قبل بمدينة «بولونيا» لؤلؤة الشمال الإيطالي كما يحلو للبعض أن يسميها، لكنني أعرفها الآن قدرما أتاحت لي ظروف الاطلاع على ملامحها في زيارة قصيرة قادتني إليها منتصف شهر فبراير، استجابة لدعوة مشاركة في نشاط ثقافي نظمته جمعية الهلال للرياضة والثقافة المغربية هناك ما بين 14 و17 فبراير المنصرم، حول موضوع: « المرأة المغربية بإيطاليا بين تحديات الهجرة ورهان المناصفة «.
ليكن المشوار حكاية المكان..، صور كثيرة حملت ملامح مدينة «بولونيا» إلى ناظري، حينما لامست الأقدام هذه الأرض، وفي وجوهنا دهشة المكان..، كان الشتاء يبعث بنسائمه كما اعتاد.. لاحت المدينة الهادئة من أفق أمامنا، تراجع التعب، ألقيناه وراءنا كأنه بضاعة لا نريدها معنا، ونحن ندخل الشوارع التي تبدو أمامنا كشرايين للحياة.. كان على مستقبلينا من أعضاء جمعية «الهلال» وفي مقدمتهم رئيسها الحسان كوبي بالمطار، الذي يقع على بعد 9 كلم من المدينة، أن يختاروا أحد هذه الشوارع لنوغل أكثر في ثنايا المكان بكل تفاصيله.. كان الضباب الشفاف والرذاذ الخفيف يستقبلنا، وملامحه تدعونا للتماهي ونسيان وعثاء السفر..استدارت السيارة التي كانت تقلنا أكثر من مرة، فيما العيون تحاول التقاط سر مدينة يبدو واضحا؛ لكن الوصول إلى فهمه كان عصيا، فالطقس ليس ربيعا رغم كل ما تشي به طبيعة تتجلى في اخضرارها كما يجب أن تكون..لم يكن المشهد يعطي فرصة لتذكر أي طقس جئنا منه.. البياض يلف المكان بجاذبية تدعو إلى الترجل من السيارة والسير بين إشارات الطبيعة لنشاهد أي لون هذا تكتسبه «بولونيا» في جو شتوي جميل.. تلبس فيه الأشجار أوراقها لا تخلعها لكنها تستعير من البياض لونا لها، وتترامى واحات خضراء، لتحيي زائرها في لمسة يشعر معها بلطف بالغ تبديه هذه المدينة، وكأن المكان يقف أمام لوحة الطبيعة التي تكتبها الثلوج على امتداد كل ركن فيه.
عبرنا حوالي 20 كيلومترا قبل أن يصافحنا فندق «هوليداي» بإطلالته الجميلة ومنظره المكتسب من مفردات مكان يتفرد بأنه تخلى عن سكنى الارتفاعات في جزء من موقع جغرافي يقف بكبرياء، كأنه يتباهى بتضاريس منحتها إياه تقاسيم الطبيعة.. ومع استقبالنا كان لافتا تخصيص مكان خاص ضمن الطابق الثاني للمدخنين، بموجب واحد من أكثر التشريعات صرامة في أوروبا، حيث تمنع إيطاليا على المدخنين الخروج من المقهى أو المطعم للتدخين على الرصيف منذ سنة 2005.
أثناء عبورنا لأحياء واحدة من المدن الخمسة لجهة إميليا رومانيا التي تقع جنوب ميلانو، كنا نتابع المعالم على نسق ممتد..، حيث تلتقط العين ما لا يحصى من العناصر القابلة لاكتشاف لغة مدينة يجمع عليها الايطاليون وتتوحد فيها بوصلتهم الاقتصادية والتجارية و الفلاحية والسياحية.
في جولاتنا المتعددة على مدى أيام مقامنا، كانت السيارة التي تنقلنا، كلما ودعت حيا استقبلها آخر في انسياب تام..سيارات قليلة تعبر الطرقات المعبدة، والبشر يمارسون يومياتهم لا يعنيهم أي عابر في شيء، طالما أنه لا يكسر نمط الحياة المعتاد.. الشوارع تصطف مع محلات جميلة، مما يجعلها مكانا جيدا للمشي حتى مع سقوط المطر. . هناك العديد من الميادين الجذابة، تصطف على جانبيها مبان بأروقة جميلة.. ، وفي حافة المدينة محطات القطار.
السائر على الطرق الرئيسية الواصلة بين أحياء المدينة وريفها الأكثر رحابة الذي يمتد إلى ما لا نهاية، مما يمنح شعورا بالانطلاق في فضاء رحب يلمح أي جهد ارتوت به هذه الأرض لتلبس جمالا آخاذا، يضاف إلى ما تتمتع به من نظافة وأناقة يراها الزائر مفرطة، ويشعر بها المواطن جزءا من حركة حياته اليومية، حيث الاعتياد على رؤية المكان هادئا وجميلا ومحفوفا بعناية الاخضرار حتى في أقسى تضاريسه مشقة.. هي النظافة حيث يكتسب المكان أناقة تبدو غير واقعية في عالم مدن القرن الحادي والعشرين، وهو الجمال حين تطل أسطح البيوت المكسوة بياضا مشرقة تحت وهج شمس خافت يزور بين الفينة والأخرى على استحياء.. الثلوج منبسطة بسلام آخاذ وهدوء لا يقاوم..طرق واسعة مضاءة، أنيقة وبيضاء، تشوير طرقي كثيف، تخطيط شوارع مستقيم.. وإشارات تاريخ ما زال ينبأ بمجد عاشته المدينة يرجع للعصور الوسطى، وحاضر جمل مشوار الأمس لتكون أرضا تنعم بكل الخدمات المتوافرة في المدن.
لقاء أكاديمي
وسط بولونيا التاريخي، تتجلى المدينة بكل منشآتها الثقافية والحضارية، مرتدية أجمل حللها وأغناها تراثا.. الأحمر هو لون «بولونيا»، فبنيانها خليط من الطوب الأحمر وسقوف «القرميد»..الدروب الضيقة..أفواج الطلبة والطالبات تملؤها سيرا على الأقدام أو على متن الدراجات..السقوف والشرفات التي تنبثق من مربع في وسط ساحة كبيرة «ماجيوري»..المباني الأثرية..بقايا جدران وأبراج بعضها مائل بشكل غير مستقر..قصور أصحاب النفوذ.. ، وهناك أيضا أعرق جامعات أوروبا (تأسست عام 1088)، وثاني أكبر جامعة في إيطاليا، حيث يمثل المنتسبون إلى كلياتها 23 ما لا يقل عن خمس سكان المدينة كلها...
لم يكن مسموحا بإدخال السيارة إلى هناك، ف «جامعة بولونيا» ضاقت بها المساحة وسط المدينة، ولذلك كان الموقع مكانا مثاليا للتجول سيرا على الأقدام..، كان لافتا كيف كانت الجدران دفاتر للطلبة، كتابات ورسومات بكل الألوان وكل الأشكال الهندسية..، ولئن كانت سلطات المدينة، حسب إفادات بعض مرافقينا، تستفيد من هذه المواهب الخفية، بتخصيص أماكن خاصة لفن الرسومات الحائطية، إلا أنهم مع ذلك لا يزالون يرسمون ويخربشون في الأماكن غير المسوح بها.
يبدو أن الطبيعة فرضت شروطها على المدينة وساكنيها..فكانت الكتابة على الجدران كمن يرغب في الخروج من الحيز الضيق الذي يتحركون فيه داخل الحرم الجامعي على الخصوص،ويريد الوصول إلى أبعاد إضافية تحقق لها قدرا من الإحساس بالاتساع والفراغ، كما تخلق نوعا من الخيال الحالم الذي يحقق بعضا من الاتزان النفسي ويعطي القدرة على التعايش مع هذه العمارة ذات الأبراج العالية والدروب الضيقة والأسقف المنخفضة..
هناك، بأحد أقسام الفلسفة بهذه الجامعة العريقة، جمعنا لقاء أكاديمي مع ثلة من طالباتها، والموعد الذي استطاعت جمعية الهلال أن تجعله جزءا من حصة دراسية صباحية، يحيل على أن النسيج الجمعوي المغربي استطاع أن يصبح طرفا أساسيا في صنع الحدث ببلد المهجر، إذ لم يكتفي بالمشاركة و التفاعل مع محيطه، بل كان السباق لمد يده لبناء جسور للتعاون و الاندماج الإيجابي.
حاول النقاش المفتوح بالفصل الدراسي خلق وعي إنساني، يطبق فكرة التعايش عبر التمازج الثقافي وليس كمبدأ للاحتواء الثقافي فقط.وكم كان موفقا أن ينتقل هذا الحوار الثقافي من حديث سلط الضوء على الثراء الثقافي و الإنساني الذي يزخر به المغرب، وكذا المكتسبات التي راكمتها المرأة المغربية في المجال الاجتماعي، الحقوقي والسياسي، على ضوء مستجدات مدونة الأسرة ودستور 2011 والقوانين التنظيمية الأخرى التي رأت النور أو في طريقها إلى الأجرأة أو المناقشة في إطار التنزيل السليم للدستور، الذي يجري الإجماع على أنه جسد الاستثناء المغربي في التعامل مع تطورات الربيع العربي بالمنطقة.
إلى حديث توقف عند أهم التحديات التي واجهت وتواجه المرأة المغربية بإيطاليا بدءا بالأسرة والعمل (إن وجد) والمجتمع وغيرها. في سياق حال عائلات متغربة، تربطها بأصولها وشائج لا تزول، ولكنها، في الوقت نفسه، بأجيالها الحديثة، تعيش مفارقات كثيرة الدوافع بين الجذور والفروع.. قد توصلها أو ربما حصل وانتهى إلى التشتت والضياع والانهيار الأُسري.
واستعرض الحديث، نماذج من الحالات المرتبطة بالموضوع مع اختلاف في الوضعية الاجتماعية والقانونية لنساء مغربيات مقيمات بحكم التجمع العائلي، أو حاصلات على الجنسية الايطالية وما يمنحها ذلك من امتيازات اعتبارية على الأقل.
الجسر إلى التفاعل مع هذه المعطيات، شكلته كنزة الغالي الباحثة المتخصصة في شؤون الهجرة، ومهاجرتين مغربتين جسدتا الاندماج الايجابي في بلد المهجر، هما نادية بنعمر باحثة ومترجمة معتمدة لدى عمالة «بولونيا»، وسناء الكوبي الطالبة التي تدرس ب «جامعة بولونيا».
وجه آخر.. بملامح الوطن
قريبا من إشارة المرور التي تعطي العابر فرصة للانتقال بين ضفتي شارع «فيا لاركا» إلى مقر القنصلية المغربية العامة بمدينة «بولونيا»، نزلنا من السيارة في ساعات الصباح الأولى الندية بأول النشاط..،هناك ينبعث وجه آخر للمكان يحتويه الفضاء الخارجي للقنصلية..وتؤثثه حركة يشعر المرء تجاهها بنوع خاص من التعاطي مع مفردات تختلف عن أسلوب «بولونيا» في البيع والشراء، حركة صنعتها وجوه لها ملامح الوطن.. عشرات المغاربة يسوقون مزيجا مذهلا من البضائع بنكهة مغربية (ألبان، كسكس طازج، خضر، فواكه..)،منهم من يجلس وراء البضاعة ومنهم من يقف مساوما في قيمة يظنها عالية..
المكان يضج بالحيوية، حكايات العابرين من المهاجرين المغاربة إلى هنا تراها في وجوه الناس الذين يملأون مكاتب الطابق الأرضي للقنصلية، من هنا مر كثيرون غادروا إلى أماكن عديدة يجوبون فضاء الله بحثا عن رزق، و عائدون إلى أرض الوطن..،هم لا يعرفون في هذا المكان إلا قطع الطريق ذهابا وإيابا في يوميات الحصول على وثائقهم الرسمية أو التصديق عليها وتجديدها، وغيرها من الخدمات الإدارية، التي لم ينف القنصل العام للملكة إدريس رشدي أثناء استقباله للوفد المغربي في زيارة مجاملة، (لم ينف) الصعوبات التي يلاقيها الموظفون في تقديمها إلى أفراد جالية يتجاوز عددها ضمن مجال تغطية القنصلية قرابة 150 ألف مغربي مقيم منها 59 ألف من النساء. قبل أن يكشف عن الخطوط العريضة للبرنامج المستقبلي الذي تعد من لبناته الأساسية نقل المقر الحالي للقنصلية إلى مكان جديد، ووفق مواصفات وخدمات جديدة تراعي عنصري الجودة وحسن الاستقبال.
تجربة التعايش والنجاح
«حكايات من المهجر» ليست سوى ذكريات الماضي وآهات الحاضر لدى نفس بعيدة حائرة في مجاهل الغربة، بارتفاع قلقها الإنساني وتقلب الحياة.. كنا من خلالها وجها لوجه أمام مواقف ومشاعر متصارعة سواء في داخل أبطالها أو في داخل من يسمعونها.. وهي كلها عناوين مجللة بالألم، وصور اغترابية واحدة على معرفتنا بأنها لا تعمم ، ولكنها تختلف في مآلاتها.
كل الوجوه كانت لها حكاياتها، التي تكاد تجبر الدمعة على مغادرة مآقيها لفرط قسوة الحكاية، لكن تألق النهايات للكثيرين منهم صنع مضمونا مشرقا بطعم النجاح في التفاعل والاندماج الإيجابي ببلد الاستقبال. الحكايات صبت في خانة (تلاقي نسائي) ضمن ندوة جمعية الهلال حول «تحديات المرأة المهاجرة»، وقد لامس الحكي وجع المرأة الحقيقي في تجرع كأس الغربة الحاد المرارة.. وخلف عبر وعظات بليغة، عنوانها أن اللواتي امتلكن ناصية اللغة وحصلن على مستوى ثقافي عال، نجحن في الاندماج والتواصل.
إن ما تبدى ل «حنان الكيدار» في مجاهل الغربة ليس بالسهل على الإطلاق. هي المرأة الكفيفة، تصير وقد شدت الرحال إلى مدينة ميلانو شمال إيطاليا، واحدة من بطلات رياضة «البيسبول» ضمن فريق إيطالي.
بدأت معاناتها بالطلاق من زوجها بعد فقدانها للبصر، قبل أن تركب موجة التحدي وتخوض غمار الهجرة السرية لأزيد من 12 ساعة وسط محركات إحدى الشاحنات...انتهت باحتضانها بعد حياة التشرد من قبل مواطن إيطالي تزوجها ولها منه طفلة، وحصلت على الجنسية الايطالية. وعندما لم تنجح العملية الجراحية التي كانت قد أجرتها لأجل استعادة بصرها، قررت أن تطوي هذه الصفحة من حياتها، وتبدأ صفحة جديدة بانخراطها في ممارسة رياضة البيسبول للمكفوفين بملعب بولونيا. وهي رياضة جديدة توجد فقط في أربع دول (اسبانيا، جرمانيا، اليابان، إيطاليا). وأقصى أمانيها الآن أن تساهم في مساعدة مكفوفي بلدها الأصلي في ممارسة هذه الرياضة، وأن يكون المغرب أول بلد في إفريقيا يخلق هذه الممارسة الرياضية.
وتستمر الحكاية... مع «جميلة س» المقاولة القادمة من مدينة «تريفيزو»، هاجرت إلى الديار الإيطالية هربا من عنف زوجها، مضحية بعملها ككاتبة إدارية، لتصبح عاملة بالحقول، إلى خادمة بالبيوت، ثم عاملة بشركة. معاناة كان من ثمارها أن تمكنت من تدبير سكن خاص بها. حينها عادت للمغرب لاصطحاب بناتها الثلاث، لكنها تعرضت لابتزاز زوجها مرة أخرى، وهو يساومها على تسهيل هجرته أيضا مقابل بناتها، ثم طلاقها عندما يصل إلى الديار الإيطالية. آوته في بيتها حتى تمكن من الحصول على عمل هناك بمساعدتها. جميلة تمكنت من العمل كإدارية بشركة إيطالية، قبل أن تؤسس شركة خاصة لكنها أفلست بسبب الأزمة، فعملت على نقل عملها الآن إلى المغرب.
وما يثير الانتباه في حكاية (لطيفة ب) المستشارة في بلدية «بسكارا» ورئيسة جمعية للمرأة، ذلك التنوع الكبير لمجالات اهتمام هذه المهاجرة الفخورة بأصولها العربية وبثقافتها الإسلامية، وهي تخرج محاور حكايتها من موضوع لآخر بطريقة عفوية وسلسة..،هجرتها للديار الإيطالية كانت هي الثانية لها بعد هجرة أولى إلى إسبانيا دامت 9 سنوات. وبينما الهجرة الأولى كانت لأجل الدراسة، كانت الثانية اختيارا ولم تكن هروبا لأنها قررت الزواج بمواطن إيطالي..، عاشت هذه المرأة التي قست عليها الأيام مواقف مجللة بالألم، وهي تتجرع مرارة الوحدة والغربة حين توفيت والدتها، ولم تجد من يقوم بتغسيلها على الطريقة الإسلامية. وحتى عندما أملى عليها رئيس مركز إسلامي الكيفية عبر الهاتف، قامت هي بالتنفيذ الحذر حرصا على أن يفسد الخطأ هذا الفعل المقدس. كان الموقف كافيا لتفتح محلا لتغسيل موتى المسلمين وتوفر له كل ما يلزم. إلى جانب ذلك عملت على أن يكون حضورها قويا ضمن النسيج الاجتماعي في إيطاليا، لأنها تؤمن بفكرة التعاون سبيلا للاندماج الإيجابي. وتؤكد هذه الأكاديمية وهي الضمير الواعي الذي يحترم إلى أبعد الحدود قضايا الحضور الوطني والتضامن الاجتماعي والالتزام الأخلاقي...، أن الثقافة ليس ثقافة شواهد فقط، وإنما هي ذكاء وأخلاق نضال ومساعدة.
الكرم بنكهة مغربية خالصة، عشناه ببيت المهاجرة ( رشيدة. ص)، حين استضافتنا على وجبة عشاء، في سمر ليلي أحييناه في أجواء عائلية ممتعة. وأخذنا الحديث، وفي محاولة لاستكشاف حواراتنا الدافئة، تلك التي صاغها الأمس، وهذه التي يضع الحاضر لمساتها، لمسنا حقيقة امرأة استثنائية بكل المقاييس. بفضل شجاعتها وجرأتها ومثابرتها، استطاعت رشيدة بشخصيتها القوية أن تجعل لنفسها مكانة متميزة وسط الإيطاليين، وقد عرفت بينهم بكونها امرأة نشيطة في عملها، محترفة ولا تقل خبرة وتمرسا في عالم «الجزارة» الذي تمتهنه هناك، ويقدرون فيها حبها لعمل اختارته عن طواعية، وهي التي مارسته منذ حداثة سنها رفقة والدها بمدينة فاس، قبل أن تبتعد عن المهنة بعد زواجها من إيطالي.. لكنها عادت لتحيي وشائج القربى بالديار الإيطالية مع هذه المهنة..والآن لها زبناؤها الخاصون من الإيطاليين بمحلها الخاص، كما يتهافت عليها أرباب الأسواق الممتازة لكي تشرف على عملية تدبير مبيعات اللحوم.. وإلى جانب نشاطاتها المهنية المتعددة، عملت رشيدة على أن يكون حضورها قويا ضمن النسيج الجمعوي، كما أنها عضو متطوع في الوقاية المدنية لإيطاليا.
كيف تم التغلب على مسألة الاندماج، وعلى تناقضات الهجرة.. أسئلة أجوبتها كانت في حكاية نساء مغربيات قهرن العزلة و الاغتراب في مجتمعات مغايرة، و في سياق ثقافات مختلفة.. وتستمر الحكاية بنغمات مختلفة، و كلمات بسيطة وشغوفة تحكي حياة بأحداث مؤلمة ولكن بإنسانية حية، قوية وفاعلة..
رجع الصدى لهذه المبادرة، أوحت به كلمة مقتضبة للنائبة البرلمانية سعادة بوسيف خلال لقاء تواصلي مع القنصل العام، حين أشاعت أن تنظيم مثل هذه التظاهرة في بولونيا التي تحتضن أكبر نسبة من الجالية المغربية، مؤشر على دخول جمعيات المجتمع المدني في ممارسة سياسة القرب بمقاربة التقائية جديدة. وهي تدعو إلى تسليط الضوء على مثل هذه المبادرات باعتبارها تعكس الوجه الحقيقي للمهاجر المغربي الفاعل والأصيل، وتضييق دائرة الصورة النمطية للمهاجر للعالة، بالالتفات لإنجازات المرأة المهاجرة ومشاركتها في التنمية بدل التركيز على همومها ومشاكلها ومعاناتها فقط.
وزادت على خلفية ذلك بأن التشريعات والقوانين مهما سمت لا يمكن أن تلغي مركزية الإنسان في الإصلاح والتغيير، وهي تشدد على خلق أسمته ب «الوفاء المركب» الذي يميز المغاربة بديار المهجر، أي الوفاء للوطن الأم، والوفاء للبلد المحتضن.
بولونيا/إيطاليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.