«باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    ريال مدريد تخدم مصالح نصير مزراوي    السعوية.. أمطار غزيرة وسيول تتسبب في إغلاق المدارس بأنحاء المملكة    بركة يحصي مكاسب الاتفاق الاجتماعي ويقدم روايته حول "أزمة اللجنة التنفيذية"    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    عبد اللطيف حموشي يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالرباط    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    السفير محمد لخصاصي، القيادي الاتحادي وقيدوم المناضلين الاتحاديين .. أنوه بالمكتسبات ذات الطابع الاستراتيجي التي يسير حزبنا على هديها    لقجع "مطلوب" في مصر بسبب الشيبي    اختتام الوحدة الثالثة للدورة التكوينية للمدربين لنيل دبلوم "كاف برو"    الوداد يغلق باب الانخراط ببلوغه لرقم قياسي    ال"كاف" يقر بهزيمة اتحاد العاصمة الجزائري إيابا بثلاثية وتأهل نهضة بركان إلى النهائي لمواجهة الزمالك    نور الدين مفتاح يكتب: فن العيش بجوار الانتحاريين    إسطنبول.. وفد برلماني يؤكد موقف المغرب الراسخ من عدالة القضية الفلسطينية    صحف أمريكية تقاضي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" بتهمة انتهاك حقوق الملكية    ميارة يثني على مخرجات الاتفاق الاجتماعي ويرفض اتهام الحكومة ب"شراء النقابات "    مسيرات نقابية في مختلف المدن المغربية لإحياء يوم العمال العالمي    الداخلة .. قطب تجاري ولوجستي لا محيد عنه في القارة الإفريقية    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    توافد 3,3 مليون سائح برسم الفصل الأول من سنة 2024    صفعة جديدة لتونس قيس سعيّد.. عقوبات ثقيلة من الوكالة العالمية للمنشطات على تونس    حكيمي يواجه فريقه السابق بروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسات مرتقبة لربط تطوان وطنجة بخط سككي لتعزيز المواصلات بالشمال    إدارة السجن المحلي بالناظور تنفي مزاعم تسبب التعنيف والإهمال في وفاة سجينين    حريق بمحل لبيع المفروشات بسوق كاسبراطا بطنجة يثير هلع التجار    تفاصيل البحث في تصوير تلميذة عارية بوزان    طائرة مغربية بطنجة تتعرض لحادث تصادم مع سرب طيور        الحكومة تعلن عن مشروع لصناعة أول طائرة مغربية بالكامل    منيب: "لا مانع من إلغاء عيد الأضحى بسبب الأوضاع الاقتصادية للمواطنين    بنسعيد: اختيار طنجة لإقامة اليوم العالمي للجاز يجسد قدرة وجودة المغرب على تنظيم التظاهرات الدولية الكبرى    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    ارتفاع الحصيلة في قطاع غزة إلى 34568 قتيلا منذ اندلاع الحرب    فاتح ماي فكازا. بركان حاضرة بتونيها عند موخاريق وفلسطين جامعاهم مع نقابة الاموي والريسوني والراضي ما غابوش وضربة اخنوش ما خلاتش العمال يخرجو    مجلس المنافسة يرصد احتمال وجود تواطؤ في تحديد أسعار السردين ويحقق في الموضوع    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع وسط ترقب قرار للمركزي الأمريكي    النفط يتراجع ليوم ثالث بضغط من تزايد آمال التوصل لتهدئة في الشرق الأوسط    إسطنبول تشهد توقيفات في "عيد العمال"    "داعش" تتبنى مهاجمة مسجد بأفغانستان    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    "الاتحاد المغربي للشغل": مكاسب الاتفاق الاجتماعي مقبولة ولن نقبل "الثالوث الملعون"    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    تطورات جديدة في مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا    في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    بعد 24 عاما على طرحها.. أغنية لعمرو دياب تفوز بجائزة "الأفضل" في القرن ال21    الشرطة تعتقل عشرات المحتجين المؤيدين لفلسطين في مداهمة لجامعة كولومبيا بنيويورك    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يشارك بروما في فعاليات المنتدى الأكاديمي والعلمي    تساقطات مطرية في العديد من مناطق المملكة اليوم الأربعاء    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟    الأمثال العامية بتطوان... (586)    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» تكشف تفاصيل سرقة أعضاء موتى مغاربة بإيطاليا
يتم تشريح جثثهم دون ترخيص ثم يدفنون في مقابر النصارى
نشر في المساء يوم 12 - 05 - 2012

مهاجرون مغاربة ماتوا في ظروف عادية وتعرضت أعضاؤهم للسرقة من خلال إجراء تشريح طبي عليها دون إذن من العائلة،
التي عادة ما تستبعد أن تكون الوفاة غامضة وتستعجل ترحيل جثها إلى المغرب، فضلا على خوفها من تضييع الوقت والمال في بلاد الغربة دون طائل. لمعرفة خبايا هذا الملف ولتسليط الضوء عليه بشكل مفصل، التقت «المساء» عددا من المكلفين بتسيير المراكز الثقافية الإسلامية في إيطاليا، والذين كشفوا النقاب عما أسموه «المسكوت عنه» الذي يندرج في إطار ما وصفوه ب«استرخاص» جثث المهاجرين المغاربة، مؤكدين أن نسبة 90 في المائة من الوفيات التي استقبلها مركز واحد فقط كلها مشرحة من الرأس إلى الساقين، دون أن تتوصل المراكز بنسخة من الإذن بالتشريح.. «المساء» تفتح ملف تشريح جثث مغاربة بدون ترخيص وإفراغها من أعضائها ودفن بعضهم في مقابر النصارى لتقريبكم من بعض المشاكل التي تتخبط فيها الجالية المغربية في إيطاليا.
حصلت «المساء» على معطيات خطيرة وصادمة من مصادر جد مطّلعة التمست عدم ذكر اسمائها بعد مقابلتها في إطار تحقيق أجرته حول الجالية المغربية المقيمة في الديار الإيطالية، أكد أن جثث المغاربة الذين يموتون أو يُقتَلون هناك تظل مهملة دون أن تعير القنصليات المغربية في إيطاليا أي اهتمام لهذا الموضوع. وأكدت المصادر ذاتها أن عددا من الاختلالات التي تم رصدها تدخل في إطار المسكوت عنه، مشيرة إلى أنه قد حان الوقت لفضحها ورفع غطاء السرية عنها ووضع حد لإهانة كرامة الأموات.
جثث مفرغة من الأحشاء
للتأكد أكثر من مدى صحة هذا الموضوع، انتقلت «المساء» إلى عدد من المراكز الثقافية الإسلامية المتواجدة في مختلف المدن الإيطالية وقابلت المشرفين عليها، رغم أن عددا منهم رفضوا الحديث إلى الصحافة في هذا الملف، الذي يعد «طابوها» بالنسبة إليهم، في حين فضل بعضهم الكشف بجرأة عن خبايا وتفاصيل ما يجري، من خلال التأكيد على أن مركزا واحدا فقط من بين مجموع المراكز المتواجدة في إيطاليا استقبل حوالي 90 في المائة من الجثث التي أفرِغت من أعضائها وتم رتقها من قمة الرأس إلى أخمص القدمين.. ما يعني أن القائمين على هذا الملف لا يكتفون فقط بأخذ الأعضاء البشرية الضرورية المعروفة بل يأخذون كذلك العروق والشرايين، حسب المصادر ذاتها.!.
وأضافت المصادر أن المراكز الثقافية الإسلامية استقبلت جثث مواطنين مغاربة من أجل غسلها وتكفينها على الطريقة الإسلامية، بيد أنها اكتشفت أن حالات موتى لقوا حتفهم في حوادث سير مميتة تمت سرقة أعضائهم، ما يزكي، وبقوة، فرضية وجود خروقات كبيرة واستغلال عناصر تنتمي إلى «مافيا» لجثث المغاربة للاتجار في أعضائها، أمام صمت المسؤولين المكلفين بشؤون الجالية المقيمة في الخارج، وفق ما تؤكد المصادر نفسها.
وشدد المتحدثون على أن الطريقة التي يتم بها رتق الجثث المفرغة من الأحشاء تبيّن أنه تمت سرقتها داخل المستشفيات بشكل لا إنساني، بل ذهب أحدهم إلى حد تأكيد أنه لن ينسى مشهدا أثّر فيه بقوة عندما تكلف بغسل مواطن مغربي وتكفينه استعدادا لترحيل جثمانه إلى المغرب، فكم كانت صدمته قوية عندما وجد نفسه أمام شخص كان يعرفه وكان قد لقي مصرعه في حادثة سير، ونقل على إثرها إلى أقرب مستشفى في مدينة ميلانو، حيث خرج بدون أعضاء..
ووصف المكلف بالجثة التي كان بصدد غسلها المشهدَ
ب«الدرامي» الذي تقشعر له الأبدان، نتيجة تجرد الجرم المُرتكَب من أن أدنى الشروط التي تحفظ كرامة الإنسان بعد وفاته، قبل أن يستطرد قائلا، وهو في قمة التأثر: «لم أصدق المشهد، إذ إن الضحية كان في حياته يتمتع ببنية جسمانية قوية.. وبعد وفاته، انتُزعت أعضاؤه ورُتقت جثثه من الرأس إلى الساقين، وكأنها «خيش».. قبل أن يضيف أن ما هو مُتعارَف عليه في القانون المنظم لتشريح الجثث ينص على كون ضحايا حوادث السير تكون أسباب وفاتهم واضحة، وبالتالي فإن الأمر لا يستدعي إجراء خبرة طبية في هذه الحالة، ليتأكد أن ما يجري داخل أسوار المستشفيات ما زال يلفّه الغموض وأن الأمر يستدعي فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة من يقف وراء نهش أجساد الموتى، الذين تنتزع منهم أعضاؤهم بدون إذن، على حد تعبير المتحدث نفسه.
وأكد عدد من المكلفين بتسيير المراكز الثقافية الإسلامية، التي هي بمثابة «مساجد» معدة للمسلمين، في تصريحات متفرقة ل»المساء»، أن حالات كثيرة ممن شُرِّحت جثثهم لا يتوصل المركز بأي ترخيص لمعرفة ملابسات الوفاة التي بنيت على أساسه الخبرة الطبية، وهو ما يفيد أن معظم الأطباء يتجاهلون كتابة تقارير طبية عن حالة الجثث المُشرَّحة، هربا من المسؤولية، ويكتفون، في أحسن الحالات، بوصف سبب الوفاة في تصاريح الدفن، وهو ما اعتبروه مخالفا للقوانين المنظمة لمهنة الأطباء.
نظرا إلى إحساسهم بالمسؤولية تجاه العمل الذي يؤدّونه بشكل تطوعي انطلاقا من كونهم مشرفين على تسيير المراكز الإسلامية، فإنهم يحسون أن المهاجر المغربي الذي «تتبجح» الحكومة المغربية بالدور الهام الذي يقوم به في بلاد المهجر، والذي يساهم في رفع قاطرة الاقتصاد الوطني، لا يغدو أن يكون مجرد «كومبارس» يتم استخدامه من الناحية الاقتصادية دون الاكتراث بجملة المشاكل التي يتخبط فيها في بلاد «الغربة»، مختصرة دوره في جلب العملة الصعبة، دون إيلاء أدنى اهتمام للإكراهات التي يعيش على وقعها، في منظر يؤكد اهتمامها به فقط حينما يتعلق الأمر بإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال رقم معاملات الجالية المغربية وتملصها من مسؤولياتها القانونية والتاريخية حينما يتعلق الأمر بحقوقه كمواطن مغربي ومسلم.. وهو ما دفعهم إلى التأكيد على أن وفاة المهاجرين المغاربة لا يعنيها في شيء، واصفين وضعيتهم ب»الكارثية»، وكأن «الميت فارْ»، على حد قولهم.
الدفن في مقابر النصارى
لم ينس إسماعيل حسان العلوي، الذي يشتغل نائبا لرئيس الفدرالية الإسلامية في جهة لومبارديا، قصة أثّرت فيه وبقيت عالقة في ذاكرته وتعود تفاصيلها إلى الفترة التي كان خلالها رئيسا لأحد المراكز الثقافية الإسلامية في إيطاليا، توفي أحد المغاربة في مدينة ميلانو، وكان يدعى «حسن بوشلالة» (ويتحدر من مدينة مكناس) إثر أزمة قلبية باغتته في الشارع العام وأسقطته أرضا ليتم نقله إلى أقرب مستشفى في ضواحي ميلانو، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. ونظرا إلى أنه لم يكن يحمل معه أي وثيقة تثبت هويته أو مقر سكناه، قامت القنصلية المغربية في ميلانو، بتنسيق مع «الأنتربول» الإيطالي بأخذ بصماته، فأظهرت نتائجها أن هذا الاسم يتوفر على بطاقة تعريف وطنية تتضمن عنوانا في مدينة الدار البيضاء، غير أنه بعد قيامها بالاتصال بالعنوان الموجود في بطاقته التعريفية، نفى صاحب العنوان معرفته بالهالك، حسب ما أكد العلوي.
وأضاف المتحدث نفسه أنه بعد عجز القنصلية عن التعرف على عائلة الضحية أو على أحد المقربين منه قررت، بتنسيق مع بلدية ميلانو، دفنه في إيطاليا، فأجرت القنصلية اتصالها مع المكلف اسماعيل العلوي، الذي كان آنذاك رئيسا للمركز الثقافي الإسلامي في مدينة لودي، التي تبعد عن ميلانو بحوالي 60 كيلومترا، من أجل الإشراف على غسل الميت وتكفينه، فتم إنجاز جميع الإجراءات القانونية حتى يتم دفنه في مقبرة خاصة بالمسلمين، كما تم أيضا دفع مبلغ 124 أورو حتى يوارى جثمانه بمقبرة للمسلمين، أما إجراءات الصندوق فالقنصلية هي التي من المفروض عليها أداء مصاريفه، يستطرد المتحدث نفسه.
وأوضح العلوي، الذي اشتغل أزيد من 15 سنة في غسل الأموات، أن رئيس بلدية لودي اقترح على القنصل دفنه في مقابرهم دون أن تؤدي القنصلية أي مصاريف. «استحسنت» الأخيرة الفكرة هربا من أداء مصاريف الصندوق والشركة المكلفة بنقل الأموات، فقررت دفنه مجانا في مقبرة النصارى!..
ولم يتردد العلوي في توجيه ندائه عبر هذا المنبر إلى أسرة الضحية إن كانوا لا يعلمون شيئا عن ابنهم الذي توفي في سنة 2005 ودُفن في مقابر النصارى، مستغربا في السياق ذاته قبول المسؤولين المغاربة بدفن جثمان مهاجر مسلم في مقبرة خاصة بالنصارى، قبل أن يستطرد قائلا: «يبدو أن الجالية المغربية لا تحظى باهتمام الجهات الوصية إلا بحلول فصل الصيف، حيث موعد «إغراق المغرب» بالعملة الصعبة، وهي الفترة التي تشهد تكاثر الإعلانات الإشهارية الموسمية، التي سرعان ما تنتهي بعد عودة المهاجرين إلى بلاد المهجر، حسب قوله.
وارتباطا بالموضوع، قابلت «المساء»، في كل من ميلانو وكريموني، فاعلين جمعويين وسألتهم عن وفيات المغاربة، فجاء الرد مطابقا مع ما أكدته المصادر السابقة. وفي هذا السياق، قال عبد الكريم المردادي، الفاعل الجمعوي في مدينة لودي، أنه شاهد مرارا جثث مواطنين مغاربة يتم تشريحها وإفراغها من أحشائها، الشيء الذي دفعه إلى استفسار المحامين حول مدى قانونية العملية، فضلا على طرق أبواب المراكز الإسلامية التي تستقبل الجثامين لغسلها وتكفينها لمعرفة طبيعة الإجراءات المعمول بها في هذا الإطار.
قصة أخرى لا تختلف كثيرا عن سابقتها حكى أطوارَها ل«المساء» مكلف بشؤون أحد المراكز الإسلامية في مدينة لودي، ومفادها أن مغربيا قتل زوجته في مدينة ستراديلا (ضواحي تورينو) لأسباب مجهولة وقام بترحيل ابنته إلى فرنسا، ليعود إلى منزله، حيث ترك جثة زوجته فأقدم على الانتحار.. لدى علم السلطات الأمنية في إيطاليا بالجريمة، انتقلت إلى عين المكان، وبعد الانتهاء من التحقيقات، تم نقل جثة الزوج في صندوق الأموات دون غسلها أو تكفينها وتم الدفن في مقبرة للنصارى، غير أنه بعد علم الابنة المقيمة في فرنسا بمآل والدها، طالبت بنقله إلى مقبرة للمسلمين، احتراما لحرمته.
أما في ما يخص الزوجة فقد أكد المصدر ذاته أن المكلف بالمركز الإسلامي وجد نفسه أمام الأمر الواقع واضطر إلى غسل المرأة التي تحللت جثثها بعدما ظلت داخل البيت لأزيد من 20 يوما، بعدما تعذر عليه إيجاد أمرأة مسلمة تتطوع لغسلها، وهذا مشكل آخر يطرح نفسه بقوة، يضيف متحدثنا، حيث غياب النساء المسلمات المكلفات بغسل وتكفين الأموات من بنات جنسهن.
متسولون اغتنوا على حساب الأموات
أمام تخلي القنصلية المغربية في إيطاليا عن أمواتها، تحولت التبرعات التي يجمعها المحسنون والمتطوعون لأداء مصاريف الصندوق لترحيل الجثة إلى بلدها الأصلي، خاصة إذا كان ينتمي إلى عائلة فقيرة أو مجهول الهوية (تحولت) إلى ما يشبه مكتسبات لبعض «المرتزقة» الذين اغتنوا عن طريق ملء جيوبهم على حساب الأموات، وهو ما يفسر، حسب المصدر ذاته، ترددهم على الأسواق الشعبية والكنائس والمراكز المتواجدة في مدن أخرى وكذا على الخيريات الإيطالية، مدّعين وفاة أحد المواطنين المغاربة بهدف جمع ما تيسّر من المال ل«ترحيل جتثه» إلى المغرب!..
انتقلت «المساء» إلى سوق « ساندونانو» الشعبي، حيث تجتمع جميع الجنسيات، وهو الأكبر على صعيد إيطاليا بأكملها ويوجد في مدينة ميلانو، وعاينت مغاربة يحملون لافتات كُتِب عليها أن مواطنا مغربيا توفي ويحتاجون إلى مبلغ 1000 أو 2000 أورو لنقله، وهو ما علّق عليه أحد المغاربة قائلا: «إن غالبية الذين يترددون على الأسواق الشعبية يتسولون ليس بهدف تقديم يد المساعدة وإنما بغرض «استغفال» ذوي القلوب الرحيمة لتحقيق أرباح مالية تحت ذريعة التكافل الإسلامي».. وهو ما حوّل هذه الظاهرة إلى تجارة مربحة، في ظل انعدام مسطرة تنظم الخطوة التي باتت تستهوي الباحثين عن تحقيق الربح السريع، دون استحضار الجانب الإنساني ولا الديني.
وأكد عدد من المقيمين في الديار الإيطالية أنهم ضبطوا أحد المتسولين يتنقل، في كل مرة، إلى سوق معين مدّعيا أن «زوجته قد توفيت ولا يملك مبلغ 3000 أورو لنقلها إلى المغرب».. وهو الأمر الذي وصل صداه، أيضا، إلى المؤسسات الإيطالية، التي كانت -بين الفينة والأخرى- تساعد الجالية المُستضعَفة، خاصة إذا تعلق الأمر بنقل الجثامين.
وأضاف أحد المكلفين بمركز إسلامي في ميلانو أنه سبق له أن طلب من أحد الإيطاليين تقديم مساعدة لمواطن مغربي يريدون نقله إلى بلده ففاجأه الرد عندما اشترط عليه أن يوقّع معه التزاما يفيد أنه تلقى المبلغ المطلوب من أجل أداء مصاريف الصندوق.. غير أن تفاقم ظاهرة التسول في الأسواق الشعبية أفقد الإيطاليين الثقة في المغاربة وجعلهم يرفضون تقديم المساعدات المالية لهم خشية أن يكونوا ضحايا نصب واحتيال.
ولحل هذا المشكل اقترحت الجالية المغربية في إيطاليا فرض ضرائب بمبالغ رمزية على المقيمين في ديار المهجر، تُصرَف لدعم صناديق الأموات على اعتبار أن التأمين البنكي الذي تتحدث عنه الحكومة المغربية تشوبه الكثير من الثغرات، يؤكد المتحدث ذاته.

«متشددون» يرفضون تكفين الأموات
في مقابلتها مع المكلفين بشؤون المراكز الإسلامية، توصلت «المساء» بمعطيات غريبة تفيد أن مسلمين «متشددين» متشبعين بالفكر التكفيري يرفضون غسل وتكفين بعض جثامين المغاربة، بدعوى أنهم لم يكونوا يؤدون الصلوات الخمس في المراكز الإسلامية أو بدعوى شربهم الخمر أو إتيانهم بممارسات يحرمها الدين الإسلامي..
تذكر «إ. ح.»، وهو أحد المشرفين على غسل الأموات، قصة مثيرة.. وقبل أن يبدأ في سرد تفاصيلها، اغرورقت عيناه بالدموع. في هذه الواقعة تقمص مواطن إيطالي دور مسلم عندما صُدِم برفض أحد المراكز الثقافية الإسلامية استقبال الجثة التي تكفّلَ بنقلها. وأكد المتحدث أن المتشددين في المركز اطلعوا على الجثة الموجودة في الصندوق وأخبروا الإيطالي أنهم لن يقوموا بتغسيلها وتكفينها بل ذهبوا إلى حد التأكيد أنه لا تجوز الصلاة عليها، طالما أن الهالك لم يكن يصلي!..
لم يفهم الإيطالي أي شيء وحاول أن يشرح لهم أن الجثة تعود إلى مواطن مغربي، إلا أنهم أصرّوا على عدم تكفينه ولا الصلاة عليه، قبل أن يهموا بالخروج، تاركين الإيطالي في حيرة من أمره أمام تنكر مواطنين مسلمين لجثة واحد من أبناء جلدتهم...
وأضاف «إ. ح.» أنه مع مرور الوقت لم يجد الإيطالي بدا من الإشراف بشكل شخصي على تغسيل الجثة، باستعمال أنبوب مائي قبل وضعها في الصندوق، لكونه هو المكلف بنقل الجثة إلى المطار، وعندما حكى ل»إ. ح.» ما حدث صرح له الإيطالي بأنه لم يكن يعلم أن المغاربة يعادون بعضهم!..
المطالبة بلجنة لتقصي الحقائق
شددت عدد من جمعيات المجتمع المدني وكذا المكلفين بتسيير المراكز الإسلامية على ضرورة إحداث لجنة لتقصي الحقائق وفتح تحقيق في ملف الجثامين، كما آخذوا على القنصلية المغربية في إيطاليا عدم اهتمامها بمثل هذه القضايا. من جهة أخرى، دعت الجالية المغربية المقيمة في الديار الإيطالية إلى تكليف لجنة خاصة مكونة من خبراء مغاربة تُعطاها صلاحية تشريح الجثث، بدل تولي الدولة الإيطالية هذه المهمة، بعدما بات الإجراء ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل، بعد أن تبيّنَ أن عددا مهمّاً من الأموات تحولوا إلى «ضحايا»، بعدما طالت السرقة أعضاؤهم البشرية.
وأكد المتحدثون أنهم لن يلزموا الصمت ولن يقبلوا العبث بجثث المواطنين المغاربة، مبدين استعدادهم لتصوير جثث الأشخاص الذين يتم تشريحهم وأخذ أعضائهم من أجل إجراء تحقيق في هذا الملف ومتابعة المسؤولين، في حال ما تبيّنَ أن الأعضاء «سرقت» بطرق غير قانونية أو بدون إذن من الأهالي بإجراء التشريح الطبي، مؤكدين، في السياق ذاته، أن هذا المعطى الأخير يبقى الأكثر ترجيحا انطلاقا من أنه من المستبعد أن تكون جميع الجثث التي أجري عليها التشريح قد اتّبِعت فيها المسطرة القانونية، نظرا إلى عددها «المخيف».
وأوضحت المصادر ذاتها أن المغرب هو البلد الوحيد الذي يرفض تحمل مصاريف نقل أموات أبناء جاليته، بينما في مصر والدول العربية الأخرى فإن الدولة هي التي تتكفل بأداء جميع المصاريف، إضافة إلى غلاء أثمنة نقل الجثامين، فبعض الشركات المكلفة بنقل الجثامين تطلب مبلغ 4 آلاف أورو.. دون الحديث عن تأخر تنفيذ المسطرة القانونية في هذا الشأن، حيث تستغرق أحيانا ستة أيام، وقد تطول المدة إذا لم يتوفر المبلغ المحدد، محمّلين كامل المسؤولية لقنصلية المغرب في ميلانو.
وأمام هذا الواقع الذي يؤرّق بال المهاجرين المغاربة، فتحت عدد من المراكز الثقافية الإسلامية نقاشا مستفيضا في ملف نقل الجثامين أمام القنصل العام في ميلانو بهدف دعم مصاريف نقل الجثامين إلى المغرب، وهو المطلب الذي قوبل بالرفض، ما دفعها إلى الاستمرار في الاعتماد على إمكانياتها الذاتية، ولو تطلب الأمر اللجوء إلى «التسول» لجمع تبرعات رمزية تضمن نقل المتوفى إلى موطنه.

القنصلية تستنكر تشريح الجثث بدون سند قانوني
أمام هذا الإشكال المطروح، الذي تُحمّل فيه الجالية المغربية في إيطاليا كامل المسؤولية لممثلي الدولة المغربية في هذا البلد الأوربي، التقت «المساء» محمد بنعلي، القنصل العام للمغرب في ميلانو وطرحت عليه هذا الموضوع الذي أثار جدلا واسعا في أوساط الجالية المغربية، خاصة في صفوف المكلفين بشؤون المراكز الثقافية الإسلامية الذين يستقبلون جثامين المغاربة.
وردا على عدد من التساؤلات المرتبطة بملف الجثامين، أكد بنعلي أنه في حالة وفاة غير عادية، فإن وكيل الجمهورية الإيطالية هو من يتحمل المسؤولية في مسألة تشريح الجثث من خلال تتبع مسطرة قانونية، وتقوم القنصلية، بدورها، بمراسلة الوكيل في شأن الخبرة الطبية وتطالبه بضرورة الحصول على نسخة من تقرير التشريح الطبي لمعرفة أسباب وظروف الوفاة.
وأكد بنعلي أن القنصلية تصرّ على ضرورة مطالبة عائلة الهالك بنسخة من التشريح الطبي كحق مشروع، خاصة إذا كانت لديها شكوك حول سبب وفاة أحد أفرادها، طالما أن القانون يخوّل لها طلب إجراء التشريح الطبي، وفي حال ما إذا قوبل طلبهم بالرفض، عليها تنصيب مُحامٍ، لأن وكيل الجمهورية هو الذي يعطي الأمر بالتشريح.
وأضاف بنعلي أن الخطأ الآخر الذي تسقط فيه نسبة كبيرة من العائلات المغربية هو التسرع في ترحيل الجثة إلى البلد الأصلي، إذ لا تطالب بعض هذه العائلات بإجراء تشريح طبي على الجثة إلا بعد فوات الأوان، أي بعد ترحيل الجثمان ودفنه، وهنا لا يمكن إيطاليا ولا القنصلية تحمّل المسؤولية في ذلك، مشيرا إلى أن القنصلية المغربية في ميلانو تتخذ المبادرة في بعض الأحيان وتطالب وكيل الجمهورية بإجراء تشريح طبي على الجثة.
من جهتها، أكدت فاتحة عجعوج، المكلفة بمصلحة الشؤون الاجتماعية وتصفية التركات في القنصلية المغربية في ميلانو، أنه لم يسبق للمصلحة أن توصلت بشكاية من عائلة ما تطالب فيها بإجراء تشريح طبي للهالك، مضيفة أنه حتى إذا ما تم نقل الجثة إلى المغرب وشككت عائلة الهالك في ظروف وملابسات الوفاة فإن من حقها مطالبة وكيل الملك في المغرب بإجراء تشريح طبي للجثة قبل دفنه.
وأكدت عجعوج أنه سبق لها أن أشرفت على ملف إحدى الضحايا، توفيت في مدينة بولونيا، بعدما تقدمت عائلتها بطلب إلى وكيل الملك في المغرب لإجراء تشريح طبي لمعرفة أسباب الوفاة، لشك العائلة في ظروف «وفاتها»، فتم فتح الصندوق واتخذت الإجراءات الضرورية لمباشرة التشريح الطبي في بلدها الأصلي.
وفي ما يتعلق بنقل الجثامين ثمّنت الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا الخطوة الإيجابية التي أقدمت عليها الحكومة، والمتعلقة بتحمل مصاريف نقل الجثث إلى المغرب، وهو الإجراء الذي فسره بنعلي، في تصريحه ل«المساء»، بكون الحكومة لم تعمم القرار بعدما اقتصر على الفئات المعوزة، مؤكدا أن الجالية المغربية في إيطاليا لم تفهمه جيدا، على اعتبار أن الدولة المغربية غير قادرة على تسديد مصاريف نقل جميع الجثامين، والتي يصل ثمن نقل الواحد منها إلى 2500 أورو.
وحسب الإحصائيات التي حصلت عليها «المساء» من القنصلية، فإن 10 حالات فقط من المعوزين هي التي تكلفت القنصلية بمصاريف نقل جثامينها منذ شتنبر 2011 إلى يومنا هذا، بقيمة إجمالية قدرت ب25 ألف أورو، وهو الرقم الذي اعتبره المكلفون بالمراكز الإسلامية «هزيلا»، مقارنة مع الجثامين التي تتكفل بنقلها هي عن طريق جمع التبرعات.
واعتبر المتحدث نفسه أن أفراد الجالية المغربية الميسورة ترفض أداء مصاريف التأمين البنكي الذي يضمن لهم، في حال الوفاة، نقل جثثهم، علما أن تكلفة التأمين لا تتعدى 20 أورو في السنة، أما في ما يخص جمع التبرعات فقد انتقد بنعلي هذه النقطة، معتبرا أن نسبة مهمة من المغاربة يقصدون الأسواق الشعبية والكنائس والخيريات بهدف امتهان التسول، الذي قال إنه أضحى ظاهرة تفاقمت و«فرّخت» بشكل كبير في الآونة الأخيرة. وأوضح بنعلي أن هناك عائلات كثيرة تلجأ إلى طرق باب القنصلية حتى وإن كانت تتوفر على الإمكانيات المادية لترحيل الجثة.. فهم دائما يحاولون إخفاء قدرتهم ماديا على نقل جثامين أقربائهم، ما يجعل القنصلية عاجزة عن تحمل مصاريف نقل كل الجثامين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.