في خضم الحديث عن مصادقة الحكومة على الزيادات التي تم إقرارها للقضاة ، وذكر بلاغ عن اجتماع مجلس الحكومة، أن "هذا المشروع يأتي في إطار الرعاية السامية والموصولة التي تحظى بها أسرة القضاء من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية". وما أفرزه من ردود فعل باعتباره التزاما من وزير العدل تجاه هذه الفئة من موظفي الدولة ، وفي خضم الحديث عن دراسة المردودية التي ينتظرها دافع الضريبة باعتبار المال العام هو استثمار عمومي ، وفي خضم ما يثار خاصة من طرف بعض تنظيمات القضاة حول رفض الزيادة ودفعهم برفض استعمالها كرصيد سياسي ، فإن قلة من المتتبعين يعرفون أن وزارة العدل تضم فئات تمس حقوقها وتنسى مطالبها ويعتبر المنتمون إليها مثل "أقليات" إذا لم يتيسر لها الدخول ضمن حسابات كبيرة ضمن الفئات العظمى التي تضمها وزارة العدل من موظفي هيئة كتابة الضبط وقضاة ، وهي فئة المهندسين التي تتعرض للانقراض بسبب التهميش ، عبر الاستقالة أو البحث عن آفاق جديدة بالقطاع الخاص، ويشتغل بوزارة العدل سابقا وبوزارة "العدل والحريات" حسب التسمية الربيعية الجديدة ، ما نسبته 1.4 بالمائة كمهندسين (200 مهندس ومهندسة) من بين 14 ألف موظف بوزارة العدل والحريات وإذا أضيف العدد المناسب للقضاة والذي يبلغ حوالي 4000 قاضي ، سيكون المهندسون أقلية بالمعنى العددي وحتى من الناحية المعنوية على اعتبار أنهم ليسوا من "المستوطنين الأصليين" لوزارة العدل والتي لم تعرف توظيفا جديا لفئة المهندسين إلا مع بداية برامج التحديث خاصة مشروع 'ميدا' بشراكة مع الاتحاد الأوربي . 1- بين محاباة الأغلبية وإقصاء الأقلية : تستطيع الجماعات الضاغطة عبر انتظامها في إطارات جمعوية أو نقابية استثمار تحكمها في مجريات العملية "الانتاجية القضائية" لخلق حالة عدم استقرار تنعكس على مشاريع الفاعل السياسي باعتباره مكلفا بتنفيذ برنامج حكومي في القطاع الذي أسند إليه ، لذا فمواجهة الضغط أو الالتفاف عليه أو تفريغه يصبح القضية الأهم في برنامجه لكن يظهر أن وزارة العدل والحريات وفي إطاراستجابتها لمطالب هيئة كتابة الضبط والقضاة حاليا لازالت تجعل من تهميش المهندس بقطاع العدالة ، معطى ثابتا رغم تقلد بعض مهندسيها لمراكز مهمة لم تصل لإحدات تميز دائم ومستمر يبرز مساهمة المهندسين في الاصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة في حين تعتبر التحركات المناهضة "للميثاق الوطني لاصلاح العدالة " سواء منها القضائية أو لبعض النقابات ، تشويشا جديا على مساره يدفع الفاعل السياسي إلى التدخل العاجل لوضع النقط على الحروف المناسبة . ففي سنة 2007 وبعد النضالات النقابية التي خاضها موظفو العدل سيخرج المرسوم 71-08-2 الذي سيعمل على دمج التقنيين في إطار المحررين القضائيين في تجل صريح لكون العقلية التي تسير العدل ببلادنا عقلية لم تتوصل بعد لمعنى التحديث والذي يتطلب إسناد الاختصاصات التقنية للفئات المتخصصة مع تمييزهم تكوينا ومهاما عن باقي موظفي هيئة كتابة الضبط الذين أوكل إليهم المشرع تطبيق المساطر القانونية باعتبارهم مساعدين للقضاء في أداء مهامه ، ويحتل القضاة مراكز القرار بوزارة العدل ، حيث يشتغل منهم بالإدارة المركزية تحت سلطة وزير العدل والحريات ، ما يفوق القضاة العاملين بمحاكم الاستئناف التجارية مجتمعة، ولأول مرة في قطاع العدالة أصبحنا نجد نتيجة عدم اعتبار الاختصاصات "نجارا" يحمل صفة كاتب الضبط و" كهربائيا " يحمل صفة محرر قضائي و تم إدماج جميع المتصرفين في إطار المنتدبين القضائين ليلتحق أصحاب الدكتوراة في الفزياء و الرياضيات و المعلوميات بسلك المنتدبين القضائيين للقيام بتنفيذ المساطر القانونية ، إلا أن فئة المهندسين كانت عصية على الإدماج بحكم تخصصها الدقيق فلا يمكن لمهندس معماري أن يصبح بين عشية وضحاها منتدبا قضائيا أو لمهندس في الكهرباء أن ينقلب مساره المهني لمسار منتدب قضائي يهتم بالملفات والقضايا وتطبيق الإجراءات المسطرية خاصة بالمحاكم. النتيجة المباشرة للتدبير التشريعي ،ستكون الإقصاء من التعويضات المقررة بموجب مرسوم رقم 2.08.72 صادر في 5 رجب 1429 (9 يوليو 2008) المتعلق بالإعانات الممنوحة لفائدة موظفي هيئة كتابة الضبط الذي أقصى المهندسين من التعويضات جملة وتفصيلا . وسيتطلب الأمر تدخل الوزير الأول ، آنذاك عباس الفاسي ، في رسالة استثناء عدد 800 بتاريخ 16 ابريل 2010 حيث سيتمكن المهندسون من تعويضاتهم بأثر رجعي بصدور رسالة الاسثتناء الصادرة عن الوزير الأول والتي ستسمح للخازن العام بصرف مبالغ الإعانات للمهندسين تداركا للخطأ التشريعي ،وذلك في انتظار – حسب نص الرسالة – تعديل مرسوم الاعانات ليشمل جميع الأطر المشتركة . 2- بين الخطأ التشريعي و غياب الرؤية : إذا كان التشريع هو محور ومناط الخلاف بين مختلف الفاعلين ، بهدف إخراجه بشكل يقبله الجميع ،فإن فئة المهندسين عرفت إخراج قوانين وإلغاء أخرى دون مراعاة رأيها ومصالحا ولا حتى وجودها الواقعي حيث انتظر المهندسون 5 سنوات ليعترف بهم ضمن موظفي الوزارة حيث تطلب الأمر انتظار سنة 2011 ليتم تعديل المرسوم 2.08.72 بصدور المرسوم 500-10-2 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5918 بتاريخ 17-2-2011 وسرعان ما سينسخ ضاربا عرض الحائط بمكتسبات المهندسين ، حيث سيفضل المحاور الوزاري في تعاطيه مع إضرابات موظفي كتابة الضبط قبيل التصويت على دستور يوليوز ، تغيير هذا المرسوم في خضم احتجاجات ما بعد 20 فبراير بصدور المرسوم 474-11-2 بتاريخ 26-9-2011 وتم نقل المبالغ المقررة ضمن المرسوم 500 إلى الراتب الأساسي لموظفي هيئة كتابة الضبط حسب المرسوم 473-11-2 الصادر في نفس الجريدة الرسمية ، ضاربا عرض الحائط الحق المكتسب لفئة المهندسين باعتبارها فئة لم توضع في طريق الانقراض بوزارة العدل التي تم فيها محو فئة التقنيين والمتصرفين رغم أن الاختصاصات الإدارية هي من صلب اهتمامهم ومهمتهم داخل الإدارة. ويزيد الطين بلة ، حين يلزم بعض المهندسين بالقيام بمهام موظفي هيئة كتابة الضبط ، رغم اختلاف الأنظمة الأساسية التي تسري عليهم ويقوم بعض المهندسين باستخراج الاستدعاءات وتتبع مسطرة القيم رغم أن منشور وزير العدل يلزم تعيين منتدب قضائي لمتابعة مسطرة القيم باعتبارها شأنا مسطريا أصيلا وذلك لكون بعض المسؤولين الاداريين والقضائيين يعملون لحد الآن خارج منطق العصر والإدارة الحديثة حيث يتحكم منطق ''الإنتاجية ''في الخطط الموضوعة دون مراعاة اختلاف التخصصات التي يجب أن تسند لمختلف الفئات في ضل غياب هيكلة للمحاكم والتي أقر بها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة حيث دعا في توصيته إلى تحديث النظام القانوني لكتابة الضبط. 3-انفتاح الوزارة على الحوار بين المبدأ والاضطرار : قامت وزارة العدل والحريات باستقبال مختلف النقابات بل والجمعيات المهنية المختلفة في إطار الحوار القطاعي أو التشاور حول ميثاق إصلاح العدالة إلا أن الثابت تفادي النقاش مع المهندسين رغم انتظامهم في إطار اللجنة القطاعية للعدل والحريات بالاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة الذي كان المخاطب الرسمي للحكومة في بلورة اتفاق 16 ابريل 2011، و راسلت اللجنة القطاعية وزير العدل والحريات منذ يوليوز 2013 ،دون جدوى لعقد اجتماع يهم فئة المهندسين ووضعيتهم بالقطاع وآفاق النهوض بدور التخصصات الهندسية بوزارة العدل والحريات .تبعا للمراسلة الموجهة من الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة تحت عدد 23/2013 تأكيدا على سعيه لبلروة نهج شراكة و تعاون يروم تحقيق تنمية وتطوير قطاع العدل والحريات وبما يجلي الدور الهام للمهندسين ويدعم وضعيتهم المادية والمعنوية بقطاع جد حيوي . مبرزين استغراب مهندسي الدولة والمهندسين المعماريين بقطاع العدل حرمانهم من الإعانات الممنوحة لفائدة موظفي قطاع العدل ، والمقررة ضمن المرسوم عدد 2.10.500 الصادر في 23 من محرم 1432( 29 دجنبر 2010)، المعدّل بالمرسوم عدد 2.11.474 الصادر في 15 من شوال( 14 شتنبر 2011) ، والذي تمت بموجبه إحالة الزيادات المقررة إلى الأجر الشهري لفائدة الموظفين المنتمين لكتابة الضبط، دون مراعاة الحالة الخاصة لفئة المهندسين الذين طالهم الإقصاء في الاستفادة منها بعد أن كانت مقررة لهم، باعتبارها آلية مشجعة للرفع من المردودية في العمل و امتيازا لانتمائهم لوزارة العدل و الحريات.رغم الدور الذي يقوم به المهندسون في ورش إصلاح منظومة العدالة و القضاء، عبر الدفع بقاطرة تنمية وتطوير القطاع، سواء على مستوى دراسة وتتبع أوراش البنايات الجديدة، أو على مستوى عصرنة النظام المعلوماتي والتواصلي داخل المحاكم، وذلك من أجل الإسهام الحقيقي في تقديم صورة جديدة وخدمة عالية الجودة لقطاع العدل ببلادنا. ليبقى التساؤل عن مصير تعويضات مستحقة للمهندسين نشرت بالجريدة الرسمية واستمرت طيلة سنة كاملة ، ولتبقى شعارات وزارة العدل والحريات حول اقتناعها بالحوار والدعوة له تخضع لمقاييس الجماعات الضاغطة وقدرتها على إحداث الفعل بدل انتظار النيات الحسنى ، على اعتبار أن العدل مطلوب لنفسه وليس فقط لتلافي غضب الجهات الضاغطة ، فهل يتحكم في منطق الحقوق بوزارة العدل والحريات قوة الجماعات الضاغطة أم منطق الحقوق المكتسبة والتوازن باعتبار أسرة العدالة كلا لا يمكن تجزئيه وتفييئه .