قال فريد شكري أستاذ مقاصد الشريعة بكلية الآداب بالمحمدية إن هناك تصورا قرآنيا متكاملا لموضوع الأسرة في القرآن الكريم ينطلق بالأساس من بنائها على مفهوم العدل للارتقاء نحو مستوى الفضل. وتحدث شكري عن دعوة القرآن إلى الارتقاء بالعلاقات داخل الأسرة إلى هذا المستوى وذلك ضمن مداخلة له في ملتقى الأسرة الثالث الذي نظمته جمعية الحضن الوطنية يوم السبت المنصرم بالدار البيضاء في موضوع "التمكين الأسري وعلاقته بالتماسك والتنمية". من خلال استقراء الكثير من النصوص القرآنية التي جاءت في موضوع الأسرة يمكن الحديث عن مجموعة من المحددات المتعلقة بالبناء الأسري كما بينه القرآن الكريم. يشرح ذلك فريد شكري من خلال نظرية العدل والفضل التي يمكن تتبعها من خلال النصوص القرآنية. ذلك أن العلاقات البشرية كما هو متداول تقوم أساسا على العدل إلا أنه من الناحية الإسلامية يمكن القول إن قيمة العدل على الرغم من أهميتها إلا أنها تعتبر قيمة دنيا بينما قيمة الفضل هي القيمة العليا.فهما قيمتان متفق عليهما من حيث القيمة ولكنهما مختلفان من حيث الرتبة. وبهذا المعنى أوضح شكري أن العدل يمكن اعتباره سقفا ابتدائيا في الاسلام لا انتهائيا بالنظر إلى قيمة الفضل. العلاقات الأسرية مبنية على الفضل وعلى مستوى الأسرة فقد أشار القرآن الكريم إلى أنه لا يكفي أن تتأسس الأسرة على العدل -وهذا أقل ما يجب أن يكون متحققا- بل لا بد من الارتقاء بها إلى مستوى الفضل حيث يعتبر الزوج زوجه بمثابة سكن له. وأكد المتحدث أن القرآن -وخاصة في المواضيع الأسرية- يندبنا دائما إلى الارتقاء نحو هذا المستوى حيث أن العلاقات الأسرية الناجحة غير قائمة على حقوق الزوجين فقط أي تحقيق ما يجب وما لا يجب وهذا هو مستوى العدل، بل هي في أساسها قائمة على الفضل أي أن تقدم أفضل مما يمكن. وأوضح المتحدث أنه لابد من إعادة قراءة الكثير من المدونات الفقهية ومراجعتها حيث أن الذي وقع هو كون المدونات الفقهية دونت بخلفية العدل لا الفضل وذلك استجابة لتكون مرجعا قانونيا للقضاة عند التقاضي لا عند التراضي حيث يتم الرجوع إليها لحسم الخلاف. مشيرا إلى أن العلاقات الزوجية هي عادة مبنية على حالة التراضي والوئام أي على قيمة الفضل أما التقاضي المبني على حالة الخصام فهو الذي يمكن أن يقف عند مستوى العدل. هذا وشرح أستاذ المقاصد أنه يمكن القول إن العدل يبني العلاقات على مبدإ التعاقد بينما العلاقات الأسرية ينبغي أن تقوم على مبدإ التراحم أي الاحتساب في مقابل الحساب. واستشهد المتحدث بمجموعة من الآيات القرآنية التي توضح هذا المعنى في العلاقات الإنسانية، وفي هذا السياق بيّن أن آية الدين التي تعتبر أطول آية في القرآن الكريم تعتبر آية مؤسسة لهذا المعنى حيث تنطلق من قوله تعالى "( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ280وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ281 قبل أن تبدأ في التفصيل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ?282? وبين المتحدث أن هذه الآية المتعلقة بمسألة المداينة بين الناس أوردت جميع الاحتمالات الانسانية الممكنة بهذا الخصوص من خلال قوله تعالى "وإن كان" و قوله "فإن لم يكن" التي تكررت في الآية، وهذا أمر مهم لكن الأهم منه هي أنها تقوم على أفق "وأن تصدقوا خير لكم" وهو ما يطرح التساؤل إذا كان أفق المداينة وأن تصدقوا أي إسقاط الدين فلماذا جاءت الآية مفصلة في مسألة الدين؟ يؤكد المتحدث أن الغرض هو إظهار أن يكون أفق الفضل مؤسسا على أفق العدل أي أن يتوفر أساس العدل أولا الذي ينفع عند النزاع والتقاضي لكن أعلى من ذلك أساس الفضل "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون" بين "السكن ل" والسكن مع هذا وتحدث المحاضر بآية أخرى هي قوله تعالى "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" مبيّنا من خلال كلمة اختيار القرآن لكلمة لباس التي تحيل على مجموعة من الوظائف منها الستر والتجمل والوقاية وغيرها، ان الكلمة تختزل دلالة العدل والفضل، ذلك أن اختيار الزوج لزوجه عندما يكون مبنيا على الاختيار القيمي يتحقق فيه السكن إلى الزوج وهو مستوى الفضل، بينما عندما نبالغ في الاشتراط المتعلق عادة بالسكن والامتلاك وغيرها يتحقق فقط السكن الحجري حيث يسكن الزوج مع زوجته لا إليها. وفرق كبير بين السكن إلى الزوج والسكن معه. يذكر أن الملتقى الذي تابعة حضور مهم بقاعة المحاضرات لمؤسسة آل سعود للدارسات والبحوث بالدار البيضاء نظم تحت شعار "أسرة تتمكن مجتمع ينمو أمة تعلو"، حيث أوضحت المشرفة على الملتقى أومليل مينة والأستاذة بكلية الطب أن الملتقى الذي يتزامن مع اليوم العالمي للأسرة يقوم على فكرة أن الأسرة لها دور أساسي في التنمية وفي نهضة الوطن وانتاج الثروات سواء الثقافية أو المادية حيث أن تماسك الأسرة أمر أساسي حتى ينمو المجتمع وهو ما يختزله شعار الملتقى "أسرة تتمكن مجتمع ينمو أمة تعلو". هذا وقد تم خلال هذا الملتقى الأسري الثالث الاعلان عن عزم المؤسسة إطلاق مجموعة من الجوائز المتعلقة بالأسرة جائزة في رمضان المقبل منها جائزة الأسرة القيادية وجائزة الأم القيادية.