مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بالحالة المدنية    بتوجيهات من حموشي.. صرف منحة استثنائية لفائدة أرامل ومتقاعدي الأمن الوطني        المغرب يستقبل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول لسنة 2025    الدولار يتراجع        اقتصاد هش وسياسات قاصرة.. مدون مغربي يبرز ورطة الجزائر بعد قرار ترامب الجمركي    تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    المنتخب المغربي يعزز ريادته عربيا ويحافظ على موقعه عالميا في تصنيف "فيفا" الجديد    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون إحداث مؤسسة "المغرب 2030"    ساكنة آيت بوكماز تحتج مشيا على الأقدام نحو بني ملال للمطالبة بخدمات أساسية        مقاييس التساقطات المطرية بالمغرب    لطيفة رأفت وطليقة بعيوي تغيبان عن جلسة محاكمة "إسكوبار الصحراء"    سعد لمجرد يوضح بشأن تذاكر حفله المرتقب بالجديدة    أزمة الثقافة        الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة: الفساد يهدر الحقوق ويجهز على كرامة الإنسان    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    عمر بلمير يكشف موعد طرح "ديالي"    غالي: الحكومة الحالية تسعى جاهدة لخلق بيئة مواتية لانتشار الفساد    بنموسى يحذر من استغلال القضايا الديموغرافية ويدعو لتجريب "سياسات الغد"    إنريكي: الظفر بكأس العالم للأندية هدفنا وديمبيلي الأحق بالكرة الذهبية    نجاة الوافي: "سيوف العرب" يعيد إحياء أمجاد التاريخ العربي برؤية فنية احترافية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    د.الحسن عبيابة: مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة بدون عنوان للمرحلة المقبلة    مقتل رجل دين شيعي بارز في سوريا    "أوكسفام": أربعة أثرياء في إفريقيا أغنى من نصف سكان القارة    23 قتيلاً في قطاع غزة بينهم 8 أطفال    "ريمالد" تعتني بزراعة القنب الهندي    أكثر من 90 % من "ملاحظات المجتمع" على منصة إكس لا تُنشر    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    المتصرفون بجهة فاس مكناس يطالبون بإنصافهم الإداري ورد الاعتبار لمهامهم داخل قطاع التعليم    الخطوط الملكية المغربية تجري محادثات لشراء طائرات من "إمبراير"    مجلس ‬المستشارين ‬يصادق ‬على ‬قوانين ‬مهمة    هل ‬هو ‬الظلام ‬الذي ‬ينبثق ‬عنه ‬الفجر ‬الصادق ‬؟    بعد ‬الإعلان ‬عن ‬نمو ‬اقتصادي ‬بنسبة ‬4.‬8 % ‬وتراجع ‬التضخم ‬    خورخي فيلدا: الانتصار على الكونغو أعاد الثقة ل"لبؤات الأطلس" قبل مواجهة السنغال    سقوط سيارة في وادٍ قرب مدرسة أجدير بسبب السرعة المفرطة    استفحال ظاهرة الاعتداء على أعوان السلطة ببرشيد وسلطات الأمن تتحرك بحزم    حسن الزيتوني.. عامل الحسيمة الذي بصم المرحلة بأداء ميداني وتنموي متميز    أشرف حكيمي: الرحيل عن ريال مدريد لم يكن قراري    تحطم مقاتلة تابعة لسلاح الجو الهندي ومصرع طياريها    الإيطالي سينر والصربي ديوكوفيتش يتأهلان لنصف نهائي بطولة ويمبلدون لكرة المضرب    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    المدرسة الدولية بالجديدة تميز وتألق مستمر في الباكالوريا المغربية وباكالوريا البعثة الفرنسية    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة والاستبداد
نشر في التجديد يوم 16 - 09 - 2014

ما علاقة اللغة بالاستبداد؟ وهل يمكن الحلم بتنمية اللغة وتطويرها في جو القمع والتحكم؟ أم أن اللغة شأن عرضي خارج أجواء التجاذب السياسي والفكري؟
في الوقت الذي يحشد العالم الغربي وأذنابه القوات لضرب العراق وسوريا، وفي أوج الأزمة التي حرقت بلاد الشام وغيبت معالمها الحضارية والإنسانية يصل هذا الخبر: "وزير التربية في الحكومة السورية يشرف على فعاليات المسابقة الوطنية للتمكين للغة العربية في دورتها الخامسة التي تقيمها منظمة اتحاد شبيبة الثورة بالتعاون مع وزارة التربية مشيرا إلى أهمية تفعيل اللغة العربية في الميدان التربوي عن طريق الإخلاص في تدريسها وغرس محبتها وأهميتها في نفوس الطلاب والطالبات من قبل المعلمين والمعلمات…". وتسائل نفسك: هل الحديث عن سورية الجريحة التي يقتل الناس فيها لمجرد التعبير والتظاهر أم عن سورية المتخيلة التي عاش ويعيش نظامها في أوهام السلطنة والمنعة المتوهمة؟ الخبر مفرح لبعض المنافحين عن العربية وقد تجد من يطبل للأمر ويتغنى به دفاعا عن لغة الضاد وعن منجزات النظام السوري المؤمن، عن حق، بجوهرية العربية في بناء الأمة. لكن هل تستقيم النهضة اللغوية المنشودة مع القمع والقتل والتضييق على الحريات؟ هل يمكن الحديث عن التمكين للغة في جو الدم والقتل والاستبداد؟
الأمر لا يتوقف في سورية، إذ يمتلئ الفضاء الإعلامي بدعوات وأخبارعن ندوات ومؤتمرات تعقد في ربوع الوطن العربي، تحت رعاية أمير أو ملك أو حاكم أو وزير، وتنظم تحت إشراف مؤسسات عربية حكومية أو أكاديمية او أهلية أو منظمة من منظمات العمل العربي المشترك، وتخرج جلها بتوصيات وقرارات هامة، وبعضها يصل إلى درجات عليا من التنفيذ، ويتفق المجتمعون المنتقون من بلاد كل العرب على مخطط نهضوي للخروج من حالة الوهن اللغوي … لكنكل شيء يبقى خارج دائرة التأثير في مسار التغيير. ويبدأ النقاش الأزلي عن الخلل وجلد الذات هل المشكلة في اللغة أم في مستعمليها أم في مسيري الشأن العام؟ وقد يستمع حاكم لفكرة عن انتمائه العربي خاصة حين يحتضن أحد هذه الأنشطة فيثور ويرغد ويطالب بالاهتمام بلغة أجدادهوقد ينشئ لذلك مؤسسات ومراكز ومجامع ويتحرك الأمرلمدة محددة ويبقى الحال على ما هو عليه.وعلى لقاء في العام المقبل. هكذا هي الصورة العامة للحالة العربية.
لا يمكن فصل السياسي عن اللغوي. ولو عاش الكواكبي إلى وقتنا لغير قوله في طبائع الاستبداد:"المستبد لا يخشى علوم اللغة، تلك العلوم التي بعضها يقوِّم اللسان وأكثرها هزل وهذيان يضيع به الزمان، نعم لا يخاف علم اللغة إذا لم يكمن وراء اللسان حكمة حماس تعقد الأولوية، أَو سحر بيان يحل عقد الجيوش". فقد اثبتت الأحداث أن السؤال اللغوي يأتي في عمق الاهتمام السلطوي.فاللغة مظهر من مظاهر السلطة وتجل من تجليات تدبيرها. ويمكن البقاء في النموذج السوري: ففي سنة 2003 حين تحسنت العلاقة مع فرنسا صارت اللغة الفرنسية لغة اجبارية بخمس حصص في الاسبوع في سوريا، وبعد اغتيال الحريريفي 2004 تعقدت العلاقة مع فرنسا فتم تقليص حصص لغة مولييرالى حصتين لنفس المنهاج كاملا. وحين تطورت العلاقة مع تركيافي 2010 أحدث قسم اللغة التركية في الجامعة. أما اللغة الفارسية عنوان العلاقة مع إيرانفكانت تعلم كمادة في قسم اللغة العربية بالاختيار مع العبرية او السريانية ثم تم تخصيص قسم كامل للغة الفارسية وقريبا جدا سيتم تعليمها بالمدارس. وهكذا غدت اللغة صورة لتقلبات السياسة والتحالفات الاستراتيجية، وأصبحت عنوان الانتماءات القطرية للدول. وما قيل عن سوريا يصدق على كل الدول في تعاملها مع اللغات الكولونيالية.
يخطئ من يتصور تطويرا للغة الضاد واعتمادا لجوهريتها في ظل أنظمة شمولية ترى اللسان جزءا من تدبيرها اليومي لمسار إخضاع المجتمع لإرادة النخبة المتحكمة. فاللغة قضية حرية.لذا كان عنوان الاستبداد السياسي هو الإجهاز على مقومات الأمة المشكلة لعمقه الحضاري وتقديم قيم بديلة تضمن له حصاره لمطامح المواطنين بشعارات الحداثة والعلمنة. فكانت العربية على الدوام لغة التخلف والتأخر ويطلق العنان لدعاة العامية والفرنكفونية. وبتعبير الرئيس التونسي الدكتور المرزوقي: "من بين أخطاء الاستبداد وخطاياه (باستثناء واحد هو الاستبداد السوري) اعتبار العربية غير قادرة على أن تكون لغة العلم، والحال أنه لا توجد أمة ازدهرت بلغة غيرها". لذا كانت العربية دوما محاصرة وعندما يختار الشعب يختار العربية والانتماء العربيفي واقع الحرية والديمقراطية. لذا يتعمد الاستبداد توجيه الاهتمام اللغوي نحو فرض رؤية معينة لأجيال المستقبل تؤمن لها الدوام ورضا الخارج. فهل مفاجئا أن يكون دوما ملف التعليم خارج الاستشارة الشعبية؟ وهل غريبا ان تتعثر كل مشاريع الإصلاح اللغوي وتتجمد مؤسساته؟ وهل صادما أن تكون اللغة سرا من أسرار الدولة يلجأ فيه إلى الحكم بدل الشعب؟ إنه الخوف من اللغة التي يمكن للمجتمع الاحتماء بها والتعبير بها عن مكنوناته ومايخالجه، مع ما يتبع ذلك من دمقرطة وحرية وتنمية. لذا كان انهيار حلم الرئيس التونسي بموقع للغة الضاد في جيل العرب الجدد مع الأجواء الانقلابية إيذانا بانقلاب على مقدرات الأمة المختلفة.فمضمون التحول الديمقراطي الذي هبت نسائمه على الوطن العربي لا يمكنه أن يتحقق دون تحقيق إصلاح لغوي يوازي الإصلاح السياسي. فحين يختار الشعب بكل حرية ودون رقابة مسبقة أو توجيه سلطوي فإنه سيختار العربية وعمقه العربي الإسلامي.لذا تبقى كل الآمال التي تنبعث من هنا وهناك، من هذا المؤتمر وذاك، من هذا اللقاء وذاك، مجرد استهلاك للزمن وتوظيف للباحثين لاأثر في مستقبل الإنسان العربي.
في التجارب العالمية تحضراللغةدوما باعتبارها جوهر الإصلاح السياسي. فالنظام القائم على الحقوق وفتح الفضاءات الإعلامية والسياسية والاجتماعية أمام جميع المواطنين يفرض معالجة القضية اللغوية ليست باعتبارها قضية ثانوية يترك بسببها أبناء الوطن في فوضى وتجاذبات هوياتية، كأنها شأن فوقي بل ينبغي أن تعد جزءا من وجود الدولة والشعب. والاستبداد ليس مجرد شكل من أشكال الحكم بل هو منطق في التفكير ايضا قد يعتمده حتى من يتغنى صباح مساء بالحرية والحقوق والديمقراطية. ففي ندوة نظّمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خلال شهر رمضان حول القانون التنظيمي الخاص بترسيم الأمازيغية دعا أحد المتدخلين إلى جعل هذا القانون فوق السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومن المعلوم أن الأمازيغية قد دبرت على الدوام بمنطق التحكم بعيدا عن المجتمع وخياراته، وحين يستشار الشعب تثور ثائرة المنتمين للحركة الأمازيغية كما هو حال الرجة التي أحدثوها خوفا من نتائج الإحصاء العام للسكان. والمتأمل في مسار الأمازيغية وطريقة تدبيره منذ فرض الحرف وصولا إلى الترسيم يلاحظ مساراجوهره تغييب للمجتمع وفرض لرؤية أحادية في النقاش اللغوي. وهذا لا يعني أن الأمازيغية ليس لها وجود بل طريقة تدبيرها على الدوام هي طريقة تحكمية الاستبداد. وفي منطق التحكم يكون الرفض النفسي هو رد المجتمع قبل أن يكون له رد آخر حين تتاح أمامه الفرصة.
اللغة شأن مجتمعي وينبغي أن تدبر في ظل شروط الحرية والاختيار الشعبي. وكيفما كان إيماننا بلغتنا ودفاعنا عنها، لا يمكن لها أن تأخذ موقع الريادة إلا إن كانت شأنا مجتمعيا ديمقراطيا. لأن المجتمع هو الفيصل في النهاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.