ينتشر مصطلح "المغبون" بين المغاربة بمعنى الحزين أو الكئيب، ومصطلح "الغبينة" باللسان الدارج بمعنى الخيبة أو التوتر الناجم عن الاستغفال أو مايسميه المغاربة "الشمتة" ، وللغبن أبعاد كثيرة وتمظهرات متعددة تطال كل ما يمكن أن ينتج عنه الإحساس بالخيبة سواءا كان غشا أو تدليسا ، أوعدم اعتبار من أحد أو تقصير في الفهم أاو خذلان أو غيره ، ويقال عموما من اشترى الدون بالدون كان هو المغبون ، ولا يكاد يخلو أحد من البشر من غبن ما ، لكن مفهوم الغبن يتجاوز هذه التعاملات البينية من بيع وشراء وتقدير وعرفان إلى غيرها في التعامل مع نعم الله عز وجل ، إذ يعتبر كل إهمال أو تقصير أو عدم استعمال جيد لأي نعمة من نعم الله عز وجل غبن فيها ، كأن يغبن الإنسان في وقته وفي صحته ، أو أن يغبن نتيجة عدم تحصيله العلم النافع وعدم مبادرته للخيرات .فما هو الغبن ؟ ومن هو المغبون ؟ المعنى والمفهوم معنى المغبون في معجم المعاني هو الخائب، وغبَنه في البيع والشِّراء غلَبه ونقَصه وخدعه ووكسَه ، وغَبَنَ حَقَّهُ : نَقَصَهُ ، وغبن الثَّوْبَ : خَاطَهَ الخِيَاطَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ ثَنَاهُ وَخَاطَهُ لِيَنْقُصَ مِنْ طُولِهِ أَوْ يُضَيِّقَهُ، و غبَن الرَّجلُ في رأيه : ضعُف و نَقُصَ ذَكَاؤُهُ ، وغَبِنَ الْمُعَلِّمُ رَأْيَهُ : أَي اِزْدَراه ، رَأَى فيهِ ضَعْفاً والمَغَبَّةُ من كل شيءٍ : عاقبتُه وآخره. وجاء في صحيح البخاري، عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". وقيل في معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكْفّيِاً صحيح البدن, فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه, ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه, فمن فرط في ذلك فهو المغبون"، ومن معانيه أيضا أنه يشير إلى أن الذي يوفق للعمل الصالح, و استغلال أوقات الصحة والفراغ إنما هم قليل، أما أكثر الناس فهم في غبن أي في خسارة وفي ضياع. وقال ابن الجوزي – رحمه الله تعالى : "قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش, وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً, فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون, وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة, فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط, ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون, فالفراغ يعقبه الشغل, والصحة يعقبها السقم, ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل: يسر الفتى طول السلامة والبقا *** فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة *** ينوء إذا رام القيام ويحمل وقال المفسرون: "المغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة، ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان،وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام". وجاء في الأثر أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علماً فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به, وعمل به من تعلمه منه فنجا به, ورجل اكتسب مالاً من وجوه يسأل عنها وشح عليه, وفرط في طاعة ربه بسببه, ولم يعمل فيه خيراً وتركه لوارثه , فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه, ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد, وعمل السيد بمعصية ربه فشقي". (تفسير القرطبي )، وقيل المغبون من عطل أيامه بالبطالات وسلط جوارحه على الهلكات ومات قبل إفاقته من الجنايات" . الغبن الايماني ركيزة تربوية وعرف حسن الموس واعظ وخطيب جمعة ،مصطلح الغبن بكونه مصطلح فقهي ، له علاقة بالبيع والشراء ، وأن المغبون هو من ليست لديه الدراية الكافية بقيمة الأشياء ولا يعرف مثلا الأسعار أو مميزات السلعة ، فتباع له السلعة الزهيدة بثمن فاحش ، مشددا على عدم جواز الغبن بين الناس . وأكد حسن الموس، في تصريح لجريدة التجديد الورقية، أن مصطلح الغبن تداوله الفقهاء وتحدثوا عنه في ميدان البيع والشراء والتجارة عموما، لكن له أيضا ركيزة تربوية في عالم الحفاظ على ما أعطى الله عز وجل من النعم ، مستشهدا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف نعمتان مغبون فيهما الانسان الصحة والفراغ ، مشيرا إلى أن الموسم الحالي موسم دخول جامعي ودراسي ، وأن الانسان عنده نعم كثيرة لا يستفيد منها استفادة كاملة ، وتابع الموس موضحا أنه يوجد مغبونون كثر في الصحة وهي كما يقال عنها تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراها الا المرضى ، وأن هذا التاج لا يقدرخير قدره حتى تضيع ، ويجد الانسان نفسه غير قادر على أداء العبادة والعمل . وتابع المتحدث أن الوقت أيضا من أكبر النعم التي يغبن فيها المؤمن ، مشيرا إلى قول الله عز اذا فرغت فانصب والى ربك فارغب ، على اعتبار أن الانسان اذا فرغ من كسب رزقه فيجب أن ينصب في طاعة الله موضحا انه لا يوجد عند المؤمن فراغ بل يجب ان يملاء وقته بالطاعات وبالاعمال الصالحة حتى لا يكون مغبون في وقته ولا في عمره ولا في بدنه. وأضاف الواعظ أن ابن العربي أشار اشارة لطيفة لصورة التغابن ، وللاية الكريمة يجمعكم ليوم الجمع ذالك يوم التغابن قائلا عنه أنه اليوم الذي يقع فيه التغابن الحقيقي ، وأن أهل الجنة يقولون لاهل النار بانهم غبناكم بمعنى قدروا حقيقة الدنيا والفرصة التي اعطاها لهم الله فاجتهدوا في الطاعة استعدادا لهذا اليوم، ونالوا جزاء الكد والجهد وفازوا على أهل النار الذين تنكروا للنعم . المبادرة سلاح ضد الغبن وشدد حسن الموسى على أن الانسان عليه أن يبادر إلى الأعمال الصالحة يا ايها الذين امنوا ان من ازواجكم واولادكم عدو لكم فاحذروهم ، موضحا انه مما قيل في سبب نزول هذه الاية أن بعض الصحابة تاخروا عن الهجرة فلما هاجروا متاخرين ، وجدوا كثيرا من الصحابة سبقوهم للطاعات فاحسوا بالغبن ، فهموا بان يقعوا في زوجاتهم ، فنزلت الاية موضحة أن متاع الدنيا يجب الا ينهى عن المبادرة الى الاعمال الصالحة ، داعيا إلى ضرورة المبادرة الايجابية والر من الغبن في العمر وفي الوقت ، محذرا من كون الغبن الايماني مجال خطير جدا ينبغي لاهل الخير ان يبادروا حتى لا يقع عليهم هذا الغبن . اما في الميدان التجاري فأضاف الموس أن العالم الاسلامي اليوم مقبل على عيد الاضحى المبارك ، وما يصاحبه من تجارة تهم الأضحيات، داعيا التجار ان يتقوا الله عز وجل وان يحرصوا على بيع الاضاحي الخالية من العيوب وبثمن مناسب لا يقع فيه الغبن لا على التاجر ولا على المشتري . وعن مظاهر الغبن في العصر الحالي، يوضح الموس أن الغبن الايماني له تجليات في واقعنا المعاصر فيمكن ان نتكلم على الشباب الذي أعطاه الله الشباب وهي اقوى مرحلىة وتعتبر مرحلة قوة بين ضعفين، وكيف يضيع الشباب في اللهو والعبث وضعف التحصيل، وكيف يغبن الكثير منهم في الوقت وهو جالس بالساعات الطوال في الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يأخد وقتا لللعبادة ولا للصلاة ولا لطلب العلم، معتبرا أن هذا ايضا غبن في الوقت وفي العمر وفي ما يعود بالنفع ، مضيفا أن الاسر اليوم تعيش أيضا غبنا فلا تقدر الاولويات في تربية الاولاد ، وتحرص على الاهتمام بالمظاهر وبالشكليات، مهملة البناء الحقيقي للاسرة والثروة الحقيقة التي هي التربية، وأشار أن الغبن يطال أيضا الهيئات المجتمعية من جمعيات واحزاب التي ينبغي ان يسود بينها التنافس الإيجابي من أجل العطاء والتنمية حتى لا يقع الغبن وحتى يبني الوطن. من تساوى يوماه فهو مغبون وعلق حسن الموس على قولة الامام علي "من تشابه يوماه فهو مغبون" ، بأن المؤمن ينبغي أن يحذر من أن يتساوى يومه مع أمسه بمعنى أن الإنسان ينبغي أن يتطور وأن يكون في ازدياد لكل ما يرضي الله ، معتبرا أن التوقف مرادف للموت وأن الحي بنبغي أن يكون دائما في زيادة ، مشيرا أن المؤمن الساعي في السير الى الله يعمل لاستمرار عمله حتى بعد مماته فتجده ينشر العلم ويعمل على الصدقات الجارية ويربي ابناءه خير تربية حتى يستمر اثره الإيجابي بعد وفاته ، فكيف بمن له الفرصة وعنده النعمة، وتجده يتقاعس ويتكاسل بل تجده إلى النقصان فمن كان إلى النقصان فذالك هو الغبن .