عجز في الميزانية ب 55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم    المناظرة الوطنية للتخييم تبحث سبل تجديد الرؤية الإستراتيجية للبرنامج الوطني إلى 2030    وزير الداخلية: لن يكون ريع مجاني في لوائح الشباب المستقلين والتمويل له شروط صارمة    "الكنوز الحرفية المغربية" في الرباط    مونديال لأقل من 17 سنة.. المنتخب المغربي يخوض حصة تدريبية جديدة استعدادًا لمواجهة أمريكا    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    تبون يوافق على الإفراج عن صنصال    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    من المقاربة التشاركية إلى استرداد الأنفاس الوطنية: نحو سيادة منفتحة وتكامل مغاربي مسؤول    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    وزير الفلاحة يدشن مشروع غرس الصبار بجماعة بولعوان بإقليم الجديدة    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    فاجعة.. مصرع أسرة بأكملها غرقا داخل حوض لتجميع مياه السقي بخريبكة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    ليلة الذبح العظيم..    انطلاق أشغال تهيئة غابة لاميدا بمرتيل ، للحفاظ علي المتنفس الوحيد بالمدينة    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية الانتقالية
نشر في التجديد يوم 17 - 10 - 2014

في مقال سابق كنت قد حررته مباشرة بعد انطلاق شرارة الثورة التونسية وفرار الرئيس بنعلي وانطلاق موجة الاحتجاجات في العديد من الدول العربية، قلت بأن المنطقة العربية محتاجة ل»علم انتقال ديمقراطي عربي»..
تونس مرشحة للإبداع في هذا المجال بحكم وجود طبقة وسطى واسعة من المثقفين وخريجي الجامعات، وبحكم وجود رصيد معتبر من الحوار الإسلامي العلماني، وبحكم وجود تأثير تاريخي للعقلانية الأوروبية موروثة من زمن الاستعمار، وبحكم وجود طبقة سياسية مستنيرة من مختلف التيارات الفكرية والسياسية في البلاد..
من أبرزهم الشيخ راشد الغنوشي، الذي نحت مفهوما جديدا سيساهم في بلورة نظرية سياسية لتأطير مرحلة سياسية بالغة التعقيد، وهو مفهوم : الديمقراطية الانتقالية.
فبعد تصريحات عبد الفتاح مورو المنتقدة لشعار «الإسلام هو الحل» جاءت تصريحات الشيخ راشد الغنوشي، على بعد أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية التي تؤكد بأن «حزبه مستعد للمشاركة في حكومة ائتلاف وطني تضم الخصوم العلمانيين، وحتى أحزابا يقودها مسؤولو الرئيس المخلوع بن علي» وذلك لأن «الوفاق هو الذي أنقذ تونس، ولا تزال البلاد بحاجة له بين الإسلاميين والعلمانيين. حتى بعد الانتخابات، لن نكون في وضع ديمقراطية مستقرة، بل هي ديمقراطية انتقالية، تحتاج حكومة وحدة وطنية، تعالج تحديات عديدة، في ظل الوضع الإقليمي المضطرب»...
من المؤكد أن مثل هذه التصريحات تستبطن رؤية سياسية واقعية تتجاوز الفهم السطحي للديمقراطية واختزالها في النصف + واحد، كما أنها تتجاوز رسائل الطمأنة المرحلية للخصوم في الداخل والخارج..
الديمقراطية في المراحل التأسيسية هي القدرة على بناء جسور فكرية وسياسية صلبة ب «الإسمنت المسلح» قبل العبور نحو الديمقراطية التمثيلية بمفهومها الرقمي..
من المفيد أن نذكر في هذا السياق أن الربيع العربي للديمقراطية لم يكتمل بعد ومن الصعب الحديث عن إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي في ظل عدم الاستقرار وفي ظل نخب متشبعة بثقافة سياسية موروثة من زمن الاستبداد والتسلط، وهي نخب متشبعة بمرض الطائفية والعقلية الحزبية المقيتة ولا تمتلك من التحرر الفكري ما يؤهلها لإنتاج ثقافة سياسية انتقالية قائمة على التوافق وأنصاف الحلول.
اللحظة التاريخية الراهنة تحتاج إلى إطلاق مبادرات متعددة للحوار لبلورة عناصر التفاهم المشترك بين النخب الوطنية المختلفة، لكن مع ضرورة التمييز بين هذه اللحظة «التأسيسية» وما تستلزمه من قواعد، وبين اللحظة «التنافسية» التي لم تتبلور معالمها بعد إلا في ظل النظام الديمقراطي الحقيقي، وهو الهدف الذي لم يتحقق بعد.
ولذلك هناك حاجة ماسة لضرورة التفكير في تطوير أدوات التواصل السياسي بين التيارات الفكرية والسياسية المختلفة لمواجهة التحديات المشتركة.
في المنطقة العربية لا يشكل «الإسلاميون» كتلة متجانسة كما أن «التيار العلماني» ليس كتلة متجانسة، فهناك اختلافات حقيقية بين الإسلاميين على المستوى الفكري والسياسي، كما أن العلمانيين العرب تفرعت عنهم مسلكيات سياسية وفكرية متباينة تصل إلى درجة التعارض فيما بينهم في العديد من القضايا والمواقف.
ومن تم فإن طبيعة العلاقة بين الاتجاهات المحسوبة على العلمانية والاتجاهات المحسوبة على الإسلاميين هي علاقة متشابكة ومتداخلة وليس من السليم تناولها على سبيل التعميم أو إصدار أحكام قطعية بصددها، بل إن الكثير من المقولات تحتاج إلى إعادة تقليب النظر فيها من زوايا مختلفة: فمقولة اليسار العلماني مثلا ارتبطت تاريخيا بموقع سياسي ينحاز إلى الدفاع عن القضايا الاجتماعية وعن دور الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وعن دعم حركات التحرر الوطني، ثم تطورت رسالته فيما بعد للنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والنضال من أجل الحريات ومن أجل البيئة والتنمية.
في زمن الإيديولوجيات ارتبطت نشأة اليسار بالاشتراكية والحلم الشيوعي، لكن لا ينبغي اعتبار الإيديولوجية الماركسية جزءا من هوية اليسار، بحيث يمكن للإسلامي أن يكون يساريا (بالمعنى المذكور) إذا تبنى المقولات السابقة التي لا تتعارض في شيء مع القيم الإسلامية الداعية إلى الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ومناهضة الاستبداد ورفض الظلم...كما تبدو مقولة الإسلاميين بدورها في حاجة إلى مراجعة فالإسلاميون الذين يمارسون السياسة من خلال تنظيمات سياسية معينة، هم في الواقع عبارة عن أحزاب سياسية عادية، ما يميزها عن باقي الأحزاب هو طبيعة نشأتها المرتبطة بالحركات الإسلامية التي ظهرت مع منتصف القرن الماضي وتطورت مع مرور الوقت من تنظيمات شمولية تهتم بالدعوة والعمل الاجتماعي إلى أحزاب سياسية تحمل برامج سياسية تلتقي في الكثير من مضامينها مع الأفكار التي كان يطرحها بعض اليسار في مرحلة معينة، ربما بحمولة إسلامية واضحة لكنها في الجوهر تخدم نفس المقاصد والغايات....
هناك اليوم حاجة لاستنبات قيم التعايش والتوافق والتعاون والتفاهم وتغليب المصالح العليا للوطن قبل الحديث عن التنافس في البرامج والأفكار والمشاريع الانتخابية..
هناك حاجة للتخلص من بعض الأحكام المسبقة بين الطرفين ومن عقلية التعالي، وترتيب النقاش حول بعض القضايا ذات الطبيعة الفكرية من أجل ترسيخ قواعد الفعل الديمقراطي وبناء دولة القانون ..وبذل مجهود نفسي وفكري من أجل تذويب العديد من الحساسيات التاريخية.
طبعا ليست هناك وصفة سحرية ستقود إلى الديمقراطية ك «حتمية تاريخية»، لكن التجارب المقارنة الناجحة تفيدنا بأن كل مجتمع يدبر هذه المرحلة وفق ظروفه وبيئته وثقافته الخاصة...
لكن الأهم، هو الاتفاق على هدف بناء الديمقراطية والاتفاق على الفاعلين الذين يريدون الديمقراطية وفرز الفاعلين الذين لا يريدونها..
وهو ما يتطلب الحوار المستمر والمنتظم بين الأطراف المعنية بالمسألة الديمقراطية مع احترام الاختلاف..وذلك هو سر النجاح: الحوار وإدارة الاختلاف.
طبعا، داخل كل اتجاه هناك غلاة ومتطرفون يوجدون في الهامش..
هؤلاء أيضا معنيون ب فكلما اتسعت رقعة التفاهم بين القوى الأساسية كلما انكمش صوت التطرف والغلو..
لكن إذا تراجع صوت العقل والحكمة، ارتفعت أصوات الجهالة والتنطع..
فقديما قال الشاعر: «ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين»
عافانا الله وإياكم من كل جهالة وتعصب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.