بروكسيل.. معرض متنقل يحتفي بمساهمة الجالية المغربية في المجتمع البلجيكي    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق    فتح بحث قضائي حول تعرض بعض المواطنين المغاربة للاحتجاز من طرف عصابات إجرامية ناشطة بميانمار    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    الجيش والمولودية يكملان ركب المتأهلين إلى نصف نهائي كأس العرش    أخنوش يلتقي الرئيس العراقي والارتقاء بعلاقات البلدين في صدارة المباحثات    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    تعزيز التعاون القضائي محور مباحثات السيد الداكي مع نائب وزير العدل الصيني    الحسيمة.. درك النكور ينهي نشاط مروج مخدرات مبحوث عنه وطنيا    يعالج حموضة المعدة ويقي من الاصابة بالسرطان.. تعرف على فوائد زيت الزيتون    النيابة العامة تدخل على خط احتجاز مغاربة بميانمار    الجيش يتأهل لنصف نهائي كأس العرش    قمصان جديدة ل"أديداس" بلمسة مغربية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و 2033    وزير الفلاحة يفتتح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للصناعة السمكية بالمغرب    خلال أربعة أشهر.. كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء العرائش يصل ل6177 طنا    "بلومبيرغ": المغرب يُثبت أسعار الفائدة بينما يُواجه الفاتورة الباهضة لإعادة إعمار الزلزال    وزير النقل يعلن عن قرب إطلاق طلبات العروض لتوسيع مطارات طنجة ومراكش وأكادير    شركة تنفي استعمال الغاز والتسبب في اختناق عشرات التلاميذ بالدار البيضاء    جامعة كرة القدم تصدر عقوبات تأديبية    الجيش الملكي يقتنص تأهلا مثيرا لنصف نهائي كأس العرش على حساب أولمبيك الدشيرة    الأمثال العامية بتطوان... (599)    رئيس سلوفاكيا في حالة حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    سفر أخنوش يؤجل اجتماع المجلس الحكومي    انتخاب المحامية كريمة سلامة رئيسة للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    النصيري على رادار مدرب إشبيلية السابق    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    بعثة المنتخب الوطني المغربي النسوي لأقل من 17 سنة تتوجه إلى الجزائر    إضراب كتاب الضبط يؤخر محاكمة "مومو" استئنافيا    وسط "تعنت" ميراوي .. شبح "سنة بيضاء" بكليات الطب يستنفر الفرق البرلمانية    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    مدينة محمد السادس طنجة تيك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    إلزامية تحرير الجماعات الترابية من « أشرار السياسة »    النقابة الوطنية للتعليم fdt وضوح وشجاعة لاستشراف المستقبل    التويمي يخلف بودريقة بمرس السلطان    وفاة "سيدة فن الأقصوصة المعاصر" الكندية آليس مونرو    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ 2000 عام    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    قصيدة: تكوين الخباثة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رسالتي الأخيرة    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    الأمثال العامية بتطوان... (598)    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    الأمثال العامية بتطوان... (597)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محامي المتهمين في ما يسمى قضية "السلفية الجهادية" للتجديد: لا أعرف تنظيما بالمغرب اسمه السلفية الجهادية، وجهات توظف جرائم عادية لحسابات انتخابية
نشر في التجديد يوم 11 - 08 - 2002

لماذا ظهرت بالمغرب هذه الأيام، فجأة خطورة "التنظيمات السلفية" أو "تنظيم الهجرة والتكفير"؟ لماذا تحول المغرب، البلد الذي نقول إنه بلد الأمن والاستقرار، في شهور قلائل، إلى معاقل للخلايا النائمة للقاعدة، وأصبح تحت رحمة "أمراء الدم"، كما يحلو لبعض الجرائد أن تسميهم؟ ولماذا انخرطت بعض وسائل الإعلام في حملة دعائية وتضخمية لأحداث وجرائم عادية ارتكبها أشخاص عاديون، فجعلت منها أحداثا خطيرة تهدد الأمن الداخلي للبلاد؟
و لماذا تريد جهات أمنية إلصاق صفة "السلفية الجهادية" بهؤلاء المتهمين؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على المحامي توفيق مساعف، الذي كلف بالدفاع عن المتهمين، نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، اللذين قيل إنهما من تنظيم جهادي يتزعمه المسمى "يوسف فكري"، وجاءت أجوبة المحامي لتكشف الستار عن حقيقة هذا "الزعيم" الذي هو في حقيقة أمره، شخص عادي، غير متدين، لا بسلفي ولا بأمير، ارتكب مجموعة من الجرائم تدخل في إطار الجرائم الماسة بالحق العام.
فهل ما يحدث هذه الأيام من أحداث متسارعة لها علاقة ما بالانتخابات التشريعية المقبلة، وأيضا لها ارتباطات بما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من محاربة "للإرهاب" حسب زعمها، ومطاردة للتنظيمات السلفية العالمية؟
تم توكيلكم للدفاع عن متهمين بالانتماء لما أصبح يعرف الآن باسم "السلفية الجهادية" وهما: نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، ضمن تسعة آخرين قدموا يوم 13 يوليوز الماضي أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. فما علاقة موكليكم بهذه القضية؟
عندما تم اختطاف المتهمين نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي من منزليهما يوم 17 يوليوز 2002، انتدبتني عائلاتهما من أجل معرفة مآل هذا الاختطاف، ومكان تواجدهما، وما إذا كانا قد تعرضا لأي انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان. وحينها قمت بمراسلة كافة الجهات الإدارية المعينة، منها وزارة العدل ووزارة حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، ثم تقدمت بشكاية من أجل الاختطاف إلى الوكيل العام للملك، وإلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا، فأصدر بذلك الوكيل العام للملك قرارا إلى الشرطة القضائية من أجل إجراء بحث في الموضوع مع إخباره بنتيجة هذا البحث داخل مدة أسبوع، إلا أني تفاجأت بأنه تم تقديمهما يوم 13 يوليوز2002 أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
أستطيع أن أؤكد لك بأن موكلي لا علاقة لهما بأي تنظيم يحمل اسم "السلفية الجهادية"، كما أني لا أعرف أي تنظيم بالمغرب يحمل هذا الإسم، كما أنه ليست هناك أي منظمة تحمل اسم الهجرة والتكفير، كل ما في الأمر، أن هذه القضية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام، حقيقتها أن مجموعة من الأشخاص، وهم حوالي أربعة، ارتكبوا جرائم عادية يعاقب عليها القانون الجنائي، فهم بالتالي مجرمو الحق العام، قاموا بدافع الفقر والعوز بارتكاب مجموعة من الجرائم من أجل السطو على الأموال.
فلماذا إذن تم اختطاف الغرباوي والشاذلي، وماهي التهم المنسوبة إليهما؟
كما أكدت لكم، فالغرباوي والشاذلي لا علاقة لهما بهؤلاء الأشخاص المتهمين بالقتل وبجرائم أخرى، ولا علاقة لهما أيضا بالمدعو "يوسف فكري"، إنما، ونظرا لأنهما كانا يقطنان بحي واد الذهب بسلا، التي كان يقطن بها في وقت من الأوقات المسمى "فكري"، فقد التقيا به مرتين لقاء عاديا بالمسجد، فموكلي الشاذلي قام في اللقاء الأول بإقراض المدعو "فكري"، مبلغا قدره 1500درهم، أما في اللقاء الثاني فقد زار فكري موكلي وطلب منه أن يحتفظ بوديعة عنده عبارة عن حقيبة (صاك) من البلاستيك يحتوي على بذلة للدرك الملكي وأصفاد، مدعيا بأنها مملوكة لأحد أقاربه يوجد في حالة سفر، فاحتفظ الشاذلي بهذه البذلة على أساس أنها وديعة عادية، وخصوصا أنها من أحد الجيران، إلى أن تفاجأ بحضور رجال أمن قاموا بتفتيش المنزل وحجزوا البذلة والأصفاد، فاعتبرتها بعد ذلك الشرطة دليلا على انتماء الغرباوي إلى هذا "التنظيم" ومشاركته في الأنشطة الإجرامية التي كان يقوم بها. أما بالنسبة لموكلي الغرباوي فهو يحترف مهنة تاجر متجول، وسبق له أن التقى المدعو "يوسف فكري"، فعرض عليه هذا الأخير أن يبيعه هاتفين نقالين وساعتين يدويتين، فاشترى الغرباوي هذه الأشياء من
"فكري"، وبما أنه تاجر، أعاد بيعها. هذه العملية التي تمت بينهما اعتبرتها الشرطة دليلا على أن الغرباوي يقوم بدور بيع الأشياء المسروقة من طرف فكري وعصابته.
تحدثتم عن المسمى "يوسف فكري"، هذا الشخص الذي تروج وسائل الإعلام أنه زعيم لتنظيم اسمه "السلفية الجهادية"، ومرة أخرى بأنه أمير من أمراء جماعة "الهجرة والتكفير"، فهل لديكم معلومات تنورون بها الرأي العام المغربي عن هذا الشخص؟
لا توجد لدي معرفة دقيقة بهذا الشخص، ولكن من خلال مخابرتي مع موكلي، تبين لي من تصريحاتهما أن المسمى "يوسف فكري" إنسان عادي جدا، غير متدين، وعكس ما تروجه بعض الجرائد، فهو ليس من أعلام السلفية، ولم تثبت له أي دراية بالعلوم الشرعية، ولا يتوفر على أي شهادة علمية تؤهله للبحث العلمي أو للفتوى، وليس له أي تنظيم أو إطار قانوني ينشط فيه، وإنما هو رجل عادي، كان يختبئ في مجموعة من الأماكن في ربوع التراب الوطني، ونظرا لفقره وحاجته إلى المال، قيل إنه قام بارتكاب الجرائم التي نسبت إليه وتكوين عصابة إجرامية والقيام بالسرقة الموصوفة، بما في ذلك قتله لمجموعة من المواطنين.
تقول بعض الجرائد إن المدعو "يوسف فكري" قد اعترف بارتكابه لهذه الجرائم؟
ليست لدي أي معلومات في هذا الشأن، باعتبار أن الملف مازال في طور التحقيق، كما أن مبدأ سرية التحقيق يمنع على أي شخص له علاقة بهذا الملف، أن يدلي بتصربحات تفيد أنه اعترف أم لا، ولكن يبدو أن بعض الصحف اطلعت على محضر الشرطة بواسطة وسائلها الخاصة، وأشاعت أنه ارتكب مجموعة من جرائم القتل والاعتداء والسطو على أموال المواطنين وحيازة الأسلحة، وأنه كان مبحوثا عنه مدة سنوات عديدة، ويعد هذا أمرا غريبا، فكيف استطاع من يختبئ من الشرطة طوال هذه الفترة، وهو ينتقل عبر المملكة، وارتكب عدة جرائم ومن دون أن يضبط من طرف مصالح الشرطة؟ ففجأة يتم القبض عليه، ويصبح في واجهة مجموعة من الصحف، مما يثير استغرابنا، ويجعل مصداقية الشرطة القضائية، وكذا بعض وسائل الإعلام محل شك وريبة.
هذه القضية مازالت في طور التحقيق، والأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم هم أشخاص عاديون ارتكبوا جرائم عادية، لكن الحملة الإعلامية التي تتزعمها بعض الصحف "الوطنية" لم تكن عادية، فلماذا ظهر ملف "السلفية الجهادية" فجأة، بعدما ظهر ملف "الخلية النائمة" ؟ ألا يمكن القول بأن هذه الحملة مفتعلة للتأثير على الانتخابات التشريعية المقبلة، والتأثير بالتالي على الإسلاميين المشاركين فيها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد أن نشرح للناس مفهوم "السلفية"، حتى لا تختلط لديهم الأشياء، فالسلفية هي قراءة خاصة للنصوص الدينية بصفة عامة، واجتهاد فقهي يتبناه مجموعة من العلماء على مستوى العالم الإسلامي، ولهم وجهة نظر في عدة مسائل تهم الحياة الاجتماعية. وبالنسبة للمغرب، فالسلفية لا تشكل تنظيما حركيا له إطار قانوني، بل هو فقط فكر رائج بين مجموعة من أبناء الصحوة الإسلامية بشكل عام. وهو في جزء منه يتميز بالعلمية والدراية بالشريعة العامة وأمور العقيدة، له مجموعة من العلماء يدافعون عن أطروحاته الفكرية.
والسلفية لا تؤمن بتغيير المنكر عن طريق العنف، بل ترى أن إرجاع الناس إلى دينهم يتم عبر التربية والتعليم، ولم يسبق أن أفتى عالم من علمائهم بارتكاب جريمة ما من أجل تغيير منكر ما.
والملف الذي بين أيدينا ألصقت به كلمة "السلفية الجهادية" خطأ وظلما وبدون أي سند علمي أو واقعي يعضده، بالإضافة إلى أن مجموعة من رواد السلفية بالمغرب أنكروا الأفعال الإجرامية التي قام بها المتهمون في هذا الملف، وأدانوا هذه الأفعال في مجموعة من الجرائد الوطنية. ونسبة كلمة "السلفية الجهادية" لهذه العصابة المتهمة، هي محاولة تحاملية من أجل دعاية انتخابية مسبقة ضد أحد فصائل الحركة الإسلامية، التي ستشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك بغرض التدليس على الرأي العام الوطني، وكذا استعداء الناس ضدهم والتشويش عليهم حتى لا يتم التصويت لفائدتهم، بل هي أيضا محاولة للطعن في سلمية الحركة الإسلامية بالمغرب، ومبادئ الاعتدال التي تؤمن بها، وكذا من أجل خلق اصطدام بينها وبين النظام السياسي القائم، بغية الحصول على مكاسب انتخابية محضة.
هل معنى ذلك أن بعض الأحزاب التي انخرطت في هذه الحملة المغرضة، فعلت ذلك لتخفي فشلها الذريع في تأطير المواطنين بواسطة برامجها الاقتصادية والاجتماعية، والتجأت إلى الأساليب التي ذكرتموها؟
بلا شك، إذا قام أي باحث بتقييم تجربة حكومة التناوب ودراسة حصيلة عملها، سيلاحظ أنها لم تستجب لحاجيات وتطلعات المغاربة، بالنظر إلى الأزمة الحالية التي تمتد إلى جميع مجالات الحياة، سواء في مجال الحريات العامة أو المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، فأصبحت سمعة هذه الحكومة سمعة غير مرضية. ونظرا لضعف حصيلتها وقرب الانتخابات التشريعية، وكذا تصاعد تعاطف مجموعة من الشرائح الاجتماعية للحركة الإسلامية، ومن بينها حزب العدالة والتنمية، الذي سيشارك في الانتخابات، تحاول بعض الجهات القيام باستثمار واستغلال وقوع جرائم عادية من طرف أشخاص عاديين، وتوظيفها من أجل المس بمصداقية هذه الحركات وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، وتوجيه الرأي العام الوطني ضده، وكذا استعداء بلدان أجنبية للضغط على النظام الداخلي للحيلولة دون اتساع ذلك المد التعاطفي، وخاصة، أمام فشل الأحزاب الحاكمة الآن، تطرح الحركات الإسلامية وحزب العدالة والتنمية بدائل واختيارات جديدة من أجل إنقاذ المغرب مما يعيشه الآن من تدهور متسارع.
سواء من خلال ملف "الخلية النائمة" أو من خلال ملف "السلفية الجهادية"، يلاحظ أن مجموعة من الجرائد الوطنية انخرطت في حملة قذرة للتشويش على المواطنين وخلط الأوراق، وهذا بطبيعة الحال يضرب المصداقية الإعلامية لمثل هذه المنابر، ما تعليقكم على ذلك؟
لا أنكر أن بعض وسائل الإعلام سواء الدولية أو الوطنية، دافعت عن الحقيقة والعدل والإنصاف سواء في ملف ما يسمى بالخلية النائمة، أو ما أصبح يسمى الآن بملف السلفية الجهادية، وساعدتني شخصيا في دحض مجموعة من الأطروحات المضلة، إلا أننا في بعض الأحيان نفاجأ بأن بعضا من تلك الجرائد التي ترغب، إما في الربح المحرم أو في الدعاية الانتخابية المسبقة، تلجأ إلى تلفيق الأخبار والتدليس على القارئ، وتمرير تأويلات مغرضة، وهذا سلوك غير أخلاقي، يجب أن يتنزه عنه كل صحافي أو رجل إعلام جاد ومسؤول، وله غيرة على الدفاع على دولة الحق والقانون.
هل يمكن القول إن ما يحدث بالمغرب هذه الأيام يدخل في سياق انخراط بلدنا مع الولايات المتحدة في محاربة ما تسميه "بالإرهاب العالمي"؟
بالنسبة للملف الذي بين أيدينا، يصعب إيجاد خيط رفيع يربطه بمساعي الولايات المتحدة بمحاربة "الإرهاب"، إلا أنني يمكن أن أثير ملاحظة في هذا الموضوع، وهي أن التنظيمات التي تحاربها أمريكا عالميا، ينتمي أغلبها إلى الفكر السلفي بصفة خاصة، وإلى مجال الصحوة الإسلامية بصفة عامة.، وهذا يكشف أن الجهات المحاربة لها علاقة بالحركات التغييرية ذات المنحى الإسلامي، لذلك فالولايات المتحدة لها اهتمام خاص بهذه الحركات المرتبطة أيضا بالصراع في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم الانخراط التلقائي للسلطات المغربية في التضييق على الحركة الإسلامية بصفة عامة، ومحاولة التعرف بصفة خاصة، في هذه المرحلة، على حجم التيار السلفي بالمغرب، الذي يبقى تيارا لا يؤمن بالعمل الجماعي المنظم، وليس له إطار قانوني ينشط من خلاله، وليست له قيادات موحدة أو أدبيات حول العمل السياسي والثقافي، وبالتالي فالسلطة، بدعوى إشاعة الأمن داخل المملكة، تقوم بحملة تمشيط لهذا التيار وتجفيف منابعه، وخاصة أنه تيار لا يعمل في العلن، كما أن طبيعته تجعل عمله غير واضح بالنسبة للسلطة، الشيء الذي دفعها إلى شن مجموعة من الاختطافات للمنتمين لهذا
التيار وتعريض المختطفين للتعذيب والإهانة، ومحاولة الحصول على معلومات مستفيضة حول طبيعة الأطر التي يتوفر عليها، والقيادات التي يرجعون إليها في الفتوى، وكذا علاقة سلفية المغرب بالتيارات السلفية العالمية. وفي نفس الوقت يمكن القول إن ما تقوم به السلطة المغربية الآن يخدم المخابرات الأجنبية وخاصة الأمريكية.
عودا إلى ملف "السلفية الجهادية" يبدو أن السلطات المغربية ارتكبت مجموعة من الخروقات والتجاوزات القانونية، على شاكلة ما حدث للمعتقلين في ملف الخلية النائمة..
الشرطة القضائية ارتكبت نفس الخروقات القانونية في مجموعة من الملفات التي أريد أن يكون لها صدى معين، ويمكن تلخيص تلك الخروقات المرتكبة أيضا في هذا الملف، فيما أقدمت عليه مصالح الأمن، يوم 17 يوليوز 2002، باختطاف كل من نور الدين الغرباوي ومحمد الشاذلي، واقتيادهما إلى معتقل سري بمدينة تمارة، حيث تم احتجازهما لمدة 01 أيام، تعرضا خلالها للتعذيب، كما تم تفتيش منزليهما دون الحصول على أمر من النيابة العامة، واختلاس مجموعة من الكتب والأشرطة التي لم تتضمن في محضر للحجز، كما قامت الشرطة بفبركة محضر يتكون من حوالي 041 صفحة، تضمن عدة تصريحات لما واجهت بها موكلي، أنكراها ونفيا بأن يكونا قد قاما بتكوين عصابة إجرامية أو المشاركة في الجرائم المنسوبة للمدعو "يوسف فكري"، ومن جهة أخرى عمدت الشرطة إلى إكراه موكلي على التوقيع على ذلك المحضر دون أن يطلعا عليه أو يتلى عليهما، وتم تقديمها لقاضي التحقيق دون مؤازرة من الدفاع، أو إشعارهما بحقوقهما، وهذا مما فوت على موكلي حقهما في الدفاع عن أنفسهما والتمتع بالضمانات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، وكل هذه الخروقات السافرة، تجعل محاضر الشرطة
القضائية قابلة للبطلان، بل إن محضر الاستنطاق الابتدائي لم يتم أيضا الاطلاع عليه من طرف موكلي، وكل ذلك للإيهام بأن هذا الملف هو ملف شائك ويدخل في إطار ما يسمى بمحاربة "الجماعات الإرهابية".
هذا يطرح سؤالا عريضا حول مصداقية ما يسمى بالعهد الجديد، إذ كان من المنتظر أن يعرف المغرب مزيدا من الحقوق والامتيازات، فإذا بنا نلاحظ في الشهور الأخيرة انتكاسة خطيرة تذكرنا بالعهود البائدة.
أنا أشاطرك الرأي على أن هناك انتكاسة، فمن يستقرئ وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، وخاصة بعد تنصيب ما يسمى بحكومة التناوب على رأس السلطة التنفيذية، يلاحظ تراجعا كبيرا في مجال الحريات العامة، ويلاحظ ما قامت به السلطة من اعتداءات على الطلبة المعطلين ونشطاء جمعيات حقوق الإنسان، وكذلك منع بعض وسائل الإعلام المكتوبة، ومنع بعض الأنشطة الإشعاعية لمجموعة من جمعيات المجتمع المدني، ومنع المسيرات المساندة لقضايا أمتنا العربية والإسلامية. وباطلاعنا على ملفات كثيرة معروضة على محاكم المملكة، نسجل أن الشرطة القضائية مازالت تنتهك الضمانات القانونية المخولة للمواطنين. وهذا كله يؤكد أننا مازلنا على مسافة بعيدة من إقامة دولة الحق والقانون. وللأسف فالذين يوجدون على رأس حكومة التناوب، كانوا في وقت سابق ضحايا لهاته الانتهاكات، وكان الأجدر أن يكونوا أول من يدافع عن حقوق الإنسان بالمغرب.
هل هناك أمل بالنسبة للمستقبل؟
أملنا وأمل جميع الغيورين على هذا البلد، أن نعيش في مجتمع حر وكريم، يتمتع أفراده بكل الحريات والحقوق، وهذا تحد يواجهه الجميع ويتطلب تظافر جهود كافة القوى الحية والحرة، من أجل الضرب على أيدي الجهات التي مازالت تحن إلى عهود الظلم والإرهاب التي عرفها مغرب الستينات والسبعينات، وينبغي ألا نترك المغرب، هذا البلد الجميل والآمن، مرتعا للمفسدين ولا محل عبث من أي دولة أجنبية كيفما كانت للدفع به إلى متاهات وانزلاقات قد تلحق أضرارا كبيرة بمصالحه.
أجرى الحوار عمر العمرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.