إستراتيجية الاقتصاد التقليدي حسب الدكتور الهندي محمد عمر شابرا وهو من أعلام الاقتصاد ومن أوائل العلماء الذين تحدثوا عن الاقتصاد الإسلامي ومقارنته بالاقتصاد الرأسمالي، وفشل الأخير في تحقيق الطموحات الاقتصادية للمجتمعات المعاصرة، فإن إستراتيجية الاقتصاد التقليدي تقوم على الحداثة السلبية التي ألغت حقائق الدين ومنعت المجتمع من الاستفادة من القيم الأخلاقية. ومن مرتكزات هذا النموذج التقليدي للاقتصاد ، المفاهيم الثلاثة التالية: 1. الإنسان الاقتصادي: الذي يسعي إلى تحقيق أقصى إشباع لرغباته دون المبالاة برفاهية الآخرين؛ 2. الوضعية: حيث يبعد الاقتصاد عن كل ما له علاقة بالقيم والأخلاق؛ 3. فعالية قوى السوق: بحيث يجب على الحكومة عدم التدخل وترك الأمور لقوى السوق. هذه المرتكزات ، وبسبب آفاتها ، دفعت الكثير من الاقتصاديين إلى التنبؤ بحدوث انهيارات في الاقتصاد الرأسمالي، فقد تحدث الاقتصادي الفرنسي موريس اليه Maurice Allais الحاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1988 قائلاً (أن نظام الاقتصاد الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره ، إذا لم تعالج وتصوب تصويباً عاجلا).وهذا ما سنحاول بسطه في هذا المقال إن شاء الله. الأزمات المالية وليدة الاقتصاد التقليدي تعرض العالم خلال تاريخه الحديث للعديد من الأزمات المالية والتي اتسمت بالعالمية نتيجة امتداد أثارها وتداعياتها للعديد من الدول، و يجمع الكثير من الباحثين والمتخصصين الاقتصاديين أن هده الأزمات المتكررة هي من طبيعة النظام الرأسمالي. ويرجع الاقتصاديون أسباب الأزمة المالية إلى الهبوط الحاد في أسعار الأوراق المالية المتداولة في الأسواق كالأسهم و السندات، وهذه الانهيارات هي نتيجة حتمية لظاهرة الفقاعات " Bubble " حيث تؤدي حدة المضاربات إلى زيادة سعر الأصول المالية بأشكال مبالغ فيها، بحيث يكون الهدف من شراء الأصل المالي هو الربح و ليس قدرة هذا الأصل على توليد الدخل ، وبالتالي عند حدوث أي طارئ نجد أن هذه الفقاعات تنفجر مسببة حدوث انهيارات في أسعار هذه الأصول المالية ، هذه الانهيارات تترك حالة من الذعر و التخوف لدي بقية المستثمرين في الأصول المالية الأخرى انطلاقا من مبدأ ( الرأسمال جبان ) فتنهار أسعار بقية الأصول المالية في السوق المالي و تنتقل هذه الأزمة إلى بقية الأسواق المالية العالمية بفعل الترابط الكبير بين هذه الأسواق. أهم الأزمات المالية العالمية تعتبر أزمة عام 1866 من أقدم الأزمات المالية التي عرفها العالم و تسمى أيضا بأزمة الجمعة الأسود و التي نتج عنها إفلاس العديد من البنوك البريطانية وانتقلت عدوى هذه الأزمة لتصيب كامل أوروبا. تليها أزمة الكساد العظيم عام 1929 وهي أشهر الأزمات المالية التي عرفها العالم في القرن العشرين و أقواها أثرا ، و جذورها تعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى ، وفي امريكا يوم 24 أكتوبر 1929 الذي يعرف باسم الخميس الأسود ، تم طرح 19 مليون سهم للبيع دفعة واحدة فكان العرض أكبير بكثير من الطلب ، مما أدي إلى هبوط أسعار الأسهم بنسبة 13% ، وانهارت بذلك بورصة "وول ستريت" ، ثم توالت الانهيارات في أسواق المال العالمية. بعدهما جاءت أزمة الديون العالمية التي بدأت على المستوى العالمي في الخمسينات، و اتضحت بشكل بارز في بداية الثمانينات حيث تعسر علي الحكومات تسديد فوائد و أقساط تلك الديون ، و لم تستطع الوفاء بالتزاماتها المالية التي قطعتها للبنوك و المؤسسات المالية العالمية الدائنة ، فشكل إعلان بعض هذه الدول مثل المكسيك سنة 1982 عن وقف دفع أعباء ديونها مؤشرا خطيرا لانهيار النظام المصرفي العالمي. الأزمة الموالية هي الأزمة الأسيوية في بداية النصف الثاني من عقد التسعينات حيث تعرضت اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا إلى مجموعة من الاختلالات كانت تختفي وراء معدلات النمو العالية التي كانت تحققها دول هذه المنطقة (تايلاند ، إندونيسيا، كوريا الجنوبية ، الفلبين ) مهدت لوقوع الأزمة المالية سنة 1997. لحقتها أزمة فقاعات شركات الإنترنت والتكنولوجيات المعلوماتية عام 2000. وصولا الى الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي بدأت في شتنبر2008 والتي اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ أزمة الكساد الكبير سنة 1929 ، و لقد بدأت الأزمة أولا بالولايات المتحدةالأمريكية وامتدت إلى باقي دول العالم ، لتشمل الدول الأوربية و الدول الأسيوية و الخليجية والدول النامية ، و نظرا لخطورة هذه الأزمة وأثارها المدمرة على الاقتصاد العالمي ، فإننا سنقوم بتحليلها في مقال مستقل. *باحث في الاقتصاد وهندسة المالية الإسلامية،