اجتمعت مجموعة من الجمعيات، تزعم أنها أمازيغية، يوم الخامس من أكتوبر الجاري، حول موضوع دعوه "الأمازيغية والكتابة"، وبعد تدارسهم لمختلف جوانب موضوعهم هذا، أعلنوا للرأي العام بيانا سموه "بيان مكناس"، وفيه طالبوا بكتابة الأمازيغية وتدريسها بالحرف اللاتيني "العالمي"، كما زعموا أن الحرف الأصلي للغة الأمازيغية فيما أضافوا وهو "تيفيناغ"، ليس جاهزا حاليا نظرا لما طاله من نسيان وإهمال، رغم أنه يعد حسب زعمهم أحد أقدم الحروف المعروفة في التاريخ، وأوصوا بالعناية به وإدراجه في المقررات الدراسية والفنية كأحد رموز حضارتنا العريقة. وأخيرا حملوا المسؤولية في إنجاز هذا وغيره لأعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ولجميع الهيئات والمؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية، التي قد تسعى إلى تكريس مواقف وخيارات معاكسة لهذه التوجهات المعبر عنها من طرف الحركة الأمازيغية. "بيان مكناس" هذا واجهته أكثر من خمس وستين جمعية (واللائحة لا تزال مفتوحة) ببيان مضاد يضع النقط على الحروف، ويعيد الأمور إلى نصابها، وبعد استعراضها لما جاء فيه ولمجمل الوضع اللغوي والثقافي بالمغرب، حيث تسيطر اللغة الفرنسية وتهمش اللغة العربية الرسمية، وبعد نظرها في التاريخ الإسلامي الحافل للمملكة المغربية وكيف كان الأجداد الأمازيغ لا يجدون أية صعوبة "بيداغوجية كانت أم تقنية أم سياسية" في كتابة لغتهم الأمازيغية بالحرف العربي منذ الفتح الإسلامي للمغرب إلى الآن. وانطلاقا من هذا وغيره أعلنت الجمعيات الأمازيغية هاته، وجمعيات أخرى مهتمة بالقضية الأمازيغية، رفضها القاطع لكل الأفكار الواردة فيما سمي "بيان مكناس" واعتبرتها أفكارا شاذة بعيدة عن روح المجتمع المغربي المسلم وعن المصلحة العليا للأمازيغية والأمازيغ. ولا يمكن لأي أمازيغي مسلم حر إلا أن يعلن رفضه القاطع لهذه الدعوة الاستعمارية المتطرفة، التي لا صلة لها بالوطنية ولا بالشعب المغربي ولا الأمازيغية ولا بالدستور المغربي. فالأمازيغ هم الذين اختاروا منذ قرون طويلة الأولوية للغة العربية، وكتابة لغتهم بحروفها وتدريس مختلف العلوم بها، واستعمال الأسماء العربية.. وغير ذلك، ومن يريد الانقلاب على ذلك، أي على اختيار أسلافهم الأمازيغ، فإنه يحتاج إلى إقناعهم بذلك. لقد بدأت تتمايز الصفوف في "الحركة الأمازيغية"، وأخذ المتطرفون المتشنجون المتعصبون يظهرون أنفسهم بعدائهم الشديد للعرب وللغة العربية إلى درجة الحقد عليها واعتبارها الخصم الأول، وليس الفرنسية، وقد قص الأستاذ محمد الحبيب الفرقاني قصة دالة وقعت له مع أحد هؤلاء، عندما زاره فقدم له ذلك الأمازيغي المتعصب نسخة من صحيفة "تامونت"، فلاحظ الفرقاني أن نصفها أو أكثر مكتوب بالفرنسية، فسأله: لمن كتبتم هذا الجزء الفرنسي؟ هل للأمازيغيين أم للفرنسيين؟ وأضاف الفرقاني "فالأمازيغيون لا يقرؤون الفرنسية خاصة في عموم المناطق الجنوبية، فلم لا تكتفون وتكتبون الصحيفة كلها بالعربية وكفى، إذا كان القصد هو التبليغ والإفادة" فرد في صرامة يقول: "خصمنا هو العربية وليس الفرنسية". ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلى الارتباط بالفرنسية والمؤسسات الفرنكفونية، وبتحريك دولي واسع مع مؤسسات دولية، استعمارية مشبوهة مثل مركز الدراسات الأمازيغية بباريس ومثلها بمدريد وكندا، ويرمي التحرك إلى جمع شتات الأمازيغيين في كل مكان من القارات الثلاث، تمهيدا لتوظيفهم بشكل مباشر وغير مباشر لخدمة أهداف استعمارية فرنكوفونية واضحة. وإذا علمنا أن "الحركة الأمازيغية" ولدت حتى الآن إحدى وثلاثين ومائة (131) جمعية موزعة في العالم، منها في فرنسا خمس وخمسون (55) جمعية منتشرة في مختلف مدنها، ثمانية منها في باريس وحدها. ويأتي المغرب في الرتبة الثانية بثلاثين جمعية حسب دراسة لأحد الخبراء أكثر من 72% منها تكون في السنوات العشر الأخيرة، ثم انخرط الجميع بعد ذلك في الكونغرس العالمي الأمازيغي على مراحل. الوقائع والأقوال المنحازة للفرنسية ضد العربية تصعب الإحاطة بها لكثرتها، والقليل منها يكفي شاهدا على أن بعض المتعصبين والمتغربين من تلك "الحركة" قفاز فيه يد فرنسية، لأنه لا أحد يستفيد من العنف الطائفي الذي تعيشه الجزائر ولا من انفصال القبائل وتفكيك المغرب الكبير إلا الذي يتربص بالمنطقة الدوائر وتقسيمها إلى كيانات في غاية الضعف. لكن الأمازيغ الأحرار الذين دخلوا في دين الله أفواجا منذ الأيام الأولى للفتح الإسلامي، ورحبوا بعترة النبي صلى الله عليه وسلم وآووه ونصروه وزوجوه، لن ينقلبوا على أعقابهم ولن يولوا دبرهم للدين القويم وللغة العربية، دون أن يتخلوا عن لهجاتهم الأمازيغية