أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تصدر بلاغا حول قرار معاقبة اتحاد العاصمة الجزائري    "فوتسال المغرب" في المركز 8 عالميا    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    قطب المنتجات المجالية نقطة جذب لزوار الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الأمازيغية بالمغرب و مستقبل العلاقة مع الحركة الإسلامية
نشر في التجديد يوم 12 - 05 - 2003

منذ صدور البيان الأمازيغي في مارس 2000وإلى غاية الإعلان عن التركيبة الأولية للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، و ما تلاه من تفاعلات إيجابية و سلبية من نشطاء هذا التيار،والحركة الأمازيغية تعرف مخاضا عسيرا، اشتدت معه حدة التقاطبات السياسية البينية، كما تفاقمت التجاذبات الشخصية و الحساسيات الذاتية بين الفرقاء، وهو مخاض لا يزال مستمرا، لا تتوقف تفاعلاته عن ضخ المزيد من الإشكالات على الفاعلين في الحركة الأمازيغية تحديدا، وعموم الفاعلين في البلاد، بغض النظر عن مدى اتفاقهم أو اختلافهم مع أطروحات الحركة الأمازيغية.
ويمكن القول، أن الزخم المتولد عن صدور البيان الأمازيغي لمحمد شفيق داخل نشطاء الحركة الأمازيغية لم يكن زخما عاديا وبسيطا، فهو وإن طغى عليه التقاطب حول أطروحة التسيس وبناء الحزب الأمازيغي، إلا أنه في العمق أدى إلى خلخلة التوازنات الداخلية للحركة الأمازيغية من جمعيات ونشطاء، ونجمت عنه معطيات جديدة على مستوى طبيعة وتوجهات الحركة الأمازيغية من جهة، كما أفرز زعامات وقيادات "جديدة "داخل الحركة من جهة أخرى، بحيث أن المتتبع الدقيق لمجمل الخطابات الصادرة عن نشطاء هذه الحركة، سيلحظ تحولات عميقة بالمقارنة مع مرحلة ما قبل البيان الأمازيغي، أي ما قبل مارس 2000، وتفاعل هذا الزخم مع التطورات التي عرفتها السياسة العامة للدولة إزاء الملف الأمازيغي، بدءا من صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين في خريف 1999 وانتهاء بالإعلان عن تركيبة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في يونيو 2002، حتى أن عددا من الفاعلين-بما فيهم هيئات في الحقل الأمازيغي- أصيبوا بحالة من الذهول إزاء هذه التركيبة كما ضمرت قدراتهم الاستشرافية حول احتمالات تطور تعاطي الدولة مع هذا الملف. الخلاصة هي أن النظرة التي سادت وما تزال، إزاء هذه
القضية من لدن أغلب الفاعلين، تتسم بتبسيطية شديدة واختزالية غير واقعية فضلا عن ضعف كبير في ملاحقة تطورات هذا المشهد، بالشكل الذي تتكرر معه تجربة اليسار في فهم و تحليل و مواكبة ظهور وتبلور الحركة الإسلامية بالمغرب، سواء من حيث فهم حقيقة الحركة وطبيعة التحولات التي تعرفها وعلاقة الخاص المغربي بالعام العربي والإسلامي في تجربتها، والتوجهات المؤطرة لمسلكيتها السياسية والاجتماعية، والسياسات المطلوب صياغتها في التعامل مع الحركة، وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على مسار علاقة المجتمع السياسي عموما بالحركة الإسلامية، واليوم نجد الشيء نفسه يتكرر لكن بصيغ أخرى مع الحركة الأمازيغية، مع التنبيه على الفارق الكبير بين الحركتين.
و على الرغم من الجهد النوعي الذي بلورته عدد من فعاليات الحركة الإسلامية إزاء مختلف الابعاد التي يطرحها هذا الموضوع، إلا أن هناك حاجة ملحة لتحليل التطورات الراهنة للمسألة و استشراف مستقبل العلاقة على ضوء ذلك.
1. الحركة الإسلامية و الحركة الامازيغية: تطور العلاقة
لقد شكلت علاقة الحركة الأمازيغية مع مختلف المكونات والقوى السياسية والاجتماعية والثقافية بالبلاد أحد العناصر المحددة للمسألة الأمازيغية بالمغرب حيث أثرت طبيعة العلاقة والتحولات التي عرفتها بحسب كل مكون في بلورة أبعاد الإشكال الأمازيغي، سلبا وإيجابا كما يصعب فهم واستيعاب التطورات التي شهدتها الحركة الأمازيغية، إن على مستوى العلاقات البينية داخلها، أو على مستوى الأطروحات والاستراتيجيات المتداولة والصادرة عنها، بمعزل عن دراسة هذه العلاقة، و ضمنها العلاقة بينها و بين الحركة الإسلامية، بحيث أن دراسة وتحليل مستقبل العلاقة بين كل من التيار الأمازيغي والتيار الإسلامي تمثل أحد مداخل دراسة مستقبل القضية الأمازيغية بالمغرب ككل، ويمكن أن نشير هنا إلى أن تطور العلاقة بين الطرفين حكمته رواسب العلاقة بين بعض رموز الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية من جهة أولى، ومخلفات المرحلة الجامعية لعدد من القيادات حيث أنها شكلت الفضاء الأول للاحتكاك بين الأطروحتين من جهة ثانية، ثم تجربة الحوارات والندوات المشتركة التي سعت عدد من الجمعيات الأمازيغية وخصوصا الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وبعض الجمعيات
الموجودة في سوس إلى خوضها مع قيادات في الحركة الإسلامية من جهة ثالثة، فضلا عن الخلفية الإسلامية لبعض الرموز والقيادات الأمازيغية والتي وعت منذ البداية بضرورة فتح الحوار مع الحركة الإسلامية وعدم تقديم الطرح الأمازيغي كطرح مناهض للإسلام، وقد كشف ذ.حسين وعزي في كتابه عن "نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب" (الرباط 2000) أنه أثناء الإعداد لمشروع كتاب أبيض حول اللغة والثقافة الأمازيغيين في نهاية الثمانينات تم الاتفاق على مجموعة مواضيع منها موضوع "الإسلام والثقافة الأمازيغية" وتكلف به الأستاذ محمد شفيق، وقد اختزلت المواضيع فيما بعد في إطار ميثاق حول اللغة والثقافة الأمازيغية، إلا أن الملاحظ أن هذا المحور لم يكن مستقلا ضمن الميثاق كما صدر في 5 غشت 1991 (ص 128) من جهة رابعة .
من الناحية التاريخية فإن العلاقة بين التيارين قد مرت بثلاث مراحل أساسية، مرحلة التوجس والترقب وهي التي سادت إلى بداية التسعينات، ثم مرحلة التعايش والحوار والتي برزت في أواخر التسعينيات على إثر الحوار الذي دشنته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي مع الحركات الإسلامية وقد خلصت الجمعية في هذا الحوار الذي ضمها مع ممثلين لأهم مكونات الحركة الإسلامية في المغرب إلى أن "هذه الأخيرة عبرت عن أن الإسلام لا يتعارض في مبادئه مع الخصوصيات اللغوية للشعوب، وأن اللغة الأمازيغية ليست موضوع اعتراض مبدئي في ذاتها كلغة، شرط أن تكون حمولتها الفكرية إسلامية، بينما أكدت الجمعية بأن اللغة الأمازيغية باعتبارها مسؤولية جميع المغاربة بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والثقافية، قابلة لأن توظف في سائر مجالات التنمية والتوعية بما فيها المجال الديني. قد لاحظ الجميع وجود تقصير في استعمال اللغة الأمازيغية في الإرشاد الديني سواء على مستوى الصحافة أو في خطبة الجمعة أو التأليف والترجمة وخاصة لمعاني القرآن على غرار ما تم في لغات الشعوب الإسلامية الأخرى" (بلاغ حول الحوار مع مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي حول
الأمازيغية الجمعية المغربي للبحث والتبادل الثقافي 22 5 1996)، و قد عرف تقديم نتائج الحوار مع عموم المكونات من طرف الجمعية نقاشا حول حصيلة الحوار مع الحركة الإسلامية، حيث اعتبر إبراهيم أخياط أن الجمعية ترفض "حصر اللغة و الثقافة الأمازيغيتين في ما هو إسلامي كشرط للاعتراف بهما و الدفاع عنهما،إنها كشأن كل اللغات ،بوسعها استيعاب كل الانتاجات الفكرية و المادية المرتبطة بالمجتمع الإنساني عامة و المجتمع المغربي خاصة ."،كما ذكر اعتراف الحركة الإسلامية" بالتقصير في استعمال اللغة الأمازيغية ضمن الخطاب الإسلامي خاصة داخل الفئات الاجتماعية الناطقة بالأمازيغية" و أحال على خطبة الجمعة و إصدار الاشرطة و ترجمة معاني القرآن و تبسيط المسائل الدينية و استعمال الأمازيغية في إعلام مكونات الحركة الإسلامية،أما أحمد عصيد فقد اختار زاوية أخرى للتعليق على هذا الأمر حيث ناقش مفهوم اللغة عند الإسلاميين و الدلالة الخاصة لهذا المفهوم عندهم و المرتبطة بتعريب الشعوب الأعجمية و وجود نوع من التفضيل للعربية في المشروع الإسلامي ،و أبرز أن من حق الإسلاميين ككل المغاربة استعمال اللغة الأمازيغية في عملهم ،و ختم بأن
"هذا المنظور الديموقراطي عندما يقوده حوار فإنه سينتهي بالضرورة إلى تفاهم حول نقط الالتقاء"(الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي -30سنة من العمل الثقافي الأمازيغي-ص152-153-الرباط1997)، وقد أضاف عصيد في معرض جوابه عن سؤال آخر في نفس الندوة أن الحركة الإسلامية تنبذ"المنظور العلمي للتاريخ "في إشارة إلى التمييز الذي يقومون به في الامازيغية بين ما هو وثني و ما هو إسلامي ، و أنه "بالنسبة إليهم يبدأ تاريخ المغرب فقط بمجيء الإسلام ، فماسينيسا و يوكورتن و الشخصيات المغربية المشهورة في التاريخ و التي لها حضارتها تعتبرهم الحركة الإسلامية و ثنيين "(نفس المرجع السابق ص 169).
و في نفس المرحلة صدر عدد خاص من مجلة الفرقان ذات العلاقة مع حركة التوحيد و الإصلاح و ذلك في موضوع"الحركة الامازيغية بين الذات و الاستيلاب"(الفرقان-عدد38-1997) تم الانفتاح فيه على عدد من نشطاء الحركة الامازيغية و كذا مخالفيهم،وقدم الأبعاد المميزة للموقف الحركي الإسلامي بالمقارنة مع مواقف التيارات القومية أو الأمازيغية .
ثم تطور الأمر في مرحلة ثالثة في اتجاه المفاصلة والتمايز، مع بعض الاستثناءات وهي المرحلة التي انطلقت مع صدور كل من كتاب ذ. عبد السلام ياسين المعنون ب"حوار مع صديق أمازيغي"(1997-مطبوعات الأفق-الدارالبيضاء) و الذي نشر لحوار تم كتابة بين كل من ذ.محمد شفيق و ذ.عبد السلام ياسين ابتدأ بمراسلة لذ.محمد شفيق في 1995 ،وبعده كتاب ذ. محمد عصيد المعنون ب"الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي-حوار حول إشكاليات المرجعية الدينية و العلمانية و المسألة اللغوية"(منشورات الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي-1998)، فضلاعن صدور دراسة ذ.المصطفى المسعودي"الأمازيغية و الإسلام في المغرب" بجريدة الجسر عددي 34و36 و التي اتسمت بالدعوة إلى بناء خطاب أمازيغي إسلامي قدوته طارق بن زياد و يوسف بن تاشفين والمهدي بن تومرت وأبو الحسن اليوسي وعبد الكريم الخطابي والمختار السوسي في مواجهة "أمازيغية كسيلة بصيغتها الجديدة التي تميل إلى البحث عن أطلال لهوية متخيلة في الزمن الوثني الذي اندثر، و تسقط بجرة حكم جائر أربعة عشر قرنا من التاريخ الأهلي الإسلامي للامازيغ، وهي تقدم علانية ولاءها الكامل للخصم الحضاري التاريخي المتمثل
في فرنسا،بل و تمد يد الوصال إلى شذاذ الآفاق من الصهاينة المجرمين، و بالمقابل لا تتورع أمازيغية كسيلة هذه عن التنكر للارتباط بالحضارة العربية الإسلامية و الدفع بعلائق التوترصعدا مع المحيط الأهلي و مكوناته البشرية و الثقافية و تسعير النعرات القبلية العشائرية و التهجم على لغة القرآن و المكون العربي و الحركة الإسلامية و أحيانا الإسلام نفسه"(ذ.المصطفى المسعودي"الأمازيغية و الإسلام في المغرب-من أجل خطاب بديل خط الهوية:طارق و كسيلة" جريدة الجسر 36-1997) حيث اتخذت العلاقة بعدا صداميا و صراعيا لم يتطور إلى أشكال عملية بل بقي في الحدود اللفظية،مع الإشارة إلى أن إرهاصات التصادم برزت قبل ذلك و خصوصا في الساحة الجامعية أو بمناسبة بعض خطب الجمعة التي يتطرق فيها بعض رموز الحركة الإسلامية للموضوع الأمازيغي،مثل ما حصل مع خطبة ذ.عز الدين توفيق في أواسط نونبر 1994 و التي أصدرت على إثرها الجمعية الجديدة للثقافة و الفنون الشعبية-فرع الدار البيضاء بيانا "استنكاريا" و تلاه توضيح نقذي لد.عز الدين توفيق في جريدة الراية (عدد128-10يناير1995) ، وقد قدم هذا الحدث مؤشرا على غياب توافق بين مكونات الحركة الأمازيغية
إزاء الحوار مع الحركة الإسلامية، وأن مبادرة الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي لا تتوفر على قبول وازن داخل التيار الأمازيغي،بل إن حتى من داخل الجمعية نفسها كان هناك معارضون لهذا التوجه المنفتح على الحركة الإسلامية.
2-أبعاد المواقف المؤطرة لمرحلة المفاصلة:
سبقت الإشارة لبعض الحيثيات و الخلفيات التي ارتبطت بانتكاس مسلسل الحوار بين التيارين و دخول العلاقة بينهما مرحلة مفاصلة و تمايز و اصطدام بحسب مكونات كلا الطرفين، و يمكن القول إن كتاب ذ.عبد السلام ياسين "حوار مع صديق أمازيغي "لعب دورا أساسيا في ذلك لاسيما بعد صدور كتاب ذ.أحمد عصيد "الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي"و الذي عمل صاحبه على الرد علي كتاب ذ.عبد السلام ياسين بالأساس و نقذ الأفكار الواردة فيه.
في كتاب "حوار مع صديق أمازيغي "نجد منزعا لتفكيك جوهر "الدعوة الأمازيغية" و عدم الاكتفاء بمناقشة قضايا اللغة و الثقافة، و يذهب إلى تحليل ما بعد الحسم في هذه القضايا انطلاقا من رؤية إسلامية واضحة، وسننطلق من هذا الكتاب كأرضية لاستجلاء مجموع العناصر التي أطرت الموقف الحركي الإسلامي بالمغرب إزاء الحركة الأمازيغية، مع التنبيه على أن عموم التنظيمات الإسلامية لم تعلن اتفاقها الصريح مع مختلف مضامين الكتاب.
و من خلال تتبع الكتاب يمكن التوقف عند المواقف التالية:
-إن كنت -موجها الخطاب لمحمد شفيق-تأخذ على القومية العربية، و على النعرات العروبية و الدينية المحلية ،ازدراءها للناس،و طغيانها،و ظلمها،و بخسها أشياء الناس،فأنا آخذ عليها زيادة على ذلك استكبارها في الأرض و عتوها و إلحادها.(...)ترتبط في اعتبار المسلم الحيثيات السياسية بالحيثيات الإيمانية في الحكم على القومية العربية الملحدة.(ص67).
-هذه الثقافة المائعة المميعة ضرة للغة القرآن الحاملة رسالة القرآن.سواء هي الأمازيغية الهازجة الراقصة و اللغة العربية اللفظ الماجنة المحمول في الضرار.ما هما إلا خادمتان للسدة العلية لغة الأسياد المثقفين المستعمرين(ص83).
-إن الله عز وجل منزل الكتاب و مخاطب أولي الألباب هو المتكلم بالقرآن. القرآن كلامه، وكلامه صفته: مقدس في مقدس. هو سبحانه المتكلم بالقرآن، وعاء كلامه القدسي اللفظ العربي، والتركيب العربي، والبلاغة العربية. دخل اللفظ و البلاغة و التركيب في نطاق المقدس مادام الفظ لفظ القرآن،و التركيب آيات القرآن،و البلاغة بيان القرآن. فإذا كتبت أن من كفر باللسان العربي فقد كفر بالله، فإنما أعني لغة القرآن و آيات القرآن(ص97).
-و ما يشعرنا أن الثورة الثقافية الأمازيغية، والسياسة الثقافية الأمازيغية، لن يطلق بعضهم من خلالها الخلق والدين، و لن تفضي الثورة الثقافية الأمازيغية بالمسلمين المغاربة إلى صراع ونزاع، لن يصبح الخصام اللغوي صراعا على البقاء و الوجود، و حربا أهلية يريد مسيسو الثقافة الأمازيغية و مسيسوها أن يجندوا لمعاركها و مواقعها الأجيال بتعميم اللغة الامازيغية و ترسيمها في المدارس(ص98-99).
-لم تتعرب من المسلمين شعوب فيما مضى، و إن في تحديات العدوان الشامل المستكبر الحاضر، و في آمال قوة و قدرة لا سبيل إليها إلا بوحدة، ما يدفع المسلمين العجم و العرب لتبني لغة القرآن التي جمعت قلوبهم على كلمة الإيمان و التقوى لتجمع قلوبهم على جهاد تحديث اللغة العربية و ترويضها لتحمل أسرار العلوم الكونية و خبرات التجارب البشرية،ولتصبح اللغة العالمية المنافسة في كل الميادين، الجديرة بحمل رسالة الله إلى الإنسان المودعة في اللسان العربي المبين،في كتاب نزل به الروح الأمين.(ص111).
-و ما لعبها-أي الأمازيغية الثقافية-،و لعب العربوفونية القومية اللادينية،في ساحة المحجورين المهمشين عن ميدان الفعل و التصرف إلا تسلية و سلوان.و اللغة السيدة بالفعل هي اللغة الإفرنجية المسيرة للإدارة و الاقتصاد و دواوين الدولة(ص133-134)
-أما أن تتقاتل فيما بيننا،نحن المسلمين،و تزدوج، و تتثلث،و تتربع،لغات و لهجات فذلك التمزيق المميت.تفضي الازدواجيات المتقاتلة إلى ازدواجية في الولاء، و يفضي ازدواج الولاء عاجلا أو آجلا إلى خصام كالذي نشاهده في بلجيكا و كندا حيث تتصارع لغتان و ثقافتان،و حيث يطلب الفلامانيون البلجيك الانفصال الكلي عن الفرنكفونيين الوالون البلجيك، و حيث يحتكم الكنديون في كيبيك إلى صناديق الاستفتاء ليستقلوا استقلالا كاملا و نهائيا عن الدولة الكندية المزدوجة اللغة مبدئيا،الأنجلوفونية عمليا و سياديا.(ص135).
-الصلاة أولا .ثم نتابع الحوار مع أمازيغيين يصلون .أو نعلم من ينكر أن الصلاة من الإسلام فنحاوره أيضا لكن من منطلق آخر.أو يسوف أمازيغي و يقول :الله يهدينا.أو يحرن أمازيغي و يقول:ما دخل الصلاة في الحوار بين الناس؟أويداري و يماري أمازيغي منافق في الدين فنحمل جعجعته و احتجاجه على أنه مسلم من قبيل الشعارات السياسية الكئيبة.مثلت بالأمازيغي لأننا بصدد الحوار مع الأمازيغيين.و للعربي الأعرابي القومي العروبي المنكر و الجاحد المسوف المنافق أقول أشد من هذا و افصح(ص 172).
-لكن أن يرفع راية التفرقة بين المسلمين نبهاء من الناس من أعراب عروبيين قوميين،أو شلوح أمازيغيين يدعو كل فريق منهم بدعوى الجاهلية، فهذا مروق عن الدين و إحداث في الدين.و هذه واضحة الإسلام.(ص 186).
-لكن المثقفين البربر المعتزين بأمجاد الجاهليين الأمازيغ هم حملة لواء الأمازيغوفونية.و أنتم المسلمين المصلين المعتزين بطارق و ابن عبد الكريم الناطقين بلغة الأجداد البربر هوامش في الجمهور البربري(ص194).
-لا يعني التنصل من العبية التبرؤ من انتماء المرء لشعبه و قومه.بل الانتساب السليم إلى القوم و الشعب و اللغة و الآصرة تشد من كيان المسلمين كما تشد العبية الجاهلية جموع جهنم و جثاها.(ص196).
-ألا و إن قطع حبال الجاهلية لا يعني إنكار الرجل المسلم و المرأة المسلمة لغة قومها.لايعني قطع رحم في الشلوح و الامازيغ و الريف.بل صلة الرحم مطلب أساسي من مطالب الإسلام. والألفة مع القرابة والناطقين بلغة الأقارب شأن من شؤون الفطرة السليمة يوظفها الإسلام التوظيف السليم لتكون رابطة تقوي رابطة الإسلام .فإن نازعتها و غلبت عليها و أحببت الامازيغي الكافر و الشاك في دينه و كرهت العربي المسلم فما إسلامك إلا خدعة تخدع بها نفسك (ص200-201).
-لاينكر الإسلام البناء القبلي و العرف و اللغة ما دامت لا تناقض الإسلام. بل يشجع روابط العرف و اللغة و القوم إن كانت تفتل في حبل القوة الإسلامية و تشد من عضدها. فهل من طارق بن زياد فيكم يا أخوالي الشلوح ،يا بني عمي الأمازيغ ، يا أسد الريف المجاهدين؟ (ص202) .
تمثل هذه المواقف الأرضية العامة المشتركة والتي نجدها بصيغ مختلفة في الخطاب الحركي الإسلامي تجاه الأمازيغية وذلك بغض النظر عن الأسلوب المعتمد في إخراجها والتعبير عنها من طرف الأستاذ عبد السلام ياسين والذي كان خطابا دعويا أكثر منه خطابا علميا جافا. دون أن يطعن هذا في البناء الاستدلالي له، مع الإشارة إلى أن الصراحة الحادة والمستفزة أحيانا والتي لا تلجأ إلى الالتواء أو المناورة أو التدليس في الحوار مع الآخر، عاقت الفهم السليم لأطروحاته عند عدد من نشطاء الحركة الأمازيغية، وهذا لا يمنعنا من التأكيد على أن تطورات الخطاب الثقافي والسياسي الأمازيغي بالمغرب أكدت صحة غالبية الأفكار الواردة فيه.
وبشكل مركز فإن هذه المواقف عملت على التمييز بين المسألة الأمازيغية والحركة الأمازيغية واعتبار السمة الغالبة في هذه الأخيرة أنها تصبغ حمولة إيديولوجية لا علاقة لها باللغة والثقافة الأمازيغيين، كما أوضحت الموقف الإيجابي لقضايا اللغة والثقافة والعرف الأمازيغيين. وحددت بدقة عناصر الخلاف مع الحركة الأمازيغية ممثلة في هواجس العصبية العرقية والقومية اللغوية والهوية القبلية وانعكاسات ذلك على الوحدة الوطنية، وكشفت جوهر التناقض القائم على مستوى المقابلة الصراعية المزعومة في الخطاب الأمازيغي بين اللغة العربية واللغة الأمازيغية، لا سيما في ظل التوظيف الغير السليم لدلالة كون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم.
وعلى الرغم من أهمية النقد الذي أصدره أحمد عصيد حول هذا الكتاب والجهد الذي بذله في تقديم أطروحة مضادة تعمل على تفكيك عناصر الخطاب الإسلامي إزاء الأمازيغية والمسألة اللغوية ككل، إلا أن الملاحظ هو عدم تمكن الكتاب من استجلاء العناصر العميقة للموقف الحركي الإسلامي من الطرح الأمازيغي في المغرب وباستثناء بعض الملاحظات القيمة فإن الكتاب سقط في إطلاق أحكام إطلاقية أعاد فيها إنتاج الخطاب الماركسي والعلماني والقومي المشرقي تجاه الحركة الإسلامية، كما سقط في بعض التعميم والتعسف في عرض مواقف بعض الإسلاميين حتى أنه أغفل التعرض للعناصر الإيجابية في الموقف الإسلامي مما جعله ردا انفعاليا في بعض فقراته، ودفع البعض إلى اعتبار الكتاب مغاير للتوجه الذي سارت عليه الجمعية عند تدشين الحوار مع مكونات الحركة الإسلامية لاسيما عند المقارنة بين الكتاب وبين البلاغ الصادر عن الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي والمشار إليه آنفا.
3-الهوية الأمازيغية كمحدد مركزي:
تعد قضية الهوية المغربية جوهر الخلاف القائم بين كل من الحركة الإسلامية و الحركة الأمازيغية ،و هو خلاف يتجاوز مسالة الاعتراف باللغة و الثقافة الأمازيغيين بل و يتجاوز حتى الاعتراف بالأعراف الأمازيغية كمصدر للتشريع في المناطق الأمازيغية،و حسم موقع البعد الأمازيغي ضمن الأبعاد المختلفة للهوية المغربية يمثل
ودون أن نغوض في تفصيلات "التحولات الفكرية" في الخطاب الأمازيغي، فيمكن التوقف فقط عند التعاطي الذي بدأ يبرز إزاء طبيعة الهوية المغربية، ففي البداية اتسم الخطاب الأمازيغي بالدفاع عن هوية متعددة الأبعاد تتمثل في كل "البعد الأمازيغي والبعد الإسلامي والبعد العربي والبعد الإفريقي والبعد الكوني وهي أبعاد لا يمكن اختزالها في بعد أو نموذج واحد على حساب الأبعاد الأخرى ويظهر تكامل وانصهار هذه الأبعاد كلها في اللغة والفكر والعادات والتقاليد ومظاهر الحضارة من عمران وفنون وآداب وغيرها من الجوانب الحياتية للإنسان المغربي". (ميثاق أكاديرحول اللغة والثقافة الأمازيغيين بالمغرب غشت 1991). والآن نجد أن عددا من الفاعلين في خطاب الحركة الأمازيغية يتحدث عن "الجوهر الأمازيغي" للثقافة المغربية وأن بقية الأبعاد ليست إلا مؤثرات وافدة كما جاء في مشروع الورقة الثقافية التي قدمت للمؤتمر الأخير لجمعية تاماينوت (4 5 أبريل 2002) وأنها هوية ترتكز على الأمازيغية فهي العنصر الرئيسي في تشكيل هوية المغاربة كما طرح محمد بودهان (عضو معين في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) في مقال سابق له بجريدة "تاويزا" عدد 75 يناير
2002 وذلك في معرض رده على عبد الحي المريني. والأمر نفسه تكرر في بعض الأوراق التي قدمت لليوم الذي نظمته اللجنة الجهوية للبيان الأمازيغي شمال المغرب بالناظور في 42 مارس 2002، فمثلا ورد في ورقة بعنوان "الحزب السياسي بين الضرورة والأزمة" من إعداد كل من محمد بالي، الحسين الإدريسي، أبو بكر الصالحي "مجتمع واحد وهوية واحدة بألوان مختلفة: نعارض بشدة بعض المقولات التي ترى بأن المغرب ذو ثقافات وأبعاد مختلفة ويذكرون في ذلك البعد العربي الأندلسي الإفريقي الأمازيغي نحن نرى أن للمغرب ثقافة واحدة وهوية واحدة هي الأمازيغية، إن ما يسمى بالثقافات المتعددة من عربية وأندلسية وإفريقية وما هي إلا تأثيرات وعناصر صغرى عملت الهوية الأمازيغية إلى استيعابها وعجنها عوض الخضوع لها، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن تقف تلك العناصر الثقافية أمام الهوية الوطنية الأمازيغية، لأن الأخيرة محلية وقوية متنوعة أما الأخرى فوافدة منضمة". كما لا نعدم وجود مقالات وتصريحات تتحدث عن الشعب الأمازيغي المغربي وعن تمزيغ المغرب. وهذا في تقديري يمثل تحولا دالا في مسار الخطاب الثقافي والفكري الأمازيغي بالمغرب، ويطرح بالتالي تحديات
حقيقية إزاء قضايا القومية والوحدة والتجزئة، ذلك أن أي طرح يعمل على تفسير بقية الأبعاد المكونة للهوية المغربية بالنظر لبعد واحد يسقط من حيث أن يدري أو لا يدري في الطرح القومي الشوفيني في صيغته الأمازيغية، كما لا يعني هاجس الوحدة والتجزئة في تحليل انعكاسات هذا الطرح على المستوى السياسي والاجتماعي السقوط في دعوى التفرقة داخل المغرب، بل الأمر أكبر من ذلك لأن طرحا من هذا القبيل سيؤدي بالتبع إلى فصل المغرب عن العمق العربي والإسلامي، فضلا عن أن الطرح الهوياتي الأمازيغي ليس إلا قاطرة للتسربل بالطرح العلماني، بحيث أن مشروع تمزيغ المغرب لا يمثل إلا الوجه الآخر لمشروع علمنته، وهو ما يفسر حماس بعض الأمازيغيين لمسألة المقابلة الحادة والنزاعية بين العربية والأمازيغية والتي لا يقابلها نفس الحماس عند طرح التقابل بين الأمازيغية والفرنسية، ،و يمكن العودة إلى نص المشروع الذي طرحه أحمد الدغرني تحت عنوان "البديل الأمازيغي"-مشروع الأطروحة السياسية الأمازيغية و نشرت مؤخرا في جريدة منار الشمال-عدد35--15يونيو2002،حيث تضمنت مايكفي من الشواهد على المواقف الآنفة الذكر. بحيث أن أصحاب الطرح الوطني الإيجابي في
نظرته لقضايا الإسلام و اللغة العربية والمستوعب لوجود نزوعات متطرفة و لها قابلية التوظيف الأجنبي ،أصبحوا أقلية داخل التيار الأمازيغي.
والحاصل أن كلا البعدين القومي والعلماني في الطرح الهوياتي الأمازيغي هما بعدان طارئان لا يمتلكان أية جذور حضارية وتاريخية، وهو ما جعل الخطاب الأمازيغي يتسم بفقر تأصيلي وتكلس تنظيري إزاء هذه المسألة، بل إنه في مواجهة الخطاب الإسلامي والدفاع عن مقولات العلمانية لجأ إلى استنساخ الخطاب الماركسي والقومي المشرقي وتوظيف مفرداتهم ومقولاتهم في ذلك، ونفس الشيء حصل مع التوجهات الأمازيغية الداعية إلى الانطلاق من مفهوم الشعب الأمازيغي مرتكزين في ذلك على الإعلان العالمي الخاص بالشعوب الأصلية، واعتبار الأمازيغ في المغرب بمثابة شعب أصلي،مع الإشارة إلى المعارضة القوية لهذا التوجه من لدن بعض قيادات الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي .
وهذه الإشكالية المرتبطة بتصريف الخطاب العلماني والقومي من داخل المسألة الأمازيغية تمثل جوهر الخلاف بين الحركة الإسلامية بالمغرب والحركة الأمازيغية على الرغم من أن درجة الوعي بالأبعاد العميقة للجانب الهوياتي في المسألة الأمازيغية والتفاعل مع ذلك هي متباينة في صفوف نشطاء الحركة الأمازيغية، وهو تباين حكم ويحكم جزءا مقدرا للتعددية الموجودة داخل الحركة، كما رهن آفاق تطورها وامتدادها الثقافي والسياسي والاجتماعي.
4. الحركة الإسلامية والمسألة الأمازيغية: أي مستقبل؟
يمكن القول بداية إن تفاعل الحركة الإسلامية مع التطورات الحالية في المشهد الأمازيغي هو تفاعل محدود لم يرق إلى درجة التأثير في هذه التطورات ولعب دور أساسي في توجيهها بل كان في موقع المتابع عن بعد، إلا أننا نعتبر أن المستقبل سيعرف بروز التقاطب الإسلامي الأمازيغي بالنظر إلى المضامين "الجديدة" في الخطاب الأمازيغي والتي ستدفع نحو تدافع حاد بين الطرفين.
يتسم الوضع الراهن للعلاقة بنوع من المفاصلة و التمايز و الصدام النسبي المتحكم فيه، لاسيما بعد بروز مواقف صريحة داخل الحركة الأمازيغية تجاه الحركة الإسلامية من جهة، وانكشاف عمق الخلاف إزاء بعض القضايا المركزية في المسألة الأمازيغية من قبيل قضية الحرف واعتبار الحرف اللاتيني وما يعتبره البعض "العالمي" هو الأساس في كتابة اللغة الأمازيغية مثلما ورد في افتتاحية جريدة "تاويزا" عدد 56دجنبر 201 حول ظهير إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حيث علقت على مسألة الحرف "الذي سيقرره المعهد لكتابة الأمازيغية" فبعد أن اعتبرت أن الظهير سكت عن القضية وترك الحسم فيها للمعهد مكتفيا في فصله الثالث بالإشارة إلى دراسة التعابير الخطية الكفيلة بتسهيل تعليم الأمازيغية، ذكرت أن "هناك من يرى في هذه الإشارة تلميحا ضمنيا لاستعمال الحرف اللاتيني على اعتبار أن هذا الحرف هو الذي يسهل تعلم الأمازيغية كما أثبتت الممارسة ذلك عند دول سبق لها أن باشرت تدريس الأمازيغية كالنيجر ومالي والجزائر بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى" كما استنتجت الافتتاحية من البند السابع من الفصل الثالث من الظهير والذي يتحدث عن إقامة علاقات تعاون مع
الهيئات والمؤسسات الوطنية والأجنبية المهتمة بالشأن الثقافي والعلمي والسعي إلى تحقيق أهداف مماثلة، أن هذا الكلام قد يستنتج منه "دعوة إلى استعمال الحرف اللاتيني مادامت كل الهيئات والمؤسسات الأجنبية الساعية لتحقيق نفس الأهداف أي المهتمة بتنمية الأمازيغية تستخدم الحرف اللاتيني وبالتالي لا يمكن التعاون معها أو إفادتها والاستفادة منها إلا إذا كان المعهد يستعمل هو أيضا الحرف اللاتيني في كتابة الأمازيغية" بل إن الافتتاحية التي حررها محمد بودهان عضو المعهد، ذهبت إلى حد اعتبار أن "اختيار المعهد للحرف اللاتيني أو العربي سيكون علامة بارزة تكشف عن ما يراد بالأمازيغية وللأمازيغية وعما يراد للمعهد أن يريده بالأمازيغية وللأمازيغية، كما سيجيب ذلك الاختيار على كثير من الأسئلة تتعلق بالجدية والصدقية وحسن النية في النهوض بالأمازيغية... ففي مسألة الحرف يجب التمييز بين الحرف الذي يخدم الأمازيغية ولا شيء غير الأمازيغية، وهو الحرف اللاتيني، وبين الحرف العربي الذي يخدم بعض المواقف حول الأمازيغية، وليس الأمازيغية ذاتها. فمعركة الحركة الأمازيغية إذن قد تنتهي مع إقرار الحرف اللاتيني أو قد تبتدئ مع فرض الحرف
العربي".
وقضية الحرف التي تمثل حجة قوية في الخطاب الإسلامي للتدليل على النزوعات غير البريئة لبعض الدعاة الأمازيغيين ،مازالت محط نقاش علمي أكاديمي لم يستطع إثبات دعوى صلاحية و أفضلية الحرف اللاتيني للغة الأمازيغية هو ويمكن هنا الإحالة فقط على فشل التجربة الجزائرية في تعليم الأمازيغية بالحرف اللاتيني فضلا عن النقاشات العلمية التي كانت في بداية التسعينات في المغرب بين أنصار الحرف اللاتيني وأنصار الحرف العربي.
أثرنا هنا فقط مسألة الحرف المعتمد في كتابة وتدريس اللغة الأمازيغية، وذلك بشكل مختصر لنكشف حجم الصدام المستقبلي الذي سيتفجر حول تدبير النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيين حيث سيجد كل تيار نفسه في مواجهة التيار الآخر.
بالإضافة إلى ذلك فإن التقدم أكثر في كشف الوجه العلماني والقومي للطرح الأمازيغي سيعمق هو الآخر إسفين المفاصلة بين الحركتين ،لاسيما إذا ما استغل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لصالح أطروحات التوجه الق،مي ، العلماني ،وسيدفع الحركة الإسلامية إلى بلورة استراتيجيتها الخاصة إزاء المسألة الأمازيغية، استراتيجية تقوم على التوجه مباشرة نحو الناطقين بالأمازيغية وتطويرالخطاب الذي بلورته منذ أواسط التسعينيات لمواجهة الطرحين العلماني والقومي دون أن يكون ذلك على حساب اللغة والثقافة الأمازيغيين.
مصطفى الخلفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.