عرف علماء النفس الخوف بأنه انفعال سلبي يتمثل في الاستجابة السلبية لمؤثر يتجسد بصورة تهديد لوضع قائم، وهذا الوضع القائم، الذي يخشى (الخائف) على تدهوره، هو الذي يشجع (المُخيف) على استعمال (لعبة البعبع) ليوقف عملية التفكير في التغيير والحلم بوضع أفضل. والغريب العجيب حقا أنها لعبة لها شعبيتها، بل إنها عبرت جميع القارات والدول والمؤسسات والتيارات والحساسيات بدون استثناء. الهدف واحد لا ثاني له: المحافظة على الوضع القائم، لأنه بكل بساطة يصب في مصلحة القائمين عليه، وما دامت الفزاعة تطرد الأفكار التغييرية والإصلاحية، فإن تحريكها في الوقت المناسب له ما بعده، ويفعل فعله في النفوس (المستجيبة) سلبا. فلعبة البعبع إذن يستعملها الحكام والسياسيون والمتنفذون والمسؤولون وأرباب العمل ورؤساء الأقسام وأولياء الأمر والأقوياء...! وهكذا تخيف أمريكا شعبها ببُعبع الإرهاب ليعطل حاسة النقد لسياسات بلاده الحمقاء، ويستمر مرغما في دفع الضرائب بحجة انخراط بلاده في حرب لاهوادة فيها على ما يسمىالإرهاب، وترفع واشنطن فزاعة الديمقراطية أمام الأنظمة العربية لتستجيب هذه الأخيرة-مفزوعة- حتى تحافظ على كراسيها الوثيرة، وما مصير زميل لهم عنا ببعيد، والنموذج الأمثل هو الاستجابة الاستباقية التي قدمها زعيم ثائر، وها هو يفكر في تغيير اسم بلاده ليحافظ على وضعه القائم. إنها نفس اللعبة يستعملها الكبار والصغار، المتقدمون والمتخلفون، التقدميون والرجعيون، المتطرفون ورموز المعتدلين... ولكن ما يجهله أو يتجاهله المرعوبون المختفون وراء بعبع الخوف، هو أن الفزاعة التي يستعملونها ضد غيرهم لا روح فيها، ويكفي أن يكتشف العصفور الذكي هذه الحقيقة ليدل الأسراب للوصول إلى أهدافها دون عناء، وبشيء قليل من الذكاء ينقلب هاجس الخوف إلى سخرية واستهزاء. وما يجهله أو يتجاهله الخائفون على أوضاعهم ومراكزهم الحساسة، هو أن حاجز الخوف ليس صلبا وأنه لا يكفي لحماية من وراء الفزاعة. ووحدهم الأحرار والمناضلون الشرفاء والمقاومون والاستشهاديون، الذين اكتشفوا زيف الفزاعة وأرهبوا من وراءها وأقضوا مضاجع الظالمين، بمستوياتهم المتعددة. إن سر نجاح المقاومة هو تحطيم حاجز الخوف، واعتبار الأضرار طبيعية في كل تغيير نحو الأفضل، بل هي مجرد ثمن بسيط للوصول إلى الأهداف السامية المنشودة، ويرتقي المقاومون درجات التضحيات من التضحية بالجهد والأموال والأوقات إلى التضحية بالنفس. ومن الحقائق التي يكشفها علم النفس تلك الحقيقة القائلة بأن ما يؤذي الانسان حقا هو الشعور بالخوف، وليس ما يخاف منه، فالخوف من الشيء أقسى بكثير من الشيء ذاته. ولما كان البعبع يتجسد (في البيت والشارع والعمل) في العصا وسلب الحريات والتهديد بقطع الأرزاق، فإن علماء النفس يشرحون آثار ذلك بأن للخوف مردود سيء على أداء الانسان خلال حياته العادية والمهنية، وقال بعضهم: إن الخوف في العمل هو حالة تهديد حقيقي لمشاعر الموظفين وهي تعكس بيئة العمل في المؤسسة، ولم ينس أن يشير إلى كيفية القضاء على الخوف، وذلك:بخلق بيئة صحية تعزز العلاقات بين العاملين وترسي علاقات الثقة والتفاهم والعمل على تعميم مفاهيم الجودة وعدم المحاسبة على نتائج الأخطاء قبل معرفة أسبابها ودوافعها، وكذا اتباع سياسات التكريم والتحفيز كونها تساعد وبشكل كبير على اقتلاع أسباب الخوف. وما لم يفسره علماء النفس المحدثون هو الدافع الذي يجعل أم طفلين أحدهما رضيع تضع روحها على كفها، وتلقى عليهما نظرة الوداع وتنفجر وسط أعدائها، إنه تحطيم حاجز الخوف في أبهى صوره، والتخلص من غريزة البقاء في أروع تجلياته، والاستهزاء بأصحاب الفزاعات الأقوياء في أجمل تمظهره. وبكلمة: إن من يحطم حاجز الخوف يصنع التاريخ، ويلجه من أوسع إسماعيل العلوي