لا شك أن لحظة الإعلان عن استقلال، كانت بمثابة انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة، لبناء الدولة المغربي، سلطة ومجتمعا، أكيد أن الاستقلال لم يكن غاية لذاته، وإنما كانت وسيلة لبناء دولة الاستقلال محمد ضريف( أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية): القضايا السياسية الكبرى التي طرحت بعد الاستقلال لم يحسم فيها بعد لا شك أن لحظة الإعلان عن استقلال، كانت بمثابة انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة، لبناء الدولة المغربي، سلطة ومجتمعا، أكيد أن الاستقلال لم يكن غاية لذاته، وإنما كانت وسيلة لبناء دولة الاستقلال، فمحمد الخامس رحمه الله حاول أن يرسي دعائم هذه الدولة، سواء من خلال المؤسسات التي أقامها، أو من خلال مجموعة من القوانين التي أصدرها، خاصة قانون الحريات العامة في 1958, والقانون الانتخابي 1959, وكان قد وعد في خطاب وكان قد وعد في خطابه 24 ماي 1960 عزمه تزويد المغرب بدستور قبل متم 1962, فكثيرا من القضايا التي طرحها محمد الخامس، تم الاهتمام بها في عهد خلفه الحسن الثاني، خاصة على مستوى تزويد البلاد بدستور 1962, فأنا أعتقد أن القضايا الأساسية التي طرحت على عهد محمد الخامس، كانت ترتبط إما بالمسألة الدستورية، أو بتكريس الحريات العامة، أو مؤسسات تمثيلية منتخبة بشكل حر. بالنسبة للمسألة الأولى: أعتقد بأن المغرب عرف مجموعة من الدساتير ابتداء من دستور 1962, مرورا بدساتير 1970 و 1972 و1992 وانتهاء بدستور 1996, وكان هناك نقاشا دائما حول طبيعة هذه الوثيقة الدستورية، وكانت بعض القوى الوازنة في المغرب، تطالب دائما بتعديل الوثيقة الدستورية، في أفق توسيع اختصاصات الحكومة، وإقامة مؤسسات ذات فعالية لتكريس نظام ديمقراطي، وأكيد أنه منذ 1962 إلى الآن، لم ينتهي هذا النقاش إلى اليوم حول هذه المسألة. المسألة الثانية: ارتبطت بضرورة توسيع الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية العمل السياسي، فالملك محمد الخامس كان دائما يحاول أن يكريس التعددية الحزبية في المغرب سواء في العهد الملكي لسنة 1958, أو في ظهير الحريات العامة لنفس السنة، وهي تعددية كانت في البداية مضمونة بنص القانون، ثم أصبحت مضمونة بدستور 1962, إلى آخر دستور 1996, لكن دائما كان هناك نقاش حول طبيعة هذه التعددية بالمغرب وضرورة عقلنتها، وأكيد أن الاقتناع أصبح كاملا في مغرب 2005, بضرورة إصلاح العمل الحزبي والهيئات الحزبية، ونحن وصلنا الآن إلى الصيغة النهائية التي صادق فيها مجلس النواب، والذي سيدخل حيز التنفيد بعد مصادقة مجلس المستشارين عليه وإعطاء المجلس الدستوري رأيه في مقتضياته، ونشره في الجريدة الرسمية. أما المسألة الثالثة: تتعلق بالمسلسل الانتخابي وتشكيل مؤسسات منتخبة بشكل ديمقراطي، فكان هناك نقاش حول طبيعة الانتخابات ورغبة السلطة السياسية التحكم في التمثيلية البرلمانية، ثم تطورالاقتناع شيئا فشيئا، إلى أن وصلنا إلى محطة 2002, بحيث كان هناك شبه اتفاق على أن هذه الانتخابات كانت أفضل من سابقاتها، سواء على مستوى الأداء أو نمط الاقتراع الذي تم إقراره، بحيث تم اعتماد لأول مرة الاقتراع النسبي، على أساس أكبر بقايا، بدل الاقتراع الأحادي الإسمي في دورة واحدة، أكيد أنه بعد تطبيق هذا النمط الجديد، وبعد الانتقادات التي وجهت إلى الكيفية التي مورس بها، هناك نقاش دائما حول ضرورة اعتماد قانون انتخابي بما في ذلك نمط اقتراعي جديد، يمكن أن يساهم في تدعيم الممارسة الديمقراطية، وكذلك تشكيل مؤسسات منتخبة، وأكيد أن الملك محمد السادس في خطابه الافتتاحي للدورة البرلمانية الأخيرة، أكد على ضرورة تعديل القانون الانتخابي في السنة المقبلة، أعتقد أن هذه هي القضايا الأساسية التي طرحت مباشرة بعد استقلال المغرب والتي لا زال المغاربة يبحثون عن كيفية إيجاد حلول ناجعة لها. الدكتور عمر الكتاني( أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس- أكدال الرباط): المغرب لم يبلور بعد استراتيجية للنمو التحولات الاقتصادية التي عرفها المغرب، كانت لها نتائج سلبية، والوضع الاقتصادي للمغرب بعد مرور 05 سنة على الاستقلال، لا زال يواجه صعوبات وتحديات، ترتبط من جهة بضعف قدرته التنافسية في السوق العالمية، وكذا تحديات الشراكة والانفتاح، سواء مع المجموعة الأوربية والولايات المتحدةالأمريكية، أو مع منظمة التجارة العالمية. هذه الحصيلة مردها إلى ثلاث مستويات كبرى: مستوى المؤسسات الاقتصادية، التي أنهكت ولا زالت الاقتصاد المغربي، بدل أن تلعب دور الرافعة الكبرى له، بحيث أن مردوديتها الاقتصادية جد سلبية ومنهكة، أما المستوى الثاني: فيتعلق بكون المغرب لم يستطع تأسيس وخلق موارد قارة للاقتصاد الوطني، بحيث أن الموارد الحالية ظرفية، ولا يمكنها تزويد المغرب بالقدرة التنافسية في المستقبل، أما المستوى الثالث قيتعلق بالإنسان المغربي، الذي يفتقد إلى قيم الإبداعية والايجابية، نظرا لأن الدولة لم تعطه الأهمية المطلوبة، في برامج التعليم وغيرها. وهذا يعني أن الجهاد الأكبر الذي تحدث عنه المغرب، بعد حصوله على الاستقلال لم ينجز بعد، و هو ما نؤدي ثمنه اليوم، لأن الطاقات التي كان يجب بذلها في سبيل بناء مغرب قوي على كافة المستويات، أنهكتها الصراعات السياسية بين النخب، التي كان ثمنها تشتيت النخب الوطنية وإفسادها فيما بعد، بمعنى أن تطوير النخب لم يتم، مع العلم أن تطور النخب يعني تطور المجتمع. إضافة إلى ذلك فالمغرب لم يحسم بعد في النموذج المجتمعي الذي يريد، مما يؤدي إلى غياب رؤية واضحة للمستقبل، وللملفات الكبرى الموجهة، مثل التعليم وقضايا البحث العلمي، والتوازن الاقتصادي، وقضايا العدالة الصحية والضمان الاجتماعي وغيرها، الأمر الذي يبدو منه أن مستقبل المغرب بالنظر إلى ماضيه خلال الخمسين سنة الماضية، غير واضح وغير متحكم فيه، أي أنه مفتوح على جميع الاحتمالات، وهذا سيرهن بكل تأكيد مستقبله وقراره السيادي، لصالح القوى الأجنبية المتربصة به، وسنشهد في حالة استمرار الحال على ما هو عليه، مزيدا من التدخل في قراره الاقتصادي والسياسي، وهذا يعني عودة الاستعمار بطريقة أخرى. امحمد طلابي( باحث في التاريخ ومدير مجلة الفرقان المغربية): الزواج بين القيم الإيجابية للحداثة والقيم الإسلامية هو الطريق الوحيد للنهضة المقبلة يمكن القول بأن أكبر التحولات في مجال القيم والفكر في خمسين سنة من الاستقلال، هو ترسيخ قيم الثقافة التي جاء بها المستعمر، وبالخصوص القيم الثقافية التي تنتمي إلى حقل الحداثة الغربية، سواء كانت هذه القيم في مجال الفكر أو في مجال الثقافة القانونية أو الاقتصادية أو السياسية، وفي كل مجالات الحياة، فعلى مستوى الثقافة السياسية نجد أن أكبر قيمة تم ترسيخها هي ثقافة الفكر العلماني، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع، إذ تمت إشاعة ثقافة فصل الدين عن الحياة السياسية وشؤون الحياة العامة، وأصبح الدين لا يتدخل في تنظيم الشأن الاقتصادي، الأمر الذي كرس لثقافة الاقتصاد الربوي، وفي مجال القانوني، لم يعد للشريعة حضور في صياغة وإنتاج القوانين المنظمة للحياة العامة، بحيث سيطرت القوانين الوضعية، وتمكنت من تنظيم كل شيء. وهذا لا يعني بالتأكيد، أن ثقافة الشريعة غابت عن كل شيء، بل ظلت الشريعة حاضرة كجيوب صغيرة، وبالخصوص في مجال الأحوال الشخصية وتنظيم الأسرة ليس إلا، هذا على مستوى القيم الثقافية الكبرى التي تنظم شأن الدولة. أما على مستوى الثقافة العامة في المجتمع، نجد أنه سادت بالتدريج قيم وثقافة الاستهلاك، وهي من صميم ثقافة الغرب، ونحن نرى كيف بدأ المجتمع يميل إلى تحقيق رغباته وشهواته المادية، بعيدا عن الحدود والقواعد التي رسمتها ثقافة الشريعة الاسلامية، وهذه برأي من أكبر التحولات التي حدثت خلال الخمسين سنة من استقلال المغرب، بمعنى أن القيم التي تترسخ وتتوسع بشكل عام، هي قيم جاء بها المستعمر، ولم يتم مراجعتها بعد الاستقلال، بل تم تنظيمها وترسيخها في كل المجالات، وهذا واضح في مجال التربية والتعليم، فإذا عدنا مثلا إلى المقررات الدراسية في السبعينات والثمانينات، نجد أنها القيم المادية متمكنة، كالمادية الجدلية والمادية التاريخية، وكانت تدرس بشكل رسمي، وللأسف الشديد في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، يتم إعادة إنتاج نفس القيم بإعطاء اهتمام كبير للفلسفة ومحاصرة الفكر الإسلامي، وذلك غايته إعادة إنتاج نفس القيم التي أنتجت في السبعينات، ما أريد التأكيد عليه أنه بعدما كنا نطمح إليه بعد الاستقلال، سيتم رد الاعتبار لقيمنا المستمدة من الشريعة الإسلامية، في تنظيم الدولة والمجتمع والاقتصاد والتعليم والتربية، لكن نجد مع الأسف أن الذي تم هو استمرار نفس النهج الفكر والثقافي الذي جاء به المستعمر، وهذا يشكل خللا كبيرا في إمكانية نهضة أمتنا في المستقبل. ما أريد أن أقوله في النهاية، هو أنه إذا أردنا النهضة، فلا بد أن نراجع بشكل جذري كل الخطوط الفكرية والثقافية التي سادت في عهد الاستعمار، والتي تم ترسيخها بعد الاستقلال، لأن ذلك ضروري للنهضة، بحيث يجب استيعاب القيم الإيجابية للحداثة، مثل الديمقراطية السياسية والشفافية والنزاهة والتنظيم ومحاسبة المسؤولين، وهي القيم رفضت بعد الاستقلال، وعلينا أن ندمجها في القيم الإسلامية الكبرى، فبالزواج بين الأجود في القيم الحداثية الغربية، وبين القيم الإسلامية الأصيلة، يمكن بناء النهضة وتجاوز خمسين سنة من التردد، وإلا فإننا سنتيه في القرن الوالحد والعشرين.