الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب يشيد باعتماد قرار يدعم طلب عضوية فلسطين بالأمم المتحدة    بعد إحداثها لطفرة في إصدارات الAI وطنيا.. الأمانة العامة للحكومة تُناقش آخر إصدارات الدكتورة رومات حول الذكاء الإصطناعي    مدرب الجيش مطلوب في جنوب إفريقيا    صدمة جمهور الرجاء قبل مواجهة حسنية أكادير    المنتخب المغربي للفتيات لأقل من 17 سنة يسحق المنتخب الجزائري برباعية نظيفة    تفاصيل قاعدة عسكرية مغربية جديدة لإيواء الدرونات والصواريخ    سماء المملكة غائمة وطقس حار بهذه المناطق!    تفاصيل اختطاف مغاربة بتايلاند و وزارة الخارجية المغربية تدخل على الخط    بالصور.. اعتقال خمسة أشخاص بتهمة تنظيم الهجرة غير الشرعية والعثور على زوارق وسيارات وأموال    جديد موسم الحج.. تاكسيات طائرة لنقل الحجاج من المطارات إلى الفنادق    مبابي يعلنها رسميا ويصدم ماكرون.. وداعا باريس سان جيرمان    "حماس" تراجع إستراتيجية التفاوض بعد رفض إسرائيل مقترح الوسطاء    دكار توضح حقيقة وجود مهاجرين سنغاليين عالقين بالصحراء المغربية    الشبيبة التجمعية بطنجة تلامس منجزات وتحديات الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    بهدف تأهيله لاستقبال 4.4 ملايين مسافر .. هذه تفاصيل مشروع توسيع مطار طنجة    "طاس" ترفض الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم    هل تحتاج الجزائر إلى المغرب لتطوير اقتصادها؟    وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تعلن عن حصيلة جديدة للإصابات بكوفيد-19    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    توقع تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    قرار أمريكي يستهدف صادرات المغرب    ثنائية الكعبي تقود أولمبياكوس إلى نهائي "كونفرنس ليغ"    الأمثال العامية بتطوان... (595)    الدراسة الطبوغرافية لأنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا تترجم فلسفة إفريقيا للأفارقة    المغرب يعلن حزمة جديدة من مشاريع الترميم والإعمار في المدينة المقدسة    امرأة مسنة تضع حدا لحياتها شنقا بالجديدة    وزارة الحج والعمرة السعودية تعلن عدم السماح بدخول المشاعر المقدسة لغير حاملي بطاقة "نسك"    مزور: الاتفاقية مع شركة (أوراكل) تعزز مكانة المغرب باعتباره قطبا للتكنولوجيات الرقمية    بعد أن أفرغت الحكومة 55 اجتماعا تنسيقيا ومحضر الاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابات من محتواها    البحرية الملكية تعترض مهاجرين سريين جنوب غرب طانطان    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    نقابة "البيجيدي": آن الأوان لإيقاف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"        2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    أصالة نصري تنفي الشائعات    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاديون والذكرى 50

بعد شهر من الإعلان عن تأسيس الاتحاد، أسس اكديرة المقرب من الأمير مولاي الحسن ولي العهد، جريدة »ليفار« وهي أسبوعية باللغة الفرنسية صدر منها ثلاثة وثلاثون عددا، كان آخرها في ماي 1960 للإعلان عن إقالة حكومة عبد الله إبراهيم.
ويمكن القول بأن سقوط حكومة عبد الله إبراهيم كان هدفا استراتيجيا لأطراف سياسية اشتركت في حملات متوالية ضد تلك الحكومة، ومن المفيد العودة إلى ماسيكتبه، بعد ربع قرن، المرحوم أحمد رضى اكديرة في كتاب »مغرب الحسن الثاني« بخصوص ما كانت عليه الصراعات السياسية للمرحلة التي تأسس فيها الاتحاد: »في سنة 1959 انفصل عن حزب الاستقلال. التيار اليساري الذي يتزعمه بصفة خاصة كل من بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم.
تحل الذكرى الخمسين لانعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد، يوم الأحد 6 شتنبر 1959 حيث احتضنت سينما الكواكب بالدار البيضاء اجتماعا وطنيا كبيرا للإعلان عن ميلاد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الاسم الذي احتفظ به الاتحاديون لمدة عقد ونصف إلى أن أصبح الحزب يعرف بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهي تسمية اقترحها المرحوم عبد الرحيم بوعبيد على اللجنة المركزية المنعقدة بالرباط في 1974 ووافق المؤتمر الاستثنائي بالدار البيضاء في يناير 1975 على التسمية الجديدة وعلى خط سياسي جديد للتعامل بواقعية أكثر مع المستجدات التي عرفها المغرب بعد عشرين سنة من الاستقلال.
حينما اجتمع الاتحاديون منذ خمسين سنة لتأسيس تنظيم سياسي جديد، كانوا في الحقيقة قد وصلوا إلى محطة متقدمة من التحولات التي عرفها المشهد الحزبي طوال تلك السنة. كانت البداية يوم 25 يناير 1959: انتفاضة داخل حزب الاستقلال في شكل مؤتمرات جهوية لسحب الثقة من اللجنة التنفيذية كإجراء شكلي هدفه إخراج الحزب من حالة الجمود والشلل وإعادة الحيوية إلى التنظيمات الاستقلالية.
المؤتمرات الجهوية حضرتها جماهير غفيرة من المنتمين للحزب أو منظماته الموازية صباح الأحد في الرباط أو بعد الظهر في الدار البيضاء وفي أكادير والعديد من الفروع.
كانت »حركة 25 يناير« انفجارا داخل حزب الاستقلال بعد مرور ثلاث سنوات على عودة الملك محمد الخامس من منفاه. وكانت لحزب الاستقلال ارتباطات شبه عضوية بالاتحاد المغربي للشغل، المركزية العمالية الوحيدة بالمغرب وحركة المقاومة من أجل عودة الملك إلى عرشه، وكان العديد من قادة النقابة والمقاومة أعضاء في المجلس الوطني لحزب الاستقلال. وأمام حدة النقاش واستحالة الوصول إلى أرضية مشتركة لاستمرار وحدة الحزب، طرح المحجوب بن الصديق فكرة تأسيس حزب عمالي التي عارضها المرحوم بوعبيد لأن حزب الاستقلال مازال إطارا صالحا لاستمرار العمل النضالي المشترك بين الوطنيين الذين قادوا معركة تحرير البلاد.
ومن هنا جاءت أحقية القيام بمبادرات نضالية داخل الحزب، لا خارجه، فكانت »25 يناير« حركة تصحيحية لجعل الحزب، بدلا من الاستسلام للجمود، يسترجع قواه ويحقق عودة قوية إلى الحياة السياسية.
وتزامنت هذه التحولات مع أحداث الريف التي اندلعت بهدف إضعاف الحكومة التي كان يرأسها الأمين العام لحزب الاستقلال الحاج أحمد بلا فريج مما أدى إلى سقوط تلك الحكومة لتحل محلها حكومة عبد الله ابراهيم يوم 24 دجنبر 1984 ومع ذلك استمر عصيان الريف في تهديد الوحدة الوطنية طوال أسابيع.
ويمكن القول بأن أحداث الريف كان لها تأثير محقق على ظروف وملابسات تشكيل الحكومة التي تولى رئاستها عبد الله ابراهيم وبجانبه عبد الرحيم بوعبيد كنائب للرئيس مكلف بالمالية والاقتصاد الوطني وكان الاثنان يتابعان، من بعيد، تطورات الأزمة داخل حزب الاستقلال واستمر الحال هكذا، طوال الفترة الممتدة من الإعلان عن ميلاد حركة 25 يناير إلى انعقاد المؤتمر التأسيسي يوم الأحد 6 شتنبر 1959.
بعد مؤتمرات 25 يناير 1959، خرج إلى الوجود تنظيم سياسي يحمل اسم »الجامعات الجمعوية المستقلة المتحدة لحزب الاستقلال« وبهذه الصفة كان لقادة التنظيم الجديد اعتبار في الاستقبالات الرسمية وكان المهدي بن بركة وعبد الرحمن اليوسفي و محمد البصري يوم 5 يوليوز 1959 في ميناء طنجة لتوديع الملك بمناسبة رحلة إلى سويسرا تنطلق من إسبانيا.
اليوسفي سيرأس المؤتمر التأسيسي للاتحاد في سينما الكواكب وجلس بجانبه، يمثلان قيادة »الجامعات«بن بركة والبصري. وجلس في المنصة بعض قادة حزب الشورى والاستقلال كبوطالب وبن سودة والتهامي الوزاني، وعبد الله الصنهاجي أحد مؤسسي الحركة الشعبية وآخرين باسم أحزاب أخرى، أما بوعبيد الذي ظل يتابع من بعيد هذه التطورات لأنه كان منشغلا أساسا بالمهام الوزارية لسنة كانت حاسمة في اتخاذ القرارات الحكومية الهادفة إلى تصفية الارتباطات الاستعمارية: إلغاء البنك المخزني وهو من مخلفات عقد الجزيرة وحل محله بنك المغرب وتأسس البنك الوطني للإنماء الاقتصادي والبنك المغربي للتجارة الخارجية وصندوق الإيداع والتدبير ومكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية وتأسست عملة وطنية جديدة هي الدرهم محل الفرنك، وبدأ إعداد أول مخطط خماسي ومشروع استرجاع الأراضي التي كان يستغلها المعمرون الأوربيون. كل هذه مهام كانت طوال عام 1959 لم تحد من اهتمامات بوعبيد بالتطورات الحزبية: و كان يرى أن حركة 25 يناير يمكنها داخل الحزب أن تعيد الحيوية والنشاط إلى الحياة السياسية الوطنية، ولكنه اقتنع فيما بعد أن الحركة قد أصبحت في المشهد الوطني تشكل تيارا قويا سيكون طاقة محركة لتنظيم سياسي جديد. وهكذا مع حلول صيف 1959، أصبح الطريق ممهدا للإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
لكن بوعبيد عبر للمهدي عن تحفظه من أن يكون بن سودة وبوطالب ومن معهما من الشوريين مشاركين في تأسيس الحزب الجديد وستبدي الأيام إلى أي حد كانت تحفظات السي عبد الرحيم في محلها، لأن أعضاء حزب الشورى والاستقلال الذين جلسوا في منصة المؤتمر التأسيسي ، سيتخلون عن الاتحاد بعد أقل من سنة في المرحلة التي عرفت حدة المعارضة الاتحادية للحكومة التي أسسها الملك وولي عهده بخصوص قضية جلاء الجيوش الأجنبية وهي معركة مرحلة برز فيها عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد كقادة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بداية من أكتوبر 1960 وكان الاعتقاد السائد لدى عامة الناس أن الصراع السياسي في مغرب تلك المرحلة يتمحور حول التنظيمين الذين يتقاسما المشهد الحزبي: الاتحاد بزعامة المهدي بن بركة والاستقلال بقيادة علال الفاسي. وحاول المهدي بن بركة في إحدى النشرات الداخلية شرح الموقف السياسي: »الخطوات الأولى لبعض الدول الحديثة العهد بالاستقلال تتثعر بسبب إهمال قضية جهاز الدولة« على اعتبار أن الدستور ليس »وثيقة جامدة لضبط علاقات الدولة بالشعب،... بل هو إطار للعمل تلعب فيه الأخلاق دورا أساسيا لانطلاق حركة البناء والتجديد«.
خارج المكونات السابقة لحزب الاستقلال، اختلفت النظرة إلى ماعرفه الحزب من تحولات فهناك من كان يشفق على حزب أخذ طريقه إلى التمزق بينما كان آخرون يتشفون في كون الوطنيين قد انخرطوا في صراعات وتطاحنات ستفقدهم مكانتهم وهيبتهم وهيمنتهم على المشهد السياسي.
ولكن حركة 25 يناير أصبحت في النهاية واقعا حيا في المشهد السياسي وتيارا فكريا قويا أعاد للجماهير حماس الأيام المجيدة لعودة الملك إلى عرشه.
بعد شهر من الإعلان عن تأسيس الاتحاد، أسس اكديرة المقرب من الأمير مولاي الحسن ولي العهد، جريدة »ليفار« وهي أسبوعية باللغة الفرنسية صدر منها ثلاثة وثلاثون عددا، كان آخرها في ماي 1960 للإعلان عن إقالة حكومة عبد الله إبراهيم.
ويمكن القول بأن سقوط حكومة عبد الله إبراهيم كان هدفا استراتيجيا لأطراف سياسية اشتركت في حملات متوالية ضد تلك الحكومة، ومن المفيد العودة إلى ماسيكتبه، بعد ربع قرن، المرحوم أحمد رضى اكديرة في كتاب »مغرب الحسن الثاني« بخصوص ما كانت عليه الصراعات السياسية للمرحلة التي تأسس فيها الاتحاد: »في سنة 1959 انفصل عن حزب الاستقلال. التيار اليساري الذي يتزعمه بصفة خاصة كل من بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم.
ولم يتأخر ظهور الخطر الذي سرعان ماأدركه ولي العهد الأمير مولاي الحسن لأن عالم الخمسينيات والستينيات كان يخضع بقوة لتيار اليسار... لهذا شكل ولي العهد مجموعة قوية حوله... وتنظمت معارضة حقيقية أدت إلى سقوط حكومة عبد الله إبراهيم الذي خلفه ولي العهد بصفته نائب رئيس مجلس الوزراء حيث تولى محمد الخامس شخصيا رئاسة الحكومة«.
لم تعمر حكومة عبد الله إبراهيم أكثر من سنة ونصف فقد تم تنصيبها يوم 24 دجنبر 1958وتمت إقالتها في 20 ماي 1960 ورغم قصر هذه المدة فقد عرف المغرب خلالها تطورات هامة على الصعيد السياسي إذ زار الرئيس الأمريكي الجنرال إيزنهاور بلادنا لمدة ست ساعات وحل بالدار البيضاء ضيفا على الملك محمد الخامس يوم 22 دجنبر 1959.
وكانت تلك الزيارة مناسبة لصدور بلاغ مشترك أعلن عن جلاء القوات الأمريكية عن قواعدها بالمغرب قبل نهاية 1963.
وكان الرئيس عبد الله إبراهيم قد استقبل في البيت الأبيض من طرف الجنرال إيزنهاور في أكتوبر 1959 واتفق معه على مبدأ الجلاء عن قواعد أمريكا في المغرب وهذا التوجه السياسي في عهد حكومة عبد الله إبراهيم عزز مكانة بلادنا في كتلة عدم الانحياز وحركات التحرر في العالم الثالث.
وسيقول اكديرة عن هذا التوجه في كتاب »مغرب الحسن الثاني« بأن اليسار لم يكن سوى شكلا من أشكال رد الفعل ضد الامبريالية التي كان المستعمر السابق يجسدها في أعين الشعب ولم يفلت المغرب من السحر والبهاء اللذين يكتنفان هذا التيار عندما تم تحريكه بقوة في الداخل والخارج.
حينما سيتحدث اكديرة في كتاب »مغرب الحسن الثاني« عن الشخصيات المنتمية أو اللامنتمية لأحزاب والتي كانت حول ولي العهد الأمير مولاي الحسن في المرحلة التي تزعم فيها المعارضة ضد حكومة عبد الله ابراهيم، كان يجدر بالمستشار الملكي أن يقول كذلك بأن الزعيم علال الفاسي كان أبرز هذه الشخصيات لا فقط كمنتمي لحزب الاستقلال، بل باعتباره قد أخذ على عاتقه مهمة إعادة الروح إلى حزب الاستقلال.
الزعيم علال رحمه الله كان في طنجة عندما باغثته أخبار التجمعات الجهوية لحركة 25 يناير. سألته وكالة »فرانس بريس« عن رأيه في ذلك الحدث فاكتفى بالقول: »أن كل هذا يقع بدون علم حزب الاستقلال«.
وبعث ولي العهد الأمير مولاي الحسن مجموعة من المقربين من علال الفاسي على ظهر طائرة »اليمامة« ليعود الزعيم معهم في نفس الطائرة إلى الرباط العاصمة السياسية. الزعيم علال الفاسي حصل هكذا على ما يكفي من التشجيعات للقيام بما اعتبروه »انتفاضة مضادة« في حزب الاستقلال، عملية ستستمر طوال سنة 1959 للوصول إلى يناير 1960، حيث تمكن الزعيم من عقد مؤتمر عام بالدار البيضاء كان من نتائجه التخلص من الحاج أحمد بلا فريج بإلغاء منصب الأمين العام لحزب الاستقلال وسيقول الحاج أحمد رحمه الله بأن ذلك المؤتمر، كان نهاية علاقاته بالحزب الذي أسسه في 11 يناير 1944.
ستحتد علاقات التوتر بين الاتحاد الوطني وحزب الاستقلال طوال السنوات الأربع الممتدة من يناير 1959 إلى يناير 1963 وهي فترة اعتقد فيها الاستقلاليون أن »زواج المتعة« مع الأمير مولاي الحسن والملك الحسن الثاني فيما بعد، لن تكون له نهاية.
كان بعض الاستقلاليين لايتصورون بأن الملك الحسن الثاني يعتزم تأسيس تنظيم سياسي خاص بالدولة وأن »الإخلاص للعرش يتطلب من الجميع الاندماج في الحزب الذي سيعلن اكديرة عن تأسيسه« وهذا معناه سياسيا وحزبيا أن يجلس الزعيم علال الفاسي بتاريخه النضالي جنبا إلى جنب مع اكديرة!
وفي الأسابيع الأخيرة من سنة 1962 كان الزعيم علال الفاسي مازال ملتزما بالتحالف مع الملك ولهذا كان يدافع عن الدستور المعروض على الاستفتاء باستماثة كبيرة وكأنها كانت عملية استقلالية 100 % حتى أنه استغل مناسبة تجمع ترأسه في ملعب سيدي معروف بالدار البيضاء للتهجم على شيخ الإسلام الفقيه محمد بلعربي العلوي واصفا إياه ب»زعتر فاس« وهاجم عبد الرحيم بوعبيد على اعتبار أنه »زعتر سلا«، لا لشيء سوى لأنهما رحمهما الله، كان لهما رأي آخر بخصوص إعداد دستور المملكة.
وبعد أيام قليلة كان الزعيم علال الفاسي رحمه الله قد غادر وزارة الشؤون الإسلامية ومعه امحمد بوستة (العدلية) وامحمد الدويري(المالية) للانتقال إلى معارضة الحكومة باستعمال لهجة حادة ضد أحمد رضى اكديرة المدير العام للديوان الملكي ووزير الداخلية والفلاحة والذي سيؤسس في 20 مارس 1963 باعتباره »صديق الملك« جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية.
عندما كان الزعيم علال يهاجم في ملعب سيدي معروف كلا من شيخ الإسلام وبوعبيد، كان يمكن أن يضيف إليهما »زعتر الرباط« كأن يأتي في حق المهدي بن بركة بنفس النعوت ولكن من المحقق أن سيدي علال في تلك اللحظة كان يستحضر أن رفيق النضال في معارك التحرير الوطني، كان مازال طريح الفراش يخضع في ألمانيا لعلاجات جراء الجروح الخطيرة التي أصيب بها في عنقه بعد محاولة اغتياله من طرف عناصر جهاز »الكاب 1« بأمر من أوفقير والدليمي.
محاولة اغتيال المهدي بن بركة قبيل بداية الحملة المسعورة للاستفتاء على الدستور، حدث تجاهله الاستقلاليون ولم يقولوا عنه أي شيء في صحافتهم لأن الاستقلاليين ظلوا يعتبرون المهدي مسؤولا عن الحالة التي آل إليها حزبهم، بعد استقالته من اللجنة التنفيذية وأن وذلك كان سببا في نزيف داخلي جعل الحزب يرتمي في أحضان المخزن في يناير 1959 لتكون النهاية مهينة في يناير 1963.
في يناير بالذات عاد المهدي من ألمانيا وسيظل عنقه محاطا بالجبص لعدة شهور وبعد عودته إلى أرض الوطن لم يخف اهتمامه بالمستجدات التي عرفها المشهد السياسي بعد خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة، لكن بوعبيد من جهته كان يرى وجوب عدم التسرع للتعامل مع وجود حزب الاستقلال في المعارضة. ومهما يكن فقد ظهر عند العديد من الاتحاديين إحساس أكيد بأن وجود الاستقلاليين في المعارضة سيخفف من الضغوط التي تمارسها الدولة على القوات الشعبية ولكن هيهات:
كانت المعارضة الاستقلالية في البداية تستهدف اكديرة باعتبار ما كان له من نفوذ وصلاحيات ستنتهي بعد شهور عندما سيحل محله في الداخلية، المرحوم أحمد الحمياني. وزير الداخلية الجديد زار المهدي في منزله بحي ديور الجامع ليطلب منه دخول الاتحاد إلى الحكومة بعدما غادر اكديرة وزارة الداخلية إثر مغادرة الاستقلاليين نفس الحكومة التي مازال يرأسها الملك الحسن الثاني. والتقى الحمياني السي عبد الرحيم بسلا في إحدى الأفراح العائلية وسمع وزير الداخلية الجديد من بوعبيد نفس السؤال: »لماذا تطلبون منا الدخول إلى الحكومة؟ هل هناك آفاق سياسية جديدة لإخراج المغرب من عهد الحكم الفردي؟«.
وبينما كانت الحالة السياسية في المغرب بين مد وجزر بعد مرور شهر على انتخابات مزورة أعطت لحزب اكديرة أغلبية مقاعد مجلس النواب وبينما كان المغرب بصدد إكمال هيكلة الحكم النيابي، كان مدير الأمن الكولونيل أوفقير يُعد العدة لخطة القضاء على القوات الشعبية بالإشراف على حملة اعتقالات انتهت يوم الثلاثاء 16 يوليوز 1963 بإلقاء القبض على أعضاء اللجنة المركزية الموسعة للاتحاد المجتمعة بالدار البيضاء بتهمة محاولة القيام بانقلاب ضد النظام الملكي بالمغرب.
كانت تلك الليلة محطة حاسمة في مرحلة ستوصف بسنوات الرصاص.
التحولات التي عاشها حزب الاستقلال سنة 1959 والتي أدت إلى تأسيس الاتحاد يوم الأحد 6 شتنبر من تلك السنة، لابد من قراءتها من خلال إشكالية اختلاف طبيعة المهام التي أصبحت على عاتق الوطنيين بعد ثلاث سنوات من عهد الاستقلال، عن المهام التي كانوا يضطلعون بها إبان عهد الحماية وبالتالي اختلاف النظرة إلى مشاكل عهد الاستعمار ومشاكل عهد الاستقلال.
ولم يكن كل المغاربة في الصورة الحقيقية لطبيعة النظام السياسي الذي تركته الحماية ، كما وجدته ببلادنا أي حالة الجمود التي ظلت عليها بلادنا من وفاة مولاي إسماعيل سنة 1727 إلى عقد الحماية في 1912
ومن هنا فمهام عهد الاستقلال لا يمكن للوطنيين أن يواجهوها بترديد الأمداح السياسية وترتيل الشعائر الوطنية بل كان لابد من استمرار روح التعبئة، التي اعتمد عليها الوطنيون في معركة التحرير، من أجل بناء مجتمع جديد في ظل دولة عصرية وقوية وفي المقابل كان »المقربون« يعتبرون أن المغرب وقد استعاد استقلاله، لم يعد في حاجة إلى أحزاب وتنظيمات وطنية وشعبية.
هذا هو المشكل الحقيقي الذي واجهه الوطنيون، منذ البداية وسيواجه الاتحاديون في عدة مراحل :.
في مرحلة اكديرة اعتمد خصوم الديمقراطية على تزوير الانتخابات ثم توالت حملات القمع على يد أوفقير منذ تأسيس الكاب 1 . وطوال عشرين سنة من عهد ادريس البصري راهنت الداخلية في »المسلسل الديمقراطي« على عصابات مافيا الانتخابات كبنية تحتية للأحزاب الإدارية أصبحت بمثابة نواة صلبة لأحزاب الإدارة..
ولا حاجة إلى القول بأن رهان الدولة على هذه الأساليب في الحياة السياسية الوطنية يؤدي حتما إلى تضييق الهامش الديمقراطي
فكيف سيتحمس الشعب للمشاركة في تدبير شؤونه المحلية والوطنية وهو يتأكد كل مرة بأن نتائج الانتخابات يتم الحسم فيها قبل الشروع في عمليات الاقتراع؟
إن الطاقة المحركة لبناء نظام ديمقراطي هي الجماهير الناخبة وبدون مشاركة الجماهير في الاقتراع، ستظل الحياة السياسية عرضة للتلاعب ويبقى المغرب هكذا -سياسيا- على حالة الجمود التي ظل عليها منذ وفاة المولى إسماعيل سنة 1727
إن علينا أن نتخطى الحواجز التي تفصلنا عن هذا العصر الحضاري والسياسي، عصر لا محل فيه للشعوب التي تترك مواقع القرار السياسي تحت رحمة أقلية من الناس يتحكمون في حاضر البلاد ومصير شعبها معتمدين تارة على القمع وتارة أخرى على حملات إعالمية للمغالطة والتضليل يقوم بها مرتزقة الأقلام في كل زمان ومكان والشهيد عمر قال بأن التضليل شكل من أشكال القمع.
هذه حقائق لابد من استحضارها في الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد لمعرفة إلى أي حد قد تختلف المهام النضالية بين الأمس واليوم وعلينا أن نتذكر دائما وفي كل مرحلة سياسية ونضالية ما قاله في ماي 1983 الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد : » إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.