اختار صاحبنا طنجة مستقرا له، اختار أن يسكن إلى جوار البحر بعد أن ظل حياته كلها فوق سفوح الجبل، هو لا يحب السباحة ولا الاسترواح بجو البحر، غير أنه اختار هذا المكان!!.. كان يقول: - أحب أن أنظر إلى إسبانيا من شرفة بيتي!! كان صاحبنا ينظر إلى العمارات الشاهقة في المدينة، ويتأمل المقاهي الفاخرة، فيتذكر أيام الحرمان، ويتذكر زياراته لمدينة تطوان، فتنمو في نفسه نزعات الحقد، فلا يحس بكلماته وهي تنفلت منه: - وبشحال يماها غادي تكون هذه العمارة؟!! كان رفيقه الذي يسوق به سيارته يسمع عباراته، وكان يدرك ما يدور بخلد صاحبه، غير أنه لا يلملم بحرف. كان يتهيب غضبته، ولا يحدثه حتى يأذن له. - لقد قررت أن أدخل عالم العقار، ما رأيك في الاستثمار في العمارات؟ - هذا هو المعقول!! التمس صاحبنا أحد الخبراء في شأن العقار في المدينة، وأبدى له رغبته في الدخول لهذا العالم، فتفضلالخبير يشرح له التفاصيل والمساطر المعقدة، حتى كادت تزهق روح صاحبنا، وما أن انتهى من الحديث حتى ارتج صاحبنا مرعدا: -هي دابا أنا ما مشيشي نعمل والو؟!! نطق الخبير بصوت هادئ ولطيف: - أنت طلبت شرح التفاصيل وأنا فعلت ذلك، أما الذي يجري على الأرض فأمر آخر ، وغير طلق راسك كلشي يجي حتى ليديك!! إيوا هايداك قول من الأول، القضية دابا سهلة!! - أطلق، ومن غدا!!! - إيوا توكل على الله، لكن أنا لا أريد سبع طوابق، إيلا لقيت يكونوا عشرة، أو لا كثر أنا موجود، غير اطلب!! استبشر الخبير خيرا، لقد فتحت له أبواب الجنة، فهو الآن المستشار الاقتصادي لصاحبنا، والمكلف بالاستثمار في عالم العقار. كان صاحبنا كريما، ولا يدع مشكلة إدارية تقف في طريقه، حتى ولو اقتضى الأمر أن يطلب منه بعض المسؤولين أن يدفع مائتي ألف درهم دعما للرياضة ونواديها في المدينة!!! كان لا يتردد في كرمه ما دام المسؤولون يمنحونه رخصة بناء طوابق عديدة خارج القانون!!!. تنامى رصيد صاحبنا، وأصبح مستثمرا معروفا في المدينة، وتطلعت عيناه إلى المناطق الخضراء، ولم يجد بأسا في حيازتها، فعشرات التبريرات كانت تشفع للمسؤولين لتفويتها إليه. كان صاحبنا يعشق أن يقيم المقاهي الفاخرة، ويجهزها بأحدث التجهيزات، ويستجلب لها القهوة من جميع بلدان العالم، ويضع لكل جنس منها ثمنا خاصا، فتستقطب علية القوم ممن لا يرضون شرب القهوة التي يعتاد أفراد الشعب تناولها. كان مستشاره الاقتصادي يمده بالأفكار، وكان يسارع في تنفيذها كلما ظهر له نفعها، أو قدرتها على صرف الناس والرأي العام عن تجارته الأصلية. تاقت نفسه لبناء مركب سياحي ضخم، يضم مقاهي ومطاعم وفندق وحديقة ألعاب، ومسبح وكل وسائل الاسترواح، فاستجمع العدة، وتبسطت له المساطر، ومهدت له الطريق، فصار الناس بين عشية وضحاها يترددون على هذا المكان الجميل، يمتعون أبناءهم، ويريحون جسدهم المتعب بروتين العمل، ومشقة رعاية الولد . هناك يظلون يومهم، يطعمون ويشربون، والعيال فيه يأنسون، وصاحبنا تزدان تجارته وتنمو تطلعاته وترقباته أيضا!! ذاع صيت صاحبنا، وبدأت بعض الأقلام تلتمس عطفه وكرمه، فتكثر له المديح حتى إذا لم يلتفت إليها، أقامت له بعض القلاقل لتثير انتباهه. فإذا أحس بغيظ من بعضها، أمسك هاتفه النقال، وخاطب مستشاره: اعمل لي شي موعد مع ديك السخط، راه قلل الحيا!! كان كلما التقى بهذا النوع من الصحفيين يكرم مثواهم، ولا يسألهم عن سبب استهدافهم له في مقالاتهم، كان قلبه رحيما!! ينسى الماضي وينظر فقط للمستقبل!! فيتحدث للصحفي بكل حميمية، ثم يتخذه بعد ذلك سنده وأداته لتحريك الرأي العام وصرفه وتوجيهه. كانت خطوات صاحبنا قاصدة، لقد نجح في عالم العقار والسياحة، وبنى بعض المساجد، وتقرب من الصحافة، واستطاع أن يجد في بعضها ضالته، واتخذ لنفسه مستشارا إعلاميا يدير له المعارك، ويهيء له الرأي العام لتنفيذ مشاريعه. لقد بدأ صاحبنا يفكر في السياسة