نؤكد مبدئيا أن هناك علاقة جدلية بين الأمن و التنمية. فلا أمن بدون تنمية، ولا تنمية بدون أمن. والملاحظ انه بعد أحداث11شتنبر بالولايات المتحدةالأمريكية توجهت الأنظار و الاستراتيجيات إلى إعطاء أهمية كبرى للجانب الأمني لمواجهة ما اصطلح عليه بالإرهاب.وهذا مطلوب وإن كانت المقاربة فيها نظر.وأهم الاختلالات أن هذا التوجه أحدث شرخا بين الأمن والتنمية. والمتأمل لواقعنا المعيش يستنتج أن السلطات الأمنية عازمة على وضع إستراتيجية أمنية استباقية، وهذا مطلوب، لكن بالمقابل أن مجموعة من المحللين يؤكدون على أن المغرب رسب في امتحان الكفاءة التنموية الاجتماعية رغم الإعلان عن تخصيص نسب مهمة من ميزانيات الدولة للجانب الاجتماعي.(نموذج50% من ميزانية 2008)، إضافة إلى المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية التي انطلقت منذ 2004 و خصص لها هذه السنة حوالي6 ملايير درهم. ستساهم الدولة بحوالي 4 مليار درهم. إن هذه المقارنة بين الأمني و التنموي لا تعني أننا خففنا أمورا كثيرة عن المستوى الأمني، بل يمكن الإشارة إلى بعض الايجابيات لكن يبقى المشكل مطروحا على مستوى تزايد الانفلاتات الأمنية و ارتفاع نسبة الجريمة في سنة 2007 بالمقارنة مع سنة 2006 نموذجا و يمكن أن نعزز التراجع الأمني بطرح الإشكال التالي: ما هي نسبة الدعم المادي و المعنوي لمرفق الأمن؟ تم هل يمكن الحديث عن حماية الأشخاص و الممتلكات بكل أريحية و تقديرات معقولة ؟ و هل فعلا استطعنا أن نقاوم معظم أشكال العنف و الإرهاب ؟ إننا نؤكد أن القضية الأمنية تخضع لإجماع وطني مما يجعلها لا تلق أي اعتراض على الميزانيات التي تخصص لهذا المرفق، بل منهم من يطلب المزيد .. لكن المطلوب في نفس الوقت أن يكون تناغم حاصل بين ميزانيتي الأمن و التنمية و هذا مهم للحقلين معا. لقد أكدت الإحصاءات الرسمية أن معظم الجرائم تقع في ألاماكن الهامشية و التي قدرت بحوالي 300 ألف حالة ومن تم هناك ضرورة ملحة للتفكير في مصاحبة تنموية لكل مشروع سكني حتى نقلص من الانزلاقات و الانحرافات المؤدية للجريمة. لقد أكدت سابقا أن المغرب فشل في ورش التنمية الاجتماعية باستثناء بعض التدخلات المحتشمة ، و العلة ليس في قلة المواد بقدر ما هي في غياب للأسف الجدية و المصداقية في تناول مجموعة من المشاريع التنموية . و المؤشرات برنامج التنمية الأممي صنف المغرب في الرتبة 126 على 177 لسنة 2007 بعد ما كان يحتل المرتبة 123 خلال سنة 2006 . أضف إلى ذلك نسبة العزوف عن الانتخابات التشريعية ل 2007 و التي بلغت حسب البلاغات الرسمية.63% بل أكثر من ذلك ماذا يمكن أن نقول عن الأوضاع المزرية للموارد البشرية مما جعل الحكومة تخطط لفتح حوار مستعجل مع الفاعلين الاجتماعين و المهنيين و المؤسسات النقابية ... والغريب في الأمر أن الوزارة المكلفة بجانب من امن البلاد هي المكلفة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ... فالولاة و العمال هم الآمرون بالصرف في هذا المجال . و هذا إشكال أخر في تحديد العلاقة بين المنتخبين والسلطة الوصية.. وعلى ذكر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أكدت البلاغات الرسمية انه تمت المصادقة على أكثر من5 ألاف مشروع خصص نصيب الأسد للعالم القروي، وشملت هاته المشاريع مدن بدون صفيح،والكهربة، وتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب وغيرها كما رصدت في إطار مفهوم الالتقائية أكتر من 3 ملايير درهم لكن رغم كل هذا فان صيحات فك العزلة عن العالم القرويمازالت مستمرة والمدن تعج بدور الصفيح ونموذج جهة الدارالبيضاء الكبرى ولولا تدخلات جلالة الملك لما تم انجاز المشاريع مهمة نموذج سيدي مومن والمشروع المرتقب لساكنة كاريان سانطرال.. إذن أين الخلل؟ خلاصات إن الاجتهادات الأمنية غالبا ما تكون تبعا لإستراتيجية عالمية وبذالك تكون انعكاساتها محتشمة وطنيا. والاهم من هذا كله هو غياب رؤية إستراتيجية للتنمية التي تلعب دورا أساسيا في تهيئ مناخ امني مهم والنتيجة الحتمية لهذا الاختلال الواقع بين ماهو امني وتنموي هو بروز مجموعة من التمظهرات التي تجعل البلدان للأسف الشديد تعيش أزمة حقيقية نذكر منها: 1 - 18 مليون مغربي معنيون بإشكالية النقص الغذائي. 2- في العالم القروي 64% من النساء يجهلن كيفية الولوج للخدمات الصحية. 3- 6,84 لايملكن كلفة الدواء. 4 - 8,78 يصرحن بان بعد المراكز المراكز الصحية يحرمهن من التطبيب رغم أن الإعلان الرسمي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية يفيد أن حوالي 12 ألف مشروع أنجز لفائدة 3 ملايين مستفيد. وثم انجاز نسبة 50% مابين ماي 2005 و دجنبر .2007إذن أين الخلل؟ 5 احتلال المغرب الرتبة 11 على 14 بالنسبة للشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.. سواء على مستوى الولوج إلى التعليم والمساوات بين الجنسين في التعليم وفعالية التعليم وجودته. 6- بلغ عدد المعطلين حسب الإحصاءات الرسمية مايلي: 350 ألف معطل بدون دبلوم . 460 ألف معطل دبلوم متوسط- 250 ألف معطل دبلوم عال. 7 أكدت إحصاءات علية بمدينة طنجة أن حوالي 15 ألف شخص يتعاطون للهرويين وكوكايين بطنجة فقط .وهذا أمر خطير. 8 الإضرابات الوطنية التي عرفها البلد نتيجة هذه الأوضاع المزرية. 9 المأجورين ذو السلالم 1الى6 تحت وطأة حاجز القهر كما هو مفهوم من خلال مواد قانون الوظيفة العمومية - نخلص مما سبق أن تمظهرات الاختلالات الناتجة عن الشرخ الواقع بين الأمن والتنمية كثيرة وكثيرة جدا... لذلك ندعو الجهاز الحكومي أن يستحضر مكون التنمية بفعالية لأنه فاعل أساسي في خدمة الجانب الأمني والسبب أن التنمية لها مدلول شامل وتتضمن محاور متعددة أهمها:الشق الاقتصادي والاجتماعي والبيئي .........الذين يوفرون الأمن بمفهومه الحضاري لأنه سيؤسس على عدالة اجتماعية واضحة.. اعتمادا على روح الديمقراطية، واحترام الحقوق الفردية والجماعية..والتوظيف الموضوعي للموارد البشرية ...وهذا هو التصور الحقيقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي للأسف لم تتحقق ما كان منتظر منها لعدم فهم الشعور المؤطر لها.. ويبقى الإنسان نواة مركزية لكل تصور تنموي، وسلوك اجتماعي.. إننا مهما وفرنا الإستراتيجية الأمنية فإنها لن نبلغ الأهداف المنشودة مادام الإنسان لايستفيد من ثروات بلاده، وبعيد كل البعد عن حاجياته الأساسية، وإقصائه بطرق مختلفة من المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي .... إذن هناك ضرورة ملحة لفهم التصور الشمولي للتنمية في علاقته بالبعد الأمني حتى نرسم خريطة الطريق لتنمية بلادنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وإعلاميا وفنيا وحضاريا بصيغة أعم.