على بعد 100 يوم من المنافسات.. "كاف" يعلن بدء بيع التذاكر وإطلاق تطبيق "يلا" استعدادا لنسخة "كان" المغرب 2025    إدانة مسؤولتين في سبتة بسبب إعادة قاصرين مغاربة    نتائج متباينة لممثلي سوس في افتتاح البطولة الاحترافية لكرة القدم    أمن طنجة يحجز 260 قطعة من الشهب الاصطناعية قبيل مباراة اتحاد طنجة وحسنية أكادير    توقيف سيدة بطنجة للاشتباه في ارتباطها بشبكة إجرامية متخصصة في النصب الإلكتروني    الدرهم يرتفع بنسبة 0,6 في الماي ة مقابل الدولار خلال الفترة من 4 إلى 10 شتنبر (بنك المغرب)        اعتراف أمريكي رسمي .. المصايد المغربية تُطابق معايير حماية الثدييات البحرية    الوداد يفوز على الكوكب المراكشي        الإدريسي: أخنوش تهرب من تقديم الحصيلة بالبرلمان واستبدلها بحوار منمق يساعده فيه الصحافيون    توتر في باريس سان جيرمان بسبب تصريحات أشرف حكيمي الأخيرة    الأمم المتحدة تصوت بالأغلبية المطلقة على إعلان يدعم حل الدولتين    في ظل الاحتكار وتعطيل المنافسة الأجنبية.. الأبناك تواصل إثقال كاهل المغاربة بالاقتطاعات و"حماية المستهلك" تستنكر    الذهب يحوم قرب أعلى قمة تاريخية    أشغال تشييد المشاريع الصحية الكبرى تتقدم في جهة العيون الساقية الحمراء    الكرملين يؤكد أن المفاوضات مع كييف "متوقفة"    سابقة... لجنة من برلمان الحلف الأطلسي تزور مليلية وسط مساعٍ إسبانية لضمها تحت المظلة العسكرية    حموشي يتباحث بالرباط مع المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي    ارتفاع حصيلة الإبادة الإسرائيلية إلى 64 ألفا و756 شهيدا منذ بدء العدوان على غزة    هيئات محلية تدعو للاحتجاج بمراكش تضامنا مع الغلوسي    وزارة الانتقال الرقمي توقع شراكة استراتيجية لتعزيز الذكاء الاصطناعي بالمغرب    اغتيال الناشط السياسي تشارلي كيرك.. ترامب يؤكد إلقاء القبض على مشتبه به    بطولة العالم لألعاب القوى .. 33 ميدالية منها 12 ذهبية، حصيلة المشاركة المغربية في 19 نسخة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الدورة الثانية عشرة للملتقى الوطني لفن الكريحة والملحون بتارودانت    دراسة: أصوات "الطقطقة" الصادرة من الركبة ظاهرة طبيعية ما لم تصاحبها أعراض مرضية    ساندية تاج الدين توضح الهدف من مشهد صادم في "التخرشيش"        هيئات مهنية صحفية تطالب أخنوش بسحب مشروع قانون "المجلس الوطني للصحافة"    إدارة السجون توضح بشأن نقل بعيوي إلى المستشفى    تدخل رسمي ينقذ حلم الطالبة صاحبة أعلى معدل من ضائقة السكن    إسبانيا تتحرك لاحتواء بؤر إنفلونزا الطيور.. إعدام طيور وإغلاق حدائق    مقتل 51 شخصا في احتجاجات النيبال وهروب 12 ألف سجين وانقسام حول اختيار رئيس الوزراء الجديد    استقبال حافل للفيلم السوداني ملكة القطن بمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي        الإمارات تستدعي نائب السفير الإسرائيلي        فضيحة عقارية تعصف بعامل إنزكان آيت ملول    وهبي: قانون العقوبات البديلة مفتوح أمام المحكوم عليهم قبل صدوره    تدشين المحطة السككية الجديدة بتازة وإطلاق خدمة الربط بالحافلات مع الحسيمة        بيت الشعر بالمغرب يحتفي ب"موسم الخطوبة" في إملشيل بفعاليات ثقافية وشعرية    "يويفا" يقرر تأجيل البث في نقل مباريات الدوري الإسباني والإيطالي للخارج        الحكم على بولسونارو بالسجن 27 عاما.. وترامب يصفه بالرجل الصالح    دراسة: التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    كيوسك الجمعة | مسطرة جديدة لتدبير وصرف المنح لفائدة متدربي التكوين المهني    بوفال يضع حدا لشائعة وفاة والدته: "كفاكم كذبا واحترموا حياتنا الخاصة"    فتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح        ضابط مخابرات عسكرية أمريكي سابق: أمريكا لا تملك حلفاء بل دول تابعة لها وخاضعة لهيمنتها (فيديو)    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    دعوة إلى الكنوبس لمراجعة إجراءاته الخاصة بمرضى السرطان    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكبة أم تطهير عرقي؟ - بقلم عبد الوهاب المسيري
نشر في التجديد يوم 19 - 05 - 2008


من أهم الكتب التي أصدرها المؤرخون الجدد في إسرائيل، والذي تعتمد كتاباتهم على الوثائق الصهيونية التي تم نزع السرية عنها (declassified)، يكشف كتاب إيلان بابيه التطهير العرقي في فلسطين. وبابيه من أهم المؤرخين الجدد بل لعله أهمهم، نظراً لأنه أخذ أطروحاتهم الأساسية ودفع بها إلى نهايتها المنطقية، ولعله لهذا السبب أصبح رافضاً للأيديولوجية الصهيونية، ولكل منطلقاتها. يرى بابيه أن الدولة الصهيونية أطلقت اسم حرب الاستقلال على حرب 1948 بينما سماها العرب نكبة فلسطين. وفي تصوره أن تعبير النكبة مراوغ، لأنه يحيل إلى الكارثة نفسها أكثر مما يحيل إلى من أوقعها، ولماذا فعل ذلك. وهو يذهب إلى أنه جرى تبني مصطلح النكبة لأسباب مفهومة، كمحاولة لمواجهة الثقل المعنوي للهولوكوست النازية. لكن تجاهل من أوقع النكبة قد ساهم، إلى حد ما، في استمرار العالم في إنكار أن ما جرى في فلسطين سنة ,1948 وبعد ذلك التاريخ، كان تطهيراً عرقياً. فما هو التطهير العرقي؟ تعرّف موسوعة هاتشينسون Hutchinson التطهير العرقي بأنه طرد بالقوة من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض يقطن فيها سكان من أعراق متعددة. وهدف الطرد هو ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان، بكل الوسائل المتاحة لمرتكب الترحيل، بما في ذلك وسائل غير عنيفة، كما حدث للمسلمين في كرواتيا، الذين طردوا بعد اتفاقية دايتون في نوفمبر .1995 ويحظى هذا التعريف أيضاً بقبول وزارة الخارجية الأميركية، التي تفحصت ما حدث في مايو 1999 في مدينة بيك في كوسوفو الغربية. فقد تم إخلاء هذه المدينة في غضون 24 ساعة، وهذا ما لم يكن ممكناً إنجازه إلاّ من خلال تخطيط مسبق أعقبه تنفيذ منهجي. وقد حدثت أيضاً مجازر متفرقة من أجل تسريع العملية. وما حدث في بيك في سنة 1999 حدث بالطريقة نفسها تقريباً في مئات من القرى الفلسطينية في سنة .1948 ويدافع بابيه عن نموذج التطهير العرقي بدلاً من نموذج الحرب كنقطة انطلاق وإطار للبحث العلمي والنقاش العام في شأن أحداث .1948 ويرى أن غياب نموذج التطهير العرقي يفسر جزئياً لماذا أمكن أن يستمر إنكار النكبة طوال هذه الفترة المديدة من الزمن. فعندما أنشأت الحركة الصهيونية دولتها القومية لم تخض حرباً نجم عنها بصورة مأساوية طرد أجزاء من السكان الفلسطينيين، بل بالعكس: كان الهدف الرئيسي للحركة تطهير فلسطين بأسرها تطهيراً عرقياً شاملاً، باعتبارها البلد الذي أرادت أن تقيم دولتها فيه. وقد أرسلت الدول المجاورة جيشاً صغيراً - بالمقارنة مع قوتها العسكرية الإجمالية - في محاولة فاشلة لمنع التطهير العرقي، لكن ذلك حدث بعد أسابيع من بدء التطهير العرقي، ولم يؤد إلى وقف العمليات التي كانت جارية، والتي استمرت إلى أن أُكملت بنجاح (جزئي) في خريف سنة .1948 إن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل لا تعود إلى عوامل زئبقية مثل ظروف الحرب، أو كما يقول المؤرخ الصهيوني (الجديد) بني موريس: في الحرب تجري الأمور كما في الحرب ، وما شابه ذلك من تعابير غامضة تسمح للدول ذات السيادة بالإفلات من تبعات ما ترتكبه من جرائم، وللأفراد بالإفلات من قبضة العدالة، فنية التطهير العرقي كانت مبيتة. ويقوم بابيه بدحض الأفكار الرائجة عن نزوح للفلسطينيين من أرضهم بشكل طوعي أو بسبب وعود الجيوش العربية بأن النازحين سيعودون لديارهم حالما تنتهي الحرب مع ما سمي آنذاك العصابات الصهيونية. فـبابيه يرى أن ما جرى عام 1948 هو عملية تطهير عرقي لفلسطين من سكانها الأصليين، وهي جريمة ضد الإنسانية أرادت إسرائيل إنكارها ودفع العالم إلى نسيانها. والكتاب هو محاولة لاسترداد المذابح التي ارتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني من غياهب النسيان. ويشير بابيه في كتابه إلى مصطلح الميزان الديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين. فيبين أن الصهاينة كانوا يرون أنه إذا مال هذا الميزان في غير صالح اليهود، فإنه سيقوض إمكانية السيطرة اليهودية الحصرية على فلسطين، ولذا وصف الصهاينة مثل هذا الوضع بأنه كارثي. وكان الميزان الديموغرافي، سواء داخل حدود الدولة التي عرضتها الأمم المتحدة على اليهود، أو داخل الحدود التي عينتها القيادة الصهيونية نفسها، كان في نظر القيادة اليهودية كارثة وشيكة الوقوع. تجاه هذا المأزق الديموغرافي كان رد فعل القيادة الصهيونية من نوعين: نوع للاستهلاك العام، ونوع للحلقة الضيقة من المقربين الذين جمعهم بن جوريون حوله. فالسياسة العلنية التي شرع هو وزملاؤه في الإفصاح عنها في هيئات مثل مجلس الشعب المحلي (البرلمان اليهودي في فلسطين) كان محورها الحاجة إلى تشجيع هجرة يهودية كثيفة إلى البلد. أمّا في الأطر الضيقة، فقد كان القادة يعترفون بأن الهجرة مهما تعاظم شأنها، فإنها لن تكون أبداً كافية لموازنة الغالبية الفلسطينية، وأن هناك حاجة إلى وسائل أخرى إضافة إلى الهجرة. وقد وصف بن جوريون هذه الوسائل عام 1937 عندما ناقش مع أصدقاء له مسألة فقدان غالبية يهودية صلبة في دولة مستقبلية، فأخبرهم أن واقعاً كهذا-غالبية فلسطينية في البلد- سيرغم المستوطنين اليهود على استخدام القوة لتحقيق الحلم: فلسطين يهودية محضة. وبعد عشرة أعوام، وفي 3 ديسمبر ,1947 وخلال خطاب له أمام كبار أعضاء حزب مباي (حزب عمال أرض إسرائيل)، لخص بصورة أوضح كيف يجب التعامل مع حقائق لا يمكن قبولها، مثل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة: هناك 40 في المئة من غير اليهود في المناطق المخصصة للدولة اليهودية. إن هذه التركيبة ليست أساساً متيناً لدولة يهودية، ويجب أن نواجه هذا الواقع الجديد بكل قسوته ووضوحه. إن ميزاناً ديموغرافياً كهذا يطرح علامة استفهام عن شأن قدرتنا في المحافظة على سيادة يهودية... إن دولة 80 في المئة من سكانها على الأقل يهود هي وحدها يمكن أن تكون قابلة للحياة ومستقرة. في 2 نوفمبر ,1947 أي قبل شهر تقريباً من تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم، وأمام هيئة مختلفة هي اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، صرح بن جوريون للمرة الأولى بمنتهى الوضوح أن التطهير العرقي يشكل وسيلة بديلة، أو متممة، لضمان أن تكون الدولة الجديدة يهودية محضة. بين بابيه أنه في عصر يوم الأربعاء 10 مارس ,1948 وضعت مجموعة من أحد عشر رجلاً، مكونة من قادة صهاينة قُدامى وضابطين عسكريين شابين، اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً. وذلك عن طريق الاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد عن طريق خطة، تسمى الخطة دالت، وهي خطة مفصلة تشمل إثارة الرعب ومحاصرة وقصف القرى والمراكز السكانية وحرق المنازل والأملاك والبضائع وزرع ألغام وسط الأنقاض، والهدف من الخطة هو رحيل الفلسطينيين ومنعهم من العودة إلى منازلهم. هذه الخطة، كانت النتيجة الحتمية للنزعة الأيديولوجية الصهيونية التي تطلعت إلى أن تكون فلسطين لليهود حصراً. وقد تم تنفيذ الخطة قبل حرب 1948 وأثناءها وبعدها. والله أعلم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.