أساتذة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بطنجة يلوّحون بالتصعيد احتجاجًا على "الوضعية الكارثية"    الذهب يسجل ارتفاعا قياسيا مع تراجع الدولار قبيل اجتماع المركزي الأمريكي    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    الاتحاد الإفريقي يعلن عن قيمة الجوائز المالية لكأس أمم أفريقيا المغرب 2025    بن عبد الله يوضح سبب ترحيبه بترشيح مايسة سلامة الناجي باسم التقدم والاشتراكية    تحقيق للأمم المتحدة يؤكد ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب بعنوان "يكذب، يهرب"..    ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز بتهمة التشهير ويطالب ب15 مليار دولار تعويضًا    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    جنيف: المغرب يحقق تقدما لافتا في مؤشر الابتكار العالمي 2025 بصعود 9 مراتب    احتجاجات أكادير.. "صرخة الغضب" من أجل إنقاذ المنظومة الصحية    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    مجلة أمريكية: المغرب يفرض نفسه كإحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية    صبي ينتحر بعد إنفاق أموال الأب على الإنترنت    تقرير للأرصاد الجوية يعلن تقلص ثقب الأوزون    تيزنيت:منتخب عن "الحمامة" يحوّل الإنعاش الوطني إلى أجور لعمال شركته    أمرابط: رفضت عروضا من السعودية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة الدماغ    البنك الدولي يستعرض نموذج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في تقريره لسنة 2025    "البيجيدي" يطالب بعفو شامل عن معتقلي الحراكات ويكذّب أرقام أخنوش حول زلزال الحوز    إلى متى ستظل عاصمة الغرب تتنفس هواء ملوثا؟            صحافة النظام الجزائري.. هجوم على الصحفيين بدل مواجهة الحقائق    "عن أي دولة إجتماعية تتحدثون!"    ارتفاع ثمن الدجاج والبيض بشكل غير مسبوق يلهب جيوب المغاربة    منظمة النساء الاتحاديات تدعو إلى تخصيص الثلث للنساء في مجلس النواب في أفق تحقيق المناصفة                القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وتدين الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    قناة الجزيرة القطرية.. إعلام يعبث بالسيادة المغربية    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    فيدرالية اليسار الديمقراطي تنخرط في الإضراب العالمي عن الطعام تضامناً مع غزة        في ذكرى الرحيل الثلاثين.. فعاليات أمازيغية تستحضر مسار قاضي قدور    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب        المغرب يستضيف كأس العرب لكرة القدم النسوية في شتنبر 2027    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    مونديال طوكيو… البقالي على موعد مع الذهب في مواجهة شرسة أمام حامل الرقم القياسي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    «أصابع الاتهام» اتجهت في البداية ل «البنج» وتجاوزته إلى «مسبّبات» أخرى … الرأي العام المحلي والوطني ينتظر الإعلان عن نتائج التحقيق لتحديد أسباب ارتفاع الوفيات بالمستشفى الجهوي لأكادير    طنجة تستعد لتنظيم مهرجانها السينمائي الدولي في نسخته 14        رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية        "الأصلانية" منهج جديد يقارب حياة الإنسان الأمازيغي بالجنوب الشرقي للمغرب    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    فيلم "مورا يشكاد" يتوج بمدينة وزان    البطولة الاحترافية لكرة القدم.. بداية قوية للكبار وندية من الصاعدين في أول اختبار    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    أبرز الفائزين في جوائز "إيمي" بنسختها السابعة والسبعين    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون وآليات تدبير الاختلاف- بقلم محمد الحمداوي
نشر في التجديد يوم 07 - 07 - 2008


كيف ندبر الاختلاف في الرأي أو الموقف أو الاختيار؟ وكيف لا يسقط بعضنا في تخوين الآخرين والتشكيك في نواياهم بمجرد الاختلاف؟ سؤال مؤرق ظل يراودني منذ حوالي اثنين وعشرين سنة، حيث كانت صدمتي الأولى من وقع خطاب التخوين والتشكيك في الآخرين بمجرد الاختلاف. فقد فاجئني أحد المشايخ، من الذين كنا نستضيفهم في إطار الدروس الشهرية بأحد المساجد بألمانيا، فبعد أن انتهى الشيخ من درسه الرفيع الذي كان يحمل دلالات وعبر عميقة، وفي جلسة خاصة مع زمرة من أبناء التنظيمات الإسلامية هناك حيث كنا نسأله عن أحوال الصحوة في البلاد الإسلامية، فانطلق شيخنا المفوه في الخطابة والوعظ يعرض بهذا ويكيل التهم لذاك، ولم يسلم أحد ممن اختلف معهم في الرأي من الدعاة والعلماء، من تهم الخيانة أو العمالة. وقد ظلت تلك الصورة منطبعة في ذهني، وترد علي كلما تعرضت لموقف مماثل حيث تأكد عندي مع مرور الزمن وكثرة الشواهد بأننا أمام ظاهرة حقيقية تحتاج إلى علاج. فعلى سبيل المثال قلما تجد إنصافا في حق من خرج من جماعة إسلامية لسبب من الأسباب، بل غالبا ما تصدر الأحكام الجاهزة في حقه باختياره الحياة الدنيا على الآخرة وتغليبه المصالح الذاتية على مصلحة الجماعة، بل قد يصل الاتهام إلى التخوين. وإذا أردنا أن نتوقف عن بعض الشواهد الدالة، سنجد مثلا أنه في تركيا لم يسلم أوردغان من هذه التهم التي تسمعها من مخالفيه في المدرسة السابقة، وأيضا لم يسلم من ذلك الذين اختلفوا مع الحركة الإسلامية في السودان ممن صاروا اليوم في سدة الحكم، ثم لم تسلم من ذلك الشخصيات التي أسست حزب الوسط في مصر أو التي تحاول ذلك في الأردن. وفي المقابل، قد تجد نفس التعاطي غير المنصف في حق المختلفين من الجهة الأخرى. ففكر أربكان يعتبره مخالفوه متجاوزا، والترابي صار عند معارضيه علمانيا، وجماعة الإخوان المسلمين متهمة بالاستبداد التنظيمي. وهكذا تجد نفسك أمام حالات كثيرة تدل على أزمة حقيقة في ثقافة الاختلاف يعيشها العمل الإسلامي. ولا ترتبط هذه الإشكالية فقط بالتنظيمات الحركية، بل قد تجد تعبيراتها أيضا خ وربما بشكل أسوءخعند الذين لا ينتمون لأي تنظيم، بحيث لا يتوقف الأمر عند الاتهام بالعمالة، بل قد يصل إلى التشكيك في عقيدة المختلف معهم. ومن الملفت للانتباه أن جميع هؤلاء الذين تجد عندهم اختلالا في الحكم على الآخرين عند الاختلاف في الرأي أو الموقف أو الاختيار، يتفقون بشكل عجيب على أن أسباب الاختلاف والفرقة تكمن فقط في اتباع الهوى وضعف الإيمان والتعصب التنظيمي، دون غيرها من الأسباب الأخرى. ويجدر بنا أن نضع هذه التفسيرات على محك التساؤل النقدي: فإذا كانت تلك الأسباب كافية فلماذا لم نستطع بعد علاج الظاهرة وتجاوزها؟ ثم ألا يمكن أن نقف عند تفسيرات أخرى تسهم في علاج المشكل؟ ألا يوجد لدينا تقصير في الأخذ بآليات تدبير الاختلاف كما تعارف عليها الناس في مختلف المجتمعات، والتي ربما كان الخلاف في بعض حالاتها أقوى وأشد؟ إن علاج الظاهرة/ الداء ، ينطلق أولا من الاعتراف بوجودها، واعتبارها تجليا من تجليات ضعف تجربتنا في تدبير الاختلاف، وهي مقدمة أساسية لأجل الارتفاع عن منطق التخوين والنيل من الآخرين. وبالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى تطوير ثقافتنا التنظيمية لتستوعب أساليب تدبير الاختلاف، بالاستفادة مما وصل إليه الكسب البشري في هذا المجال، وخاصة ما يتصل بوضع قنوات لتصريف الاختلاف عبر آليات الديمقراطية والتفاوض العقلاني ومواجهة الأفكار لا الأشخاص، وغيرها من الآليات التي ستسهم في تعميق الأبعاد الموضوعية من خلال الجانب الإجرائي في العملية. إن الأمر الطبيعي والأصلي هو أن يكون أبناء الحركة الإسلامية نموذجا في مقام تمثل معنى الاختلاف رحمة، وذلك بحكم رصيدهم الشرعي وتربيتهم الدينية التي تزكي فيهم تلك الإشراقات التي زخر بها تاريخ المسلمين في تدبيرهم للاختلاف، وبين أيدينا مثلا الإمام الشافعي الذي قدم لنا قاعدته الذهبية في تدبير الاختلاف في الرأي، حين قال: رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ... فإذا ما استلهم أبناء الحركة الإسلامية هذه الخلفية الروحية العميقة، واتجهوا انطلاقا منها إلى تطوير البنيات والآليات التي تسهم في تدبير الاختلاف، دون الركون إلى التفسيرات السهلة التي تربط الظاهرة فقط بضعف الإيمان وإتباع الهوى وغيرها من المقولات الجاهزة التي قد تكون في بعض الحالات صحيحة، حينئذ يمكن أن يرتفعوا إلى ذاك المقام المنشود الذي لن يكتمل إلا إذا تم الأخذ بمختلف الأبعاد السننية الاجتماعية والتنظيمية في تدبير الاختلاف كما تبلورت في الاجتماع الإنساني. وفي المحصلة، فإن الحوار والتدبير العقلاني للاختلاف حاجة موضوعية وضرورة حضارية، للحيلولة دون سيادة ثقافة التخوين والتشكيك، التي تنتهي إلى أن يحيد المجتمع عن الصواب، وينهار مقوم أساسي من مقومات العمران البشري، ويكون ذلك باعثا على خراب وتدهور العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وبروز التناقض الفكري والنفسي في شخصية الإنسان. إن الأخذ بآليات الحوار العقلاني البناء كفيلة بتوفير أجواء النقاش الموضوعي لمختلف الآراء والحفاظ على الشخصية الاعتبارية لأصحابها، وبناء الشخصية المتوازنة القادرة عل القيام بمهام النهوض الحضاري .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.