مؤتمر القمة الإسلامي يؤكد رفضه التام للمخططات الانفصالية التي تستهدف المس بسيادة الدول    الحكومة التايلندية توضح حقيقة اختطاف عشرات المغاربة واستعبادهم        بانجول.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تؤكد الأهمية الإستراتيجية لمبادرة جلالة الملك لفائدة "الدول الإفريقية الأطلسية"    هل يستسلم المحافظون لمصيرهم في الانتخابات البريطانية بالاستمرار تحت قيادة سوناك؟    الزمالك المصري يلعب ورقة المال للفوز على نهضة بركان    المغربية آية العوني تتوج ببطولة أنطاليا لكرة المضرب    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    فيدرالية ناشري الصحف تدعو لاستثمار تحسن المغرب في تصنيف حرية الصحافة العالمي    قناة الجزيرة تدين "الفعل الإجرامي الإسرائيلي" بإغلاق مكتبها    قتلى ومفقودون جراء فيضانات البرازيل    حماس تقول إنها "حريصة على التوصل لاتفاق شامل" بغزة وإسرائيل ترفض وقفا دائما للحرب    الدرهم يرتفع بنسبة 0,51 في المائة مقابل الدولار    المغرب يسحب أول دفعة من قرض 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    محكمة الحسيمة تدين شخصا افتض بكارة فتاة قاصر    زوجة الدكتور التازي تعانق الحرية في هذا التاريخ    انطلاق عملية " العواشر" بساحة الهوتة بشفشاون    التداول النقدي بالمغرب يتجاوز 400 مليار درهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024    لشكر زعيم الاتحاد الاشتراكي: الشعب الجزائري يؤدي الثمن على دفاع نظامه على قضية خاسرة والعالم كله يناصر مغربية الصحراء    نشرة إنذارية.. موجة حر مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    "نوستالجيا" تحصد جائزة الجم للمسرح    حقيبة يد فاخرة بسعر سيارة .. استثمار ذو وزن    الجزيرة: القرار الإسرائيلي "فعل إجرامي"    فينسيوس يسخر من لامين يامال    برلماني يسائل وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات..    وثائقي يسلط الضوء على 6 ألوان فنية شعبية بضفاف وادي درعة    التأكيد على أهمية تطوير الشراكة بين الإيسيسكو والسنغال في التربية والعلوم والثقافة    برنامج دعم السكن ومشاريع المونديال تنعش قطاع البناء خلال اوائل 2024    اختلاس وتبديد فلوس عمومية جرّات مسؤولين فمركز الاستشارة الفلاحية بالحسيمة لغرفة الجنايات ففاس    هل زيادة 1000 درهم في الأجور قادرة على مواكبة نفقات الأسر المغربية؟    قلعة مكونة تحتضن الدورة 59 للمعرض الدولي للورد العطري    رشق إيريك زمور بالبيض خلال حملته الانتخابية    ڤيديوهات    زلزال يضرب دولة عربية    الفنان الجم يكشف حقيقة إشاعة وفاته    مهرجان سينما المتوسط بتطوان يعلن أسماء الفائزين بجوائز دورته ال29    تفتيش شابة بمحطة قطار أصيلة يسفر عن مفاجأة مثيرة    وضعية الماء فالمغرب باقا فمرحلة "الإنعاش".. نسبة ملء السدود وصلت ل32 فالمية وبدات فالتراجع    البطولة الإفريقية ال18 للجمباز الفني بمراكش: المغرب يحتل المرتبة الثانية في ترتيب الفرق في فئة الذكور    طنجة.. مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس" يرفع شعار الإبداع والتلاقح الفني    قاتل والده بدوار الغضبان يحاول الانتحار بسجن سيدي موسى بالجديدة    فيتنام تسجل درجات حرارة قياسية فأبريل    رئيس أساقفة القدس المطران عطا الله حنا يوجه رسالة إلى مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي الدكالي    بطولة انجلترا: إيبسويتش تاون يعود للدوري الممتاز بعد 22 عاما    جائزة ميامي للفورمولا واحد : فيرستابن يفوز بسباق السرعة    اللعابا د فريق هولندي تبرعو بصاليراتهم لإنقاذ الفرقة ديالهم    من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟    إدارة المغرب التطواني تناشد الجمهور بالعودة للمدرجات    دراسة.. نمط الحياة الصحي يمكن أن يضيف 5 سنوات إلى العمر    الأمثال العامية بتطوان... (589)    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الخطاب السياسي الإسلامي وعقدة الاستعلاء- بقلم سعد الدين العثماني
نشر في التجديد يوم 31 - 08 - 2008


ينطلق جزء كبير من الخطاب السياسي الإسلامي من منطلق الاستعلاء على الآخر والاستغناء عنه، فهو يخاطب غيره من فوق على أساس أنه يملك الحقيقة المطلقة، ويتعامل مع الآخر من منطق الاكتفاء بقدراته وطاقاته، ويتحرك كأنه وحده سيحقق أهداف الأمة كلها دون حاجة إلى التعاون مع الآخرين . وهذه السمة مبنية على أخطاء في العلم والتقدير عميقة، منها : 1 رفع الاجتهادات السياسية إلى مستوى الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة، فيعتبر الرأي المخالف فيها باطلا مجافيا للحق، بل قد يتخذ مناط الولاء والعداء، وقد ينسب المخالف في الاجتهاد السياسي إلى البدعة والفسوق، إن لم يكن إلى الكفر، وهذا كله مخالف للكتاب والسنة ولما عليه سلف الأمة في هذا الباب. 2 الانطلاق من تزكية النفس وتنزيه الذات، في مقابل الحط من الآخر وتضخيم عيوبه، ولسان حاله يقول : أنا الأعلم بالشرع، والآخر لا يدري شيئا، وأنا الاتبع للشرع، والآخر حائد عنه، ومن ذلك قوله تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) النجم 32 . 3يعتبر الخطاب المستغني نفسه كاملا، مكتفيا بذاته، لا يحتاج إلى من ينبهه إلى خطأ أو يعرفه بنقص، كما لا يحتاج إلى استفادة من الغير، ومن ثم : فهو يخوض تجربته السياسية وحده، ويصوغ أحكامه ( أو اجتهاداته) وحده ولا يأخذ بعين الاعتبار ما يقوله غيره ولو كان من العلماء المعتبرين أو المجربين المحنكين. 4 تنتهي هذه السمات المتسلسلة إلى أن ينظر الخطاب المستغني إلى الأفكار والأشخاص نظرة تتسم بالطلقية، فهي إما خير محض وإما شر محض، والآخرون إما أصدقاء وإما أعداد، ولا حل وسط، ولا مجال لأي تطبيق جزئي أو أي تدرج. وهذا يناقض بدهيات العقول، كما يناقض ما كرره علماء السلف من أن أي شخص أو طائفة قد يكون عندها بعض الحق أو بعض الصواب الذي يجب أن يعرف لها. والاختيار في مجال السياسة الشرعية يتم على أساس الارضى من الموجود و الغالب أنه لا يوجد كاملا، فيفعل خير الخيرين، ويدفع شر الشرين، ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول : أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر، لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك > سورة روم لما اقتتلت الروم وفارس، والقصة مشهورة، وكذلك يوسف : كان نائبا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان < . إن هذه المقدمات أنتجت خطايا سياسيا ذا سلبيات بالغة الأثر منها : أنه خطاب يفقد خاصتي الرفق واليسر، ويشكل بذلك مصدر توجس وخوف، وربما مصدر رعب وفزع، قد يؤدي قد يؤدي إلى فقد الأصدقاء وتكثير الأعداء، وفتح جبهات لا مبرر لها. والأصل أن يكون الخطاب السياسي خطابا مطمئنا، رفيقا، ميسرا متلطفا، متوددا... (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل : ,125 ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فصلت:,43 > المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف < . وفي خطاب السياسي للدعوة من الخلل والنقص، وفي تأثيره من المفاسد، على قدر نقص تمثله لتلك المعاني. أنه خطاب يلغي من حسابه الآخر وظروفه وردود فعله، وينطلق كأن صاحبه هو الطرف السياسي الوحيد في الساحة. كما يلغي من حسابه ذوي الفضل والعلم وذوي الخبرة والسابقة، كأن عهد صاحبه يشكل قطيعة مع سابقيه، فهو الفاتح لما أغلق، والآتي بما لم تستطعه الأوائل، وهو بذلك يلغي تجاربهم وينتقص الاستفادة منها، ويكرر أخطائهم باستمرار. أنه خطاب مستعل، لا يطرح نفسه بوصفه اجتهادا، أو رأيا، أو اقتراحا فيه ما في اجتهادات البشر من القصور والمحدودية، بل يضفي على نفسه مطلقية الوحي وكماله، وعصمة من نزل عليه، وكل هذا يجر إلى إصدار الأحكام والاستنتاجات المطلقة بدل فتح باب الاحتمالات، وأخذ الأمور فهما ومواجهة، من منطلق النسبية والأولويات والفرص المتاحة والإمكانات الذاتية. أنه خطاب قادح جارح، ينتقل من مناقشة وانتقاد الأفكار، إلى اتهام الأشخاص والهيئات، ونبش النوايا والخلفيات. وأصول الشرع تقضي باستئثار الله تعالى بعلم النوايا، والتقحم فيها- بالتالي- رمي بالظن وكلام بغير دليل، وفي المقابل : يجب العمل وتصريحاته المعلنة، واعتبار الاتفاق أو الاختلاف معها أمرا اجتهاديا مبنيا على آراء وترجيحات، وهذا ما يجنب التصنيفات والاتهامات المجانية التي لا رصيد لها. وبعد، فليس ما ذكر إلا بعض ما استدرك على الخطاب السياسي الإسلامي، وكله كما قلنا- لا يلغي إيجابياته في حياة الأمة، وعسى أن نستدرك ما فات، ونصلح النقص، وندرا الخلل، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.