صباح مثل هذا اليوم، قبل نصف قرن، كان قلب عمر بنجلون ما يزال يخفق بالحياة، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي المحامي، الصحافي، والمناضل، لم يكن يدري أن ساعات قليلة فقط تفصله عن النهاية. في ذلك اليوم من دجنبر 1975، كان بنجلون منغمسا في عمله كعادته، في منتصف النهار، جلس بين أفراد هيئة تحرير جريدة المحرر، سألهم عن أفكار لمقال أو افتتاحية، نوقشت فكرة تناول خبر نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء حول إنزال عتاد حربي ورجال غير صحراويين من طرف قوارب جزائرية بميناء الكويرة، استمع عمر للجميع، ثم طلب ورقة وقلما، وأخذ يملي المقال. بعد ذلك غادر عمر مقر الجريدة، ركب سيارته الرونو 16 ذات اللون الأبيض الرمادي، واتجه نحو منزله بالدار البيضاء، الذي وصله حوالي الثانية والنصف بعد الزوال، كان عليه بعد ذلك أن يرافق والدته إلى منزل أحد الأقارب. عند الثالثة وعشر دقائق، وقف عمر أمام باب سيارته ليفتحه، فباغتته ضربة قوية بقضيب حديدي من الخلف، استدار على إثرها وهو آيل للسقوط، قبل أن يتلقى طعنة في الصدر ثم أخرى في الظهر، فر المعتدون، وتركوا جسده مسجى على الأرض. بعد دقائق، حضرت عناصر الشرطة إلى مكان الجريمة بشارع كامي دي مولان، المعروف اليوم بشارع المسيرة، الجثة كانت ممددة قرب السيارة، بذلته الرمادية وقميصه ملطخان بالدماء، وحاملة مفاتيحه تسبح في بركة دم متجمد. اليوم، بعد نصف قرن، لا يعود استحضار عمر بنجلون مجرد وفاء لذكرى شهيد، بل مرآة قاسية لما آل إليه الاتحاد الذي ضحى من أجله بروحه. خمسون سنة مرت على اغتيالك يا عمر، لم تمت الفكرة، لكن الذين بقوا خانوا المعنى.