قال الدكتور مصطفى بنحمزة إن الإمكانات الهائلة البشرية والمادية التي رصدت للمسلسل الإيراني يوسف عليه السلام، مكنته أن يجتذب الناس، مضيفا أن هذا العمل الإيراني الشيعي هو تمهيد لعمل خطير جدا مستقبلي هو مسلسل الحسين، وهؤلاء يكتسبون الآن زبناء كما أن نسبة المشاهدة مضمونة الآن، فعندما يتحدثون عن الحسين فلا شك أن ذلك سيثير كل ما يتنازعه الناس في التاريخ حول الصحابة وما وقع بينهم. ونبه بنحمزة إلى أنه لا يجب أن نبقى دائما في موقف الدفاع والانتقاد، بل لا بد أن نوجه اللوم إلى أنفسنا وإلى الآلة الفنية في العالم الإسلامي السني، وتأسف رئيس المجلس العلمي لوجدة لأن المبادرات تأتي دائما في الاتجاه الآخر، وشدد على أنه إذا لم نفعل شيئا فسنؤدي ثمن الفراغ والخلل. وتساءل بنحمزة: أين يوجد هؤلاء الذين يشتغلون في المجال الفني حينما لا يهتمون بالشخصيات التي تشكل جزءا من تاريخ الأمة، هل المغرب بالنسبة لدينا هو المغرب الذي نراه في بعض مسلسلات العقوق؟، أو الذي فيه دائما ميل إلى الإنحراف، المغرب الذي نعرفه هو مغرب الفضيلة ومغرب خدمة العلم، أين هي هذه الجحافل من العلماء والفاتحين والصالحين؟ ألا يستحق واحد منهم أن تعرض سيرته في عمل فني ليعرفه الناس؟ ألا يستحق يوسف بن تاشفين أن يكتب عنه؟ ألا تستحق معركة وادي المخازن وهي معركة واجه فيها المسلمون المغاربة الصليبية العاتية أن نقدمها للعالم الإسلامي؟وفيما يلي نص الحوار: عرضت فضائية المنار اللبنانية مسلسلا إيرانيا مدبلجا إلى العربية يحكي قصة النبي يوسف عليه السلام، وتم فيه تجسيد النبيين يوسف ويعقوب وملك الوحي وملك الموت عليهم السلام من قبل بعض الممثلين، كيف ترون هذه المسألة؟ أرى أن هذا الأمر له آثار خطيرة على الرؤية الدينية للنبوة، وسيكون له تداعيات فيما بعد، ولا يمكن قول أي شيء على هذا المسلسل إلا من خلال دراسته دراسة نقدية، فمن حيث المبدأ، فإن مسلسلا يستغرق أكثر من أربعين حلقة، هو طبعا مسلسل طويل، علما أن المادة الصحيحة المتوفرة حول نبوة النبي يوسف عليه السلام، مما ذكره القرآن وفي صحيح السنة لا يمكن أن يمطط لأجل أن يستوعب أكثر من أربعين حلقة، ومعنى هذا أن منتج هذا المسلسل سيكون في حاجة إلى أحد أمرين إما إلى اختلاق الأخبار وربطها بالنبي يوسف، وهذا ادعاء لا يجوز في حق الأنبياء، وإما أن يلجأ إلى الإسرائيليات وهذا أيضا شيء محظور، فالمتوفر من المادة العلمية الصحيحة لا شك أنه لا يتسع لكل هذه الحلقات الكثيرة. بخصوص المصادر العلمية، مؤلف المسلسل وهو في نفس الوقت مخرجه قال إنه اشتغل مدة أربع سنوات بمعية عدد من الباحثين واستند إلى 20 مجلدا هي كلها تفاسير للسنة والشيعة؟ ينبغي الإشارة هنا إلى أن كثيرا من التفاسير لا تتورع عن ذكر الإسرائيليات، لأن الكاتب كان حينما تعوزه المادة العلمية أو التفاصيل فإنه يلجأ إلى الإسرائيليات، وهي مصادر غير مأمونة ولا يمكن اعتمادها، لأن الرؤية اليهودية للنبوة مغايرة تماما للرؤية الإسلامية، فالأنبياء في المعتقد الإسلامي هم معصومون، ولكن بالنسبة لغير المسلمين فهم يوصفون بأشياء لا تقبلها العقيدة الإسلامية، والخلاصة أن المادة العلمية الصحيحة لا تسعف لكل هذا التطويل ومن هنا كان تمطيط واختلاق تفاصيل وأخبار لا أساس لها، ولم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، بل إن النصوص والأحداث تكون في بعض الحالات مخالفة للنص القرآني، طبعا لم أتابع المسلسل من أوله إلى آخره، ولكن في اللحظات التي أتيحت لي متابعته رأيت مخالفات، مثلا أنهم يذكرون أن يوسف عليه السلام لبث في السجن 13 سنة، والنص القرآني فيه فلبث في السجن بضع سنين والبضع تكون من سبعة إلى تسعة، إذن فهذا التحديد مخالف للنص القرآني، ثم إن هناك أخطاء أخرى علمية، فالصواع ليست هي الإناء الواحد، بل الصواع هو متعدد الصاع الذي تكال به المواد، إذن هناك أخطاء علمية كثيرة جدا، لأن أصحاب المسلسل ليست لهم صلة بالفهم الشرعي أو بالنصوص الشرعية، فهم أناس ربما يشتغلون في مجالات أخرى، ولكنهم غير قادرين حتى على التعامل مع هذه الكتب التي يزعمون أنهم استندوا إليها، من ناحية ثانية فالقداسة التي عند المسلمين وهم يعتقدون نبوة موسى أو عيسى أو يوسف عليهم السلام، هي قداسة يجب أن تبقى في مكانها، فحينما تربط بشخص معين ويكون هذا الشخص قرين بيوسف، بمعنى أنه في متخيل الناس سترتبط شخصية النبي يوسف ومواصفاته وجماله في شخص الممثل الذي أدى الدور في المسلسل، كل ذلك سيؤدي إلى إهدار قيمة هؤلاء، فهذه قداسة يجب أن يبقوا عليها، لكن لا شك أن هذا المسلسل حطم قيمة النبوة، وأزال القدسية عنها من خلال تجسيد معانيها في أشخاص معينين اختارهم المخرج. لكن رغم كل هذه التحفظات والملاحظات التي كان يدركها ويعلمها الكثير من المشاهدين، إلا أنهم كانوا يتابعونه باهتمام؟ أظن أنه بسبب الإمكانات الهائلة البشرية والمادية التي رصدت لهذا المسلسل، استطاع أن يجتذب الناس لأنهم من جهة يؤمنون بالقصة، ولأن ما وظف من الإمكانات والتقنيات الشيء الكبير، وعلى أي حال نقول أنه من الناحية الفنية كان جذابا، لكن هل هذا هو المطلوب؟ هل العقيدة والمعتقد الشيعي الآن يصح أن يكون مصدرا لاستقاء المعارف عموما، نحن نعرف أن الشيعة لا يأخذون بالبخاري وبكتب السنة المعتمدة، فالمصدر أو المادة شيعية تصلح للإنسان الشيعي، ولكنها لا تصلح للإنسان السني، ثم أنني أظن أن هذا العمل هو تمهيد لعمل خطير جدا مستقبلي هو مسلسل الحسين، وهؤلاء يكتسبون الآن زبناء كما أن نسبة المشاهدة مضمونة الآن، فعندما يتحدثون عن الحسين فلا شك أن ذلك سيثير كل ما يتنازعه الناس في التاريخ حول الصحابة وما وقع بينهم، ونحن نعرف أننا نجل الصحابة ولا نقول فيهم ما يقوله هؤلاء الشيعة، فإذا تم إنتاج كما أعلنوا ذلك وشاهده الناس سيرون العقيدة والفكر الشيعي الذي يقوم على فكرة المظلومية؛ أي أن الحسين ظلم وإن الذين ظلموه هم الصحابة، وسيؤدي هذا في نهاية المطاف إلى خدمة المعتقد الشيعي، وأنا أرى أنه ينبغي الحذر من هذا كله. لكن ما العمل إزاء كل هذا؟ أنا أظن أننا لا يجب أن نبقى دائما في موقف الدفاع والانتقاد، بل لا بد أن نوجه اللوم إلى أنفسنا وإلى الآلة الفنية في العالم الإسلامي السني، نأسف لأن المبادرات تأتي دائما في الاتجاه الآخر، وإذا لم نفعل شيئا سنؤدي ثمن الفراغ والخلل. أنا أتساءل أين يوجد هؤلاء الذين يشتغلون في المجال الفني حينما لا يهتمون بالشخصيات التي تشكل جزءا من تاريخ الأمة، هل المغرب بالنسبة لدينا هو المغرب الذي نراه في بعض مسلسلات العقوق أو الذي فيه دائما ميل الى الانحراف، مثل مسلسل وجع التراب الذي هو عمل روائي مترجم ومقتبس عن ثقافة أخرى لا تمثلنا ولا تعبر عنا، ويتحدث عن أنماط من العقوق لا توجد في مجتمعنا، وحتى وجد بعض منه فإن ممارسه مرفوض ومنبوذ في بيئتنا وثقافتنا أو الذي فيه دائما ميل إلى الإنحراف، المغرب الذي نعرفه هو مغرب الفضيلة ومغرب خدمة العلم، أين هي هذه الجحافل من العلماء والفاتحين والصالحين؟ ألا يستحق واحد منهم أن تعرض سيرته في عمل فني ليعرفه الناس؟ ألا يستحق يوسف بن تاشفين أن يكتب عنه؟ ألا تستحق معركة وادي المخازن وهي معركة واجه فيها المسلمون المغاربة الصليبية العاتية أن نقدمها للعالم الإسلامي؟ لكن يبدو أن الجهاز الفني عندنا ليس له موضوع ويطارد السراب وهو خارج السياق، إنه يؤمن بشيء هو الحرية التي ليس لها معنى من المعاني، ومع ذلك أعتقد أن المسرح والسينما لهما رسالة كبيرة، لذلك يجب أن يوجد فيها لجن الحكماء لتصوب هذا المسار وتعدله، فهذه فنون عظيمة يجب أن تحمل مشروعا مجتمعيا ورؤية المجتمع لا رؤية زيد ولا عمرو، نحن لا نتحدث عن مسرح ديني، ولكن عن مسرح إنساني وطني يخدم كل هذه القيم التي يشرفنا أن نكون منتسبين إليها. نريد أن نقول لهم إن هناك واجبا، يجب أن يقوم به أصحابه بالتعاون مع الأقلام الجيدة والفنانين، وأن يكفوا عن هذا الابتذال والسقوط والهبوط الذي يقع فيه البعض. في بعض المرات عندما يقدم لي أحد السوريين بلده من خلال مسلسل باب الحارة مثلا، الذي يقدم المجتمع السوري كما يريده، مجتمعا فيه العلماء يحتلون مكانة، وفيه صلح وشهامة، أستحيي أن أقدم المغرب على أنه بلد كل قصصه هو ما نراه من الأشياء الصغيرة التي لا تمثل حقيقة الشخصية المغربية والأصالة المغربية في شيء، ولكن مع ذلك عندما نقارن ما نفعله نحن وبما فعله هؤلاء الشيعة من تجييش إمكانات ضخمة لإنجاز شريط استقطب العالم الإسلامي السني، معنى ذلك أن هناك خللا ينبغي تصحيحه.