تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عز الدين أقصبي،الكاتب العام ل" ترانسبرانسي المغرب" ل"التجديد": محاربة الرشوة في المغرب مجرد خطاب
نشر في التجديد يوم 04 - 01 - 2010

مع السادس من يناير تكون الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة قد دخلت سنتها الرابعة عشرة، ومع هذا الموعد سينعقد جمعها العام لانتخاب هياكلها الجديدة وتقديم تقريرها عن سنة ,2009 يتزامن ذلك مع صدور تقرير مؤشر الرشوة الذي صنف فيه المغرب في الرتبة ,89 متراجعا في ذلك عن السنة الماضية، ومسجلا رقم 3,3 الذي يرمز إلى وجود المغرب في وضعية مقلقة من حيث محاربة الرشوة. في هذا الحوار يعرض الأستاذ عز الدين أقصبي للأسباب المفسرة لهذه الرتبة المقلقة التي حظي بها المغرب، كما يشخص وضعية المغرب من حيث محاربة الرشوة ومنسوب الشفافية، ويتحدث عن الثغرات القانونية والمؤسساتية التي تمنع المغرب من التقدم خطوة إلى الأمام في مجال محاربة الرشوة، ويعتبر أن المشكل الأساسي ف(ي هذه القضية هو عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لترجمة الخطاب إلى سياسة لمحاربة الفساد والرشوة على الأرض .
في التقرير الأخير المغرب تقهقر في مؤشر الرشوة إلى الرتبة ,89 في نظركم ما هي الأسباب التي تفسر هذا التراجع؟
الواقع أن مؤشر الرشوة يصنف العديد من الدول، ويمكن لبعض الدول أن تتراجع بسبب تقدم دول أخرى تحسنت وضعيتها. بالنسبة لهذه السنة، تم التصنيف بين 180 دولة، وعلى العموم، المغرب منذ عشر سنوات، أي منذ سنة ,1999 وهو يساهم في هذا المؤشر، لكن حين نقارن النقطة التي حصل عليها المغرب بين سنة 2000 التي حصل فيها المغرب على 7,,4 وحاليا حصل المغرب على 3,3 وهي في الحقيقة نقطة تعبر عن مستوى جد مقلق من ناحية تحقيق الشفافية ومحاربة الرشوة.
للأسف المغرب يوجد به خطاب قوي بخصوص محاربة الرشوة، لكن هذا الخطاب يبقى مجرد خطاب ولا ينعكس على مستوى الواقع والممارسة، فلا زالت الوضع السابق بممارساته هو السائد اليوم، هذا إن لم نقل إنها تتعمق وتزداد تعمقا إلى درجة أنه أصبحت هناك ثقافة التطبيع مع واقع الرشوة واعتباره أمرا عاديا وجزءا من الممارسة اليومية، والإصلاحات الأساسية التي ينبغي أن تتم، والخروج من وضعية اللاعقاب التي ينبغي أن ينخرط فيها المغرب حتى يمضي في اتجاه ضمان الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة، كل ذلك للأسف ليست هناك مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن هناك جدية لتنزيلها على الأرض. هناك اليوم قضايا مختلفة تبرز فيها صور الفساد والرشوة، وقد كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2007 عن أمثلة كثيرة في هذا الصدد.
لكن على مستوى متابعة هذه القضايا لا يوجد أي شيء. ففي ظل وضعية اللاعقاب، واللامتابعة، لا يمكن أن نتحدث عن تحسن في وضعية متقدمة للمغرب ضمن مؤشر محاربة الرشوة. أضف إلى ذلك عامل القضاء الذي يعاني بنفسه من مشكلة الرشوة ناهيك عن عدم مواكبته لقضايا الفساد والرشوة. ويكفي هنا أن نشير إلى أن البلدان التي يوجد بها قضاء مستقل وفعال، يفتح فيها تحقيق في قضايا الفساد والرشوة بمجرد إشارة ترد في صحيفة من الصحف، في حين لا زال القضاء المغربي بعيدا عن المواكبة. ومن الأمور التي تبرز الفرق الكبير عندنا في المغرب بين الخطاب والواقع، أن الإصلاحات التي تطلبت وقتا طويلا مثل قانون التصريح بالممتلكات والذي توجد به العديد من الثغرات التي نبهنا عليها في حينه، لم تصدر القوانين التطبيقية الخاصة بها إلى الآن، وحتى ولو خرجت، فيمكن أن تبقى سنين أخرى حتى يتم تطبيقها. وقد تطبق بشكل غير صحيح.
في المحصلة، نحن أمام قضايا كثيرة ومختلفة تؤكد بأنه ليست هناك في الواقع محاربة للفساد والرشوة، وهذا في الحقيقة يطرح مشكل المسؤولية السياسية، لأن جمعيات المجتمع المدني تقوم بما عليها على مستوى الرصد والمتابعة وإصدار تقارير والقيام بدراسات في الموضوع، لكن في نهاية المطاف، تبقى المسؤولية هي مسؤولية من يملك السلطة القانونية والسلطة الإدارية والتنفيذية. فهذه السلطة يوجه إليها اليوم سؤال جدي حول مدى وجود إرادة سياسية في اتجاه محاربة الرشوة والفساد، أم أن الأمر لا يتعدى سقف الخطاب دون أن يصل إلى الواقع. في الحقيقة، قضية محاربة الفساد والرشوة لا ينبغي أن نعتبرها مجرد ترف نحاول أن نمارسه على مستوى اللغة والخطاب. محاربة الفساد، ومحاربة الرشوة، هي الأساس الذي ينبغي أن نعتمده لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، إذ يمكن أن تعتمد العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتحدد أهدافا طموحة لتحقيقها، لكن حين تدخل الرشوة، ويدخل الفساد، يصعب أن تحقق هذه السياسات الاجتماعية والاقتصادية أهدافها، كما يصعب أن تنضبط للمسار الصحيح الذي رسم لها.
في اجتماع القاهرة الذي انعقد في السادس والسابع من دجنبر 2009 حول أفضل الممارسات لتحقيق الشفافية والنزاهة تم عرض التجربة المغربية كنموذج في محاربة الفساد وضمان الشفافية، وتحدث السيد الحسن العلوي السليماني رئيس الديوان بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، عن الخطوط العامة لسياسة المغرب في محاربة الفساد وركز على الدور المؤسسي والقانوني وعن مختلف آليات الرقابة التي وفرها المشرع المغربي وسبل التبليغ عن قضايا الفساد والقنوات المختلفة للتعامل معها، كيف تعلقون على هذا الخطاب؟
شخصيا لم أتابع هذا التصريح ولم أحط بتفاصيل هذا اللقاء وما دار فيه، لكن ما أستطيع أن أؤكده بهذا الصدد أن الواقع عنيد أكثر من الكلام والخطاب، وأعتقد أنه الآن أمام هذه الهيئات الرسمية سواء تعلق الأمر بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أو غيرها مشكلة إلزامية النتائج، وأعتقد الدراسات التي أنجزت خلال السنة الماضية تشير إلى عكس هذا الخطاب، فما بين نونبر 2008 إلى اليوم، أنجزت على الأقل أربع دراسات أساسية على مستوى الدولي طرحت فيها بشكل حاد مشكلة الرشوة بالمغرب وأبرزت هذه الدراسات مجتمعة أن هناك تراجعا على مستوى محاربة الرشوة في المغرب. الذين يتحدثون عن تقدم في الحالة المغربية يحاولون أن يرتكزا على ما يتوفر عليه المغرب من ترسانة قانونية بهذا الخصوص، لكن ما فائدة وجود هذه الترسانة القانونية وما العائد الذي يجنى منها إذا لم تكن تطبق. أن تكون هناك بنية مؤسسية لمحاربة الفساد، وأن تكون هناك هيئة تضطلع بهذه المهمة، لكن أن تكون هيئة شكلية هذا شيء آخر. أن تصدر تصريحات قوية بخصوص محاربة الفساد هذا شيء، لكن ما يوجد في الواقع وفي الممارسة شيء آخر مخالف تماما للمعلن في الخطاب.
وهذا في الحقيقة هو المشكل الذي يتردى فيه المغرب، نحن نملك خطابا وكلمات قوية في مواجهة الفساد ونملك قوانين لو تم تفعيلها لأعطت ثمارا إيجابية على مستوى محاربة الرشوة والفساد، لكن الواقع في الحقيقة يسير عكس هذه التصريحات، وعكس هذه القوانين تماما. وأعتقد أن المشكلة الرئيسة تمكن في عدم وجود إرادة حقيقية في الخروج من وضعية اللاعقاب، وفي مواجهة الرشوة والفساد في جميع المستويات، بما في ذلك رجال السلطة. طبعا المطلوب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لبعض رجال السلطة خاصة منهم رجال الدرك والأمن، وأن نعالج قضية الأجور، لكن هذا لا يعني أننا ينبغي أن نكون متسامحين في قضية الرشوة والفساد، ينبغي أن نعالج المشكل من جميع جوانبه، وأن يسري القانون على الجميع بحذافيره.
في الخطاب الرسمي دائما يتم التعلل بكون ظاهرة الرشوة هي قضية خفية يتعذر قياسها كما يتعذر ضبطها وتتبعها في غياب أدلة واضحة تكشف المتورطين فيها. إلى أي يمكن أن يكون هذا التعليل مبررا معتمدا لتفسير عدم فعالية السلطة التنفيذية في مواجهة الرشوة؟
هذا تعليل مجاني، لأن هناك اليوم تجارب دولية مختلفة كانت فيها إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد والرشوة، ومنحت فيها إمكانيات لمحاربة الرشوة وكانت النتيجة أن انقلبت وضعية هذه الدول من وضعية جد مقلقة إلى وضعية جد متقدمة من ناحية الشفافية، ويمكن أن أسوق في هذا الصدد مثال هونكونغ. المشكل في المغرب، هو هل هناك استعداد حقيقي لمحاربة الرشوة والفساد لأننا نشاهد الرشوة ونرى اقتصاد الريع الذي تحدث عنه جلالة الملك محمد السادس في خطاب رسمي، ونحن نعرف أن اقتصاد الريع له ارتباط وطيد بالرشوة، وقد كنت كتابا مقالا من قبل ، اعتبرت فيه أن العكاز الذي تستند عليه الرشوة هو اقتصاد الريع، واليوم، لا زالت تجليات اقتصاد الريع في المغرب مستمرة وتخترق جميع الميادين، وتظهر بشكل كبير قي قطاع العقار، وقد كشف أغلبية المستجوبين في آخر دراسة في هذا الصدد، أن مشكلة الرشوة هي مشكلة جد جدية في المغرب وتوجد على مستوى عال. ولذلك، التعليل بكون الرشوة صعبة القياس، ومتعذرة الضبط والمتابعة يبقى تعليلا مجانيا، إذ لو كانت هناك إرادة سياسية حقيقية، لوفرت الإمكانيات الضرورية لمحاربة الرشوة، ولوفرت المنظومة القانونية والمؤسسية اللازمة للشروع في تنزيل هذه السياسة على الأرض. أعتقد أن الحلول التقنية ليست أمرا صعبا إذا كانت لنا الإرادة السياسية للمضي في هذا الاتجاه، فلسنا الدولة الأولى التي ستقوم بهذه المهمة، فقد سبقتنا العديد من الدول، وهناك اليوم تجارب راسخة تمثل نماذج ناجحة في محاربة الرشوة يمكن أن نستلهمها ونبحث عن الإمكانيات التقنية التي يمكن من خلالها أن نرصد ونتابع هذه الظاهرة ونضع آليات محاربتها قانونيا ومؤسسيا.
نبقى على المستوى القانوني، المغرب لحد الساعة لا يوجد فيه قانون يسمح بالولوج للمعلومة كما لا نتوفر على قانون لحماية الشهود والمبلغين والخبراء؟
أعتقد أن هناك ثلاثة ثغرات من الناحية القانونية يلزم أن يتم تسويتها حتى يكون المغرب مستوفيا للترسانة القانونية لمحاربة الرشوة، تتعلق الثغرة ألأولى بعدم وجود قانون يسمح بالوصول إلى المعلومة، فعلى سبيل المثال هيئة التفتيش بخصوص الضريبة على الدخل تملك تقارير كثيرة ومتنوعة عن الاستعمال التدبير السيء للمال العام والرشوة وغير ذلك، لكن تلك التقارير لا تصل إلى الرأي العام ، فلو كان هناك قانون يسمح بالوصل إلى هذا التقارير لتم نشرها للرأس العام ولأمكن أن تكون مساعدا في كشف العديد من قضايا الفساد والرشوة، وتكمن أهمية هذا القانون في كونه يدفع الموطن والرأي العام ليكون طرفا قويا في محاربة الفساد والرشوة ، وتتعلق الثغرة الثانية بغياب قانون يمكن أن يحمي الشهود الذين يقدمون المعلومة عن حصول رشوة في هذه القضية أو تلك وقد برزت الحاجة إلى هذا القانون بشكل كبير في قضية أديب، وفي قضية محامي تطوان الذين وجهوا رسالة للتاريخ والذين أرادوا أن يساعدوا المسؤولين بفضح القضية إلى أنهم في الأخير دفعوا الثمن، أما الثغرة الثالثة فتتعلق بتعامل القانتون مع الراشي والمرتشي بنفس التعامل، مع أن كثير من الحالات يخضع فيها المواطن البسيط إلى عملية ابتزاز وضغط تجعله تحت إكراه الوقت أو الرغبة في نيل حقه القانوني أو أن يأخذ ملفه سيره الطبيعي، تجعله هذه الوضعية مضطرا لإعطاء الرشوة لكي يحل مشكلته. القانون المغربي يتعامل مع الراشي والمرتشي بنفس التعامل دون مراعاة للحالات التي يكون فيها ابتزاز أو ضغط للمواطن، في حين أن هناك في دول أخرى صور للتمييز بين الذين يلجأون إلى إعطاء الرشوة تحت ضغط أو ابتزاز وبين الذين يتعاملون بشكل عاد بعملية الارتشاء.
يلاحظ على منهجيتكم في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة أنتكم عمدتم في السنوات الأخيرة إلى التخصص في بعض القضايا والتركيز على منسوب الشفافية أو الرشوة فيها، بحيث تقومون بدارسة في قضية من القضايا وترصدون أهم الاختلالات فيها وتقدمون توصيات بشأنها كما فعل مؤخرا المرصد التابع لكم في قضية تحصيل الجبايات كما هو مبين في نشرتكم الثامنة ؟
هذا جزء من عمل المرصد وهو تابع للجمعية، وفي الحقيقة هذا يعكس تحولا في منهجية عملنا كجمعية، إذ لا ينبغي أن نبقى في العموميات في بعض المواضيع. فيكون هناك اشتغال على موضوع معين في بضعة أسابيع أو ربما شهور، وننشئ بهذا الصدد ورشات متخصصة في ذات الموضوع، ونحاول أن نقوم بالتشخيص، وأن نسجل الملاحظات وننتهي بعد عملية الرصد والمتابعة والتشخيص إلى الاقتراحات والتوصيات، وهذا في الحقيقة مجهود من طرف الجمعية من أجل أن يكون هناك تدقيق أكثر في بعض المواضيع الحساسية منها قضية المراقبة الضريبية، وقضية الانتخابات ومشكلة العقار. نحن برمجنا حوالي عشرة مواضيع ونحن نشتغل عليها الآن.
هل يمكن أن تكشف لنا عن هذه الموضوعات غير تلك التي نشرتم بشأنها تقارير أو دراسات نشرتها المرصد في نشرته؟
أذكر على سبيل المثال موضوعات ذات علاقة بقطاع التربية، وأيضا ما يتعلق بالوصول إلى المعلومة.
على مستوى الانتخابات، تابعتم محطة انتخابات ,2009 ورصدتم أهم الاختلالات التي عرفتها. بالنسبة إليكم ما هي الخلاصات التي انتهيتم لها وما هي السبل القانونية والمؤسساتية التي ترون أنها كفيلة للتصدي للفساد وتحصين الاستحقاقات الانتخابية من ظاهرة استعمال المال..؟
نحن في الحقيقة لم نتابع ولم نقم بعملية رصد انتخابات ,2009 ولكن كان لنا مع جمعية دولية مختصة تحليل الإطار القانوني للانتخابات الجماعية، وقمنا قبل ذلك بتحليل الإطار القانوني لانتخابات 2007 التشريعية، وحاولنا أن نقف عند الثغرات القانونية التي يمكن إصلاحها من الوصول إلى حل مشكلة استعمال المال، من بينها مراقبة المصاريف التي ينفقها المرشحون والقانون توجد فيه ثغرات كثيرة بالنسبة لمصاريف المرشحين. وقد اقترحنا حوالي 21 اقتراحا لمواجهة الثغرات القانونية التي يتضمنها الإطار القانوني العام للانتخابات، ولكن على العموم، تابعنا العديد من التقارير التي أصدرتها جمعيات دولية أو وطنية حقوقية أو جمعيات مدنية تنشغل بقضية مراقبة الانتخابات، وهذه التقرير في مجموعها تؤكد بأن الانتخابات في المغرب لا زالت كما كانت من قبل لم تحرر من ظاهرة استعمال المال واستعمال النفوذ والنتيجة أن نتائج الانتخابات لا تعكس الحقيقة الانتخابية ولا تعكس بالتالي الخريطة السياسية التي تمثل المجتمع.
لماذا ركزتم بالضبط مؤخرا على قضية التحصيل الضريبي، وما هي أهم الخلاصات التي انتهيتم لها بهذا الشأن؟
على المستوى الضريبي هناك العديد من المشاكل، هناك ظاهرة الرشوة، وهناك ما يسمى بالأسود وهناك أيضا التملص الضريبي، فعدد من الشركات لا تؤدي الضرائب أو تؤدي أقل من الواجب عليها. نحن أردنا أن ندرس هذا الموضوع لنتعرف أكثر على الوضعية.
وماذا على مستوى العقار؟ هل ستسلطون اهتمامكم على هذا القطاع؟
أنا أعتقد أن مشكلة العقار في المغرب مشكلة كبيرة، وينبغي أن يفرد له محور خاص للحديث. المشكل الأساسي في هذا القطاع هو أن الدولة تمنح مساعدات وامتيازات من خلال منح أراضي وكذلك التخفيف الضريبي، لكن المشكل المطروح هو أن هذه الاستفادة لا تسير في الاتجاه الذي رسمت له، بالإضافة إلى غياب الشفافية في هذا الميدان، إذ كان المفروض أن المساعدات التي تقدنها الدولة في هذا القطاع تساهم في التقليص من هذه الظاهرة، لكن الواقع يؤكد العكس خاصة في ما يخص السكن الاجتماعي.
كيف تقيمون تجاوب الدولة مع اقتراحاتكم وتوصياتكم جمعية مدنية منخرطة في محاربة الرشوة؟
في الحقيقة لحد الآن لا يوجد إلا تجاوب نظري ينعكس على مستوى الخطاب، ونحن ننتظر من الدولة أن تخرج من مرحلة الخطاب وأن تندمج في العمل الفعلي لمحاربة الرشوة.
ما هي الآفاق المستقبلية لجمعيتكم خاصة وأنكم مقبولين على جمع عام يوم 16 يناير لإعادة انتخاب الهياكل وإصدار تقريركم عن سنة 2009 وخطة العمل لسنة 2010؟
هذا اللقاء سيكون مناسبة لتشخيص الوضعية التي يعيشها المغرب، وفتح نقاش حول العديد من القضايا والملفات والخروج بشأنها بتوصيات وتقديم مرافعة اتجاه دولة لأن هناك إحساسا عاما بأنه لا يمكن أن نستمر في وضعية الانفصام الكبير الموجود بين الخطاب والواقع على مستوى محاربة الرشوة والفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.