حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    بطولة إيطاليا لكرة القدم.. تأجيل احتفالات فريق إنتر باللقب ومباراته ضد تورينو إلى الأحد المقبل    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطور المؤسساتي للشورى عند حركة التوحيد والإصلاح-الحلقة الثالثة
نشر في التجديد يوم 22 - 06 - 2005


محددات تطوير مؤسسة الشورى
في الحلقة السابقة تطرق كاتب المقال إلى مجموعة من القيم التي تستند إليها الشورى، وكلما غابت هذه القيم تضاءلت فرص التطور المؤسساتي للشورى، ولذلك فهذه الأخيرة تؤطر بالسياق الثقافي للمجتمع. كما تناول أيضا العوائق التي تعترض سبيلها مشيرا إلى أنها عوائق وليست موانع نهائية من تنزيل الشورى وتطور مؤسساتها.
اعتماد مقاربة معرفية
يجب ألا تفهم الرقابة بالمعنى العقابي والجزائي الذي ينطلق من فرضية اتهامية للقيادة التنفيذية سواء بالتقصير أو التبديل. فهذا الفصل وهذا الجدل لا يستند إلى مبررات عدم الثقة في تصرفات القيادة. لكنه ذي صلة بمبرر معرفي يقوم على أساس محدودية القدرة البشرية على الفهم والاستيعاب. وهي محدودية تتأسس على أن الفهم والاستيعاب ذاتي إلى أقصى الحدود. فأي إنسان لا يلاحظ سوى ما يعرف أي أن إدراكه للتحولات التي تعتمل في التنظيم وفي محيطه انتقائي بحسب تجربته التنظيمية والحياتية السابقة وطبيعة معارفه وطبيعة تفكيره الذي صاغه وضعه الاجتماعي ونوع التربية والتكوين الذي تلقاه وطبيعة مواقفه واتجاهاته النفسية. وعندما يلتقي مجموعة من الناس يدخلون في علاقة تأثير وتأثر تقود في نهاية المطاف إلى الانسجام بعد ما يصلون إلى قناعات مشتركة تصوغ ذهنياتهم وبنياتهم المعرفية (cognitives structures) وبالتالي يصبح تفاعلهم مع الأحداث والأشياء متشابه إلى حد ما. ولهذا لا يحتاجون إلى التفكير والنقاش مجددا كل ما حدث لهم عارض أو قادتهم حركتهم إلى مواجهة قضية ما. يميل النقاش حينئذ إلى أن يكون سطحيا لأن طبيعة الحجج التي يتم استدعائها
تكون معروفة ومألوفة.
يعكس الانسجام من زاوية معرفية حالة هيمنة ذهنية معينة أي غياب طرح الأسئلة بشأن التمثلات التي تكيف رؤيتنا للواقع وهي تمثلات مهما اقتربت من الحقيقة تبقى ذاتية وموشوبة بالخلفيات الفكرية والاجتماعية والتجارب السابقة للأفراد. يمكن القول إذن أن حالة الانسجام تقتل روح النقد والتساؤل وتقود إلى السقوط في أسر مقولات نسبية تنتهي إلى موت الأفكار وعبادة الأشخاص.
تضطلع القيادة التنفيذية بدور كبير في تشكيل خصائص التنظيم سواء من حيث صياغة الذهنية العامة من خلال إعطاء معنى محدد لعملها وتصرفاتها. فما هو مهم لا يمكن في قراراتها في حد ذاتها ولكن في ما يترتب على تلك القرارات من إعادة رسم الخريطة الذهنية للتنظيم التي تحدد كيف يتعامل الأعضاء مع ما يستجد من قضايا وأفكار. تضطلع القيادة التنفيذية بهذا الدور بالنظر إلى كونها الفاعل الرئيس الذي يشغل الحيز التنظيمي في بعديه الزمني والمكاني. ويزداد هذا الدور كلما عملت القيادة التنفيذية على ملأ الفضاء التنظيمي وتقوم بكل الوظائف : صياغة الأفكار، تنزيل الأفكار، مراقبة عملية التنزيل، التأطير... وكل ما كان التنظيم موسوما بهذه الأحادية ولم يقد التكوين المؤسساتي لإلى الفصل بين هذه الوظائف وإشراك أكبر عدد من الطاقات والأطر إلا وطغت الذاتية التي تقود إلى الشخصانية.
مؤسسة الشورى لها بعد معرفي، ذلك لأنها تعمل على تطوير آليات الضبط لرقعة التحرك المتوفرة لدى القيادة التنفيذية. أي أنها تسهم من خلال تداول الرأي إلى تدقيق الرسالة بحسب الظروف التي توكل مهمة تنزيلها وليس صياغتها للقيادة التنفيذية. فكلما اتضحت صورة المشروع العام للتنظيم من الناحية التصورية في أذهان عموم الأعضاء إلا وارتفع مستوى انتظاراتهم و تحدد بدقة ما على القيادة أن تقوم به أي يصبح هامش التحرك ضيقا. من هذه الزاوية تعمل المؤسسات الموازية والداعمة للقيادة على نشر الأفكار والمعلومات والمشاريع و ترويجها. غير أن واقع الممارسة يقود إلى قلب هذا المنطق. ذلك لأن القيادة التنفيذية تحصل بالنظر إلى مباشرتها للعمل على معرفة بأحوال التنظيم وعلاقاته الخارجية أكبر من تلك التي تكون لمؤسسة الشورى. الشيء الذي يقود إلى أن الرقابة تصبح إلى حد كبير شكلية. فالشورى تحتاج لكي يصبح لها مدلول حقيقي إلى انتشار الوعي وتداول المعلومة على أكبر نطاق وبالعمق المطلوب.
توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى حد ممكن
الشورى في أصلها عامة و إن اتخذت في الأشكال التاريخية صورا مقزمة و جد ضيقة. فالصيغ التي اعتمدت أهل الحل و العقد إنما تعود للاعتبارات التاريخية المرتبطة بمستوى التطور المؤسساتي للمجتمعات الإسلامية التاريخية.
الشورى تعني عموم الأعضاء، لأن هؤلاء يساهمون بقدر ما في تحديد الاتجاه العام للتنظيم من خلال المشاركة في فرز القيادات في مختلف المستويات. و عملية الفرز هذه هي محصلة الوعي الذي تبلور لديهم و شكل معايير الاختيار. ثم يجب ربط حدود دائرة المشاركين في العملية الشورية بهدف تعميم الوعي ونشره. ومعنى هذا أن المشاركة في صناعة القرار تكون محطة للتفكير و استيعاب مزيد من المعلومات عن حركة التنظيم في بعديها الداخلي و الخارجي، وينبني على ذلك موقف عام يقضي بتوسيع هذه الدائرة لتشمل أكبر عدد ممكن إلا إذا كانت هناك إكراهات تمنع ذلك. و بهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى عدم اعتبار الجانب المالي إكراها حقيقيا لأن النظر إلى الأمر من زاوية بعيدة المدى يكشف عن الاختلال الحقيقي الذي يمس التنظيم بتضييق دائرة المشاركة في صناعة القرار على حيز ما. و يكمن ذلك الاختلال في الفارق في مستوى الوعي الذي يمكن أن يكبر بين مستويات التنظيم و في الفرص الضائعة فيما يخص استيعاب الطاقات لخدمة المشروع. وفي ما يخص نقطة توسيع دائرة المشاركة في العملية الشورية تتبادر إلى الذهن مجموعة من الأسئلة: لماذا لا يتم انتخاب رئيس الحركة من طرف كل
أعضاء التنظيم بدل انتخابه في المؤتمر الوطني؟ لماذا لا تكون هناك استشارات عامة و استفتاءات عامة بخصوص القضايا الهامة التي يراد الفصل فيها؟ لماذا لا يتم تشكيل لجن متعددة في مختلف الجهات لمدارسة مسائل محددة وإجراء مقارنة بين مختلف تلك النتائج؟...
قد يعترض البعض على توسيع الشورى بحجة أنه يكلف جهودا وأموالا إضافية بينما لا تحصل مزايا مقدرة. وهذه الحجة لا تستقيم من عدة نواح. فالمقاصد المرجوة من هذا التوسيع كثيرة ومهمة تستحق ما يبدل من أجلها من جهد وأموال.
- يعمل التوسيع على تعميق الحوار بين القيادة و القاعدة. إذ تكون هذه المحطات الشورية مناسبة للإنصات إلى القاعدة و لشرح مقتضيات القرارات المصيرية؛
- يتنج عن هذا الحوار تعميق اهتمام القيادة بالقضايا الجوهرية التي تواجه الحركة. وليس في ذلك جهدا إضافيا وإنما تغييرا في بنية الأعمال التي تقوم بها القيادة. فهذه الأخيرة تجد نفسعا دائما تحت ضغط جدول أعمال كبير لا يترك وقتا إضافيا. ما يحصل هو أن القيادة عوض أن تستهلك في اللقاءات الداخلية أو تشغل كلية بالمسائل الخارجية تنبهها الشورى الموسعة إلى ضرورة تخصيص جزء من فكرها ووقتها و اهتماماتها للحياة الداخلية و التواصل مع القاعدة. و يمكن أن نقدم بهذا الخصوص فرضية تقول بأن كبر حجم التنظيم يؤدي إلى تحول اهتمام القيادة من المسائل الداخلية إلى المسائل التي تجد مصدرها في علاقة التنظيم بمحيطه و يؤدي ذلك تدريجيا إلى الضعف التنظيمي؛
-تؤدي الشورى الموسعة إلى إنصات القيادة إلى الأفكار وطبيعة الرؤى السائدة في مختلف مستويات التنظيم وينشأ عن ذلك فهم أكبر للوضعية الحقيقية للتنظيم من حيث مستوى الوعي العام السائد...
- تعميق ارتباط الأعضاء بالتنظيم و الرفع من مستوى الانخراط فيه؛
- تشكل الشورى الموسعة فرصة لإشراك عدد كبير من طاقات التنظيم في عملية التفكير و التوجيه و التأطير مما يسمح بتخريج قيادات كفئة في كل مستويات الهرم التنظيمي.
توسيع دائرة الشورى يعمل على استفزاز عقول كثيرة وطرح أراء متعددة تتطلب عملية توحيدها و المفاضلة بينها عمقا في التفكير و في فهم خلفيات و أبعاد القرارات المتخذة.
اعتماد الآليات التي تحقق الفهم العميق
لا تتحقق الشورى فعليا إلا إذا كانت نتاج احتكاك وجهات نظر تصدر عن استيعاب متقارب لمعطيات التنظيم سواء في حياته الداخلية أو في علاقته بمحيطه وتطور هذا المحيط. أشكال الرقابة الظرفية و التي تتم في زمن ضيق لا تيسر تحصيل هذا العمق. نعطي لذلك مثلا بطريقة المصادقة على التقارير المالية التي تعرض في ساعة ويطالب أعضاء مؤسسات الشورى بالمصادقة عليها. هذه الطريقة في الرقابة و المصادقة غير منطقية لأنه لا يمكن في هذا الحيز الزمني استيعاب كل الأرقام المعروضة فضلا عن تحليلها للوصول إلى أحكام عن ما إذا كانت عملية تدبير الموارد المالية قد استجابت لشروط النجاعة و الفاعلية و الاقتصاد. تتم المصادقة غالبا بناء على عنصر الثقة و في ذلك ابتعاد عن ما هو مستحب إن لم يكن مطلوب شرعا. والخطير في هذا الأمر هو أن المصادقة فقدت معناها وروحها و أصبحت جزءا من طقوس تؤدى بشكل آلي و غير مكترث. بعد أن ينتهي المسؤول من قراءة التقرير ترفع الأيدي و يصفق الجمهور. هذه الصيغة في التعاطي مع التقرير المالي ينقصها العمق المطلوب و الذي يقتضي مدارسة ذلك التقرير مصحوبا بكافة الوثائق المرفقة ووفق السياسة المالية المتبعة من طرف متخصصين في
مدة كافية (ثلاثة أشهر مثلا) وذلك بغرض الوقوف على الأخطاء التنظيمية سواء في تحصيل الموارد أو إنفاقها و إتباع المساطر المقررة في ذلك (إن كانت هناك مساطر و إن لم تكن هناك مساطر يشار إلى ضرورة إيجادها) و الأخطاء التدبيرية المتمثلة في عدم احترام شروط و معايير النجاعة و الاقتصاد والأخطاء الناتجة عن النسيان أو ضعف الاحساس بالمسؤولية...
استيعاب الاختلاف
ثمة حاجة للإقرار بأن الاختلاف ضروري وأن أشكال الاختلاف الموجودة في التنظيمات الإسلامية ذات طبيعة معرفية وسياسية في نفس الوقت. فالناس ليس بإمكانهم أن يتجردوا عن بشريتهم ويصبحوا ملائكة. وأن تعاطيهم مع المخالفين يشمل آليات الإقناع والمجادلة وكذا آليات التكتل (القبيلة) والنفوذ (السلطان). نعم، الاتجاه العام يعتبر التعاطي السياسي مع الاختلاف غير أخلاقي. فالطبيعة الدعوية للتنظيم تعطي الأولوية للبعد المعرفي للاختلاف على حساب البعد المصلحي السياسي. ذلك لأن الدعوة لا تنطوي من حيث المبدأ والاتجاه العام على سعي لتحصيل المنافع الذاتية والمصالح الشخصية. لكن لا يمكن لأي تجمع بشري أن يكون خال من حضور السياسي بالنظر إلى ضرورة وجود سلطة تحسم في المختلف فيه. فالرفض الأخلاقي لا يعني عدم وجود التعاطي السياسي مع الاختلاف وإن بشكل محتشم. غير أن هذا الوجود قابل للتضخم وأن يتغذى على أية أزمة يقع فيها التنظيم.
وبالتالي يجب التفريق بين التقييم الأخلاقي للأمور ومعالجتها تنظيميا ومعرفيا. فعدم الاعتراف، من الزاوية الأخلاقية، بالتعاطي السياسي مع الاختلاف يشكل حصانة ضده لأنه يلقح التنظيم وعموم الأعضاء ضد الانخراط فيه. لكن ذلك لا يعني عدم وجوده بقدر ما وفي حيز ما وداخل دوائر معينة. لذا تعمل المعالجة التنظيمية والمعرفية على تشخيصه وإيجاد الآليات التنظيمية لتحييده. ويرتبط ذلك بطريقة تنظيم السلطة داخل التنظيم.
يمكن التمييز بهذا الصدد بين مقاربتين، مقاربة أسيرة لقلق وهاجس الفتنة التي ألمت بتاريخ المسلمين، وتعتبر هذه المقاربة أن كبح جماح الصراع على السلطة يمر عبر تركيزها في يد واحدة. و في هذا السياق يمكن فهم النصوص والآراء التي تجعل الإمامة تنعقد للمبايع الأول مهما كان مفضولا وقتل من ينازعه في الأمر. والحجة التي تبرر هذا الموقف تكمن في أن حكم المفضول مع النظام خير من الفتنة والاقتتال. لكن هذه الحجة تنتفي إذا ما كانت هناك آليات متواضع عليها لتنظيم التوالي على السلطة وتقسيمها. وإذا كان ذلك ممكنا فإن المقاربة الثانية في تحييد الصراع السياسي على السلطة تكمن في تفتيتها. وذلك هو جوهر النظام الشوري من الزاوية المؤسساتية والتنظيمية. لكن بإمكان البعض أن يحتج بأن هذا التفتيت يقود إلى ضعف الجاهزية والقدرة على التنفيذ وتعقيد نظام اتخاذ القرار. ومما لاشك فيه أن هذا حاصل في الواقع. لكن هذه السلبية على المدى القصير تصبح مقبولة إذا ما نظرنا إلى أن النظام الذي توزع فيه السلطة بين مراكز متعددة يكون ذو كفاءة أكبر على المدى البعيد. أما تركيز السلطة فإنه ما يلبث، رغم نجاعته على المدى القريب، أن ينزلق إلى صراع
سياسي على النفوذ.
وبالتالي فإن فص المسألة يكمن في استيعاب الاختلاف وتحويله إلى مسألة معرفية. يتطلب ذلك تحييد بعده السياسي المرتبط باعتماد الآليات السلطوية في حسمه. تقوم إستراتيجة التحييد على أساس أخلاقي يضمن إلى حد ما ألا يكون اعتماد النفوذ داخل التنظيم لخدمة أغراض ذاتية ولإضعاف المخالفين لمجرد أنهم مخالفين. وينضاف إلى هذا الأمر ضرورة معالجة موضوع السلطة معالجة وافية وعقلانية تعترف أولا بوجود السلوك السياسي داخل التنظيمات ثم تعمل على التقليل من ثقل هذا السلوك بتفتيت السلطة على محاور عدة لخلق نوع من التوازن في السلط.
منح الهيئات والمؤسسات الفاعلة وجودا مستقلا
تشكل القيادة التنفيذية الفاعل الرئيس في حركة التنظيم. و هي التي تمتلك الشرعية الرسمية لإدارة وتدبير كل شؤون التنظيم. لكن كثرة المهام والمسؤوليات تفرض عليها تفويض الكثير من المهام إلى من يساعدها من لجن وتملك حق التصرف في الموارد المالية والبشرية والتنظيمية. لكن هذه الشرعية مشروطة بتنزيل الرسالة العامة للتنظيم وهو ما يقضي بأن تكون تصرفاتها مقيدة بهذا الشرط. ويشمل هذا التقييد إخضاع تصرفات القيادة التنفيذية لمجموعة من المعايير والقواعد، ويحتاج هذا التقييد ليصبح واقعا أن تتوفر المؤسسات الأخرى على حدود دنيا من الاستقلالية اتجاه القيادة التنفيذية.
يندرج في هذا السياق ضرورة توضيح طبيعة العلاقة التي تربط الللجن المركزية بالقيادة التنفيذية والمعايير التي يجب احترامها سواء في تشكيلها وفي التعامل مع نتائج أعمالها وفي طريقة اشتغالها.
ومن ذلك أيضا ضرورة توضيح العلاقة التي تربط مجلس الشورى بالقيادة التنفيذية سواء من حيث تركيبة مكتبه وطريقة اشتغاله وصلاحياته ووظائفه وحجم الموارد التنظيمية والمادية والبشرية التي يتوفر عليها.
ويصب في هذا الاتجاه ضرورة أن يكون ثمة نوع من التوازن في الموارد التي تتوفر عليها كل من السلطة التنفيذية و هيئة الشورى. وتتعلق هذه الموارد ب:
-السلطة الرسمية التي يحددها القانون الداخلي للتنظيم؛
-القدرة على الحصول على المعلومة والوصول إليها؛
-الموارد البشرية ذات الكفاءة والتجربة الكافية التي تمنح لها سلطة تنظيمية و معرفية؛
-الموارد المالية لتغطية نفقات الأجهزة التي تحتاجها؛
-القدرة على تعبئة الخبرة المتوفرة لدى أعضاء التنظيم بشكل استثنائي للقيام بمهام محددة.
من هذا المنطلق يستحسن إقامة نوع من العلاقة الجدلية المؤسساتية بين القيادة التنفيذية ومؤسسات الشورى. ونعني بالعلاقة الجدلية المؤسساتية أن يكون لمؤسسة الشورى فاعلية تنظيمية قادرة على استيعاب حركة القيادة ومواكبتها. وتقتضي هذه الفاعلية وجود بناء مؤسساتي مواز بغرض نشر المعلومة وتمحيصها، ويركز هذا المنظور على أن المراقبة أوسع وأعمق من ذلك الجهد الذي يبدل في محطة نصف سنوية مكثفة في يومين. وذلك لأن عملية الرقابة لها أبعاد متعددة تتطلب عملا مؤسساتيا دائما أو حسب الحاجة بغرض استيعاب حركة العمل التنفيذي (دراسة التقارير وإعداد ملاحظات، وتنظيم لقاءات استماع ومساءلة، وإعداد دراسات افتحاصية لقياس النجاعة...).
مما لا شك فيه أن لكل مستوى من التطور المؤسساتي للتنظيم ما يناسبه من أشكال وآليات الشورى. ويقتضي ذلك تجاوز الأشكال الماضية بشكل مستمر للأخذ بعين الاعتبار كبر حجم التنظيم وتطور نظام اتخاذ القرار فيه. فالأشكال الأولية القائمة على أساس النقاش المباشر تكون أنجع حينما يكون العدد صغيرا يمكن لكل واحد أن يدلي برأيه في الموضوع وتكون المواضيع ذات طابع عام لا تقتضي دراسات متأنية وعميقة. لكن هذه الأشكال تصبح متجاوزة حينما يبلغ التنظيم مستوى معين من النضج. فقد لا تسعف في إتاحة الفرصة للعدد الكبير من الأعضاء والطاقات من أجل المساهمة في بلورة القرارات المتخذة. فهي بطبيعتها تناسب أوضاعا محددة تتسم بقلة العدد وعمومية المقاربة وسهولة انتقال المعلومة. لذا يبدو من المنطقي أن يتدارك هذه الاختلال ويسعى إلى معالجته من خلال السعي الدائم والدؤوب إلى توسيع دائرة المشاركة إلى أقصى الحدود في كل مرحة من مراحل التطور المؤسساتي للتنظيم. وأن يتم توجيه آليات وأشكال الشورى لتكون فرصة للاستيعاب العميق لخلفيات وأفاق القرارات المتخذة.
مصطفى أكوتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.