تحت شعار "مشاركة الأطفال في تنمية إفريقيا".. افتتاح المنتدى الافريقي لبرلمان الطفل بالرباط    حظر جمع وتسويق الصدفيات بتارغة-الشماعلة وجنان النيش-أمتار الغرب    مندوبية بنموسى.. معدلات التضخم تواصل منحاها التراجعي    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        تسريب منسوب ل "المجلس الوطني للصحافة" يثير جدلاً واسعاً حول طريقة تدبير الملفات التأديبية واستقلال القضاء    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    ولد الرشيد: الأوراش المهيكلة التي تعرفها مدن الصحراء المغربية تفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة    بوانو: من العار الإبقاء على القاسم الانتخابي والمقاربة العقابية في القوانين الانتخابية غير مقبولة    حكيمي وبن صغير في القوائم النهائية لجوائز "غلوب سوكر"    النفط يواصل التراجع وسط ضغط أمريكي لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    أطباء مغاربة يهبون للتطوع في قطاع غزة.. وتنسيقية تتوصل بأزيد من 130 طلبا    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    التجمع الوطني للأحرار يصادق على تصوره لمقترح الحكم الذاتي استعداداً لرفعه إلى الملك    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    انقلاب "بيكوب" يودي بحياة شخص ضواحي برشيد    مونديال أقل من 17 سنة.. في مواجهة حاسمة المنتخب المغربي يلاقي البرازيل اليوم الجمعة وعينه على حجز مقعد في نصف النهائي    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    بوعياش: تبادل إطلاق النار بحي بوسلامة ينتهي بتوقيف أحد المشتبه فيهم    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسة علال الفاسي تقيم حصيلة قرن في المجال الإسلامي
نشر في التجديد يوم 27 - 09 - 2010

ضمن ثلاث حلقات، نشرنا سابقا بعضا من فعاليات الدورة الرابعة من سلسة ندوات مائوية علال الفاسي، ونشرنا في ثلاث حلقات ملخصات للمداخلات التي شاركت في الجلسة الأولى الخاصة بتقييم حصيلة التطور التربوي والتعليمي في المغربي، كما عمدنا إلى نشر النص الكامل لمداخلة الأستاذ محمد بلبشير الحسني ضمن فعاليات الفترة المسائية، واليوم خ وضمن آخر حلقة- نستكمل نشر مداخلات الجلسة المسائية، التي قدم لها الأستاذ محمد بلبشير الحسني، وشارك فيها كل من محمد السوسي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ومصطفى الخلفي مدير نشر التجديد ومدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة والمشرف على تقرير الحالة الدينية بالمغرب.
ففي تقديمه للفترة المسائية أشار بلبشير الحسني إلى أن مؤسسة علال الفاسي ارتأت في الفترة المسائية من الدورة الرابعة سلسلة ندوات مائوية علال الفاسي أن تدعو العلماء ورجال الفكر لتقييم أوضاع الدين والتدين في المغرب طوال قرن من الزمان، وبحسب الأستاذ محمد بلبشير، فإن الدين المغرب يتوفر على ثوابت عقدية ومذهبية، مبنية على الأشعرية السنية، والمذهب المالكي، وأن المغرب يحرص على الحفاظ على هذه الثوابت من خلال الدستور وبعض المؤسسات الجامعية، والمجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية، بالإضافة إلى حركات جمعوية ودعوية تقوم بالإرشاد والخدمات الاجتماعية والتثقيفية، وكذلك بعض وسائل الإعلام.
ويؤكد بلبشير في كلمته على الدور الرئيسي الذي تكلفت به جامعة القرويين طوال اثني عشر قرنا، كحصن حصين في الحفاظ على الثوابت الدينية ونشرها في كافة أنحاء المغرب، بل وفي كثير من البلاد الإفريقية المجاورة، فضلا عن دورها في الدعوة، وتوجيه تدين المغاربة، بالحفاظ على توازن بين التوجيه السلفي والتوجيه الصوفي، ومقاومة كل انحراف أو ابتعاد عن نهج السنة والسيرة النبوية الشريفة.
وينوه الأستاذ محمد بلبشير خاصة بجهود العلماء الذين كان لهم الدور الفعال في هذا المجال، بل حتى في المجال السياسي، ويورد كمثال على ذلك، الدور الذي قاموا به قبيل الحماية، والذي يتمثل في وضع دستور للبلاد سنة 1908 كمحاولة منهم لإبعاد الاستعمار الأجنبي.
ويشير الأستاذ محمد بلبشير الحسني أيضا إلى الدور الذي اضطلعت به الحركة الوطنية منذ بداية العقد الثالث من القرن الماضي، إذ عملت على تجديد منابعها بالاستئناس بالحركة الإصلاحية في المشرق العربي وبإحياء حركة الاجتهاد الفقهي، معتمدوة على النهج السلفي ومقاصد الشريعة. ويذكر الأستاذ بلبشير من بين قادة الحركة الوطنية الذين اضطلعوا بهذا الدور محمد بلعربي العلوي، والشيخ شعيب الدكالي، والمختار السوسي، والمكي الناصري، وعبد الله كنون، وعلال الفاسي، ويشيد الأستاذ بلبشير خاصة بدور علال الفاسي الذي كان له إسهام متميز بما نشره من كتب وما تحرك به ميدانيا من جهاد مستمر.
ويرى بلبشير أنه إذا كان من المستحيل تغيير الثوابت الأصولية للدين، وكذلك من الصعب تعديل الثوابت المذهبية في تطبيق التدين في المغرب، فإن الحفاظ على التدين السليم وتقويته، تعتريه تحديات ومثبطات، منها ما هي داخلية، كتراجع الأسرة والمدرسة عن مسؤوليتها التربوية، وضعف التوجيه الإعلامي والثقافي المناسب خاصة في تقوية الوازع الديني، وبروز ظواهر اجتماعية تهدد النسيج القيمي والأخلاقي، كانتشار الخمور والمخدرات والقمار، بالإضافة إلى بعض مظاهر التطاول على مخالفة الدين جهرا. ويشير بلبشير في هذا الصدد أيضا إلى التحديات الخارجية والتي تتمثل في اختلاف المفاهيم في تطبيق الحق والحرية، ومنها الاختلاف بين بعض أحكام الشريعة والمواثيق الدولية، ومنها حملة التنصير وغيرها.
السوسي: دور علال الفاسي في التجديد والاجتهاد
أشار محمد السوسي في كلمته إلى جملة المخططات الاستعمارية التي استهدفت من جهة المنظومة العقدية من خلال حملات التنصير التي كان يرعاها الاستعمار ويمكن لها من أجل تغيير معتقدات المغاربة وإضعاف ولائهم للإسلام خاصة في المناطق الأمازيغية، وذكر بهذا الخصوص بسياسة الظهير البربري التي انتهجها الاستعمار للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد واستثمار ذلك لإضعاف حضور الدين واللغة العربية في المغرب والتمكين لمشاريع التنصير والهيمنة اللغوية الفرنسية، كما ذكر من جهة ثانية بالمخططات التي كانت تستهدف إبعاد العلماء من مجالهم الحيوي التأطيري وتعطيل المؤسسات الدينية التي كانت تمثل الضمير الحي للأمة والطليعة التي تقود المجتمع وبخاصة جامعة القرويين. ولم يفت الأستاذ السوسي أيضا أن يشير إلى المخططات الاستعمارية التي كانت تروم إضعاف اللغة العربية وإبعادها عن الحياة العامة للمغاربة مذكرا بأن هذه المخططات في مجموعها كانت تستهدف بالأساس التمكين للاستعمار وقتل عناصر المقاومة في نفوس المغاربة.
كما أشار السوسي في مداخلته إلى دور العلماء والطليعة الشبابية في مقاومة هذه المخططات، مذكرا أنه كلما اشتدت السياسات الاستعمارية التي تستهدف الأسس العقدية والدينية واللغوية للأمة، كلما كان ذلك باعثا على نهضة جيل من الشباب لمقاومة هذه السياسات وتجديد عزيمة الأمة للتشبث بقيمها وثوابتها الدينية واللغوية.
وأبرز السوسي في هذا السياق دور العلماء من أمثال محمد بلعربي العلوي وشعيب الدكالي وعلال الفاسي في فضح هذه المخططات ومقاومتها، كما أبرز دور الحركة الوطنية في تبني استراتيجية مضادة تقوم أساسا على التشبث بمقومات الهوية الإسلامية العقدية والدينية واللغوية والثقافية وجعلها أساسا للمقاومة. وأشار السوسي ايضا إلى دور حزب الاستقلال في نصرة هذه الهوية والدفاع عن القيم الإسلامية وعن اللغة العربية، مؤكدا في هذا السياق أن حزبه ظل لوحده في الساحة ولمدة طويلة يحمل هم الدفاع عن اللغة العربية والتمكين لها وإعطائها المكانة التي تستحق وسط الهيمنة الشاكلة للغة الفرنسية على الحياة العامة.
وتحدث السوسي عن مفهوم التجديد والاجتهاد، مذكرا بالجهود التي قام بها علال الفاسي في تجديد الدين وتقديم إسهامات مستنيرة بخصوص العديد من القضايا والمسائل المستجدة، مشيرا في هذا الخصوص إلى كتابه في النقد الذاتي الذي اعتبره السوسي مشروعا مجتمعيا متكاملا، يقدم رؤية علال الفاسي لمجمل القضايا المجتمعية والدينية والسياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والثقافية والقيمية التي تواجه المغرب.
ولا ينسى السوسي في آخر مداخلته أن يشير إلى نماذج من اجتهادات علال الفاسي سواء في الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والتعدد)، أو في المعاملات المالية (الربا، التأمين) أو في المجال التربوي (محاربة الأمية) وغيرها من الاجتهادات التي ضاق وقت المتدخل للتفصيل فيها.
الخلفي: أكبر تحدي يواجهه التدين هو ترشيده وتعميقه
انطلق الأستاذ مصطفى الخلفي مدير نشر جريدة التجديد والمشرف على المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة من الخلاصات التي انتهى إليها محمد بلبشير في عرضه والتي تخص التحديات التي كان يواجهها التدين المغرب في مرحلة الاستعمار، والتي تتعلق باستهداف المؤسسة الدينية وحصارها، واستهداف المنظومة العقدية والثقافية واللغوية للأمة، وأكد بهذا الخصوص أن إفراج فرنسا عن الأرشيف الاستعماري أبان بشكل واضح عن حجم المخططات الاستعمارية التي كانت تستهدف تدين المغاربة بدءا من استهداف المؤسسة الدينية (العلماء والوعاظ)، وتعريجا باستهداف المنظومة العقدية (التنصير) وانتهاء باستهداف المنظومة اللغوية (إضعاف اللغة العربية عبر التمكين للغة الفرنسية وعبر سياسة الظهير البربري ودعم سياسة التمكين للدارجة).
وأشار الخلفي في مداخلته أن هذه التحديات لا يزال المغرب يعيشها بأشكال مختلفة لاسيما بعد تنامي الصحوة الدينية.
وأورد الأستاذ مصطفة الخلفي جملة من المؤشرات التي تبرز تنامي التدين في شقه التعبدي في المغرب، من ذلك ارتفاع عدد المساجد وتنامي إسهام المحسنين في عملية بنائها، وارتفاع الإقبال عليها، حيث ذكر الخلفي أن عدد المساجد في المغرب انتقل من 41 ألف و 755 مسجدا سنة 2007 إلى 47 ألف و 967 مسجدا في 2009 استنادا إلى إحصاء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما استند الخلفي إلى مؤشر تنامي الإشعاع العام للمساجد وازدياد الطلب على دروس محو الأمية، حيث سجل بهذا الخصوص احتضان المساجد في سنة 2007 ما مجموعه 31 ألف من الذكور و 93 ألف من الإناث، وارتفاع عدد المسجلين سنة 2008 إلى 40 ألف من الذكور و 110 ألف من الإناث، كما استند إلى مؤشر ارتفاع الطلب على التسجيل للحج، إذ عرفت تزايدا ملحوظا ما بين سنة 2007و 2008 و ,2010 إذ انتقل العدد من 117 ألف طلب سنة 2007 إلى 173 ألف ذلك سنة ,2008 ليعرف هذا العدد ارتفاعا كبيرا فاق 300 ألف طلب تسجيل هذه السنة. وأوضح الخلفي، أن مؤشرات تجليات التدين التي تكشف عن تناميه ما لبثت أن أكدتها العديد من الدراسات مشيرا إلى كل من دراسة الإسلام اليومي، والبحث الوطني للقيم، واستطلاع مؤسسة بيو واستطلاع مؤسسة كالوب الأمريكيتين.
لكن تنامي الصحوة الدينية خ حسب الخفي- يطرح في المغرب تحديا كبيرا يتعلق بالتأطير الديني للمغاربة. ويشير الخلفي في هذا الصدد إلى الجهود المؤسسية التي اندرجت ضمن سياسة إصلاح الحقل الديني في المغرب والتي أفرزت توسيع المجالس العلمية، وإحداث اللجنة العلمية للإفتاء، وتوسيع عملية التأطير والإرشاد الديني، والتي جاءت في سياق الاستجابة لتحدي التأطير الديني. غير أنه يعتبر أن تنامي الصحوة الدينية وازدياد الطلب على الدين يطرح جملة من التحديات تخص التأطير الديني، مشيرا في هذا الصدد إلى تحدي التطرف والغلو، وتحدي التسيب، وتحدي الجمود والتقليد، مؤكدا على ضرورة أن يضطلع العلماء بشكل خاص والحركات الدعوية والإصلاحية بدور بارز في مواجهة هذه التحديات من خلال تحريك فعالية الاجتهاد لمواجهة الجمود والتقليد، وتعزيز ثقافة الوسطية والاعتدال لمواجهة تحدي الغلو والتطرف، وترشيد التدين لمواجهة تحدي التسيب.
ويؤكد الخلفي في مداخلته على أن التدين في المغرب يواجه تحديات داخلية وأخرى خارجية، وفيما ركز في التحدي الخارجي على التشيع الذي يستهدف الوحدة المذهبية للمغاربة، وعلى التنصير الذي يستهدف الوحدة العقدية للمغاربة، اعتبر الخلفي أن أكبر تحد داخلي يواجه التدين هو ترشيده وتعميقه إذ أن تنامي التدين التي تشهد عليه المؤشرات التعبدية يضيف الخلفي تواجهه جملة التحديات التي تعكس الصورة المقابلة للتدين، وأشار في هذا الخصوص إلى التحديات على المستوى الأسري، وعلى المستوى الأخلاقي والقيمي، والشبابي والتعليمي وغيرها من المستويات. وأورد الخلفي في هذا السياق إلى جملة من الظواهر التي تهدد التدين في المغرب وذكر منها الشذوذ الجنسي، والسياحة الجنسية والاتجار في البشر، والدعارة، والمخدرات، والخمور، والقمار، والجريمة.
وانتهى الخلفي في خلاصاته إلى ضرورة أن تتجه الأولوية نحو ترشيد التدين وتعميقه حتى لا يبقى محصورا في المؤشرات التعبدية، حيث يصير التدين نفسا عاما ينتج تجلياته في الحياة العامة على كافة المستويات.
السنوني: العلماء وفقه الواقع بين حاجيات المواطنين ومستجدات الحياة
انطلق أحمد السنوني الأستاذ بدار الحديث الحسني في عرضه من تحديد الاحتياجات الدينية للمغاربة، والتي تغطي ثلاثة أبعاد أساسية، تشمل البعد العقدي والتشريعي والأخلاقي. فعلى المستوى العقدي، أشار المتدخل إلى أن أهم احتياج يواجهه المغاربة في المرحلة الراهنة هو الاطمئنان إلى صحة ما يعتقدونه ويدينون الله به إجمالا وتفصيلا، فيما يتمثل الاحتياج في الجانب التشريعي في فهم ما في الدين من تكاليف تتعلق بهم وكيفية تطبيقها في ظرف وزمني واجتماعي محدد، ويبقى الاحتياج في الجانب الأخلاقي في العمل على إيجاد وغرض دافع قوي لمواجهة فتن الحياة ومغرياتها فضلا عن تكاليفها.
بيد أن الاستجابة لهذه الاحتياجات، تعترض سبيلها، حسب المؤلف جملة من التحديات فرضتها التحولات التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة، والتي كان لها تأثير مباشر على المنظومة العقدية والفكرية والقيمية والأخلاقية في المغرب، فالمثاقفة مع الغرب، خاصة مع الفكر المادي، وجهود التبشير والاختراق العقدي إضافة إلى التحديات التي تهدد الوحدة المذهبية للمغاربة بسبب بروز تحدي التشيع، وما رافق ذلك من سجالات طائفية (سنة / شيعة) بل وأحيانا سجالات عقدية (سلفية/ أشعرية) كل هذه التحولات كانت تفرض، حسب المتدخل، أن يقدم بشأنها جوابا يستجيب لهذه التحديات بعد أن يستوعبها ويستوعب معها الإشكالات المرتبطة بها. ويلاحظ الدكتور أحمد السنوني، أن الاستجابة لم تكن في حجم هذه التحديات ولا مواكبة للتحولات التي تواجه المغرب، فعلى المستوى العقدي، سجل السنوني ضعفا في الاطلاع على العقائد المخالفة، وأن الجهود التي بذلت لم تتعد القف الفردي، وأن الجامعات رغم أنها أنشأت وحدات للسلك الثالث في هذا المجال (نموذ أصول الدين) وأنشأن البنيات العلمية الكفيلة بالاستجابة للإشكالات المرتبطة بالتحدي العقدي، إلا أنها حسب السنوني لم تنتج شيئا ذا بال من الناحية العلمية. ولاحظ المتدخل وجود قصور كبير في تطوير الفكر الأشعري وتحسين طريقة عرضه بالمقارنة مع أقطار مشرقية، أنتجت كتبا ميسرة أحسنت عرض العقيدة الأشعرية و جعلتها في متناول متلقيها.
وأشار السنوني أن النتيجة الطبيعية لغياب جهد علمي مقدر في مواجهة العقائد المخالفة بالحوار العلمي والمناظرة، وفي عدم الاهتمام بالعقيدة الأشعرية إفهاما وتبسيطا وحسن عرض، هو تسرب رؤى عقدية بعيدة عن الوسطية بل لا تتوافق مع النسيج الثقافي والاجتماعي إلا بتكلف ومداهنة على حد تعبير السنوني.
ولاحظ السنوني أيضا وجود نقص كبير على المستوى الفكري يتمثل في ضعف الاطلاع على الفكر الإنساني، وسجل السنوني مقارنة فارقة بين شكل تعاطي رواد النهضة مع الفكر الإنساني والسجالات الفكرية التي خاضوها والتي كانت تنم عن استيعابهم للفكر الإنساني (نموذج محمد عبده/رينان)، وبين السجالات العاطفية التي يخوضها البعض ضد معطيات الفكر الإنساني دون فهم لمقولاته وأهم التطورات التي عرفها. وأشار السنوني إلى التحديات التي فرضها تطور العلوم الإنسانية والتي أفرزت ظهور مناهج بحثية ومدارس فلسفية بدأت تشتغل في المجال التراثي الإسلامي، وتنتج أنماطا من الفهم والتأويل للنص القرآني قلما تنسجم مع مجمل القواعد المؤصلة في علوم الإسلام، ناهيك عن الطفرات التي عرفها الفكر القانوني والحقوقي والتي طرحت تحدي كونية حقوق الإنسان وتحدي النوع الاجتماعي وما يستتبعه من إشكالات مرجعية وقيمية.
وذكر السنوني جملة من المظاهر التي تجعل التعاطي الموضوعي مع هذه التحديات أمرا متعذرا، منها:
1 الشعور بالاكتفاء والاستغناء.
2 تغليب سوء الظن وهيمنة نفسية التوجس من ثمرات الفكر الإنساني المعاصر.
3 بروز نفسية التحفظ من الكل ورفض الفكر الآخر الحق منه والباطل على السواء
وفي خلاصاته عن الحصيلة في المستويات الثلاثة: العقدي والتشريعي والأخلاقي، أكد السنوني أن الإنتاج الفكري في المجال العقدي أو مجال مقارنة الأديان لا يرقى إلى تلبية الحاجيات المتنامية في مجال صيانة العقيدة الإسلامية. أما في المجال التشريعي- مجال الفهم والرؤية للشرعية- فقد لاحظ السنوني أن آليات الفهم تتبلور مع الزمن، وأن التلقائية لا توال السمة الغالبة في الفهم والممارسة وأن الحاجة إلى التأصيل والتقعيد تأتي بالتدريج، أما فيما يخص علوم فهم الدين ، فهي تجتاز مراحل إذ تنطلق أولا من الاستجابة الملائمة لحاجات المجتمع، ثم يتبين أنها بحاجة إلى استكمال وتوسيع (الصياغة العلمية، المناهج، القواعد) وقد مثل السنوني لذلك بالحاجة إلى تحرير ضوابط في الاجتهاد المقاصدي.
ولاحظ السنوني أن الصحوة الدينية التي عرفها العالم العربي والإسلامي وكثرة الطلب على الدين لم يواكبها اهتمام مناسب بالعلم الشرعي، وأن الوعي بالحاجة إلى العلم والتأطير لهذه الصحوة الدينية هو الذي أثمر في المغرب على سبيل المثال (إحداث المجالس العلمية، إحياء الكراسي العلمية..) أشار السنوني إلى أن المغرب يعرف نهضة مقاصدية يشهد لها الإنتاج الفكري في المقاصد والموجه إلى العموم، والدراسات الأكاديمية التي صدرت في هذا المجال، وكذا بروز أعلام مغاربة في المقاصد كالدكتور أحمد الريسوني والدكتور فريد الأنصاري رحمه الله.
من جانب آخر، اعتبر السنوني أن أكبر تحدي يواجه العلماء في مجال الفهم والرؤية هو الاجتهاد التنزيلي في بعديه العام والخاص، اي ما يرتبط بفهم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والمهنية..، وكذا معرفة الأوضاع الفردية وكيفية تطبيق الأحكام الشرعية عليها. ونبه السنوني إلى ضرورة اهتمام الفقهاء والعلماء بمعرفة تفاصيل الواقع ومفرداته مؤكدا أن ذلك من الشروط الأساسية في الفقه، مشيرا إلى حدوث تطورات وتحولات كثيرة وبروز مسائل معاصرة يستعصي معها استعمال القياس نظرا لتعقيدها.
أما في المجال المتعلق بالأخلاق، فقد أشار السنوني إلى الحالة العامة التي آلت إليها القيم بعد التدفق العولمي من تسطيح وتسليع للقيم، وفي المقابل، تزايد المقاومة والبحث عن معنى للوجود، بالإضافة إلى حالة التدهور الخطير في المجال التربوي والأخلاقي والقيمي. ودعا السنوني في آخر مداخلته بضرورة أن يقوم العلماء والصوفية بدورهم في استثمار الرصيد الأخلاقي الهام الذي أنتجه المغاربة، وتطويره وتكييفه حتى يكون في مستوى المواكبة والإجابة عن التحديات التي تفرضها التحولات التي شهدها المغرب في المجال القيمي مؤكدا بهذا الخصوص أن قوة المشروع التربوي لا تستمد بمجرد الوعظ والإرشاد والخطب والكتب وغيرها من الوسائل، وإنما تستمد من ملاءمة كل ذلك لحاجات الشخصية الإنسانية وما يفرضه ذلك من تنويع الوسائل التي يتوسل بها للوصل إلى هذه الشخصية، ومن استعمال الأساليب المعاصرة في الخطاب التربوي (الدراما التلفزية، السينما، المسرح، أدب الأطفال، الرسوم المتحركة) واعتبر السنوني أن هذه الأشكال والأساليب المعاصرة التي توفر مساحات من التذوق الجمالي والفني يمكن أن تكون حمالة لكل القيم، ويمكن استثمارها بوعي في ساحة التدافع بين الحق والباطل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.