وفاة طفل إثر سقوطه في مسبح فيلا بطنجة    "ميتا" تمنح مستخدمي "إنستغرام" أدوات تحكم جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي    الثلوج تغطي الطريق في "آيت تمليل"    حماس المغاربة يرتفع في كأس العرب    دوري الأبطال .. مانشستر سيتي يهزم ريال مدريد في عقر داره    الخليع: رؤية الملك محمد السادس محرك أساسي لتحولات القطاع السككي    تقرير: عجز الخزينة يرتقب أن يبلغ 58.2 مليار درهم ومديونية المغرب تصل إلى 1.1 تريليون درهم في 2025    فاجعة فاس.. بادرة إنسانية لإيواء المتضررين وحزم في تحديد المسؤوليات    مدرب "ليل" يحيط إيغامان بالغموض    "فاجعة فاس" تحيي المطالبة بمحاسبة صارمة وإجراءات وقائية عاجلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعزو مسؤولية "فاجعة فاس" إلى غياب السكن اللائق وعدم احترام معايير البناء    بلاوي: الشراكة المتميزة لأطراف الاتفاق الرباعي لمكافحة الإرهاب تجسيد مثالي للأسس التي أرستها الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب    اليونيسكو يصادق على تسجيل القفطان تراث مغربي على قائمته التمثيلية    اليوم العالمي لحقوق الإنسان يعيد جيل زد إلى شوارع الدار البيضاء    ما تم تداوله بشأن اعتقال أفراد من عائلات "ضحايا أحداث القليعة" غير صحيح (النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط)    المغرب يسجل ارتفاعا قياسيا في واردات الغاز    النيابة العامة: ما تم تداوله بشأن اعتقال أفراد من عائلات "ضحايا أحداث القليعة" غير صحيح    الكاف يوقع اتفاقا مع ONCF لنقل الجماهير ورعاية الكان    مركز يقارب حقوق الإنسان بالمغرب    اليونسكو تُتوّج المغرب: إدراج "القفطان المغربي" تراثاً إنسانياً عالمياً اعترافاً برؤية جلالة الملك وحفظ الهوية    زخات رعدية وتساقطات ثلجية اليوم الأربعاء بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    ادراج القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو    أخرباش: التمثيل الإعلامي العادل للنساء قضية شأن عام وشرط للتقدم الاجتماعي    أطروحة حول ترجمة الأمثال الشعبية الريفية تمنح الباحث نجيب المحراوي لقب دكتور بميزة مشرف جدًا    مشعل يرفض نزع سلاح "حماس" وسلطة غير فلسطينية.. ويتمسك بالانسحاب الكامل    وزيرة الخارجية الفلسطينية تشيد عاليا بالدعم الثابت لجلالة الملك للقضية الفلسطينية    فرنسا توشح بريظ ب"فيلق الشرف"    11 يوماً على انطلاق العرس القاري..المغرب يُظهر جاهزية عالية لاحتضان كان 2025    انعقاد الدورة الأولى للمجلس الوطني للحزب يوم السبت 13 دجنبر 2025    كأس إفريقيا للأمم .. سجل المنتخبات الفائزة باللقب منذ أول نسخة 1957    النيابة العامة تحقق في "فاجعة فاس" .. والسلطات تنبش في التراخيص    السكيتيوي: "مواجهة سوريا لن تكون سهلة.. ونطمح للفوز لمواصلة المشوار في البطولة العربية"    الدار البيضاء .. إفتتاح معرض طفولة الفن للفنان التشكيلي عبد الكريم الوزاني    الشعر يكتب تاريخ الملوك.. قراءة نقدية في كتاب "ملك القلوب-الحسن الثاني" للدكتور مانع سعيد العتيبة    السدراتي يخرج عن صمته ويوضح حقيقة "تمثيل" النشيد الوطني بكأس العرب    مراكز أمنية وسجون تتحول إلى مواقع تصوير بعد إطاحة الأسد    إسرائيل تتجسس على ملايين الهواتف في 150 دولة.. وتحذير عاجل من السلطات المصرية    فرار نصف مليون من منازلهم جراء المواجهات الحدودية بين كمبوديا وتايلاند    برنامج "Art's Factory" يعود لدعم الإبداع الرقمي    لافروف يتهم الدول الأوروبية بالعرقلة    تقرير: 65% من تجار الجملة يتوقعون استقرار المبيعات في الفصل الرابع من 2025    الذهب يستقر والفضة ترتفع لمستوى قياسي قبيل قرار الفائدة الأمريكية    الدار البيضاء.. إعطاء إنطلاقة النسخة الثانية من برنامج "Art's Factory" الموجه لدعم المواهب الشابة في الصناعات الإبداعية    في خطوة رائدة.. أستراليا أول دولة تحظر استخدام الأطفال دون 16 عاما منصات التواصل الاجتماعي        مجلس المستشارين يوافق بالأغلبية على تعديلات المنظومة الانتخابية    شراكة تجمع "سطاد" ولاس بالماس    مسابقة اختيار أفضل زيت زيتون بطنجة تدخل مرحلة التقييم الحسي    حوار مع شاب مصاب بالهيموفيليا: رحلة معاناة لا تعترف بها القوانين    ضعف حاسة الشم قد يكون مؤشرا مبكرا على أمراض خطيرة    دراسة تكشف فوائد الذهاب للنوم في التوقيت نفسه كل ليلة    علاج تجريبي يزفّ بشرى لمرضى سرطان الدم        الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو زيد المقرئ الإدريسي:الغلو في الدين داء استعصى على الأمة
نشر في التجديد يوم 25 - 11 - 2010

محاولة جادة في مقاربة ظاهرة خطيرة تهدد النسيج المجتمعي للأمة. محاولة تسعى إلى التحديد العميق للطابع النسقي لظاهرة الغلو وتفكيك محدداته، والمجالات التي يتسرب إليها، والمحاضن التي ترعاه وتغذيه وتساهم في تناميه، والسمات الفكرية والمنهجية والأسلوبية والنفسية التي تميز ظاهرة الغلو، كما يتضمن محاولة تقديم تفسير جديد للتطرف والغلو من خلال مستويات متعددة، والتركيز على المعامل الفكري ودوره في إنتاج الغلو، مع بسط أهم تجربة لظاهرة الغلو والعنف في الواقع المعاصر (تجربة الجماعة الإسلامية بمصر) ودراسة مسارها وأهم التحولات التي دشنتها من خلال مراجعاتها والدروس المستفادة من ذلك. والكتاب يحاول أن يقدم مساهمة في علاج هذه الظاهرة من خلال التركيز على الزاوية الثقافية في شقيها التصوري والمنهجي.
في المدخل إلى دراسة ظاهرة الغلو
يرى المقرئ أبو زيد أن الغلو في الدين داء استعصى على الأمة اليوم، ولا يزال يتهددها بمزيد من التوسع والتأزم، إذ تتداخل فيه خيوط ما هو ثقافي وسياسي، بما هو محلي وخارجي، ويشتبك فيه ما هو قديم وحديث.
ويعتبر المقرئ أن ظاهرة الغلو ليست مخصوصة بالعالم الإسلامي ، وإنما هي ظاهرة يعاني منها العالم كله وفي ميادين شتى، فالحضارة الغربية الرائدة اليوم، تعاني هي الأخرى من ظاهرة الغلو المتمثل في الغلو الدنيوي والهيمني والمركزي لهذه الحضارة تجاه نفسها وتجاه العالم. لكن المؤلف في هذا الكتاب فضل الاقتصار على مقاربة الغلو الديني لأسباب تتعلق بممارسة فضيلة النقد الذاتي، واحترام التخصص، ونظرا لخطورة الغلو حين يلبس لبوسا دينيا، وترشيدا للصحوة الإسلامية.
في مفهوم الغلو
عرض المقرئ الإدريسي أبو زيد لمفهوم الغلو في اللغة ووقف على لفظة الغلو وما يرادفها في القرآن و في السنة وخلص إلى أن المقصود بالغلو هو كل تصرف يجاوز ما يفرضه الوحي، وأنه قد يكون بنية حسنة وغاية نبيلة، وأكد أبو زيد أن مصير كل غلو إلى العجز عن الاستمرار، وأن أغلب المغالين إلى فسوق، وقليل منهم من ينجو، وأن الاعتدال هو نقيض الغلو، وأن منهج الاعتدال الذي دعا الشرع إلى التزامه ليس ضعفا ولا ترخصا ولا استهانة بالمهام، بل هو دليل تحمل المسؤولية وتقدير العاقبة.
في تفسير ظاهرة الغلو
يرى الأستاذ المقرئ أبو زيد أن الغلو قد يكون في الدين شاملا، وقد يقتصر على جانب دون آخر، كالغلو في أمر العقيدة، أو أمر الشريعة أو أمر الجهاد، أو الموقف من قضية معينة كالسياسة أو المرأة ..وقد يكون في اتجاه الرفض أو القبول، والتضييق أو التوسع، الرخصة أو العزيمة، التحريم أو التحليل. لكنه يرى أن الغالب فيه هو ظاهرة الغلو الشامل الذي ينزع نحو التشدد. وقد نبه المقرئ أبو زيد إلى الإرهاصات الأولى للغلو في عهده صلى الله عليه وسلم ومواجهة النبي لبعض مظاهره بصرامة، وعرض بعض نماذجه وانتهى بهذا الخصوص إلى أن الغلو استعداد نفسي وعقلي قد يظهر حتى في الأجيال المخصوصة. بيد أنه ركز بشكل كبير على ظاهرة غلو الخوارج باعتبارها تجمع كل مظاهر الغلو والتي لخص أهمها فيما يلي: القراءة الحرفية والسطحية والتجزيئية للنص القرآني، التطهرية الثورية المثالية المبالغة، الجرأة على التكفير وإهدار الدماء، ممارسة العنف الشديد والاغتيال السياسي، إلغاء الدور البشري في تجربة الحكم بإبداعها وأخطائها.
وبين أبو زيد أثر ظاهرة الغلو في تعطيل حركة التاريخ وتعطيل جهد علي رضي الله عنه، في مواجهة الفئة الباغية، والمساهمة في إنهاء الخلافة الإسلامية الراشدة، وإعاقة الفتوحات الإسلامية، وكثرة التشرذم والتفرق، وتفشي الحروب وويلاتها بين المسلمين.
وأكد المقرئ أن الصفات الإيمانية والتعبدية التي كان يمتاز بها الخوارج لم تشفع لهم ولم تق الأمة من مواجهة مصير التطرف والغلو. وخلص إلى أن كل الغلاة من بعد الخوارج، مهما تحلوا به من صفات الصدق والطهر، فإن نياتهم الحسنة وإخلاصهم للإسلام لا يشفع لهم، ما دامت خصائص الغلو والتطرف تعمل عملها في تعطيل مسيرة الأمة نحو التقدم.
في مجالات الغلو
يرى المقرئ أبو زيد أن الغلو في الدين يشمل جل مجالات النشاط الإسلامي والإنساني. فيشمل مجال الدعوة من خلال ظاهرة التنفير والتعسير، ويشمل ظاهرة الفتيا من خلال ظاهرة التشدد والتحريم، والتمسك بظاهر اللفظ والتعصب وإنكار الاختلاف، ويشمل مجال الأحكام الفقهية، من خلال التوسع في التحريم وكراهية التحليل مع أنه الأصل، والعمل بالعزائم وإنكار الرخص وقلب القاعدة باعتماد الحظر أصلا والإباحة استثناء. كما يشمل الغلو مجال العقيدة، ويعتبر المقرئ أبو زيد أن أخطر مظاهر الغلو هو الذي يشمل العقيدة لأنه ينتج ظاهرة التكفير وإخراج المخالفين من دائرة الإسلام، وما يترتب عنه من استحلال الدماء والأعراض والأموال والحقوق.
ووقف المقرئ أبو زيد على المآلات الخطيرة التي تنتج عن الفكر التكفيري ومنها:
1 وجوب التفريق بينه وبين زوجه.
2 خروج أولاده عن ولايته.
3 محاكمته أمام القضاء الإسلامي لينفذ فيه حكم المرتد.
4 استحلال دمه.
5 عدم تغسيله، وعدم الصلاة عليه وعدم دفنه في مقابر المسلمين.
6 امتناع التوارث بينه وبين أقربائه.
7 الحكم عليه بالخلود في النار.
كما وقف أيضا على قضايا المرأة معتبرا هذا المجال من مجالات الغلو المخجلة ، والمناقضة لروح الإسلام والعدل والعصر وذلك من خلال إبطال أهليتها للمناصب، أو الحد من حرية حركتها وفكرها، أو تأكيد ''دونيتها'' عن الرجل، وغيرها من مظاهر التطرف.
الخصائص الفكرية للغلاة
يرى المؤلف أن الغلاة يتميزون بجملة من الخصائص الفكرية والمنهجية، وأن أخطر هذه الخصائص النزوع نحو التبسيطية المخلة، التي تجعل الأمر يدور بين الحق و الباطل. وينتج عن هذه الخاصية حسب المقرئ أبو زيد غياب منهج التركيب والتنسيب، وعدم مراعاة التعقيد والتشابك والتداخل الذي توجد عليه القضايا المعروضة مما يؤدي بالضرورة إلى إلغاء الاختلاف والاجتهاد، بل تعطيل فعالية العقل لأن الأمر في منطق الغلاة بسيط له أجوبته الحاسمة والجاهزة والجازمة.
ويعتبر المقرئ أبو زيد أن أخطر مظاهر خاصية التبسيطية المخلة هو العجزُ عن التمييز بين النص الإلهي ومفهُومِ البشرية النسبية، وإلغاء كل الاعتبارات المنهجية والأصولية والمقاصدية والاستيعابية للنص. والذي يتسبب حسب المقرئ الإدريسي أبو زيد في إنتاج ظاهرة الاحتكار المطلق للحقيقة وتكفير المخالف وتبني استنتاجات غريبة ومواقف متشنجة سرعان ما قد تجد طريقها إلى العنف الدموي.
وقد استند المؤلف إلى بعض مظاهر حضور خاصية التبسيطية المخلة في مجال الأخلاق، واستند إلى ملاحظات الشيخ عبد الحليم أبو شقة الدقيقة بخصوص الطابع المركب للأخلاق وعدم وعي الغلاة به، وما ينتج عن ذلك من تركيزهم فقط على الانحراف الخلقي التقليدي، وإهمال الانحراف الخلقي الفكري مع أنه الأخطر واستدل بجملة من الأحاديث التي تبين أولوية النكير على الانحراف الخلقي الفكري على الانحراف الخلقي التقليدي وخلص إلى أن ظاهرة الغلو والتطرف في مجال الأخلاق هي نتاج الفهم التبسيطي الذي لا يدرك طبيعة الأخلاق، والأبعاد الفكرية والخلقية فيها.
في مقاربة محددات الغلو وأسبابه
يرى المؤلف أن المعضلة المركزية لظاهرة الغلو تتصل أساسا بعدم إدراك طبيعة العلاقة القائمة بين العناصر المكونة للوجود، ذلك التصور الذي يرى أن العلاقة تقوم على أقدار محددة لا زيادة فيها ولا نقصان، ويرصد المقرئ الإدريسي في ظل هذا الإطار التصوري عددا من الأسباب الفرعية للغلو:
أ ''التعصب'' بما هو غلو في مقدار''الانتماء''.
ب وسواس''الفرقة الناجية'' بما هو غلو في ''وهم التميز''.
ج النصية الحرفية بما هي تغييب''للمقاصد''.
د غياب ''فقه مراتب الأعمال'' بما هو جهل ''بمنطق الأولويات''.
ه الخلط بين الحق والصواب: وذلك بسبب الجهل بحقيقة أن الحق واحد لكن الصواب متعدد، وقد يكون للحق الواحد أوجه عدة من الصواب.
و الجهل بأحكام الشرع وأصوله وقواعده ومقاصده.
ز الأيدي الخفية: تلك التي تستثمر وتدفع وتوجه، لتمزيق شمل الأمة وقتل بعضها على يد بعض.
ح غياب الرؤية الشمولية للنصوص والمعالجة المنهجية للأحكام: وذلك جمعا للنصوص ودرءا للتعارض، واستحضارا لنسقية القرآن ورؤيته ومنهجه
ط الميل النفسي الفكري المختل: وذلك بسبب ما يسميه مصطفى حجازي ''سيكولوجية الإنسان المقهور''، وهي مسؤولة عن جزء كبير من العنف والتمزق الدموي للمسلمين اليوم.
ي غياب فقه الموازنات:حيث تضخم الصغير وتقزم الكبير.
ك أسباب خاصة بكل بيئة على حدة:حيث يرى المقرئ أبو زيد أن لبعض تيارات الغلو، خصوصيات تتعلق ببيئات مخصوصة، وقد مثل في هذا الإطار إلى الأسباب الثمانية الخاصة للغلو التي رصدها الباحث عبد الحميد الأنصاري في بيئة الخليج مثلا وهي:
1 غلبة مفهوم التعصب على مفهوم المواطنة.
2 تشويه مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة.
3 تشويه مفهوم الجهاد.
4 التصور الطوباوي لنموذج الدولة الاسلامية
5 التصور التآمري للآخر.
6 التصور المشوه للحضارة الغربية.
7 التصور الماضوي الزاهر والمجيد
8 النظرة الدونية للمرأة
ولاحظ المقرئ أبو زيد أن بعض هذه الأسباب، مشترك مع كثير من بيئات الغلو، بفعل الانفتاح الإعلامي و اللوجستي المعاصر، مع فارق في الترتيب والتركيز.
الغلو الديني:نحو نموذج تفسيري جديد
يحاول المقرئ أبو زيد أن يقدم تفسيرا جديدا لظاهرة الغلو الديني التي يعرفها العالم الإسلامي، وذلك من خلال عدة مستويات:
المستوى الثقافي: حيث يرى أن سبب عدم فهم الكثير من المسلمين للموقف الإسلامي الأصيل من الغلو والتطرف والعنف، يعود للأسباب الآتية:
1 سوء فهم مناطات استعمال القوة في القرآن الكريم، فهذه السياقات كلها طوارئ وليست هي الأصل، ولكن بعض الفقهاء المسلمين أخذوا هذه الطوارئ فيما سمي باب الجهاد وأصبحت كأنها الأصل والقاعدة، وبدؤوا بهذه العقلية التي اكتسبوها بالانتماء إلى موقف القوة يكيفون قراءتهم للنصوص يتوسعون ويضعون أصولا وفروعا بشكل ينسجم مع هذه العقلية الحاكمة. والتي تريد أن تجعل للقوة موقعا أصيلا في اختيار الإسلام.
2 نزع النصوص من سياقها، بحيث إن من المسلمين من يعتمد، في نزوعه إلى الغلو المفضي إلى العنف، على جملة من الأقوال والنصوص التي انبثقت لحظة القتال، والتي تحض على مواجهة العدو واستعمال القوة، غير أن هذه النصوص قد تكون من باب الخطاب الذي يلقيه القائد العسكري لحظة الدعوة إلى المواجهة، فيتم تحويلها إلى قاعدة كلية للتعامل مع الآخر.
3 خلط مرحلة الدعوة بمرحلة الدولة، فالدولة الإسلامية المدنية كانت تحكم انطلاقا من شرعية الأغلبية وبالشورى وتعتمد السلطة كضرورة بما يقتضيه ذلك من وضع أنظمة زجرية لإلزام الأفراد بالانتظام والخضوع للإجراءات الإدارية والمالية والقانونية. وهي تستمد هذه السلطة من شرعيتها السياسية واختيار الشعب لها، وهو أمر لا علاقة له بالدين الذي يرتبط بالاقتناع ، ويرى المقرئ أنه في هذا الأمر اختلط على الغلاة صلاحيات الدولة كدولة، بعموم ما يكلف به الداعية والمسلم من نشر الرسالة، وتحول الأصل إلى فرع، والنتيجة إلى السبب، والمرحلة اللاحقة إلى المرحلة الأصلية والسابقة.
4 الخلط بين الوعيد الإلهي والمعاملة البشرية. فكثير من دعاة العنف عند المسلمين يستدلون بآيات الوعيد في القرآن الكريم، غافلين عن أن الله عز وجل عندما يتكلم عن العذاب الأليم وعن مآل الكفار والمنافقين، وعندما يوعد وينذر، فإن هذه السلطة خاصة به، وهي مؤجلة إلى يوم القيامة، وقد أمسك يده عن الناس في الدنيا، واستخلفهم وأعطاهم الحرية وأعطاهم فرصة للعمل، وهو بذاته لا يتدخل في ذلك.
5 خلط الحق بالصواب، الأمر الذي يؤدي إلى رفض سنة الاختلاف، والنزوع إلى الإقصاء والعنف.
أما على المستوى النفسي: فيستعين المقرئ أبو زيد بالتفسير الذي قدمه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه ''سيكولوجية الإنسان المقهور''، ويرى أن الإنسان الذي يعيش رد فعل عنيف على خصمه، يقوم بتبني منهجه. إذ عادة ما ينتهي القوي القاهر إلى أن يغلب المقهور مرتين: مرة بأن يجرده من أسباب القوة، ومرة بأن يجعله يتشرب ويتبنى مبادئه.
ويورد المقرئ أبو زيد عددا من الاستثناءات التي حدثت في التاريخ مما يؤكد قدرة المقهور على عدم الانجرار إلى ردود الفعل وتبني مبادئ الغالب، لكنه يعتبر هذه النماذج مجرد استثناءات، وأن سيكولوجية القهر عند الإنسان تولد في الغالب الإيمان بالقوة، والتنظير للعنف بل والعشق له، مواجهةً للقوة والقهر بالقوة والقهر.
أما على المستوى الذهني: فيرى المقرئ أبو زيد أن ظاهرة الغلو لا يمكن فصلها عن الآثار التي تحدثها ''الحالة الإعلامية'' التي يقودها الغرب ويضخمها حيث يضع كل ظاهرة لها صلة بالعنف تحت المجهر الإعلامي الغربي، ويحاول تعميمها على كل المسلمين ويقزم في المقابل حالة العنف التي قد تمارس لدى المسيحيين، كما بالنسبة للإيتا، أو للمنظمات المسلحة الإرلندية، أو كثير من الحركات التي تعتمد العنف وأحيانا الإرهاب في بلاد الغرب وعلى رأسهم الضرب ضد مسلمي البوسنة، وكذلك عدوان الصهاينة على المسلمين في فلسطين وغيرها. ويرى المقرئ أن الخلفية الثاوية وراء هذه الحالة الإعلامية هو ربط الإرهاب بالدين الإسلامي، وإبعاده عن الجنسيات والقوميات والمنظمات غير المسلمة.
وعلى المستوى المنهجي: يرى المقرئ أبو زيد أن حالة الغلو والتطرف ناتجة عن ما أسماه العقلية العسكرتارية''، التي تعمد إلى قراءة مجحفة للسيرة النبوية وتاريخ السلف الصالح، كما ولو كانت محطات المعارك هي كل ما تتضمنه السيرة النبوية حيث يتم اختزال بقية الأبعاد الأخرى الحضارية والإنسانية والعمرانية والهندسية والطبية والتشريعية والسلوكية والبيئية، في الفعل العسكري الخالص.
وحسب المقرئ، فهذه ''العقلية العسكرتارية'' هي التي جعلت بعض المسلمين يؤمنون بأن القوة العسكرية قرينة بالدولة الإسلامية، وأنها هي المُعَبِّر الأساس عنها، وأنها مطلوبة من جديد شرطاً لقيام هذه الدولة، ووسيلة وحيدة لإحياء أمجادها.
أما على المستوى السياسي: فيرى المقرئ أبو زيد أن الحالة السياسية للمسلمين اليوم تزكي الإيمان بمنطق العنف في التغيير، فواقع الاستبداد السياسي، والانقلابات العسكرية والمصنوعة في أغلبها من لدن المخابرات الغربية أصبحت واقعا ماديا تحول دون نجاح أي مشروع إصلاحي سلمي، وهو ما يعزز حسب المقرئ أبو زيد الشعور لدى القوى السياسية الراغبة في التغيير بأن القوة هي الحل، وأن الذي لا يملك القوة لا يمكنه أن يصل إلى شيء.
في حلقة قادمة: محاضن الغلو الغلو المسلح..من المواجهة إلى المراجعة في تصور الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.