"مندوبية التخطيط": تسجيل تضخم محدود خلال شهر أكتوبر في المغرب    مأساة "رضيع الترامواي" تكشف عن إهمال طبي وخصاص حاد في أطباء النساء والتوليد بسلا    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    أهلية الترشح لمجلس النواب وتوسيع حالات التنافي وتمويل الأحزاب في صلب المناقشة التفصيلية لمشاريع قوانين المنظومة الانتخابية    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    سفير عمان يثمن تمسك المغرب بالسلم    مهرجان الذاكرة المشتركة بالناظور يتوج أفلاما من المغرب وبولندا وأوروبا الغربية    توقيف "مولينكس" ونقله إلى طنجة للتحقيق في ملف مرتبط بمحتوى رقمي مثير للجدل    القافلة الجهوية تقديم آليات جديدة متاحة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع في الجهة    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    حوالي 756 ألف مستفيد من دعم مربي الماشية توصلوا بأزيد من 3 ملايير درهم    الحاجب يستقبل محطة جديدة لمعالجة المياه العادمة بجماعة أيت نعمان    إطلاق المنصة الوطنية لرصد وفيات الأمهات والمواليد الجدد لتعزيز الجودة والحكامة في المنظومة الصحية    بوريطة يتباحث بالرباط مع نظيره الغاني    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وتوقيف ستة من أفرادها    "الأحرار" يصادق على تصوره للحكم الذاتي تمهيداً لرفعه إلى الملك    بوريطة يستقبل رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية تنزانيا المتحدة    "الأحرار" يضع مقترحات الحكم الذاتي    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي.. إشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية    نبيل باها: "اللاعبون مستعدون لمواجهة البرازيل والفوز بالمباراة"    ملف إسكوبار الصحراء .. النيابة العامة تكشف اختلالات خطيرة في العقود الموثقة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    الكاف يتجاهل المدرب محمد وهبي    المغرب يترأس المجلس الدولي للزيتون    تحقيق إسباني يكشف استعمال النفوذ للحصول على صفقات في المغرب وخلفيات ذكر اسمي اعمارة ورباح    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    بايتاس: 756 ألف مربي ماشية استفادوا من دعم بقيمة 3,17 مليار درهم    الحكومة تقر "تنظيم مهنة العدول"    المغرب يحل ثالثا وفق مؤشر الأداء في مجال التغير المناخي (CCPI)        جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    السكتيوي يعلن الجمعة لائحة الرديف    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزكية النفس.. أهميتها ووسائلها
نشر في التجديد يوم 21 - 06 - 2012

إنَّ أهم ما ينبغي للناس أن يتعاهدوه: تزكية نفوسهم، ولا سيما في هذه الأزمان المتأخرة التي استحكمت فيها الشهوات، وارتطمت فيها أمواج الفتن والشبهات، والتي لم يسلم منها إلا من عصمه الله جل وعلا.
والحديث عن تزكية النفوس كما لا يخفى طويل الذيول؛ ولذلك فسأقتصر في كلامي عليه على ثلاث نقاط:
معنى تزكية النفس، ثم أهمية التزكية، وأخيراً وسائل تزكية النفس.
معنى التزكية
المراد بالتزكية في الشرع: تطهير النفوس وإصلاحها بالعلم النافع والعمل الصالح، وفعل المأمورات وترك المنهيات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن أمراض القلوب وشفائها: (والزكاة في اللغة: النماء والزيادة في الصلاح، يقال: زكا الشيء إذا نما في الصلاح، فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح، كما يحتاج البدن أن يربَّى بالأغذية المصلحة له، ولا بدّ مع ذلك من منع ما يضرّه، فلا ينمو البدن إلَّا بإعطائه ما ينفعه ومنع ما يضره، كذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره، وكذلك الزرع لا يزكو إلا بهذا). اه .
وقد ثبت في تفسير التزكية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه الطبراني في (المعجم الصغير) وغيره عن عبد الله بن معاوية الغاضِري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ ثلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فقد ذاق طعم الإيمان: من عَبَدَ الله عزَّ وجلَّ وحده لا إله إلَّا هو، وأعطى زكاة ماله طيِّبَةً بها نفسُهُ في كلِّ عام، وزكَّى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يَعْلَمَ أنَّ الله عزَّ وجلَّ معهُ حيثُ كان “ .
تزكية النفوس وأهميتها
لقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة ببيان أهمية تزكية النفوس، وما لها من مكانة عالية ومنزلة رفيعة، ولعل من أبرز تلك النصوص وأظهرها قوله تعالى في سورة الشمس: }وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{ الشمس/1.. }وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا{ الشمس/2.. }وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا{ الشمس/3.. }وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{ الشمس/4.. }وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا{ الشمس/5.. }وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا{ الشمس/6.. }وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{ الشمس/7.. }فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{ الشمس/8.. }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا{ الشمس/9.. }وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا{ الشمس/10.
فتأمل معي أيها القارئ الكريم في هذه الآيات البينات؛ تجد أن الله عز وجل قد أقسم فيها أحد عشر قسماً على أن صلاح العبد وفلاحه منوط بتزكية نفسه.
ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في موضع آخر من الكتاب: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى{ الأعلى/14.. }وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ الأعلى/15 .
كما أخبر الله جل وعلا بفوز من حقق هذه التزكية بالدرجات العلى، فقال سبحانه: }وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا{ طه/75.. }جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى{ طه/76 .
وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أنَّ مهمة الرسل كانت دعوة الناس إلى تزكية نفوسهم، قال تعالى لموسى في خطابه لفرعون: }فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى{ النازعات/18 .
وقال سبحانه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: }هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ{ الجمعة/2 .
وسائل تزكية النفس
قبل الخوض في تفاصيل وسائل التزكية، لا بدَّ من العلم أن تزكية النفوس لا سبيل إليها إلا عن طريق الشرع المطهر باتباع ما جاءت به الرسل عن رب العالمين جل وعلا.
وقد أشارت آية الجمعة السابقة إلى هذا المعنى في قوله تعالى: }هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ{ الجمعة/2.
قال ابن القيم: (فإن تزكية النفوس مُسَلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاَّهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليماً وبياناً وإرشاداً.. فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم، وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجئ بها الرسل؛ فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم، والله المستعان). اه. .
وتزكية النفوس تتحقق بأمور كثيرة، ومن أهمها ما يلي:
1 التوحيد:
وقد سماه الله تعالى زكاة في قوله: }وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ{ فصلت/6.. }الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{ فصلت/7، وهذا التفسير مأثور عن البحر ابن عباس رضي الله عنه حيث قال في قوله تعالى: }لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة{: لا يشهدون أن لا إله إلا الله.
قال ابن القيم رحمه الله: (قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم: هي التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان الذي به يزكو القلب، فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وذلك طهارته وإثبات إلهيته سبحانه، وهو أصل كل زكاة ونماء).. إلى أن قال: (فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح هو التوحيد). اه . كما سمى الله تعالى الشرك رجساً ووسمه بالنجاسة، قال تعالى: }فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور{ [الحج/30، وقال: }إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ{ التوبة/28.
فدلَّ مفهوم الآيتين على أن الطهارة والتزكية في التوحيد الخالص لله جل وعلا. ولذلك قال موسى لفرعون وهو يدعوه إلى التوحيد: }هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى{ النازعات/18.. }وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى{ النازعات/19.
2 الصلاة:
وهي من أعظم ما تزكو به النفوس؛ ولذلك قرن الله تعالى بينها وبين التزكية في قوله: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى{ الأعلى/14.. }وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ الأعلى/15 .
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم تطهير الصلاة للنفوس بتطهير الماء للأبدان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: “أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كلَّ يوم خمس مرَّاتٍ، هل يبقى من دَرَنِهِ شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فَذَلِكَ مَثل الصَّلَوَات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا“.
وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخمس كَمَثَلِ نَهرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مَرَّات“.
3 الصدقة:
قال تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ التوبة/103.
قال الشيخ السعدي: (وفيها أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها؛ لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها).. اه .
4 ترك المعاصي والمحرمات:
قال تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا{ الشمس/9، أي: زكى نفسه بفعل الطاعات، ثم قال: }وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا{ الشمس/10، أي: خسر من دساها بالفجور والمعاصي.
قال شيخ الإسلام: (فكذلك النفس والأعمال لا تزكو حتى يزال عنها ما يناقضها، ولا يكون الرجل متزكياً إلا مع ترك الشر، فإنه يدنس النفس ويدسيها).
وقال تلميذه ابن القيم: (والمقصود أن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة، قال تعالى: }وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ النور/21، ذكر ذلك سبحانه عقيب تحريم الزنا والقذف ونكاح الزانية، فدل على أن التزكي هو باجتناب ذلك).. اه .
5 محاسبة النفس:
قال ابن القيم: (فإن زكاة النفس وطهارتها موقوف على محاسبتها، فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلا بمحاسبتها..) إلى أن قال: (فبمحاسبتها يَطَّلِعُ على عيوبها ونقائصها؛ فيمكنه السعي في إصلاحها).. اه .
6 الدعاء:
على العبد أن يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع؛ ليصلح له نفسه ويزكيها؛ ولذلك كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: “اللَّهمَّ آتِ نفسي تقوَاهَا، وزَكِّهَا أنت خير من زكَّاها أنت ولِيُّها ومولاها“ .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.