بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع                مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    السكتيوي: المباراة أمام منتخب الكونغو الديمقراطية حاسمة    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    بالسجادة الحمراء .. ترامب يتيح لبوتين عودة لافتة إلى الساحة الدبلوماسية    شركة غوغل تطرح أداة جديدة لحجز رحلات منخفضة التكلفة بالذكاء الاصطناعي    لفتيت يقضي عطلته بمراكش    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    نادي برشلونة يمدد عقد مدافعه جول كوندي    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    أسعار النفط تسجل خسائر أسبوعية    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    طلبة الأقسام التحضيرية يلوحون بالاحتجاج رفضا لطريقة توزيع مقاعد مدارس المهندسين    "الغارديان": هل مهد الإعلام الألماني الطريق لقتل الصحفيين الفلسطينيين في غزة؟    فوز مثير لليفربول على بورنموث برباعية في مستهل المشوار بالدوري الإنجليزي    الواحدي يقود جينك للفوز بثنائية في الدوري البلجيكي    النصر يعلن ضم كومان من بايرن ميونخ حتى 2028    هيئة: 105 مظاهرة في 58 مدينة مغربية نصرة لغزة واستنكارا لاستهداف الصحفيين الفلسطينيين    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    صيادلة المغرب يعلنون التصعيد ضد الحكومة    تسويق 6.14 مليار درهم من منتجات الصيد البحري إلى غاية نهاية يوليوز المنصرم    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    بولمان.. اكتشاف ثلاث أسنان متحجرة لديناصورات عملاقة تعود إلى حقبة الباثونيان    مأساة وادي الحراش في الجزائر... دماء الأبرياء تكشف كلفة سياسات عبثية    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    زيلينسكي يلتقي ترامب في واشنطن    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارية - ''من التراث إلى الثورة''
نشر في أزيلال أون لاين يوم 17 - 09 - 2010


الجزء الأول.
معذرة من العلامة الكبير،
أستاذي..وأعتز..
بقبلة على الجبين و الكتف..
أعتذر منكم على سلفة العنوان..
لكنني حالا سأرد السلفة،
حالا ولن أتأخر.. لأن العنوان، يا سيدي، وأستاذي . .هو الذي جاء بي إلى هنا، حيث ذاكرتي ومكتبي وأوراقي، ودفاتري .. وأقلامي . .ومذياعي وكتبي .. وصوري بالأبيض والأسود،وبالالوان وأشيائي الصغيرة،..
عبد ربه يحب السلفة كثيرا ويعشقها لما تكون سلفة فكر وعلم ورؤى..وإستماع..وصحبة..وحب..
أو ليست الروح أجمل سلفة الخالق القهار للكون..
أما سلفة درهم،أكثر ما أكره....
''عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر..
قلوب طايشة مليانة بالغدر..''
أول مرة أسمع هذا العنوان،''من التراث إلى الثورة''.. في مدرج كلية الحقوف.. وقلمي يلاحق محاضرة أستاذ مادة ''العلوم السياسية''،حتى ورد في سياق إرتجاله استشهاد ''وكما جاء في كتاب ''من التراث إلى الثورة''..دون أن يشير الأستاذ المحاضر إلى صاحبه..بسرعة سطرت على عنوان الكتاب ..ولما أنهى المحاضر محاضرته وبدأ يتفحص الأسئلة التي يمررها له الطلبة مكتوبة على ورقات صغيرة ..وما لحقت القيام بهذه العملية..فوقفت من بين الطلبة أعتذر من الأستاذ بسؤال شفوي..
-''من فضلكم يا أستاذ،ومعذرة لم ألحق مكاتبتكم بسؤالي ..من هو صاحب كتاب ''من التراث إلى الثورة..''لم يرد في إستشهادكم وشكرا..
فرد الأستاذ المحاضر..
-''ما إسمك يا بني..
رديت عليه في الحال،فهم بتدوينه وهو يردد إسمي، أجابني..
-''طيب،يا أستاذ،.. إسمه الطيب تيزيني..ويحصلنا الشرف لو تحضر لنا محاضرة عن هذا الكتاب الأسبوع المقبل..''صمت قليلا وأضاف..حتى نستفيد جميعا منك..وإن شاء الله ننفاش أسئلة زملائك المطروحة هنا –رافعا يده- كتابة،..السلام عليكم..''
''شمران حمادي''، يا من لا يعرفه في كلية الحقوف،جامعة محمد الخامس الرباط..أواسط السبعينات .
حوالي الستين في عمره,
بقامة عريضة وشنب أبيض،ونظارته بزجاج رمادي داكن وبإيطار كلاسيكي،
عراقي الأصل..
يملي دروسه بالإرتجال، وبلغة عربية تقول للفصاحة والسلاسة والنكتة لا تعرفون شيئا..لا يطبع محاضراته..ولا يبيع ويشتري في مطبوعاتها كما كان بعض السادة الأساتذة المحاضرين يفعلون الله يسامحم من المشرق والمغرب..مصيبتنا مصيبة واحدة من المحيط إلى الخليج وعيوبنا في سلة واحدة فنحن الوحدة العربية في المصائب والمثالب..والهزيمة والإشتراكية الديمومة على كرسي الحكم الديمومي..
ثم وقف من مكتبه يهم بجمع محفظته،وطرت راجلا، من بين الطلبة يغادرون لألحق الأستاذ قبل أن يغادر المدرج،
إستأذنته،
-'' لو سمحتم يا أستاذ لدي طلب مساعدتكم..فقاطعني..
-'' أنت فت علي بكره المكتب التاسعة الصبح..ونشوف كيف نساعدك..''
سد فمي عن كل رد..حضرني جنيي ..
-''إشتريتها لنفسك..مالك يا صاحبي أخف من رزقك،لكن ''ماعليهش''لو شاورتني أقل لك خير ما تفعل..''
المحاضرة الأسبوع المقبل..وأنا أسمع بالكتاب لأول مرة وفي ثاني محاضرة في هذه المادة الشغوف بها جدا ''العلوم السياسية''،..ترى لماذا الأستاذ المحاضر جر بي الحبل هكذا..
سلمتها لله،وللموروث الشعبي يقول في هذه الحالة ''يصبح ويفتح''،يشرق وقل باسم الله يا فتاح ويا رزاق..
الساعة التاسعة،الصبح..
الأستاذ في المكتب.
وعبد ربه بالباب،..
أنتظر أن يشاور عليه بوصولي أحد بوابي مكاتب الأساتذة.. بعد أن سلمت للبواب ورقة صغيرة كتبت عليها بالحرف.
''صباح الخير أستاذي,معكم فلان بباب مكتبكم الموقر، سنة أولى علوم سياسية،في موعده،تقبلوا أحتراماتي..
والبواب يسمح لي بالدخول وجدت الأستاذ بكامل الإنشراح والبسط يناديني..
-''تفضل أيها الزعيم إجلس..''
الزعيم،وهكذا مرة واحدة وأول كلمة،أحسست بنفسي وقتها بارتفاع المعنويات،..
زعيم بلسان أستاذ دينصور في السياسة..-بمعناه في الإنقراض،لأن مثل هؤلاء الأساتذة إنقرضوا في ثلث قرن-ومن يدري ربما هذا اللقب يصلح لأترشح لإنتخابات ''الإتحاد الوطني لطلبة المغرب..'' ولما لا وبحملة إنتخابية بمساندة دولة من الخارج في شخص أستاذ عراقي،والطلبة العرب في أواسط السبعينات في الرباط وحدها كانوا يشكلون نسبة 85 بالمائة من مجموع الطلبة الأجانب و 25 بالمائة من مجموع المجموع..وهكذا سأفوز دون أدنى شك ولو بالشهرة على الأقل.. مع العلم أن مقر سكناي في ذلك الوقت كان زملائي يسمونه بالقنصلية..فجميع الطلبة الأجانب من محتلف الجنسيات العربية والإفريقية لابد وأن يكون أحدا منهم قد زار الشقة،وهذه ليست مزحة كانت الشقة التي أقيم فيها بمساعدة صديق عزيز بالرباط.. يأتي إليها الفلسطيني المصري والسوري والعراقي واللبناني..والسوداني والنيجيري والسينيغالي..قناصلة بلدانهم بالرباط في مقر بسيط بزنقة وادي سبو حي أكدال الرباط - بدون أوراق إعتماد بدون تنصيب رسمي..ورواد أخرون
-''إحتراماتي أستاذي،لدي الشرف الكبير..وأفتخر كثيرا بهذا اللقب سأضيفه إلى إسمي..''
إبتسم في وجهي جيدا بل دنا برأسه مني..واضعا مرفقية قوق المكتب
-''وتضيفه إلى إسمك؟ تلزمك يا يني إجراءات ومساطر.. وقد تلحقك منه الشبهات..
ثم رديت وليس بالساهل أن يسميني هذا الأستاذ الجليل بالزعيم وأسكت..
لا.. عبد ربه دائما في مثل هذه الساعة السعيدة لا يسكت.. و يكتب..ويكتب.
وهو لا يكتب،يكتب..
ولا يسكت..
ولا تسكتوا السكوت المهين،
ولا تخرصوا
إنه عابر سبيل متمرس في العبور يفهم برمشة عين رسائل الزوار المشفرة..والمارين من هنا.. وهناك..
-''ولما لا يا أستاذ سوف لن تكلفنا الإجراءات أي شيء.. ونحارب الشبهات،علموننا أنتم فقط كيف ونحن نقوم بالواجب..
لم يتردد الأستاذ بتواضع كبير وكبير جدا..تواضع ضخم بوزن الفيل وأضعاف الفيل وهو يعبر لي عن سروره رافعا ورقة الزيارة الصفيرة التي كتبتها للبواب قبل الدخول قائلا..
-''تعرف يا بني أنا عنوة في المحاضرة لم أذكر صاحب الكتاب،لأختبركم فيما إذا كنتم تستمعون وتتتبعون دروسي..وقد فاجأتني بسؤالك و بإضافتك للسؤال أن أشرت علي بإغفال ذكره..ولم تلحق مراسلتي..جميل.. فأنا يا إبني لم أعفل،صاحب الكتاب.. بل أنتظر واحدا منكم يسأل عنه..ريحت ضميري..
تم جر دولاب المكتب ليخرج منه كتاب من ''الثراث إلى الثورة،بارز العنوان بالحجم المتوسط ..أول نظرة تحسبه في 400 صفحة يمده لي
-''تفضل يا بني هذا الكتاب خذه قد لا تجده الان عندكم في السوق..لا أظن..''.
مسكته -الكتاب- واقفا بيدي الإثنين شاكرا الأستاذ جزيل الشكر. وأول ما لمحت على ظهره في الأسفل ..وانا أعود للجلوس -بيروت 1976- وساعته وتاريخه لله بمكتب الأسٍتاذ المحاضر التاسعة والنصف صباحا من يوم من أيام نونبر 1976..ثم قلبت الكتاب الكاتب أسفل العنوان البروفيسور الطيب تيزيني..ثم توجهت للأستاذ..
-''والمحاضرة يا أستاذي أشتغل فيها كيف يعني احضرها بخصوص الموضوع..؟ ألخص الكتاب أم ماذا..
فكر قليلا ثم رد:
-''أنت المحاضرة القادمة تعطينا فقط نبذة عن حياة الكاتب والظروف العامة لسيرته، بخطوط عريضة..وتقدم ملخصا موجزا عن الكتاب وهذه نسخة لبحث أنجزه أحد الأساتذة المحترمين في بلادكم..ستجد إسمه بالداخل..إنها محاضرة ألقاها بمناسبة ندوة كنا نحن الأساتذه في الحقوق نحضر لإنعقادها في موضوع السياسة والثراث العربي الإسلامي لكن لم يقدر لها ان تنظم..فيما بعد ربما..''
بماذا سيشعر طالبا في هذا الموقف عمره 21 سنة..وهذه عصارة الشهادة فيه
لبيب،ويجتهد..وطموحه كبير جدا..ومتحمس لكي يذهب بنفسه بعيدا مهما كلف الثمن وبرصيد لابأس به مما حصلت عليه في الثانوي خاصة تنويه رجالات الثانوية..ورجال البلاد من الجار الأول و القريب مرورا بالسابع و حد أخر نقطة بالمنطقة..وهأنذا أعادرها.منطقتي، إلى العاصمة محلقا ككروان حط هنا منذ شهرين يؤثث عشه،..وكروانة مرة مرة تحلق بالمكان،لازلت لم ''أنده'' عليها،نشوف حالها وهل هي من هنا أم هي الاخرة مهاجرة مثلي مثلها..لكن المناسبة أكيدة قريبا لأنها بدأت تترد على المكان كثيرا..
أحسست وقتها كما وقته الان بقشعريرة زادت من نار تشتعل بداخلي،وكأن الأستاذ المحاضر مدني في لحظتها بدراعين من الحطب ، يخاطبني خطابا أخر:
-'' خذ يا بني هذا الحطب زادا لنارك إذا شعرت بها تبرد أضف إليها الحطب ولما تحتاج للمزيد تعالى اطرق باب مكتبي أزودك بدراعين وأدرع لا تنتهي وبما لم تكن ''عليه معول..'' في إنتظاره..من الحطب
هل لا زال مثل هؤلاء الأساتذه يجوبون أطراف الكليات والمعاهد العليا..بمثل ما كان هؤلاء السادة الأجلاء نهاية الستينات والسبعينات..هؤلاء الذين رفعوا بحق وحقيقي الأقلام وكأنهم يرفعون السيوف..يكتبون كما لو أنهم يحاربون في ساحة الوغى...وكم منهم سقطوا ضحايا إغتيالات وتعذيب بما يفوق السادية بسيع سموات فسقطوا وهدرت دماءهم هدرا وظلما ..شهداء عند ربهم..لأنهم وهم يكتبون يضربون بالسيف الجهل والتخلف والرجعية والتزمتية.. يجاهدون في سبيل الله وفي سبيل الكلمة..ومنهم من رموا بأقلامهم واستسلموا ..باعوا ما تبقى من عمرهم رخيصا..باعوه راكعين..أسفل سافلين..
الجلوس في الصالونات المؤجرة بأفخم الفنادق..ترى أحدهم في اخر الليل حالته حالة بالفندق..مفكر باحث سكران لحد الثمالة..ويقولون لك في الصباح فلان غادر من هنا الأمسية الفكرية لا يعرف رأسه من رجليه..
الله يرحمك يا محمود درويش وكيف كانت أمسياتك شهادة للروح وهي تبكي..وبلاغها عندما تضحك ،ونشيدها عندما تحمل الروح البندقية..ا
أما الأن فقد وقع للعديد من شعراء الصالونات ما وقع لبوريس هلتسين رئيس روسيا القيصيرية الأن أما الإشتراكية فقط نحن العرب من نهلل بها..وهو يقوم بزيارة رسمية لإحدى دول المعسكر الشرقي ، لما حطت الطائرة بالمطار لم ينزل بوريس من الطائرة ورئيس الدولة المضيفة واقف عند درجها المتنقل ينتظر..
يتظر بوريس هلستين متى ينزل ولم ينزل.. وسرعان ما عادت طائرة الرئيس الروسي تحلق في السماء عائدة إلى روسيا من دون أن ينزل الرئيس أرض الدولة المضيفة..وأقامت أمريكا الدنيا وأقعدتها عن هذه المفاجأة لعدم تنفيذ الرئيس لزيارته الرسمبة وقد وصلت به الطائرة ولم ينزل وما فتئت أن إطمأنت بسرعة للخبر وبلغت العالم بأن الرئيس لم ينزل لأنه كان شبغان فودكا..وكثير منهم شعراء الصالونات لم يقفوا بمنبر الأمسية وتغيبوا عن دورهم لأداء القصيدة المبرمجة لهم.. لأن الخمر لعبت بمزاجهم نائمين في غرفة الفندق..
سكروا واقفين..
وليس ماتوا واقفين كم أنشد محمود درويش في حق الرجال المترجلين..أما الرجال المتصبينين فقد ملؤوا الدنيا متخفين ومقنعين بقناع الثقافة العالية والبانطلون ''فان جيلس'' كمن يخفي تسوس أسنانه بالسواك..أو كمن يكون في موقف الشبكة تعاير الغربال يا أبا العيون الكبار..أو كالعريان عندما يسأل ماذا يحتاج يرد عليه خاتم يا مولاي.
والعلامة الأستاذ السوري الشامي ''الطيب تيزيني''..من بين الفرسان الذين شمروا على علمهم وشغلوا عقلهم لإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي بمنظور جديد وبفلسفة جديدة..لإعادة الإعتبار لهذا التراث الذي يقول الطيب تيزيني بشأنه
''إن المفكرين والمؤرخين والمثقفين العرب عموما قد عاملوه –أي الثرات العربي الإسلامي طوال سبعة قرون كما تعامل زوجة الأب الغيورة ربائبها..''
أو كما يقول أستاذي شكري البكري ''في ظل أزمة القراءة؛ وأزمة الوقت، وأزمات الحداثة... لا أحد منا يستشعر لذة في القراءة، أو الاختلاء، أو العودة إلى مكامن تراثٍ لا نذكر منه إلا أنه زمهرير، وضيغم، وهيجاءٌ، وسابغةٌ بمعنى أننا لا نذكر من تراثنا العربي إلا أنه مستعصي الأبواب منغلق النوافذ''
وإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي سواء الثراث الفكري أم الأدبي من قواعد ثورية،ليست سوى إعادة الإعتبار لهذا التراث والتي قادها إلى جانب الطيب تيزيني ،السوري جلال العظم والمغربيين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري..
هؤلاء السادة الأساتذه كانت لديهم في أواسط السبعينات من القرن الماضي مشاريع منفردة بخلفيات ومناهج مختلفة..وبفلسفة تقدمية لإعادة فجص هذا الثرات وتدقيقه ''وبعث عنقائه من رمادها..''
وقد مهد الطريق لهذا الرباعي، الطيب تيزني وجلال العظم وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري المفكر السوري حسين مروة المبدع في الفكر والأدب والتراث..صاحب كتاب ''النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية'' والذي كان الأول الذي رن ناقوس إعادة قراءة هذا الثرات الدفين بمنظور تقدمي..
ترن،ترن..
حان الوقت للتراث أن يشهر السيف ويدخل بدوره ساحةالقتال وحيا على الجهاد ،..حيا على الكفاح فقد أضنتنا الخطب من وراء المنابر ..
لكن نظراته التقدمية، الشهيد حسين مروة لم تكن في متناول إدراكنا فقتلناه في بيته في بيروت عام 1987 لتنطفأ بذلك إحدى منارات الفكر العربي في القرن العشرين ولكي يظل دمه معلقا بين المقاومة اللبنانية وحزب الله..وورواد الإسلام المتشدد وقد قال فيهم نصر حامد أبو زيد الذي أحل التيار الديني المتزمت بدوره دمه..
\\\"ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا\\\"..
وفي تأبين المفكر المصري محمود أمين للمناضل الفيلسوف حسين مروة قال:
''كان إمتدادا مبدعا لما سبقه من إبداعات في الدراسات الثراتية وأعاد بناء رؤيتنا للتراث الفلسفي مبرزا ماضيه من كنوز الفكر المادي الموضوعي الذي طالما غيب ومازال يغيب عن أغلب من يكتبون عن هذا التراث.. فضلا عن كشفه عن حقائق الصراع الطبقي في قلب هذاالرصيد الفكري والديني والادبي عامة بغير جمود منهجي أو إيدولوجي..
فعلى نهج حسين مروة سار العلامة تيزيني..الذي وضع عام 1976 مقدمة نظرية منهجية لقضية التراث العربي الإسلامي ضمنها كتاب ''من التراث إلى الثورة'' يدور حول نظرية مفترحة لهذا الجانب كمشروع رؤية جديدة للفكر العربي من العصر الجاهلي إلى المرحلة المعاصرة..
وسأحاول في هذه الحوارية القيام بقراءة ثانية لهذا الكتاب..والأخذ بعين الإعتبار مؤلف ''من الثرات إلى النهضة'' لنفس البروفيسور بإعتباره إمتدادا لكتاب ''من الثرات إلى الثورة على ضوء مخاضرات ونصوص مختلفة وإعتمادا على عون أساتذة في الظل..حتى أرد سلفة العنوان إلى صاحبها كما وعدته قبل قليل..
ومن عنده رأي أو توسيع النقاش فمرحبا به بروح رياضية وفكرية وعلمية ..
وكما أنشدت السيدة فيروز..
إللي عندو حكاية يحكيها..
واللي عندو أغنية يغنيها..
وأضيف إليها
والكلمة بجوارحها..
المصطفى الكرمي.
إعتمادا على الأسباذ شكري البكري.
''حدائق التراث العربي''
12 سبتمبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.