نقابة تنتقد أوضاع متصرفين تربويين    أفاية يفصل في محددات المسؤولية وتحولات النقاش العمومي بالمغرب    الهلال يجدد عقد بونو حتى 2028    كرة القدم المغربية .. من شغف الملاعب إلى قوة ناعمة واقتصاد مزدهر    طنجة.. توقيف أزيد من 20 مرشحًا للهجرة غير النظامية بمحطة القطار    أمن طنجة يوقف ثلاثة قاصرين بعد تداول فيديو يوثق تراشقًا بالحجارة قرب مدرسة    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    ادحلي تستقبل الوزير المستشار بالسفارة الصينية لبحث سبل تعزيز التعاون البرلماني بين المغرب والصين    المغرب يستعد لإطلاق رحلات جوية مباشرة بين الدار البيضاء وسانت بطرسبورغ    بني كرفط.. الدرك الملكي يحجز طناً و400 كيلوغرام من "الكيف" الخام بإقليم العرائش    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارية - ''من التراث إلى الثورة''
نشر في أزيلال أون لاين يوم 17 - 09 - 2010


الجزء الأول.
معذرة من العلامة الكبير،
أستاذي..وأعتز..
بقبلة على الجبين و الكتف..
أعتذر منكم على سلفة العنوان..
لكنني حالا سأرد السلفة،
حالا ولن أتأخر.. لأن العنوان، يا سيدي، وأستاذي . .هو الذي جاء بي إلى هنا، حيث ذاكرتي ومكتبي وأوراقي، ودفاتري .. وأقلامي . .ومذياعي وكتبي .. وصوري بالأبيض والأسود،وبالالوان وأشيائي الصغيرة،..
عبد ربه يحب السلفة كثيرا ويعشقها لما تكون سلفة فكر وعلم ورؤى..وإستماع..وصحبة..وحب..
أو ليست الروح أجمل سلفة الخالق القهار للكون..
أما سلفة درهم،أكثر ما أكره....
''عبيد الصنك المعبود يا قلوب الحجر..
قلوب طايشة مليانة بالغدر..''
أول مرة أسمع هذا العنوان،''من التراث إلى الثورة''.. في مدرج كلية الحقوف.. وقلمي يلاحق محاضرة أستاذ مادة ''العلوم السياسية''،حتى ورد في سياق إرتجاله استشهاد ''وكما جاء في كتاب ''من التراث إلى الثورة''..دون أن يشير الأستاذ المحاضر إلى صاحبه..بسرعة سطرت على عنوان الكتاب ..ولما أنهى المحاضر محاضرته وبدأ يتفحص الأسئلة التي يمررها له الطلبة مكتوبة على ورقات صغيرة ..وما لحقت القيام بهذه العملية..فوقفت من بين الطلبة أعتذر من الأستاذ بسؤال شفوي..
-''من فضلكم يا أستاذ،ومعذرة لم ألحق مكاتبتكم بسؤالي ..من هو صاحب كتاب ''من التراث إلى الثورة..''لم يرد في إستشهادكم وشكرا..
فرد الأستاذ المحاضر..
-''ما إسمك يا بني..
رديت عليه في الحال،فهم بتدوينه وهو يردد إسمي، أجابني..
-''طيب،يا أستاذ،.. إسمه الطيب تيزيني..ويحصلنا الشرف لو تحضر لنا محاضرة عن هذا الكتاب الأسبوع المقبل..''صمت قليلا وأضاف..حتى نستفيد جميعا منك..وإن شاء الله ننفاش أسئلة زملائك المطروحة هنا –رافعا يده- كتابة،..السلام عليكم..''
''شمران حمادي''، يا من لا يعرفه في كلية الحقوف،جامعة محمد الخامس الرباط..أواسط السبعينات .
حوالي الستين في عمره,
بقامة عريضة وشنب أبيض،ونظارته بزجاج رمادي داكن وبإيطار كلاسيكي،
عراقي الأصل..
يملي دروسه بالإرتجال، وبلغة عربية تقول للفصاحة والسلاسة والنكتة لا تعرفون شيئا..لا يطبع محاضراته..ولا يبيع ويشتري في مطبوعاتها كما كان بعض السادة الأساتذة المحاضرين يفعلون الله يسامحم من المشرق والمغرب..مصيبتنا مصيبة واحدة من المحيط إلى الخليج وعيوبنا في سلة واحدة فنحن الوحدة العربية في المصائب والمثالب..والهزيمة والإشتراكية الديمومة على كرسي الحكم الديمومي..
ثم وقف من مكتبه يهم بجمع محفظته،وطرت راجلا، من بين الطلبة يغادرون لألحق الأستاذ قبل أن يغادر المدرج،
إستأذنته،
-'' لو سمحتم يا أستاذ لدي طلب مساعدتكم..فقاطعني..
-'' أنت فت علي بكره المكتب التاسعة الصبح..ونشوف كيف نساعدك..''
سد فمي عن كل رد..حضرني جنيي ..
-''إشتريتها لنفسك..مالك يا صاحبي أخف من رزقك،لكن ''ماعليهش''لو شاورتني أقل لك خير ما تفعل..''
المحاضرة الأسبوع المقبل..وأنا أسمع بالكتاب لأول مرة وفي ثاني محاضرة في هذه المادة الشغوف بها جدا ''العلوم السياسية''،..ترى لماذا الأستاذ المحاضر جر بي الحبل هكذا..
سلمتها لله،وللموروث الشعبي يقول في هذه الحالة ''يصبح ويفتح''،يشرق وقل باسم الله يا فتاح ويا رزاق..
الساعة التاسعة،الصبح..
الأستاذ في المكتب.
وعبد ربه بالباب،..
أنتظر أن يشاور عليه بوصولي أحد بوابي مكاتب الأساتذة.. بعد أن سلمت للبواب ورقة صغيرة كتبت عليها بالحرف.
''صباح الخير أستاذي,معكم فلان بباب مكتبكم الموقر، سنة أولى علوم سياسية،في موعده،تقبلوا أحتراماتي..
والبواب يسمح لي بالدخول وجدت الأستاذ بكامل الإنشراح والبسط يناديني..
-''تفضل أيها الزعيم إجلس..''
الزعيم،وهكذا مرة واحدة وأول كلمة،أحسست بنفسي وقتها بارتفاع المعنويات،..
زعيم بلسان أستاذ دينصور في السياسة..-بمعناه في الإنقراض،لأن مثل هؤلاء الأساتذة إنقرضوا في ثلث قرن-ومن يدري ربما هذا اللقب يصلح لأترشح لإنتخابات ''الإتحاد الوطني لطلبة المغرب..'' ولما لا وبحملة إنتخابية بمساندة دولة من الخارج في شخص أستاذ عراقي،والطلبة العرب في أواسط السبعينات في الرباط وحدها كانوا يشكلون نسبة 85 بالمائة من مجموع الطلبة الأجانب و 25 بالمائة من مجموع المجموع..وهكذا سأفوز دون أدنى شك ولو بالشهرة على الأقل.. مع العلم أن مقر سكناي في ذلك الوقت كان زملائي يسمونه بالقنصلية..فجميع الطلبة الأجانب من محتلف الجنسيات العربية والإفريقية لابد وأن يكون أحدا منهم قد زار الشقة،وهذه ليست مزحة كانت الشقة التي أقيم فيها بمساعدة صديق عزيز بالرباط.. يأتي إليها الفلسطيني المصري والسوري والعراقي واللبناني..والسوداني والنيجيري والسينيغالي..قناصلة بلدانهم بالرباط في مقر بسيط بزنقة وادي سبو حي أكدال الرباط - بدون أوراق إعتماد بدون تنصيب رسمي..ورواد أخرون
-''إحتراماتي أستاذي،لدي الشرف الكبير..وأفتخر كثيرا بهذا اللقب سأضيفه إلى إسمي..''
إبتسم في وجهي جيدا بل دنا برأسه مني..واضعا مرفقية قوق المكتب
-''وتضيفه إلى إسمك؟ تلزمك يا يني إجراءات ومساطر.. وقد تلحقك منه الشبهات..
ثم رديت وليس بالساهل أن يسميني هذا الأستاذ الجليل بالزعيم وأسكت..
لا.. عبد ربه دائما في مثل هذه الساعة السعيدة لا يسكت.. و يكتب..ويكتب.
وهو لا يكتب،يكتب..
ولا يسكت..
ولا تسكتوا السكوت المهين،
ولا تخرصوا
إنه عابر سبيل متمرس في العبور يفهم برمشة عين رسائل الزوار المشفرة..والمارين من هنا.. وهناك..
-''ولما لا يا أستاذ سوف لن تكلفنا الإجراءات أي شيء.. ونحارب الشبهات،علموننا أنتم فقط كيف ونحن نقوم بالواجب..
لم يتردد الأستاذ بتواضع كبير وكبير جدا..تواضع ضخم بوزن الفيل وأضعاف الفيل وهو يعبر لي عن سروره رافعا ورقة الزيارة الصفيرة التي كتبتها للبواب قبل الدخول قائلا..
-''تعرف يا بني أنا عنوة في المحاضرة لم أذكر صاحب الكتاب،لأختبركم فيما إذا كنتم تستمعون وتتتبعون دروسي..وقد فاجأتني بسؤالك و بإضافتك للسؤال أن أشرت علي بإغفال ذكره..ولم تلحق مراسلتي..جميل.. فأنا يا إبني لم أعفل،صاحب الكتاب.. بل أنتظر واحدا منكم يسأل عنه..ريحت ضميري..
تم جر دولاب المكتب ليخرج منه كتاب من ''الثراث إلى الثورة،بارز العنوان بالحجم المتوسط ..أول نظرة تحسبه في 400 صفحة يمده لي
-''تفضل يا بني هذا الكتاب خذه قد لا تجده الان عندكم في السوق..لا أظن..''.
مسكته -الكتاب- واقفا بيدي الإثنين شاكرا الأستاذ جزيل الشكر. وأول ما لمحت على ظهره في الأسفل ..وانا أعود للجلوس -بيروت 1976- وساعته وتاريخه لله بمكتب الأسٍتاذ المحاضر التاسعة والنصف صباحا من يوم من أيام نونبر 1976..ثم قلبت الكتاب الكاتب أسفل العنوان البروفيسور الطيب تيزيني..ثم توجهت للأستاذ..
-''والمحاضرة يا أستاذي أشتغل فيها كيف يعني احضرها بخصوص الموضوع..؟ ألخص الكتاب أم ماذا..
فكر قليلا ثم رد:
-''أنت المحاضرة القادمة تعطينا فقط نبذة عن حياة الكاتب والظروف العامة لسيرته، بخطوط عريضة..وتقدم ملخصا موجزا عن الكتاب وهذه نسخة لبحث أنجزه أحد الأساتذة المحترمين في بلادكم..ستجد إسمه بالداخل..إنها محاضرة ألقاها بمناسبة ندوة كنا نحن الأساتذه في الحقوق نحضر لإنعقادها في موضوع السياسة والثراث العربي الإسلامي لكن لم يقدر لها ان تنظم..فيما بعد ربما..''
بماذا سيشعر طالبا في هذا الموقف عمره 21 سنة..وهذه عصارة الشهادة فيه
لبيب،ويجتهد..وطموحه كبير جدا..ومتحمس لكي يذهب بنفسه بعيدا مهما كلف الثمن وبرصيد لابأس به مما حصلت عليه في الثانوي خاصة تنويه رجالات الثانوية..ورجال البلاد من الجار الأول و القريب مرورا بالسابع و حد أخر نقطة بالمنطقة..وهأنذا أعادرها.منطقتي، إلى العاصمة محلقا ككروان حط هنا منذ شهرين يؤثث عشه،..وكروانة مرة مرة تحلق بالمكان،لازلت لم ''أنده'' عليها،نشوف حالها وهل هي من هنا أم هي الاخرة مهاجرة مثلي مثلها..لكن المناسبة أكيدة قريبا لأنها بدأت تترد على المكان كثيرا..
أحسست وقتها كما وقته الان بقشعريرة زادت من نار تشتعل بداخلي،وكأن الأستاذ المحاضر مدني في لحظتها بدراعين من الحطب ، يخاطبني خطابا أخر:
-'' خذ يا بني هذا الحطب زادا لنارك إذا شعرت بها تبرد أضف إليها الحطب ولما تحتاج للمزيد تعالى اطرق باب مكتبي أزودك بدراعين وأدرع لا تنتهي وبما لم تكن ''عليه معول..'' في إنتظاره..من الحطب
هل لا زال مثل هؤلاء الأساتذه يجوبون أطراف الكليات والمعاهد العليا..بمثل ما كان هؤلاء السادة الأجلاء نهاية الستينات والسبعينات..هؤلاء الذين رفعوا بحق وحقيقي الأقلام وكأنهم يرفعون السيوف..يكتبون كما لو أنهم يحاربون في ساحة الوغى...وكم منهم سقطوا ضحايا إغتيالات وتعذيب بما يفوق السادية بسيع سموات فسقطوا وهدرت دماءهم هدرا وظلما ..شهداء عند ربهم..لأنهم وهم يكتبون يضربون بالسيف الجهل والتخلف والرجعية والتزمتية.. يجاهدون في سبيل الله وفي سبيل الكلمة..ومنهم من رموا بأقلامهم واستسلموا ..باعوا ما تبقى من عمرهم رخيصا..باعوه راكعين..أسفل سافلين..
الجلوس في الصالونات المؤجرة بأفخم الفنادق..ترى أحدهم في اخر الليل حالته حالة بالفندق..مفكر باحث سكران لحد الثمالة..ويقولون لك في الصباح فلان غادر من هنا الأمسية الفكرية لا يعرف رأسه من رجليه..
الله يرحمك يا محمود درويش وكيف كانت أمسياتك شهادة للروح وهي تبكي..وبلاغها عندما تضحك ،ونشيدها عندما تحمل الروح البندقية..ا
أما الأن فقد وقع للعديد من شعراء الصالونات ما وقع لبوريس هلتسين رئيس روسيا القيصيرية الأن أما الإشتراكية فقط نحن العرب من نهلل بها..وهو يقوم بزيارة رسمية لإحدى دول المعسكر الشرقي ، لما حطت الطائرة بالمطار لم ينزل بوريس من الطائرة ورئيس الدولة المضيفة واقف عند درجها المتنقل ينتظر..
يتظر بوريس هلستين متى ينزل ولم ينزل.. وسرعان ما عادت طائرة الرئيس الروسي تحلق في السماء عائدة إلى روسيا من دون أن ينزل الرئيس أرض الدولة المضيفة..وأقامت أمريكا الدنيا وأقعدتها عن هذه المفاجأة لعدم تنفيذ الرئيس لزيارته الرسمبة وقد وصلت به الطائرة ولم ينزل وما فتئت أن إطمأنت بسرعة للخبر وبلغت العالم بأن الرئيس لم ينزل لأنه كان شبغان فودكا..وكثير منهم شعراء الصالونات لم يقفوا بمنبر الأمسية وتغيبوا عن دورهم لأداء القصيدة المبرمجة لهم.. لأن الخمر لعبت بمزاجهم نائمين في غرفة الفندق..
سكروا واقفين..
وليس ماتوا واقفين كم أنشد محمود درويش في حق الرجال المترجلين..أما الرجال المتصبينين فقد ملؤوا الدنيا متخفين ومقنعين بقناع الثقافة العالية والبانطلون ''فان جيلس'' كمن يخفي تسوس أسنانه بالسواك..أو كمن يكون في موقف الشبكة تعاير الغربال يا أبا العيون الكبار..أو كالعريان عندما يسأل ماذا يحتاج يرد عليه خاتم يا مولاي.
والعلامة الأستاذ السوري الشامي ''الطيب تيزيني''..من بين الفرسان الذين شمروا على علمهم وشغلوا عقلهم لإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي بمنظور جديد وبفلسفة جديدة..لإعادة الإعتبار لهذا التراث الذي يقول الطيب تيزيني بشأنه
''إن المفكرين والمؤرخين والمثقفين العرب عموما قد عاملوه –أي الثرات العربي الإسلامي طوال سبعة قرون كما تعامل زوجة الأب الغيورة ربائبها..''
أو كما يقول أستاذي شكري البكري ''في ظل أزمة القراءة؛ وأزمة الوقت، وأزمات الحداثة... لا أحد منا يستشعر لذة في القراءة، أو الاختلاء، أو العودة إلى مكامن تراثٍ لا نذكر منه إلا أنه زمهرير، وضيغم، وهيجاءٌ، وسابغةٌ بمعنى أننا لا نذكر من تراثنا العربي إلا أنه مستعصي الأبواب منغلق النوافذ''
وإعادة قراءة الثراث العربي الإسلامي سواء الثراث الفكري أم الأدبي من قواعد ثورية،ليست سوى إعادة الإعتبار لهذا التراث والتي قادها إلى جانب الطيب تيزيني ،السوري جلال العظم والمغربيين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري..
هؤلاء السادة الأساتذه كانت لديهم في أواسط السبعينات من القرن الماضي مشاريع منفردة بخلفيات ومناهج مختلفة..وبفلسفة تقدمية لإعادة فجص هذا الثرات وتدقيقه ''وبعث عنقائه من رمادها..''
وقد مهد الطريق لهذا الرباعي، الطيب تيزني وجلال العظم وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري المفكر السوري حسين مروة المبدع في الفكر والأدب والتراث..صاحب كتاب ''النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية'' والذي كان الأول الذي رن ناقوس إعادة قراءة هذا الثرات الدفين بمنظور تقدمي..
ترن،ترن..
حان الوقت للتراث أن يشهر السيف ويدخل بدوره ساحةالقتال وحيا على الجهاد ،..حيا على الكفاح فقد أضنتنا الخطب من وراء المنابر ..
لكن نظراته التقدمية، الشهيد حسين مروة لم تكن في متناول إدراكنا فقتلناه في بيته في بيروت عام 1987 لتنطفأ بذلك إحدى منارات الفكر العربي في القرن العشرين ولكي يظل دمه معلقا بين المقاومة اللبنانية وحزب الله..وورواد الإسلام المتشدد وقد قال فيهم نصر حامد أبو زيد الذي أحل التيار الديني المتزمت بدوره دمه..
\\\"ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الأيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا\\\"..
وفي تأبين المفكر المصري محمود أمين للمناضل الفيلسوف حسين مروة قال:
''كان إمتدادا مبدعا لما سبقه من إبداعات في الدراسات الثراتية وأعاد بناء رؤيتنا للتراث الفلسفي مبرزا ماضيه من كنوز الفكر المادي الموضوعي الذي طالما غيب ومازال يغيب عن أغلب من يكتبون عن هذا التراث.. فضلا عن كشفه عن حقائق الصراع الطبقي في قلب هذاالرصيد الفكري والديني والادبي عامة بغير جمود منهجي أو إيدولوجي..
فعلى نهج حسين مروة سار العلامة تيزيني..الذي وضع عام 1976 مقدمة نظرية منهجية لقضية التراث العربي الإسلامي ضمنها كتاب ''من التراث إلى الثورة'' يدور حول نظرية مفترحة لهذا الجانب كمشروع رؤية جديدة للفكر العربي من العصر الجاهلي إلى المرحلة المعاصرة..
وسأحاول في هذه الحوارية القيام بقراءة ثانية لهذا الكتاب..والأخذ بعين الإعتبار مؤلف ''من الثرات إلى النهضة'' لنفس البروفيسور بإعتباره إمتدادا لكتاب ''من الثرات إلى الثورة على ضوء مخاضرات ونصوص مختلفة وإعتمادا على عون أساتذة في الظل..حتى أرد سلفة العنوان إلى صاحبها كما وعدته قبل قليل..
ومن عنده رأي أو توسيع النقاش فمرحبا به بروح رياضية وفكرية وعلمية ..
وكما أنشدت السيدة فيروز..
إللي عندو حكاية يحكيها..
واللي عندو أغنية يغنيها..
وأضيف إليها
والكلمة بجوارحها..
المصطفى الكرمي.
إعتمادا على الأسباذ شكري البكري.
''حدائق التراث العربي''
12 سبتمبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.